الكواليس داخل “الإطار التنسيقي” في العراق، تشير إلى وجود توتر عند القوى الشيعية المنضوية فيه، وهذا التوتر ليس وليد اللحظة، لكنه ازداد بعد التطورات السياسية المتسارعة، فهل اقترب انشطار “الإطار”؟

في الواقع، لا يمكن التكهن بمصير السياسة العراقية، فلا ثوابت فيها، ولا تحالفات دائمة بين القوى السياسية، حتى بين اامكونات نفسها لا وجود لما يدعم التفاهمات نحو استمرارها دون أن تشوبها الخلافات.

في “الإطار” يبرز نوري المالكي الذي يتزعم “ائتلاف دولة القانون”، وهادي العامري زعيم “تحالف الفتح”، وكلاهما يواليان طهران، لكن “الفتح” كان تحت عباءة “دولة القانون”، بحكم نتائج الانتخابات المبكرة الأخيرة.

قصة تشكيل “الإطار”

نتائج الانتخابات أسفرت وقتها، عن خسارة “الفتح” بحصوله على 17 مقعدا فقط، وخسارة مقبولة لـ “دولة القانون” بحصوله على 34 مقعدا، مقابل فوز “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، المنسحب مؤخرا من العملية السياسية.

خسارة قوى إيران للانتخابات، دفعها للتوحد في تكتل جامع لها سمي بـ “الإطار التنسيقي”، ويقوده المالكي، باعتباره الخاسر الأكبر من بين قوى طهران، وذلك لمواجهة مشروع الصدر الذي هدف لإقصاء “الإطار”.

مشروع الصدر بتشكيل حكومة أغلبية لم ينجح، بعد تحقيق “الإطار” للثلث المعطل، الذي يمنع تشكيل حكومة، دون وجود ثلثي البرلمان في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فانسحب الصدر، وحدثت المتغيرات.

انسحاب الصدر، أدى لمجيء بدلاء عن نوابه الـ 73 إلى البرلمان، وأكثر البدلاء كانوا من قبل “تحالف الفتح”، بالتالي تقارب “الفتح” و”دولة القانون” بعدد المقاعد النيابية، ما يعني عدم بقاء العامري تحت عباءة المالكي.

التوتر الحالي، هو اختلاف في الرؤية حول مشهد العملية السياسية المقبلة، فالمالكي يريد تشكيلها بأسرع وقت، لكن العامري يرى أنها لن تنجح وستسقط سريعا؛ لأن العرس الذي لا يتواجد فيه الصدر، مصيره العزاء.

مسعى العامري وهدف المالكي

الاختلافات في الرؤى والتوتر الناجم عنها، أكده “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، المنضوي في “الإطار التنسيقي” أيضا، بقوله إن “الإطار” في طريقه نحو الانشطار، دون تفاصيل إضافية، فهل اقترب الانشطار؟

تقول الباحثة السياسية ريم الجاف، إن الاختلاف والتوتر بين المالكي والعامري قد يتطور، وقد يذهب كل طرف لما يراه مناسبا لتوجهه، لكن في النهاية سيعودان ويجتمعان معا، إن طالهما الضرر، مثلما حاول الصدر إبعادهما عن المشهد.

الجاف تضيف لـ “الحل نت”، أن العامري أكثر حنكة هذه المرة؛ لأنه يفكر لمستقبل العملية السياسية، عكس المالكي الذي يريد المضي لتشكيل حكومة جديدة نتيجة دوافع شخصية تتعلق بخلافه المعروف مع الصدر.

ينحدر الصدر والمالكي من خلفيات سياسية إسلامية، إذ يتزعم الأول تيارا شعبيا شيعيا ورثه عن والده المرجع الديني محمد صادق الصدر، فيما يترأس الثاني “حزب الدعوة”، أقدم الأحزاب الشيعية العراقية.

تنافس الصدر مع المالكي مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي. إذ يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أي عملية انتخابية، ويمثل المالكي، الأحزاب الشيعية التي صعدت إلى المشهد، بعد إطاحة نظام صدام حسين في 2003.

نظرة أحادية

منذ 2011، توجد قطيعة سياسية وشخصية بين الصدر والمالكي عندما شن الأول حربا على ميليشيا “جيش المهدي” التابعة للصدر، لإنهاء انتشارها المسلح في الوسط والجنوب العراقي آنذاك.

الباحثة السياسية الجاف، تبين أن المعطيات كلها تشير إلى عدم استمرارية أي حكومة مقبلة دون وجود الصدر فيها، وأي حكومة مقبلة ستسقط سريعا، خاصة إن استفز المالكي الصدر بتشكيله لحكومةوفق توجهه.

الكثير من خبراء السياسة إضافة إلى تقارير غربية تقول، إن العراق على أعتاب احتجاجات جديدة يقودها الصدر ضد الطبقة السياسية الحالية، نتيجة إصرارها على المحاصصة والتوافق في تشكيل الحكومات العراقية.

الجاف توضح، أن هدف العامري هو اتفاق سياسي على حل البرلمان الحالي بعد إجراء تعديلات دستورية، وإجراء انتخابات مبكرة جديدة لإنقاذ العملية السياسية من السقوط، بينما يقلل المالكي من فرضية إسقاط الصدر للحكومة المقبلة.

وتردف، أن المالكي ينظر بأحادية ويتجاهل أن الصدر هو الفائز الأول وأنه يملك أقوى قاعدة جماهيرية في العراق، وما لم يغير من فكرته وإصراره على تشكيل حكومة جديدة بأقرب وقت، فإنه أول من سيدفع الثمن لاحقا.

انزعاج إيراني

بحسب الجاف، فإن العامري يريد مسك العصا من الوسط، فهو لا يريد خسارة الصدر ولا يريد ترك المالكي؛ لأنه يدرك إن اشتراكه في حكومة تمثل توجه المالكي، سيؤدي إلى إبعاده عن المشهد مستقبلا بعد سقوط الحكومة المقبلة.

في الأخير، تتوقع الجاف، أن الانشطار سيحدث إن لم يتراجع المالكي عن فكرة تشكيل الحكومة الجديدة، التي يريدها “إطارية” توافقية تستفز الصدر، وحينها سيذهب العامري للمعارضة أو الانسحاب من البرلمان.

يجدر بالذكر، أن المالكي كان رئيسا للحكومة العراقية لولايتين متتاليتين منذ 2006 وحتى 2014، وانتهت فترة حكمه بدخول “داعش” إلى العراق، وسيطرته على ثلث مساحة البلاد في صيف 2014.

أما هادي العامري، فهو زعيم ميليشيا “منظمة بدر”، التي تأسست في إيران في التسعينيات، وهو المؤسس الفعلي – خلف الكواليس – لمشروع “الحشد الشعبي”، الذي يضم معظم الميليشيات الموالية لإيران.

كانت تقارير صحفية غربية سابقة، كشفت عن وجود انزعاج إيراني من انسحاب الصدر من العملية السياسية العراقية؛ لأن ذلك سيتسبب بهدم وحدة صف البيت الشيعي، ويتيح لدول إقليمية أخرى منافستها في الداخل العراقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.