مع قلة الأمطار ونقص الوقود وارتفاع أسعار الأسمدة، يواجه المزارعون السوريون عاما سيئا جديدا، حيث يبدو أن محصول القمح المخيب للآمال سيوجه ضربة أخرى للإمدادات الغذائية في بلد يعاني من تغير المناخ والحرب.

ويزيد هذا من قتامة الصورة عن إنتاج القمح السوري الذي تراجع منذ اندلاع الحرب في 2011، مما أثار مخاوف بشأن الأمن الغذائي في بلد تقول الأمم المتحدة إن الاحتياجات فيه وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

وصرح عمران رضا، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، لوكالة “رويترز”، أن المؤشرات الأولية تنذر بموسم زراعي سيء آخر بعد انخفاض محصول عام 2021.

ومثلما حدث لمحصول الموسم الماضي، قال رضا إن الحصاد تأثر بتأخر بداية هطول الأمطار، وفترات جفاف موسمية طويلة، وانقطاع مبكر للأمطار كانت له آثار مدمرة.

كما تأثرت المحاصيل بالتغيرات المناخية بما في ذلك الصقيع والارتفاع الحاد في درجات الحرارة.

وقال رضا “ارتفعت تكاليف الغذاء بشكل كبير وانخفض الإنتاج والإمدادات، ومؤشرات حصاد الموسم المقبل مثيرة للقلق. نحن قلقون للغاية بشأن الوضع العام للأمن الغذائي”.

فيما قالت منظمة “الفاو” إن المزارعين في المناطق التي تعتمد على الزراعة البعلية في سوريا فقدوا معظم محاصيلهم للعام الثاني على التوالي.

انخفاض وتراجع

انخفض إنتاج سوريا من الحبوب من متوسط سنوي بلغ 4.1 مليون طن قبل الأزمة، وهو ما كان يكفي لتلبية الطلب المحلي، إلى ما يقدر بنحو 1.05 مليون طن في عام 2021، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة. وبلغ الإنتاج في عام 2020 زهاء 2.8 مليون طن.

في حين أن واردات القمح من روسيا، حليفة الحكومة السورية، سدت شيئا ما من الفجوة، فإن انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد الممزقة أصبح أكثر حدة من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، بسبب عوامل من بينها انهيار الليرة السورية، بحسب الخبير الاقتصادي نعيم لومان.

يقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن 12.4 مليون سوري، أو ما يقرب من 70 في المئة من سكان البلاد يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

بينما كان مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة السوري، أحمد حيدر، أعلن في وقت سابق عن تراجع المساحة المزروعة بالقمح في سوريا.

وقال حيدر في حديث لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، إنه لا يمكن إحصاء تقديرات إنتاج القمح لهذا الموسم لعدم الوصول إلى مرحلة التسنبل بعد، لكن المساحة المزروعة بلغت 1.2 مليون هكتار، وهي أقل من العام الماضي إذ بلغت 1.5 مليون هكتار.

وأضاف أن التراجع بالمساحات كان في مناطق الزراعة البعلية بسبب تأخر الأمطار والإحجام عن الزراعة البعلية في بداية الموسم.

وأوضح أن الاعتماد الأساسي في محصول القمح على المساحات المروية ولا يوجد في مساحاتها المزروعة فارق كبير عن العام الماضي، أما البعلية فيوجد انخفاض.

وبلغت تقديرات الإنتاج العام الماضي 1.9 مليون طن على مستوى كامل سوريا بينما الحاجة تبلغ مليوني طن، لكن ما تم تسليمه كان بحدود 435 ألف طن، 366 ألف للمؤسسة العامة للحبوب أما الباقي فكان من نصيب المؤسسة العامة لإكثار البذار.

يوجد تخطيط مستمر حسب الموارد المائية، والمتاح مائيا تقريبا لهذه السنة كان أقل من السنة الماضية نتيجة انخفاض القدرة الإروائية، والإنتاج يعتمد على الزراعة المروية، بحسب حيدر.

كما تحدث عن مشاكل بالمحاصيل العلفية، مشيرا إلى تشكيل لجنة لزيادة المساحات المزروعة وخاصة الذرة الصفراء العلفية، للحث على الزراعة بغية تعويض النقص وتأمين الأعلاف بشكل أساسي.

وتواجه مناطق سيطرة حكومة دمشق أزمة حادة في تأمين مادة القمح، ما دفعها للتعامل مع هذه الأزمة وفق عدة مسارات، كشراء مادة القمح من الفلاحين، إلى جانب توقيع عقود استيراد مع روسيا والجبل الأسود لاستيراد القمح، بعضها على شكل مساعدات.

عوامل وأسباب

إن تراجع إنتاج القمح في سوريا يأتي نتيجة عدة عوامل منها الجفاف الأخير الذي سبقه بعقود سوء إدارة الموارد المائية واستنزاف الاحتياطي الاستراتيجي للمياه الجوفية.

إلى جانب مشكلات أخرى في قطاع الزراعة مثل انخفاض منسوب المياه من نهر الفرات، لأن تركيا تمتلك أهم 3 سدود على النهر، ومن ثم فالمنسوب الذي يصل إلى سوريا أقل بكثير مما كان عليه، كل هذا وذاك هو ما أدى إلى تدهور محصول القمح السوري وهذا العام كان الأسوأ منذ أكثر من ثلاثة عقود.

التدهور في الوضع الزراعي يختلف بين منطقة وأخرى وكان لشمال شرقي سوريا النسبة الكبرى من التضرر، وكذلك شمال غربي سوريا لكن الأسباب مختلفة، فغرباً السبب هو صعوبة استخراج المياه الجوفية أما في الساحل فنسبة الأمطار فيه جيدة نسبياً والمحاصيل كانت جيدة لهذا العام.

أما بالنسبة للاستيراد ومقدرة سوريا على استيراد المواد المطلوبة فواردات سوريا من القطع الأجنبي تأتي هذه الأيام من المحاصيل الزراعية بالدرجة الأولى، أهمها زيت الزيتون.

كما أن مقدرة سوريا على استيراد القمح ليست مرتبطة بحصولها على القطع الأجنبي فحسب، وإنما مرتبطة بتنازلات سياسية أو اقتصادية للدول التي تستطيع توريدها بالقمح كروسيا.

تجدر الإشارة إلى أن إنتاج سوريا من القمح كان قبل عام 2011 يتراوح بين 3.5 و4 ملايين طن، في حين كان الاستهلاك لا يتجاوز 2.5 مليون طن.

لكن منذ نحو 10 سنوات، تدهور الإنتاج إلى نحو 1.2 مليون طن، يتوزع على مناطق المعارضة شمال غربي البلاد، ومناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقها، ومناطق سيطرة حكومة دمشق.

وكان “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة قد حذر، في الآونة الأخيرة، من أن انعدام الأمن الغذائي في سورية بلغ أعلى مستوى منذ عام 2011، وأن هناك نحو 12.4 مليون شخص لا يعرفون من أين ستأتي وجباتهم الغذائية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.