بعد استثناء أميركا مناطق في الشمال السوري من العقوبات، بغية تحسين الأوضاع الاقتصادية هناك، تتوارد معلومات عن احتمالية بدء استثمارات خليجية هناك خلال الفترة المقبلة، لا سيما في الشمال الشرقي.

فيما كثفت الإدارة الأميركية، خلال الأشهر الماضية، جهودها من خلال عقد عدة اجتماعات إقليمية ومحلية في شمال شرقي سوريا مع قيادات من مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”)، من أجل التوصل إلى قرار يهدف إلى تحسين الوضع المعيشي وتعزيز الاستقرار في بعض مناطق شمال سوريا الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وكذلك لمنع عودة تنظيم “داعش” الإرهابي مجددا، ونتج عن ذلك القرار الأميركي الأخير بالسماح بأنشطة استثمارية أجنبية في قطاعات معينة في المنطقة.

وتداولت صفحات إخبارية أنباء عن عزم شركة سعودية متخصصة بمجال إعادة التدوير، على الاستثمار في مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

إزاء ذلك تثار التساؤلات حول مدى احتمالية انتعاش الشمال السوري اقتصاديا من خلال الاستثمارات سواء في الشمال الشرقي أو حتى في مناطق من الشمال الغربي من خلال الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة المقبلة.

هل تستثمر الشركات الخليجية في شمال سوريا؟

مصادر خاصة مقربة من “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا كشفت لـ”الحل نت” أن “عدة اجتماعات جرت خلال الفترة الحالية في المنطقة، بين مسؤولين في الإدارة وعدد من المستثمرين السعوديين، وذلك بهدف مناقشة كيفية الاستثمار في المنطقة بعد القرار الأميركي الأخير بخصوص استثناء المنطقة من العقوبات الدولية”.

وأكدت المصادر الخاصة ذاتها لـ”الحل نت”، “مبدئيا هناك ثلاثة عروض من شركات ومستثمرين أجانب، لكن لم يتم الاعتماد الرسمي بعد بخصوص هذا الأمر، حيث أن الإدارة الذاتية تقوم حاليا بالعمل على سن قانون رسمي بحيث ييضمن حقوق المستثمرين والعاملين فيها وكل ما يخص هذه الاستثمارات في المستقبل”.

واختتمت المصادر الخاصة حديثها قائلة: “حاليا تقوم عدة مراكز ومنظمات مدنية بدراسة احتياجات المنطقة والتقت بمستثمرين (لم يسمهم) وقدمت دراسات وخطط تنموية كبداية، وبناء على هذه الدراسات سيتخذ المستثمرون قرارهم النهائي بالاستثمار في المنطقة، وفي الفترة المقبلة سيتضح كل شيء للعامة بخصوص هذا الأمر”.

من جانبه، يرى الأكاديمي الاقتصادي، أسامة قاضي، “لا أعتقد أن الاستثناء الأميركي في شمال سوريا سيحرك عجلة النمو الاقتصادي بشكل كبير، لأن من موجبات الاستثمار تأمين مناخ استثماري حقيقي وسيادة حقيقية وقانون يلجأ إليه المستثمرون في حالة الاحتيال والاحتكار أو الابتزاز، بالإضافة إلى تأمين حقوق المستثمر في إطار إدارة الفصائل المتواجدة في شمال غرب سوريا أو الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، فبغير ذلك لا يمكن القيام باستثمار حقيقي وكبير، قد يكون الاستثمار مؤقتا وبمبالغ صغيرة، لذلك لا يمكن لشمال سوريا أن ينهض تنمويا واقتصاديا في حيال ذلك”.

وأردف في حديثه لـ”الحل نت”، “كذلك ضرورة الأمن والاستقرار بالمنطقة، كي يطمئن المستثمر في العمل بالمنطقة، خاصة وأن الشمال السوري غير مستقر أمنيا حقيقة”.

وفي اعتقاد الأكاديمي الاقتصادي، أن “المستثمر الذي سيعمل في المنطقة لن يحتاج إلى ترخيص من مكتب “الأصول الأجنبية” الموجود في أميركا، وفق الاستثناء الأمريكي الأخير للمنطقة. وبالتالي فمن المحتمل أن تكون الاستثمارات أميركية، وستكون غالبيتها استثمارات ذات طابع إغاثي أكثر مما هو استثماري اقتصادي بحت، وبمبالغ صغيرة، وبالطبع هذا سيخلق بعض النشاط الاقتصادي وفرص العمل بالمنطقة، لكنه لا يشكل حقيقة نهضة اقتصادية كبرى”.

وخلص حديثه لـ”الحل نت” بالقول: “في أغلب الأحوال وفي مناطق الكوارث كما هو الحال في سوريا، أول من يستثمر بالمنطقة يكون ابن البلد نفسه. وهذا المستثمر السوري يعرف جيدا الجغرافيا السورية والتركيبة العسكرية والجيوسياسية للمنطقة، لذلك لن يخاطر بمبالغ مالية كبيرة في المنطقة، بل سيستثمر بمبالغ صغيرة ذات مخاطر أقل”.

وقبل نحو عشرة أيام، قال مسؤول هيئة الاقتصاد في “الإدارة الذاتية”، إن الإدارة تعمل على إصدار قانون الاستثمار في مناطق شمال شرقي سوريا، من أجل حماية المستثمرين وممتلكاتهم وحقوقهم وأموالهم، وذلك بعد إعفاء واشنطن مناطق في الشمال السوري وغير الخاضعة لحكومة دمشق من العقوبات الاقتصادية الدولية.

قد يهمك: استثناء أميركي من عقوبات “قيصر” في الشمال السوري.. ما النتائج؟

مشاريع لدعم الاستقرار

وضمن السياق ذاته، قال حسن الشاغل، الخبير الاقتصادي السوري، في وقت سابق لـ”الحل نت”، “أعتقد أنه ستكون هناك استثمارات أجنبية لهذه المناطق المعفاة، خاصة المناطق الشمالية الشرقية، ومن أحد السيناريوهات سيكون هناك بعض الشركات الأجنبية التي ستدفعها الإدارة الأمريكية للعمل في منطقة شرق نهر الفرات، بهدف التنمية والاستقرار أكثر”.

وأضاف الشاغل في حديثه، “في الفترة الحالية بالتأكيد لن تكون هناك مشاريع واستثمارات ضخمة (إعادة إعمار مثلا) في المنطقة، ولكن ستكون هناك مشاريع صغيرة في البداية، والأرجح أن هذه المشاريع الصغيرة ستسمح للشركات الإقليمية بالعمل في المنطقة”.

وفي تقدير الخبير الاقتصادي، أن “السيناريو الأكثر احتمالا إذا دخلت الشركات الأجنبية حاليا في المنطقة الشمالية الشرقية السورية، فسيكون لشركات مختصة بترميم وإعادة بناء وتجهيز “حقول النفط والطاقة” بشكل عام، بسبب تهالك هذا القطاع جراء الحرب، وذلك للإنتاج المحلي حاليا، ومن المحتمل أيضا أن تدخل شركات أجنبية أخرى على سبيل المثال المتخصصة بالقطاع الزراعي”، على حد قوله.

كما أشار مصدر خاص مقرب من الإدارة الذاتية في وقت سابق، إلى أن “هذا الإعفاء من شأنه أن يرقى إلى مستوى تقديم المساعدة للمنطقة الشمالية الشرقية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وعواقبه الاقتصادية عموما”.

وأضافت المصادر الخاصة نفسها لموقع “الحل نت”، أن “هذا القرار يهدف إلى إنعاش الاقتصاد بشكل عام لسكان المنطقة”.

وبهذا رجحت المصادر أن “تجد واشنطن مبررا لدعم المنطقة دون الإحراج من تركيا بشكل علني”، ووفق ما ترجم موقع “الحل نت”، عن تقرير للخارجية الأميركية، منتصف آذار/مارس الفائت، التي أفادت، بأن اجتماع الوفد الأمريكي الأخير مع “قسد” جاء “لمناقشة الاستقرار الإقليمي والعلاقات الكردية-الكردية الداخلية، والأوضاع الاقتصادية والقتال المستمر ضد “داعش”.

كما تركزت مناقشات الاجتماع وفق الإعلان الرسمي، على الاستقرار في مناطق شمال شرقي سوريا، لتضمن معالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، وزيادة وصول المساعدات الإنسانية، وتحسين ظروف اللاجئين والنازحين.

قد يهمك: إعفاء مناطق “الإدارة الذاتية” من عقوبات “قيصر” يفتح الأبواب أمام مشاريع استثمارية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.