تعكس التصريحات الأخيرة للقادة العرب، استياء واضحا من سلوك دمشق، وغياب قدرتها ،أو رغبتها في منع نشاط الميليشيات الإيرانية التي زادت من مواقعها خلال الفترة من شباط/فبراير إلى أيار/مايو) 2022، وهذا ترجم بتراجع المحادثات في الأوساط العربية حول تطبيع العلاقات مع دمشق بشكل ملحوظ منذ بداية العام الجاري، تزامنا مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يبدو أنه أثّر على أولويات السياسة الخارجية الروسية في سوريا التي كانت تدعم عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

مخاوف الدول العربية من تنامي نفوذ إيران في سوريا، لأن روسيا تتساهل مع التدخل الإيراني في سوريا، خاصة بعد زيارة رئيس جهاز الأمن القومي السوري، علي مملوك، وتلاها زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طهران، قد يؤثر ذلك على القناعة المتزايدة بين الدول العربية المؤثرة مثل الأردن ودول الخليج بصعوبة فك ارتباط سوريا بإيران.

في تصريح جديد، ذكر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في مقابلة أجراها مع قناة “الجزائر“، الثلاثاء الفائت، عن محاولات لإشراك دمشق في القمة العربية خلال الفترة المقبلة، مبيّنا أن الأشهر المقبلة ستشهد محاولة في اتجاه مشاركة سوريا في القمة العربية المزمع عقدها بالجزائر مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بتوافق عربي كبير.

مع الجهود العربية المحدودة السابقة للتحرك نحو الأسد، وتوجه الأخير نحو إيران مؤخرا لمصالح اقتصادية بشكل رئيسي، تثير التساؤلات حول احتمالية تفعيل الأسد خطواته نحو المحيط العربي خلال الشهور المقبلة قبل انعقاد القمة العربية في الجزائر، أم أن البقاء مع الخط الإيراني، هو توجه مفروض على دمشق ولن يستطيع تغييره، والذي سيساهم بتعميق أكبر للنفوذ الإيراني في سوريا.

فرص نجاح تغيير العلاقة مع إيران

رغم تراجع الاهتمام بمسار التطبيع العربي مع سوريا، وعودة الحديث عنه في الوقت الراهن، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الدول التي تتبنى هذا النهج ستتخلى عنه تماما بحسب ما قاله محللون لـ”الحل نت”، بل قد تجمّد الخطوات الفعلية انتظارا للتغييرات الجديدة إن وجدت.

الباحث والمحلل السياسي المصري، إسلام المنسي، قال لـ”الحل نت”، إن النفوذ الإيراني داخل سوريا توسع بشدة خلال الفترة الأخيرة ،ومرشح لمزيد من التوسع خلال الفترة القليلة المقبلة، نتيجة انسحاب الروس ونتيجة عدم وجود بديل آخر يملأ هذا الفراغ الروسي سوى إيران.

ولفت المنسي، إلى أن الوجود الإيراني في سوريا لم يعد مقتصرا على الوجود العسكري البحت أو النفوذ السياسي، بل أصبح وفق قوله “مرتبطا بالنسيج الاجتماعي السوري عبر حملات التشييع والتجنيس وتوطين عناصر الميليشيات، وتجنيد عناصر محلية، ما أدى إلى أن يكون جزء من المشهد الاجتماعي السوري، وهذه معادلة حفرتها إيران في الجسد السوري بالقوة والعنف، ولا تريد التخلي عن هذه المكاسب بسهولة”.

أما بخصوص محاولات الانفتاح العربي على الأسد والتطبيع معه، فيرى المنسي، أنه حتى الآن هذه المحاولات لم تؤثر على علاقة الأسد بإيران، بل ما حدث هو مزيد من الارتهان لإيران ،ومزيد من الاعتماد على إيران خاصة بعد الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا، وهو ما جعل الأسد أكثر حاجة لإيران وأكثر اعتمادا عليها.

من جهته، يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن علاقة الأسد بإيران تشكلها مجموعة من العوامل المرتبطة بالمصالح المشتركة والعامل الديني، وهذه العلاقة كانت قائمة قبل الحرب، لكنها تعززت بشكل أكبر بعد ذلك، ولا يمكن أن تتأثر كثيرا بانفتاح بعض الدول العربية على دمشق، وربما قد يسعى الأسد لتقييد النفوذ الإيراني في سوريا، لكنّه لا يزال ينظر إلى طهران على أنها حليف للنظام لا غنى عنه.

وباعتقاد المنسي، أنه “من الصعب جدا على الأسد أن يعيد الاستدارة باتجاه الوطن العربي، بعدما ارتهن بقاء نظامه بإيران وحلفائها، وبات هذا التحالف له أهمية وجودية بالنسبة له في سوريا، وهذا يجعل المقارنة بين إيران وبين باقي العواصم العربية تميل لصالح إيران، لأن الأسد يعلم أنه لا يستطيع التخلي عن الدعم الإيراني بأي شكل من الأشكال”.

ويوضح علوش، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إن انفتاح بعض الدول العربية على الأسد نابع من مصالح خاصة بهذه الدول، ولا يعبّر عن توجه عربي لإعادة تعويم الأسد، إذ لا تزال هناك دول مؤثرة ترفض عودة سوريا للجامعة العربية وعلى رأسها السعودية، كما أن هذا الانفتاح في ظل علاقته الوثيقة بإيران يعني تكريسا للدور الإيراني في سوريا وليس العكس، فالارتباط الوثيق بين طهران والأسد وصل إلى مرحلة يصعب فيها تفكيكه، حسب وصفه.

رهانات عربية في سوريا

في تصريح سابق، ذكر أبو الغيط، في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”، إنه لا قرار حاليا حول عودة سوريا إلى الجامعة، والتي قد تتطلب سنوات، وأضاف أن دعوة الأسد، لقمة الجزائر تتطلب توافقا عربيا، مؤكدا لا يمكن دعوة الرئيس السوري لحضور قمة الجزائر المقرر عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، إلا بتوافق عربي- عربي.

وحول تصريحات أبو الغيط الأخيرة، عن احتمالية حضور سوريا للقمة العربية القادمة، اعتبر الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، أن مسألة عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة “تحتاج تكثيف التشاور”، في ظل غياب توافق بين الأعضاء.

وقال زكي في حديث لـموقع “الشرق”، أمس الأربعاء، إن هناك مساع من بعض الدول لعودة سوريا إلى مقعدها، منها الجزائر، لافتا إلى أن دولا أخرى لها وجهة نظرها في الموضوع، وفي ظل غياب التوافق في الوقت الحالي، يجعل من الصعب توقّع توقيت محدد لاستعادة العضوية.

وفي حديث سابق، أشار الدكتور بدر الماضي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في “الجامعة الألمانية الأردنية”، إلى أن زيارة بن سلمان للأردن الثلاثاء الفائت، ناقشت قضايا التعاون الأمني والعسكري، مؤكدا تطابق الرؤى بين الأردن والسعودية حول الدور الإيراني، الذي يقلق السعودية أولا، وحاليا يقلق الدولة الأردنية.

من جهته، أشار الدكتور خالد الشنيكات، رئيس “الجمعية الأردنية للعلوم السياسية”، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى وجود صراعٍ بين وجهتي نظر لدى الدول العربية، الأولى تستهدف بشكل خاص تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في حماية أمن المنطقة، والثانية تتحدث عن المواجهة مع إيران، وهو مما تم نقاشه خلال هذه الزيارات.

وتؤكد وجهات نظر المحللين، أن إيران بنظر الدول العربية ولا سيما المحيطة في سوريا، أصبحت تهديدا استراتيجيا لا يمكن تجاهله، بالنسبة للأمن القومي العربي، من خلال النفوذ التي تسعى إيران لتوسيعه أو تثبيته في عدة دول عربية، كسوريا والعراق واليمن ولبنان، وهذا التهديد لم يعد بالإمكان التغاضي عنه، والتصعيد الإيراني لا بد من أن يواجهه رفع للتكلفة السياسية والأمنية والعسكرية العربية لمواجهة إيران، حتى تنسحب من هذه الدول.

الجدير ذكره، أن القمة الأميركية العربية في الشهر المقبل، والمشورات الإقليمية الحالية، في ظل التهديدات الإيرانية باتت تعطي مؤشرا على تحرك ما في مواجهة هذه التهديدات، خاصة مع التمادي الإيراني في سوريا، واليمن وغيرها من الدول، فهل سيخرج الأسد من عباءة الإيرانيين نحو العرب، أم ستبقى دوافع تغيير علاقته مع إيران محصورة في وجود تحرك إقليمي حقيقي وفاعل لتحجيم الإيرانيين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة