يبدو أن انضمام السويد وفنلندا للناتو قد بات من أهم القضايا، التي تكشف الكثير عن المعادلات والتحالفات الدولية الراهنة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فرغم كل الجهود الدبلوماسية السويدية والفنلندية، في سبيل إقناع تركيا بسحب اعتراضها على انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإرسال وفود رسمية منهما إلى أنقرة، إلا أن الحكومة التركية ما زالت مصرة على موقفها السلبي.

ومن الواضح أن أنقرة تريد تحصيل أكبر قدر من المكاسب والامتيازات، قبل أن تعطي الموافقة على انضمام السويد وفنلندا للناتو، سواء في سوريا، أو على صعيد ملفات أخرى تشغل بال الحكومة التركية، ومن أهمها العقوبات السويدية على توريد الأسلحة الدفاعية إليها.وأبلغت تركيا البلدين أنها لن توافق على انضمامهما إلى الناتو، إذا لم يتم تبديد مخاوفها الأمنية، بخطوات ملموسة وضمن جدول زمني معين.

وقال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن: “توقعاتنا هي أن تقوم الدولتان بخطوات ملموسة، بخصوص وقف الدعم للتنظيمات الإرهابية على أراضيهما، وعبر وسائل الإعلام. وقدمنا للوفدين وثائق وتقارير بهذا الخصوص، أعدتها مؤسساتنا المعنية”.

وتحاجج أنقرة بأن سبب اعتراضها على انضمام السويد وفنلندا للناتو هو استضافتهما أفرادا مرتبطين بحزب العمال الكردستاني، وأنصار فتح الله غولن، الذي تتهمه الحكومة التركية بالعداء لها.

في المقابل، يرجع محللون الموقف التركي إلى الاستجابة لضغط موسكو، وإلى ما يبدو اصطفافا غير مباشر من أنقرة إلى جانب روسيا بمواجهة الغرب، لا سيما وأن تركيا من الدول المعدودة التي لم تنضم إلى العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب تباعا على روسيا، منذ بدء غزوها لأوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي. ويستدلون على صحة قراءتهم بإعلان تركيا عزمها على شن عملية عسكرية جديدة في مناطق الشمال السوري، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بموافقة تبدو ضمنية من موسكو.

تركيا قد ترفع الفيتو عن انضمام السويد وفنلندا

ووسط ذلك يُطرح سؤال مهم : هل الفيتو التركي على انضمام السويد وفنلند للناتو يعني إغلاق المجال بشكل نهائي أمام هذه الخطوة؟د.باسل المعراوي، الكاتب والمحلل السياسي يرى أنه “لا يمكن لتركيا، الدولة الأساسية في حلف الناتو، اتخاذ قرارات من شأنها الخروج عن توجهات الحلف”.

ويوضح لـ”الحل نت” أن “انضمام السويد وفنلندا للحلف يتيح للأخير تطويق روسيا من الشمال، ويجعل من بحر البلطيق بحيرة للناتو، ويضيف لحدوده البرية مع روسيا نحو 1340 كيلومترا، هي طول الحدود الفنلندية مع روسيا، ويجهض أي ادعاء روسي بالانتصار في أوكرانيا”.

ويضيف أن “انضمام فنلندا والسويد، اللتان تعتبران من رموز الحياد العالمي، يشكل ضربة قوية للرئيس الروسي، وأهدافه التي خاض الغزو على أساسها، ما يعني أن الفيتو التركي ليس نهائيا، وسحبه مرتبط بالمكاسب التي ستحصل عليها أنقرة”.

ويتابع المعراوي: “يبدو أن مهمة تركيا، التي تنفذها بموافقة “الناتو” ضمنا، هي تأمين نافذة تنفس للروس. ولا أثمان ستدفعها تركية للدب الروسي المحاصر الجريح، فقد دفعت تركيا سابقا كثيرا للروس في سوريا وغيرها، وستحاول استعادة ما دفعته الآن أضعافا مضاعفة، ومنه تأمين غطاء روسي لحملتها المزمعة ضد قوات سوريا الديمقراطية”.

مقالات قد تهمك: الخارجية الأميركية توضح لـ”الحل نت” أسباب رفض واشنطن للتصعيد العسكري التركي بسوريا

الناتو يدعم الموقف التركي

ويشير المعراوي في هذا الإطار إلى دعم حلف الناتو للموقف التركي برفض انضمام السويد وفنلندا، وهو الدعم الذي جاء على لسان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ.

وكان ستولتنبرغ قد قال في وقت سابق: “لا توجد دولة عانت من الهجمات الإرهابية بقدر تركيا، وهي حليف مهم، وعندما يكون لدى الحليف مخاوف، ينبغي معالجتها وحلها. كان هذا هو الحال دائما، إذ استغرق الأمر أكثر من عشر سنوات لكي تصبح جمهورية شمال مقدونيا عضوا في الناتو، بعد اعتراض اليونان على ذلك، بسبب مشكلة اسم تلك الجمهورية”.

متابعا: “إذا لم تستجب السويد وفنلندا لمطالب تركيا، قبل الثامن والعشرين من حزيران/يونيو، فسيكون من الصعب تلبية تطلع الدولتين لأن تكونا مرشحتين للانضمام إلى الحلف”.

ويأتي انضمام السويد وفنلندا للناتو في سياق تطلع البلدين إلى تعزيز أمنهما، في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، غير أن ذلك يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء في الحلف، وعددها ثلاثين دولة.

وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية قد أكدت أن “السويد وفنلندا لم تكونا محايدتين تماما على الإطلاق. فبعد عقود من انتهاء الحرب الباردة، تم الكشف عن أن السويد كانت تعمل بهدوء مع الناتو، بينما كانت الغواصات السوفييتية تضايقها، خاصة خلال حادثة “ويسكي أون ذا روكس” عام 1981، عندما جنحت غواصة سوفييتية من طراز “ويسكي” على الساحل الجنوبي للسويد”.

رفض انضمام السويد وفنلندا للناتو وحسابات الأمن القومي التركي

د.باسل الحاج جاسم، الباحث في العلاقات الروسية – التركية، يربط، خلال حديثه لـ”الحل نت”، الرفض التركي لانضمام فنلندا و السويد للناتو بحسابات الأمن القومي التركي، والقضايا الأخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية.

مؤكدا أن “أسباب الرفض التركي واضحة وليست جديدة، لكن الظروف سابقا لم تكن مواتية لأنقرة لكي تضع شروطها على الطاولة”.

ويتابع الحاج جاسم بالقول: “ليس دقيقا القول إن الفيتو التركي على انضمام فنلندا والسويد مدفوع الثمن من جانب روسيا، فتركيا حددت مطالبها، وأغلبها يتعلق بما تعتبره أنقرة دعما من البلدين لتنظيمات مدرجة على قوائم الإرهاب لديها. إلى جانب موضوع حظر تصدير السلاح من السويد إلى تركيا”.

ويمكن، بحسب الباحث، “اعتبار الموقف التركي بمثابة رسالة أبعد إلى دول الناتو، إذ تتهم تركيا بعض تلك الدول بالالتفاف على تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية في قوائم الحلف، من خلال التسميات الجديدة لفروع الحزب، سواء في سوريا أو العراق”، حسب تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.