يرى كثير من المراقبين أن العمليات الإسرائيلية في سوريا تعكس العلاقات المتوترة بين موسكو وتل أبيب، إذ ترغب الأخيرة في تحييد الدور الروسي، الحامي لدمشق من ضربات إسرائيلية نوعية أو حاسمة.

 ومع احتمالية زيادة التصعيد بين الغرب وموسكو يمكن أن تتحول سوريا إلى ساحة لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة، خصوصا في حال فشلت جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط في تلبية مطالب دول الخليج وإسرائيل بخصوص طهران، الأمر الذي يؤهل تل أبيب لتلعب دورا حاسما في مصير حكومة دمشق.

وكان من آواخر العمليات الإسرائيلية في سوريا استهداف مطار دمشق الدولي، في العاشر من حزيران/يونيو الماضي، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة، بسبب تضرر مدرجات الإقلاع والهبوط، وبعض أجهزة الملاحة والرادار والأجهزة الفنية، قبل أن تعلن وزارة النقل السورية عن عودته للعمل، بعد انتهاء عمليات الإصلاح، التي استغرقت حوالي أسبوعين.

وتجدد القصف الإسرائيلي النوعي في الثاني من تموز/يوليو الجاري، مستهدفا بلدة الحميدية جنوبي طرطوس، لتعطيل محاولات إيرانية لإدخال منظومات دفاع جوي، وفقا للقناة “12” العبرية.

وأضاف تقرير القناة الإسرائيلية أن “العمليات الإسرائيلية في سوريا تأتي وسط تحركات جديدة للإيرانيين، بهدف إدخال منظومات دفاع جوي، لحماية مواقعهم العسكرية من الاستهداف”. موضحة أن “هذا الجهد الكبير يقوده ضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع جيش الحكومة السورية، لتشغيل المنظومات المضادة الإيرانية”.

زيارة بايدن للسعودية وعمليات تل أبيب في سوريا

ويبدو أن العمليات الإسرائيلية في سوريا، الموجهة ضد إيران، تؤشر إلى تغير ما في قواعد الاشتباك في المنطقة، فقد استهدفت مواقع لم يكن قصفها بهذه الشدة معهودا سابقا.

الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي يعتبر أن “إسرائيل يمكن أن تحسم مصير حكومة دمشق، في حال انخرطت الأخيرة بشكل مباشر في الصراع إلى جانب طهران”.

ويستدرك علاوي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “إسرائيل وحدها، دون دعم دولي وإقليمي، لا تستطيع مواجهة إيران عسكريا لفترة طويلة، بسبب عدم تحملها التداعيات الاقتصادية المترتبة على الحرب، في ظل وجود محيط عدائي لها وهو المحيط العربي، لذلك تحاول تأمين المحيط الإقليمي والعربي، تفاديا لأية هزة اقتصادية، في حال حدوث مواجهة مباشرة مع إيران”.

ويرى علاوي أن “جولة الرئيس الأمريكي بايدن إلى الشرق الأوسط ستكون حاسمة في ملف العلاقات مع إيران”. مرجحا أن “الإسرائيليون سيطالبون بجدول زمني؛ والخليجيين بتطمينات خاصة، تجاه إيران، في ظل الموقف الخليجي القوي دوليا، بسبب نقص الطاقة في السوق العالمي، بينما يعتمد الموقف الإسرائيلي على قوة علاقات تل أبيب مع واشنطن”.

وبحسب الكاتب السوري “يمكن أن نرى في المستقبل القريب نتائج زيارة بايدن على الوضع في سوريا، ففي حال نجح الرئيس الأمريكي بتخفيف مخاوف الإسرائيليين والخليجيين تجاه طهران، سنرى تراجعا في حدة التهديدات الإسرائيلية لإيران. وبالعكس، في حال فشل بايدن في تحقيق مطالب دول الخليج وتل أبيب، سنشهد تصعيدا كبيرا ضد إيران، وازديادا في العمليات الإسرائيلية في سوريا”.

ويوضح علاوي أن “المشكلة الأساسية، التي تواجها سوريا، تتمثل في كونها غدت مسرحا للتناقضات الدولية، وتدافعات الدول المتصارعة، مع غياب أي توافق سياسي، وهو ما أخّر الحل السوري، إذ أن القوى المتداخلة في سوريا قوى متنافرة، وليست متفقة فيما بينها، وتل أبيب وطهران تشكلان جزءا من هذه القوى المتنافرة، التي جعلت من سوريا صندوق بريد لإرسال الرسائل السياسية والميدانية، ومنها العمليات الإسرائيلية في سوريا”.

إسرائيل ما زالت ضمن قواعد اللعبة

في المقابل يرى الكاتب الصحفي إياد الجعفري أنه “يجب النظر إلى العمليات الإسرائيلية في سوريا من زاوية معاكسة. فهي لا تخدم مخططا مشتركا مع واشنطن، بقدر ما تخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى”.

ويضيف في حديثه لـ”الحل نت”: “دون شك، هناك تنسيق أميركي-إسرائيلي بهذا الشأن، لكن تقديم العمليات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا على أنها تندرج في إطار مسعى دولي لتقويض نفوذ إيران في الإقليم، قراءة مبالغ بها. فالوجود الإيراني في سوريا، شأن إسرائيلي بالدرجة الأولى، أكثر مما هو شأن أميركي، وأكثر مما هو شأن خليجي. وتصعيد الضربات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة جاء ردا على تصاعد النفوذ الإيراني، بعد حصول طهران على ضوء أخضر روسي”.

ويستبعد الجعفري أن “يكون استهداف مطار دمشق الدولي، والقصف الإسرائيلي الذي طال بلدة الحميدية جنوبي طرطوس، قد غيّر من قواعد اللعبة في سوريا، فهذه ليست المرة الأولى التي يُقصف فيها مطار دمشق، وإن كانت الأشد. كما أنها ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها الساحل السوري، وتُستهدف منظومات دفاع جوي إيرانية. وليس من مصلحة الأطراف الثلاثة (الأسد، إيران، إسرائيل)، تغيير قواعد اللعبة، لأن ذلك يعني الدخول في ساحة صراع غير منضبطة، كل الاحتمالات فيها واردة”.

وبالنسبة لقدرة إسرائيل على حسم مصير حكومة دمشق، في ظل تحييد الدور الروسي في سوريا، يعتقد الجعفري أنها فرضية مبالغ بها، لأن “روسيا لن تتخلى تماما عن نفوذها في دمشق، وإسرائيل ليست في وارد إسقاط الحكومة السورية، في غياب بديل مناسب، تستطيع الوصول معه إلى قواعد لعبة آمنة، كتلك التي تتمتع بها مع الأسد، ولذلك فإن العمليات الإسرائيلية في سوريا ما تزال ضمن قواعد الاشتباك القديمة نفسها”.

العمليات الإسرائيلية والعلاقات بين موسكو وتل أبيب

فراس علاوي يرى أن “توتر العلاقات بين تل أبيب وموسكو، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، يعني ابتعاد روسيا عن دورها الضامن أو الموازن للعلاقات الدولية في سوريا، وهذا من مصلحة تل أبيب. وحتى الآن، لا يزال التدخل الإسرائيلي في سوريا موجها ضد إيران، وليس ضد موسكو بأي شكل من الأشكال. ولا أعتقد أن إسرائيل ستدخل في صدام مباشر مع روسيا، إلا في حال حدوث تصعيد دولي، وهو احتمال بعيد. ولذلك فإن عزل موسكو عن تأثيرات الصراع في سوريا يشكّل النجاح الأكبر لتل أبيب وحلفائها”.

إياد الجعفري يتفق مع الفرضية، التي تستبعد تنامي الصراع بين الروس والغرب على الأرض السورية. مؤكدا على “عدم وجود أية مؤشرات على احتمالية حصول استهداف للقوات الروسية في سوريا، بل ما يحدث هو العكس تماما، يبدو أن روسيا والغرب يعملان على تحييد الساحة السورية عن الصراع في أوكرانيا، لأسباب عديدة، أبرزها أن واشنطن ذاتها ليست في وارد استجلاب موارد للانخراط في صراع على الأرض السورية. أما روسيا، فليس لها مصلحة في الصدام المباشر مع واشنطن في سوريا، لأن ذلك سيضطرها لخوض صراع مباشر في ساحتين عسكريتين، وهذا ما يتنافى مع اتجاهها للتركيز على الملف الأوكراني، الأكثر أولوية بالنسبة لها”.

ويرى الجعفري أن “إسرائيل حريصة قدر المستطاع على عدم تصعيد التوتر مع موسكو. إذ تملك الأخيرة القدرة على الإضرار بأمن إسرائيل. فهي فعليا، حسبما وصفها مسؤولون إسرائيليون سابقا، جارتهم الشمالية. لذلك، ستستمر إسرائيل في محاولة البحث عن سبل لاتخاذ موقف وسط بين أمريكا وروسيا، في ضوء تفاعلات الأزمة الأوكرانية، وهكذا فإن العمليات الإسرائيلية في سوريا ستحرص على عدم استثارة موسكو، أو ضرب مصالحها في المنطقة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.