عديدة هي المتغيرات التي طرأت على الساحة الإقليمية مؤخرا، ولا بد أنها ستصب بشكل أو بآخر بتأثيرها على الملف السوري. فالتقاربات الأخيرة التي حصلت بين عدة دول في الأروقة العربية أو تلك الفاعلة في الشأن السوري قد تشير إلى أن تطورا ما سيحدث داخل الملف السوري بفعل تلك التطورات، فما الذي سيتغير قريبا؟

الرئيس السوري بشار الأسد، تحدث مؤخرا في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” حول احتمالات التطبيع بين دمشق وتل أبيب ونشوء علاقات “طبيعية” بين الطرفين، فأشار بالقول “نحن في سوريا نتحدث عن علاقات عادية مرتبطة بعملية سلام، وعملية السلام مرتبطة بعودة الحقوق، هذا موضوع محسوم. عندما تعود الجولان لكلّ حادث حديث ويأتي في إطار ليس التطبيـع وإنما العلاقات العادية بين أيّ دولتين، علاقات عادية لا تعني حرارة ولا برودا تعني ما يريده الشعب، وكيف يحدد الشعب”.

تصريحات الأسد جاءت في وقت تشهد فيه المنطقة حراكات ديبلوماسية عدة، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار السعودية في شهر نيسان الماضي، قبل أن يرد الزيارة ولي العهد السعودي بن محمد سلمان ويصل أنقرة يوم أمس الأربعاء.

دور خليجي

العلاقات التركية الخليجية لا بد أنها ستضبط دور أنقرة في الملف السوري بحسب ما ترتأي الديبلوماسية الخليجية، لاسيما وأن كل من الرياض وأبو ظبي تريدان حضورا عربيا فاعلا في الملف السوري، يحجم الحضورين ن التركي والإيراني، وذلك وفق رأي الباحث السياسي محمد العودة، الذي يعتبر خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن الدور الخليجي يمكن أن يكون له تأثيرا كبيرا في الملف السوري خلال الفترة المقبلة.

وتابع بالقول “الدور العربي سيكون أقوى في الملف السوري خلال قادم الأيام، لكن تبقى معضلة الإيرانيين والأتراك. الطرف الأخير تستطيع الدول الخليجية ضبط تحركاته من خلال تأثير العلاقات الاقتصادية بشكل أساسي فيما بينهم، فتركيا التي تعاني أزمة اقتصادية تريد التخلص منها كما هو الحال في التخلص من مشاكلها الداخلية ومع الدول الإقليمية لتصل إلى الانتخابات العامة بصفر مشاكل”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأ منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي زيارة إلى المملكة العربية السعودية هي الأولى منذ نحو خمس سنوات، بعد توتر ساد علاقات البلدين بسبب قضايا عدة، أبرزها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، واتهام الرياض أنقرة باحتضان قيادات من جماعة الإخوان المسلمين. وتأتي مساعي أردوغان لطي صفحة الخلاف مع السعودية، ضمن إطار جهود إقليمية واسعة دشنها في الفترة الأخيرة لتحسين علاقة بلاده مع عدد من دول المنطقة، على رأسها مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، في مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة أدت إلى تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية وأثرت سلبا على الاقتصاد المحلي.

في حين رد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الزيارة فوصل إلى العاصمة التركية أنقرة يوم الأربعاء الماضي، فقد أُعلن عن وصول بن سلمان إلى تركيا قادما من الأردن الذي وصل إليه مساء الثلاثاء وغادره عصر الأربعاء، بعد أن زار مصر التي وصلها مساء الإثنين وغادرها الثلاثاء.

من جانبها، نشرت وكالة “الأناضول” الرسمية التركية ما جاء في البيان السعودي-التركي المشترك.

وجاء في البيان: “التأكيد على إطلاق حقبة جديدة من التعاون في العلاقات الثنائية بما في ذلك السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية”.

وأردف البلدان في بيانهما: “تركيا والسعودية تعربان عن رغبتهما بالعمل على تطوير مشاريع في مجال الطاقة”، وتابعتا: “نعتزم مواصلة التعاون وتطويره على أساس الأخوة التاريخية بما يخدم مستقبل المنطقة”، حسب قولهما.

تقارب لمحاصرة النفوذ الإيراني؟

كل هذه التحركات تسبق قمة الرئيس الأميركي جو بايدن، مع دول الخليج والأردن ومصر والعراق في السعودية، مطلع الشهر المقبل، وهي قمة مهمة، حيث سيتم إعادة تشكيل بعض الأمور ضمن رؤية استراتيجية جديدة للمنطقة.

من ناحية أخرى يبدو أن التقارب الإماراتي البحريني مع تل أبيب منذ نحو عامين سيساهم برسم خارطة علاقات جديدة في المنطقة خلال الأيام المقبلة، فما يجمع الإسرائيليين مع دول الخليج والإقليم بشكل عام وعلى رأس هذه الدول الإقليمية الأردن، هو الإنزعاج والتخوف من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة لا سيما في سوريا، لذا فإن هذا التقارب بين بعض دول المنطقة مقابل مواجهة التمدد الإيراني سيؤثر بشكل أو بآخر على شكل النفوذ داخل الأرض السورية وعليه سيكون هناك عوامل متعددة تساهم في الدفع نحو حلول جديدة في أفق متغير ومتبدل نحو تلاقي المصالح ونبذ الخلافات السابقة التي امتدت لسنوات أثرت سلبا على الملف السوري.

إيران أصبحت تهديدا استراتيجيا لا يمكن تجاهله، بالنسبة للأمن القومي العربي، من خلال النفوذ التي تسعى إيران لتوسيعه أو تثبيته في عدة دول عربية، كسوريا والعراق واليمن ولبنان، وهذا التهديد لم يعد بالإمكان التغاضي عنه، والتصعيد الإيراني لا بد من أن يواجهه رفع للتكلفة السياسية والأمنية والعسكرية العربية لمواجهة إيران، حتى تنسحب من هذه الدول.

كما أصبح هناك تكاملا في وجهات النظر بين السعودية والأردن فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، فإيران أصبحت جارا على الحدود الأردنية بعد سيطرتها شبه الكاملة على الجنوب السوري، لذا فإن الخيارات الأردنية كانت دائما قريبة من التوجهات السعودية، لذلك قد يكون هناك مانعا لدى الأردن من تحركات مشتركة وتعاون عسكري في المستقبل.

كما أن للسعودية ودول الخليج مخاوفها، من التمدد الإيراني، وخاصة في الدعم الإيراني للحوثيين في حرب اليمن، والتوسع في عموم المنطقة، وهناك مواقف عربية تريد أن تحترم إيران مبدأ السيادة الداخلية للدول وحدود الجوار الجغرافي.

الأردن قد لا يرغب حاليا بالتدخل في سوريا أو غيرها، لكن في الآونة الأخيرة ازدادت عمليات تهريب المخدرات وهو إضرار مباشر بالأردن، لذلك ما يطرح الآن مشروع دفاعي كـ”ناتو عربي” تشارك فيه دول خليجية وعربية إلى جانب إسرائيل يأتي لدرء التهديد الإيراني الوشيك للدول العربية ما يؤثر بشكل مباشر على الملف السوري، أما مسألة تشكيل قوات دفاع مشترك أو تحالف كبير تحتاج للكثير من الوقت لإنجازها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.