منذ بداية العام الجاري وتحديدا في كانون الثاني/يناير الفائت، حرصت بكين على تعزيز حضور نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، إذ جاءت الزيارة بعد حوالي شهر من اختتام المنتدى الثامن حول التعاون الصيني الأفريقي، الذي عقد في أواخر العام الماضي في العاصمة السنغالية، داكار.
النفوذ الصيني الذي يستغل الضعف السياسي والاقتصادي لدول القرن الأفريقي، جاء مؤخرا على شكل تعيين مبعوث صيني خاص إلى أفريقيا، لاسيما شؤون القرن الأفريقي، حيث يشير تعيين هذا المبعوث وفق العديد من المراقبين إلى أن بكين حريصة على توسيع نفوذها في القرن الأفريقي، إذ لا تركز بكين حصريا على البنية التحتية، لا سيما بعد أن أنشأت الصين وطورت أول قاعدة عسكرية خارجية لجيش “التحرير الشعبي” الصيني في جيبوتي عام 2017، حيث يتمتع البلد الأفريقي بموقع استراتيجي على مضيق باب المندب في شمال المحيط الهندي، والذي يفصل خليج عدن اليمني عن البحر الأحمر، ويعمل بمثابة “نقطة خنق” لحركة المرور البحرية المتدفقة إلى قناة السويس المصرية، ما يطرح تساؤلات حول المطامع الصينية الجديدة في القرن الأفريقي وخصوصا في دولة جيبوتي.
التواجد الدولي في القرن الأفريقي
منذ عام 2001، شهدت منطقة القرن الأفريقي ارتفاعا ملحوظا في حجم الوجود العسكري الدولي، فبحسب معهد “ستوكهولم”، فإن القرن الأفريقي هو المنطقة التي تضم جيبوتي، وإريتريا، والصومال، وإثيوبيا، ولكن، من حيث المصطلحات العسكرية، يشير القرن الأفريقي إلى حيز أمني يشمل أيضا كينيا، وسيشل، وجنوب السودان، والسودان.
الوجود العسكري الدولي في القرن الأفريقي، الذي يتألف من الموانئ، ومعسكرات التدريب، والمنشآت شبه الدائمة، ومراكز الدعم اللوجستي للقوات البرية، تديره 16 دولة، بمعدل 19 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي.
وتكمن أهمية منطقة القرن الأفريقي، في أنها تطل على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، ويمكن لمن يسيطر عليها أن يتحكم في مضيق باب المندب، الذي يعد واحدا من أهم الممرات المائية في العالم، تجاريا وعسكريا، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي أشارت إلى أن الدول الكبرى، تنفق ملايين الدولارات، لحماية ممرات التجارة العالمية.
التواجد الصيني في القرن الأفريقي الأهمية والمطامع
في بداية الألفية الجديدة، بدأت بكين إستراتيجية تهدف لتأسيس “منتدى التعاون الصيني الأفريقي” الذي عقدته منذ عام 2000 لإحكام سيطرتها على مناطق نفوذها داخل القارة الأفريقية بحسب مصلحتها، وفقا للتغيرات الجيوبوليتيكية والاقتصادية والتقلبات في إفريقيا.
ويبدو أن بكين تطمح لتوسيع تطلعاتها نحو مزيد من التمكين لنفسها، فوفقا لدراسة أجرتها مجلة “قراءات أفريقية”، فإن القارة الأفريقية هي محور رغبة الصين في ممارسة سلطتها الجديدة، بسبب مواردها الضخمة غير المستغلة والحكومات المتعطشة للمساعدة والاستثمارات الدولية.
فمن خلال إنشاء أول قاعدة عسكرية صينية خارج الصين في جيبوتي عام 2017، جعلت الصين القرن الأفريقي موقعا رئيسيا لتحقيق حلمها بمبادرة “الحزام والطريق”، فمنذ صعود الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى السلطة في عام 2013، ومن أجل تسهيل حركة البضائع الصينية وضمان سلامتها وسرعة تدفقها، قامت ببناء خط سكة حديد بطول 750 كم في عام 2017 يربط جيبوتي بأديس أبابا، كما شيدت محطة “غاريسا” في كينيا للطاقة الكهروضوئية، بقدرة 50 ميغاوات وبدأ تشغيلها عام 2019، لتصبح أكبر مشروع باستخدام الطاقة البديلة في القرن الأفريقي.
وعلى الرغم من أن الصين تربطها علاقات تجارية طويلة الأمد بالمنطقة، إلا أن تدخلها العسكري الأول الواضح هناك لم يحدث إلا في عام 2008، عندما بدأت حملة بحرية لمكافحة القرصنة في خليج عدن، فقد أرسلت الصين 26 ألف جندي إلى المنطقة بين عامي 2008 و2018، إذ ترى بكين أن القرن الأفريقي وخصوصا جيبوتي تمثل أهمية لمبادرة “الحزام والطريق”.
وفى وقت سابق من هذا العام، وخلال مؤتمر صحفي عقد في مومباسا بكينيا، وكجزء من جولة أفريقية شملت ثلاث دول في شرق أفريقيا، أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن بلاده تعتزم تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي، دون الكشف عن اسمه، لدعم السلام والاستقرار في المنطقة، حسب وصفه، فيما اعتبره مراقبون، أنه إعلان رسمي لزيادة النفوذ الصيني في المنطقة.
هناك وجهات نظر متضاربة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحرك وتوقيته، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول الدور الذي تعتزم الصين أن تلعبه في القرن الأفريقي، إذ يعتقد المراقبون أن استغلال الصين لمركز دائنيها للمطالبة بمزايا دبلوماسية وتجارية يظهر من خلال هذا الإجراء.
ومن الملحوظ أن الصين تحتفظ بقسم كبير من الديون الخارجية للدول الأفريقية، قدمتها الصين في إطار تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق التي تمر بـ 41 بلدا من أصل 55 بلدا في القارة الأفريقية، معظمها موجود على الساحل الشرقي للقارة وتطل على المحيط الهندي، ومن بين هذه الدول الثلاث إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا.
في حين تعد الصين الدائن الرئيسي لثلاث دول أفريقية، وخاصة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجيبوتي، وزامبيا، إذ تظهر إحصاءات الحكومة الصينية، بأن بكين أقرضت 50.8 مليار دولار للقارة العام الماضي.
يؤكد مراقبون بأن العديد من الدول الأفريقية، أُجبرت على إعادة هيكلة الديون الصينية، لأنها غير قادرة على الوفاء بموعد السداد، وهذا يعني أن تعيين مبعوث صيني خاص إلى المنطقة لا يهدف إلا إلى انتزاع ميزة دبلوماسية باستخدام فخ الديون.
الصين.. دور مشبوه في جيبوتي
في السنوات الأخيرة، تطورت العلاقات بين الصين وجيبوتي وحققت مطامع مشبوهة في مختلف المجالات، ففي عام 2017، أنشأت الصين قاعدة بحرية في جيبوتي، وهي المرة الأولى التي تسعى فيها إلى وجود عسكري دائم خارج حدودها، كما اتفق البلدان على إقامة شراكة إستراتيجية لتعزيز التعاون الشامل في نفس العام، مما يؤدي إلى حقبة جديدة في العلاقات بين الصين وجيبوتي التي تشارك بنشاط في مبادرة “الحزام والطريق”.
وبحسب حديث الباحث والخبير الاقتصادي، حسين العماش، لـ”الحل نت”، فإن جنوح الدول الأفريقية وبعض الدول الآسيوية التي تعاملت مع الصين كان بمثابة هروب إليها، فاستغلت الصين هذه الحالة ورمت الطعم السهل لتلك الدول، ثم ما لبثت “بلاد التنين” أن ابتلعت مرافق الدول التي استنجدت بها، ولم تنشر أو توفر أي شروط للتنمية.
لا شك أن جيبوتي تشكل نقطة دخول للصين إلى أفريقيا، وخاصة القرن الأفريقي، لا سيما مع وجود قاعدتها العسكرية التي بلغت قيمة إنشائها 590 مليون دولار، والتي عللت ذلك لتتبع المنتجات الصينية أثناء مرورها عبر المحيطات والمضايق الإقليمية. ونظرا لأهمية جيبوتي، فقد استطاعت بكين إخضاعها لديون كبيرة تصل إلى 32 بالمئة من أصل الديون الخارجية الصينية للدول الأفريقية.
ووفقا لبحث أجراه معهد “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام، فقد أصبحت الصين الدولة السابعة التى تؤسس وجودا عسكريا في الدولة الأفريقية الصغيرة بعد سنوات من الجهود لزيادة علاقاتها العسكرية في أفريقيا عبر بعثات حفظ السلام الموسعة، وتدريب الأفراد العسكريين، وزيادة مبيعات الأسلحة، إذ تعد الصين ثالث مورد للسلاح إلى شمال إفريقيا بعد روسيا والولايات المتحدة.
ركزت الصين أولا على استخدام الموقع الاستراتيجي لجيبوتي، الذي يقع على الضفة الغربية للمحيط الهندي والنهاية الشرقية للقارة الأفريقية، بعد إعلان بناء مجمع عسكري في عام 2015، وأنفقت بكين مئات الملايين من الدولارات لجعل ميناء جيبوتي أكبر ميناء في المنطقة، فقد استثمرت بكين بكثافة في مشاريع البنية الأساسية مثل المطارات الدولية والسكك الحديدية التي تمتد إلى إثيوبيا غير الساحلية، كما مولت شبكة خطوط أنابيب المياه بقيمة 4 مليارات دولار، التي تنقل مياه الشرب من إثيوبيا إلى جيبوتي.
وفيما يتعلّق بزيادة النفوذ العسكري الصيني، أغرت بكين جيبوتي بدفع 100 مليون دولار سنويا، لاستضافة إحدى القواعد الصينية، وهو مبلغ يفوق بكثير ما تدفعه الدول الأخرى التي تمتلك قواعد في جيبوتي، لتبدأ في تموز/يوليو 2017، بإرسال سفنها إلى جيبوتي بقوة تصل إلى 10000 جندي صيني يستمر وجودهم إلى عام 2026.
وتظهر الصور التي تم الكشف عنها بالأقمار الصناعية والتقارير غير الرسمية، أن القاعدة الصينية أقرب إلى قلعة يمكن أن تؤوي آلاف الجنود بسبب البنية التحتية العسكرية الهائلة التي تمتلكها، والتي تشمل الثكنات، ومرافق التخزين والصيانة، ومرافق الرسو الكبيرة بما يكفي لاستيعاب غالبية سفن البحرية، إذ تحيط أربع طبقات من الحواجز الدفاعية بمحيط الموقع الذي تبلغ مساحته 200 فدان، والذي يحتوي على الأقل على عشر ثكنات، ومخزن للذخيرة، ومروحيات.
الجدير ذكره، بأنه كلما حاولت القيادة الصينية أن تطمئن المجتمع الدولي حول أهدافها في منطقة القرن الأفريقي وخصوصا جيبوتي، تشير تحركاتها إلى عكس ذلك، فإذا نجحت الصين في تعزيز سيطرتها على المنطقة، فسوف تتحكم بشكل فعال في تجارة الطاقة والحبوب والأسمدة.
ما هي القواعد الدولية في جيبوتي؟
نظرا لموقعها الاستراتيجي على الساحل الغربي لمضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر ببحر العرب، والذي يمثل أحد أهم مصادر الدخل لهذا البلد العربي، حيث تحصل على أكثر من 100 مليون دولار مقابل استئجار هذه القواعد، التي تسعى دول عدة لإقامة قواعد عسكرية فيها.
تعد القاعدة العسكرية الأميركية التي تضم 4000 جندي، في جنوب مطار “أمبولي” الدولي في عاصمة البلاد جيبوتي، والتي أسستها واشنطن في عام 2001، هي الأكبر في جيبوتي، إذ من هذه المنشأة، يقوم أفراد الجيش الأميركي بعمليات “مكافحة الإرهاب” ضد “حركة شباب المجاهدين” المسلحة في الصومال وتنظيم “القاعدة” في اليمن.
وجددت واشنطن عقد إيجار القاعدة الأميركية في عام 2014 لمدة عشر سنوات إضافية، بتكلفة قدرها 63 مليون دولار سنويا. ويستخدم هذا المرفق في كثير من الأحيان لإجراء تدريبات عسكرية للدول الأفريقية.
أما بالنسبة للمنشأة العسكرية الفرنسية المجاورة لمطار جيبوتي، فهي أقدم وثاني أكبر قاعدة في القارة بعد القاعدة الأميركية، ويبلغ عمرها حوالي 100 سنة وهي تضم 900 جندي، مقابل اتفاق تأجير سنوي بقيمة 34 مليون دولار.
وتتمركز في جيبوتي أيضا قوات المهام المشتركة “أتلانتا”، وهي قوة عمل مشتركة أسسها الاتحاد الأوروبي بمشاركة ثماني دول (ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا واليونان وهولندا وبريطانيا والسويد)، لمكافحة القرصنة في خليج القرن الأفريقي.
العديد من العوامل، بما في ذلك الأهمية الجيوستراتيجية لجيبوتي، والاعتبارات الاقتصادية، والقرب من مناطق النزاع من ناحية، ونظام الأهداف والمصالح الوطنية المرتبطة بالقوات ذات القواعد العسكرية في جيبوتي، من ناحية أخرى، تدفع البلاد إلى استضافة قواعد عسكرية.
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب
- إسرائيل تدمر سيارة على طريق مطار دمشق.. من المستهدف؟
- عاصمة سياسية واقتصادية للمعارضة: ما مكاسب السيطرة على حلب؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.