لا يزال قطاع الإنشاءات والعقارات في سوريا يترنح بين ارتفاع أسعار المواد، وأجور النقل والقرارات الحكومية غير المدروسة، مما تسبب في انتكاسة كبيرة في سوق العقارات، وفي حركة البناء والتشييد، وتوقف شبه كامل في هذا القطاع بشكل عام، الأمر الذي انعكس على المواطن أولا، لا سيما الذي يبحث عن شقة، وثانيا على المتعهدين والمقاولين والشركات الخاصة المنفذة للمشاريع، خاصة المشاريع السكنية التي تعثرت بشكل كامل.

قطاع البناء في وضع مزري

صحيفة “البعث” المحلية، نشرت تقريرا مؤخرا، نقلت فيه عن المهندس زياد الريس (متعهد بناء)، الذي استشهد بالوقائع ليعلن عن حالة من التوقف وعدم متابعة إنجاز وحدات سكنية أو بناء عقارات، وتابع بالقول: هذا الواقع أوجد حالة من تفاقم أزمة الحصول على شقة مناسبة، وزاد من عمليات الاستغلال التي تتم في سوق البيع، فمواد البناء تتناقص يوما بعد يوم، وإن وجدت فأسعارها مرتفعة، وجميع الأعمال والأنشطة العمرانية مؤجلة، ولا أحد يكترث بها.

ونوّه الريس أثناء حديثه مع الصحيفة المحلية، إلى أن ارتفاع أسعار مواد البناء التي وصلت إلى مستويات قياسية جدا، أدى إلى حالة من الشلل التام في هذا القطاع الحيوي الذي يحقق فائدة اقتصادية عمالية، وتجارية واجتماعية، ويستحوذ على أكبر حصة في سوق العمل في سوريا على مدار السنوات الماضية.

وأوضح الريس أن قطاع البناء الآن يئن تحت وطأة الواقع الاقتصادي وتحديات الحصار، فأسعار كافة مواد البناء في ارتفاع متصاعد: (الإسمنت والحديد والبحص والرمل وغيرها)، وقد نالت نصيبها من الارتفاع بعد غلاء مادة المازوت بالفترة الأخيرة، وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن مستقبل هذا القطاع الذي تتهاوى مرتكزاته شيئا فشيئا بكل تفرعاتها، بما في ذلك حالة الركود والغلاء.

ارتفاع الأسعار تسبب بانتكاسة كبيرة

الصحيفة المحلية، التقت مع الكثير من متعهدي البناء في مناطق مختلفة من العاصمة دمشق: “جرمانا، أشرفية صحنايا، جديدة عرطوز، دمر، قدسيا”، اتفقوا مع ما قاله متعهد البناء، الريس، خاصة أنهم وضعوا الارتفاعات المتتالية لأسعار مواد البناء في خانة تكبيدهم المزيد من الخسائر، نتيجة تأثر جميع المواد من إسمنت وحديد إلى الخشب بارتفاع الدولار وانخفاض الليرة السورية أمامه.

وهذه التغيرات السعرية الحادة، وفق ما نقلته صحيفة “البعث”، عن متعهدي البناء، “طالت كل شيء، ولعبت دورا سلبيا على صعيد إعادة النشاط الاستثماري والحركي، ومهما قام المتعهد برفع الأسعار فلن يعوّض في كثير من الأحيان ثمن الأرض التي شُيّد العقار عليها”، علما أن بعض المتعهدين يبيعون بسعر التكلفة أو أقل من التكلفة لتسيير مشاريعهم المتعطلة.

من جانبه، عدد من تجار مواد البناء، ومنهم علي سلامة، ومنير أبو عساف، أكدوا للصحيفة المحلية، أنه نتيجة لضعف حركة البيع والشراء، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن في البلاد، إضافة إلى انخفاض الطلب بشكل كبير على مواد التشييد ومواد الإكساء الداخلي، فإن الكثير منهم بصدد تصفية محلاتهم والعزوف عن العمل في هذا المجال الذي لم يعد ذا جدوى، وحركة البيع ضعيفة جدا وقليلة.

على طرف آخر، أصحاب المكاتب العقارية اشتكوا من حالة الركود الثقيلة العاصفة في السوق العقارية، وتوقعوا المزيد من التعقيدات والإشكالات التي قد تترافق مع غلاء مواد البناء وزيادة التكاليف، حيث لا مبيع ولا شراء، بل التوقف شبه التام لأعمال أنشطة البناء في معظم المحافظات السورية، والمناطق بسبب تفاقم أسعار مواد البناء، وارتفاع أجور العمالة والشحن والنقل.

كما أن حالة عدم الاستقرار في هذا القطاع هي القائمة، ولا توحي التوقعات بأية انفراجات في السوق خلال الأشهر القادمة، على حد توقعات أصحاب المكاتب العقارية للصحيفة المحلية.

قد يهمك: قوائم جديدة لرفع الأسعار في سوريا.. الإسمنت مرة ثانية؟

ارتفاعات غير منطقية

“إيرادات ممتازة للوحدات الإدارية”، وصف موقع “الليرة اليوم” المحلي مؤخرا، الرسوم المرتفعة التي تدفع مقابل الحصول على رخص البناء، لكنه أكد أيضا أن “هذه الرسوم لا ترحم المواطن من ارتفاع أسعار العقارات في البلاد”.

وأكد رئيس دائرة الرخص والبناء في مجلس مدينة طرطوس بسام شاهين، في وقت سابق، أن الدائرة منحت 30 رخصة بناء في المحافظة، برسوم بلغت مليار ونصف المليار ليرة سورية، في حين كانت سابقا لا تتجاوز رسوم هذه الرخص 50 مليون ليرة.

ويعود هذا الارتفاع في رسوم البناء، إلى التعليمات التنفيذية للقانون 37، حيث تحدد رسوم رخصة البناء وفقا للقيمة الرائجة لسعر متر الأرض الذي تحدده المديريات المالية، لمساحة البناء والشرفات ومتغيرات أخرى، وهذه الرخص منوعة شملت إما بناء جديد أو استكمال لبناء طابق إضافي.

وأوضح شاهين في تصريحات نقلها الموقع المحلي في وقت سابق، أن: “هناك تراجعا في عدد الرخص هذا العام على مستوى المحافظة، موضحا أن القسم الأكبر من الرسوم تذهب للوحدة الإدارية، وجزء منها للمحافظة والخزينة العامة للدولة، وهو أمر جيد لمصلحة الوحدات في تحسين خدماتها”.

من جانبه وصف نقيب المهندسين في محافظة طرطوس حكمت إسماعيل رفع الرسوم بـ”الجائر وغير المنطقي”، وقال للموقع المحلية في وقت سابق: “أن الزيادة بأي رسوم يجب أن تكون بحدود مقبولة لا أن تزيد 100 ضعف، فالرخصة التي كانت تكلف المتعهد 4 ملايين أصبحت 400 مليون، وهذا غير واقعي وسيرفع أسعار الشقق على الشباب لاسيما بعد الزيادة الأخيرة بسعر الإسمنت”، ونتيجة لارتفاع تكاليف الطاقة في سوريا، عمدت العديد من الشركات الصناعة وفي مقدمتها مؤسسة صناعة الإسمنت، إلى إعادة تقييم تكاليفها، لإصدار لوائح أسعار جديدة تتناسب مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.

وأكد مدير المؤسسة العامة لصناعة الإسمنت في سوريا مروان الغبرا، قبل أيام، أن لمؤسسة تَعد حاليا دراسة جديدة لتكاليف الإنتاج، تمهيدا لتقديمها إلى وزارة الصناعة، بهدف إصدار قائمة بالأسعار الجديدة بناء على متغيرات التكلفة الإنتاجية.

ويعود آخر قرار خاص برفع سعر مادة الإسمنت إلى شهر أيار/مايو الفائت، حيث أقرّت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، رفع سعر الطن الواحد من الإسمنت المنتج لدى معامل “المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء” بنسبة 90 بالمئة تقريبا.

ازدادت تكلفة الطاقة على المعامل في سوريا مؤخرا، حيث تم تطبيق أسعار المحروقات الجديدة، فارتفع سعر المازوت الصناعي إلى 2500 ليرة، بدلا من 1700، الأمر الذي زاد من تكاليف الإنتاج. وبالتالي، فإن كل هذه العوامل أثرت ولا تزال تؤثر على سوق البناء والعقارات بشكل عام، مما يجعل شراء شقة سكنية في سوريا شبه مستحيل للموظفين وأصحاب المداخيل المنخفضة جدا، وهو ما يشكل نسبة معظم السوريين اليوم.

قد يهمك: أرقام غير منطقية.. رسوم رخصة البناء تتجاوز المليار ليرة في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.