إن أزمة المحروقات التي تعاني منها مناطق سيطرة حكومة دمشق خلال الأيام القليلة الماضية أصابت الحياة بشلل شبه كامل، حيث شملت المدن الرئيسية كدمشق وحلب واللاذقية، ولم تكن حلول حكومة دمشق ناجحة في معالجة النقص الحاد من المشتقات النفطية رغم تعدد الحلول المطروحة، فمن التقنين على مخصصات القطاع الخاص والعام إلى البطاقة الذكية التي لم تزد الأزمة إلا سوءا.

وكان آخر تلك الحلول للتخفيف من أزمة المحروقات هو القبضة الأمنية ولكن بشكل قانوني، حيث أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابع لسلطة دمشق الدكتور عمرو سالم، تعميما لمديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات بتشديد الرقابة على وسائل النقل (سرفيس – تكسي) المتوقفة عن تأدية خدماتها للمواطنين، وتعمل على بيع مخصصاتها من البنزين والمازوت المدعوم من قبل الدولة إلى السوق السوداء، لتحقيق أرباح غير مشروعة وحرمان المواطنين من خدمة النقل بحسب بيان أصدرته الوزارة في الرابع والعشرين من شهر أيار الماضي.

وجاء في التعميم نفسه أن هذه الإجراءات ستكون رادعة بحق المخالفين الذين سيتم تغريمهم بمبالغ كبيرة وتوقيف مخصصاتهم وإلغاء تراخيصهم، استناداً إلى المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021.

وبحسب مواقع محلية فإن ارتفاع القيمة الكبيرة للغرامات المالية لم يشكل رادعا لمن يتاجر بالمواد المدعومة ولازال البعض مستمرا، إلا أن مسؤولين في وزارة التجارة الداخلية والمستهلك ردوا على ذلك بأن الأمر مسألة وقت مع التشديد على الاستمرار في الحملة على المتاجرين بالمواد المدعومة.

وقد أفادت الوزارة بضبط كميات من المازوت المدعوم والذي يتم بيعه بشكل غير مشروع بحسب وصفها تصل قيمتها إلى أكثر من 31 مليون ليرة سورية تعود لشخص واحد، وتحرير العديد من مخالفات بيع بسعر زائد لمادة المازوت.

مع كل الوعود المعلنة بحل أزمة المشتقات النفطية رفعت سلطة دمشق أسعار المحروقات الغير مدعومة في منتصف شهر أيار الماضي بنسبة تقرب إلى 40 بالمئة، ليصل سعر البنزين غير المدعوم إلى 3500 و4500 ليرة سورية، مع إبقاء سعر البنزين المدعوم 1100 و 2500 ليرة سورية، أوكتان 90 و أوكتان 95 على التوالي، أما عن مادة المازوت التجاري والصناعي فقد رفعته إلى 2500 ليرة سورية مع إبقاء سعره المدعوم 500 ليرة سورية.

تراكم في الديون

ازداد جفاف مناطق سلطة دمشق من المشتقات النفطية نتيجة لعدة أسباب كان أولها صعوبة إيصال الإمدادات الإيرانية من النفط إلى سوريا، كما أن ارتفاع أسعار النفط عالميا شكل عامل ضغط على سلطة دمشق فزيادة الأسعار مع شح الموارد يعني المزيد من تراكم الديون المستحقة على دمشق بالعملات الأجنبية، وهذا مالا يمكن أن تتحمله الجهات التي تدعم أو تهرب النفط إلى مناطق سلطة دمشق.

الجدير بالذكر أن الرئيس السوري قد زار طهران منذ عدة أسابيع وكان محور الزيارة بحسب صحف محلية هو طلب الدعم الاقتصادي والنفطي من خلال تيسير خطوط ائتمانية جديدة لحكومة دمشق وإرسال المزيد من الناقلات النفطية الإيرانية إلى سوريا، لتكون تلك المطالبات دليلا على الأزمة الخانقة والتي تفاقمت بشكل غير مسبوق في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

إنتاج المشتقات النفطية لا تسد الحاجة

وزارة النفط كشفت بأن سوريا أنتجت نحو 31.4 مليون برميل نفط خلال العام الماضي، أي بمعدل 85.9 ألف برميل يوميا، ولكن لا يصل من ذلك الإنتاج إلى المصافي التابعة لسلطة دمشق إلا 16 ألف برميل يوميا فقط.

وكانت الوزارة قد قدرت إجمالي الخسائر المباشر وغير المباشرة في قطاع النفط بنحو 100.5 مليار دولار أمريكي منذ عام 2011، وبحسب متخصصين في القطاع النفطي فإن حاجة المناطق التي تسيطر عليها سلطة دمشق تقدر بأكثر من 110 ألف برميل يوميا.

وفي المقابل تلجأ سلطة دمشق إلى تعويض النقص عن طريق استيراده من إيران بمعدل 3 مليون برميل شهرياً، إلا أن هذا الاستيراد لا يتم بشكل مستمر.

وحول ذلك قال الخبير الاقتصادي د. عبد الحكيم المصري، لـ”الحل نت” إن الآبار التي تسيطر عليها حكومة دمشق لا تتعدى 20 بالمئة من مجموع الآبار النفطية الموجودة في سوريا ولا تعمل بكامل طاقتها، وكذلك الأمر بالنسبة للغاز، مما يجعل مناطق سيطرة دمشق أمام أزمة حقيقية تتجلى في قطاع الكهرباء وتقنين النفط وعدم تحريك المركبات.

وأضاف بأن ازدياد اضطراب سوق النفط عالميا سيجعل تأمين النفط من الخارج صعب المنال بالنسبة لحكومة دمشق، خاصة أن العقوبات الدولية تتزايد على روسيا وتشمل بشكل أساسي قطاع الطاقة الروسي.

وعن الحلول الممكنة التي يمكن أن تلجأ لها حكومة دمشق لتخفيف الأزمة، قال المصري بأن سلطة دمشق لا خيار أمامها سوى الاستيراد وهذا الحل صعب المنال، لأنها ستحتاج إلى القطع الأجنبي الذي لا تملك منه شيء بسبب انخفاض الصادرات السورية بالتزامن مع عجز كبير في الميزانية.

مستجدات

في ظل غياب الكهرباء عن أغلب المناطق في سوريا، يعتمد الفلاحون على المولدات التي تحتاج لمادة المازوت التي أصبحت نادرة ناهيك عن نقص الأسمدة التي تهدد الموسم الزراعي بأكمله.

ويرى باحثون أن كمية الإنتاج الممكنة ستكون أقل بكثير عن سنوات الإنتاج السابقة، ويمكن أن تصل إلى ربع الكمية فقط بسبب نقص الوقود والأسمدة اللازمة، يأتي ذلك بالتزامن مع اشتداد أزمة الغذاء العالمية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، واضطراب سلاسل توريد القمح وارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية.

وعلى عكس ما يحاكي الواقع صرح وزير الزراعة السوري مؤخرا بأن كامل الأسمدة اللازمة لمحصول القمح تم تأمينها وتسليمها للفلاحين، وتوجه للفلاحين قائلا “طالبوا بحقوقكم من لجان المحروقات”، مدعيا أن هناك خطة معتمدة شهريا لكل محافظة لتوفير كامل الاحتياجات الزراعية من المحروقات وأن كمية المحروقات المدعومة تمت مضاعفتها.

ويأتي السؤال من قبل مراقبين حول مصداقية ما تم تصريحه من قبل الوزير، وخاصة بعدما تناقلت وكالات الأنباء أخبار تفيد بوصول أطنان من القمح المنهوب من أوكرانيا إلى سوريا بسفن روسية، وعن حاجة حكومة دمشق للقمح المنهوب إذا كانت الإمدادات من المواد الأولية اللازمة للزراعة قد تم تقديمها للفلاحين وأن كميات الإنتاج ستكون كافية للاستهلاك المحلي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.