ماذا يعني أن يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية في مناطق الشمال السوري خلال الأيام المقبلة، وهل تكون هذه التهديدات جدية، ولماذا قد تنطلق هذه العملية في مثل هذا الوقت. هذه الأسئلة وأكثر تثار حول احتمالات شن تركيا لعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، فما علاقة مساومات أردوغان داخل الملف السوري بهذه العملية المحتملة.

العديد من المراقبين يعتقد أن العملية العسكرية المزعومة ما هي إلا ورقة ضغط يريد من خلالها أردوغان تحقيق مكاسب جديدة له داخل تركيا وعلى حساب الملف السوري، فما هي هذه المكاسب؟

رفض مضاعف

الرئيس التركي قال أمام البرلمان التركي مطلع الشهر الحالي: “ننتقل إلى مرحلة جديدة في عملية إقامة منطقة آمنة من 30 كيلومترا عند حدودنا الجنوبية. سننظف منبج وتل رفعت”، متوعدا بالتقدم خطوة خطوة في مناطق أخرى.

وأضاف: “سنرى من سيدعم العمليات الأمنية المشروعة التي تنفذها تركيا ومن سيقف ضدها”.

الباحث السياسي في العلاقات الدولية، يوسف غدار، يعتقد خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن أنقرة بعيدة عن تنفيذ عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، لا سيما في ظل رفض أميركي وعدم رضى روسي وحتى إيراني مبررا ذلك بالقول أن “روسيا منشغلة بأوكرانيا، ولا يعني بأي حال من الأحوال أن توافق موسكو على العملية العسكرية التركية مقابل مصالح مؤقتة مع أنقرة قد تتعلق برفض الأتراك لدخول دول جديدة إلى حلف الناتو، فهذا الرفض التركي إن حصل واستمر فهو يخدم المصالح التركية بشكل منفرد”.

ويتابع غدار حول ذلك بالقول “ما مصلحة تركيا في أن تقف إلى جانب روسيا داخل حلف الناتو، هي تساوم فقط من أجل تغليب مصلحتها من أجل حيازة دعم غربي لتشكيل المنطقة الآمنة في الشمال السوري، وليس هناك أي تقارب كبير بين الروس والأتراك في الملف الأوكراني، بل على العكس فبالإضافة إلى الرفض الأميركي للعملية العسكرية، فإن الرفض الروسي لها ليس إعلاميا فقط فهو حقيقي وقد لن يتغير في قادم الأيام، فالروس يدركون أن التراجع الجزئي لحضورهم في سوريا تريد تركيا استغلاله في مثل هذا الوقت، وهو ما ترفضه روسيا إلى جانب إيران التي تتخوف أيضا من أن يكون توسع النفوذ التركي يعني خسارات جديدة لها خصوصا وأن المناطق المفترض نشوب العملية العسكرية فيها تحاذي مناطق النفوذ الإيراني، وبالتالي الخسارات متوقعة سواء في محيط مناطق العملية العسكرية المزعومة أو حتى في محيط منطقة إدلب التي من المتوقع أن تشهد تثبيتا دائما لشكل النفوذ فيها هناك، وحتى يمكن أن تشهد المنطقة تصعيدا جديدا من قبل تركيا إذا ما تمت العملية العسكرية بنجاح، وهذا الأمر مستبعد على المدى القريب”.

تأثيرات مرتقبة

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كان قد حذر تركيا، الدولة الحليفة للولايات المتحدة في “حلف شمال الأطلسي” (ناتو)، من هجوم عسكري في سوريا قائلا إنه سيعرض المنطقة للخطر. وحض تركيا على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع عام 2019.

وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ “القلق الكبير الذي يساورنا هو أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي وأن يوفر للأطراف الفاعلة الخبيثة إمكانية لاستغلال عدم الاستقرار” مضيفا “إنه أمر نعارضه”.

من جانبه يعتبر المحلل السياسي، أدهم برجاوي، أنه ومع استبعاد حدوث العملية العسكرية يمكن الإشارة إلى احتمالية توتر تركي مزدوج مع كل من الروس والإيرانيين داخل الملف السوري، معللا ذلك بالقول إن “تركيا تريد إنشاء المنطقة الآمنة وفق استراتيجيتها وهذا يتعارض مع المخطط الروسي المتعلق بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. كلا المخططين يصب ضمن إطار مصالح ضيقة للطرفين، لكن تركيا بشن عمليتها العسكرية ستضرب المخطط الروسي وهو ما سترفضه موسكو، وكذلك الحال بالنسبة للإيرانيين”.

ويتابع برجاوي حديثه لـ”الحل نت” بالقول إن تركيا تريد كسب دعم الدول الغربية في تأسيس منطقتها الآمنة في الشمال السوري، ساعية بذلك لتحقيق عديد الأهداف، “من ناحية تتخلص من العبء الاقتصادي بعد تدهور أوضاعها الاقتصادية، والمسألة الأهم تكمن في كسب أوراق سياسية داخلية قبيل الانتخابات العامة التركية في صيف العام المقبل”.

قد يكون أبرز أهداف التلويح بالعملية العسكرية التركية هو تحقيق مكسب سياسي استباقي يريد من خلاله الرئيس التركي كسب الرأي العام التركي الذي تزايدت فيه نسبة العداء ضد اللاجئين في بلادهم، لكن في المقابل فإن دخول أنقرة عملية عسكرية جديدة دون حصولها على ضوء أخضر أميركي أو روسي سيكلفها الكثير، فأردوغان لن يتحمل السخط الشعبي التركي إذا ما قتل أفراد من قوات الجيش التركي قبل الانتخابات العامة، على غرار ما حصل سابقا في مطلع عام 2020 عندما خسر الجيش التركي عدد من عناصره في منطقة إدلب، خلال التصعيد العسكري الذي قامت به القوات الحكومية السورية إلى جانب حليفتها الروسية في إدلب آنذاك، ما يعني أنه يسعى لعدم تأليب الشارع التركي عليه وهذا ما سيدفعه لإعادة حسابات شن العملية العسكرية المزعومة “ألف مرة” قبل إعلان إطلاقها، وفق رأي حديث يوسف غدار لـ”الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.