يثير تجديد الخط الائتماني بين طهران ودمشق في الآونة الأخيرة، تساؤلات حول مدى نجاح ربطه بقطاع الفوسفات الذي تستحوذ عليه روسيا منذ العام 2018 على الرغم من وعود الحكومة السورية بمنحه لطهران ضمن بنود الخط الائتماني للعام 2017. فهل نشهد إدراج الفوسفات السوري، ضمن تحصيل أموال مسيرة حافلة من الخطوط الائتمانية الإيرانية والتي بدأت منذ العام 2013 وحتى العام الحالي؟

في آذار/مارس 2018 صادق مجلس الشعب في سوريا على منح روسيا حق استثمار واستخراج الفوسفات في منطقة مناجم الشرقية، وبهذا تكون موسكو قد استحوذت على قطاع الفوسفات السوري، متغلبة على المطامع الإيرانية الرامية للسيطرة على هذا الملف.

لقد تم توقيع العقد رقم (66) بين “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” التابعة لوزارة النفط السورية من جهة، وشركة “ستروي ترانس غاز” الروسية من جهة أخرى، والذي ينص على إعطاء الأخيرة حق استثمار واستخراج الفوسفات في منطقة مناجم الشرقية (45 كم جنوب غرب تدمر) ضمن قطاع يبلغ الاحتياطي المثبت فيه 105 ملايين طن، وبحسب العقد تكون نسبة الجانب السوري 30 بالمئة فقط من الإنتاج، بالإضافة لـ 2 بالمئة كمقابل لقيمة أجور الأرض والتراخيص ونفقات إشراف المؤسسة والضرائب والرسوم الأخرى، وسيتم الإنتاج بمعدل 2.2 مليون طن سنويّا لمدة خمسين عاما، أي حتى استهلاك كامل الاحتياطي في هذا القطاع.

ووفقا لتقرير صادر عن مجموعة من الصحافيين الاستقصائيين بقيادة “لايت هاوس ريبورتس” ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، إلى جانب وحدة الصحافة الاستقصائية السورية “سراج”، تنتج المناجم التابعة للشركة الروسية نحو 650 ألف طن من الفوسفات سنويا، على رغم أن العقد يسمح بحفر واستخراج 2.2 مليون طن سنويا بحسب مسؤولين سوريين. وبمجرد استخراجها، يتم شحن الفوسفات في قوافل برية وسكك حديدية إلى مصانع الأسمدة بالقرب من حمص أو إلى ميناء طرطوس.

كانت سوريا تحتل المرتبة الخامسة عالميا على قائمة الدول المصدِّرة للفوسفات حتى العام 2011، ويتوزع خام الفوسفات في سوريا على: مناجم خنيفيس والشرقية والرخيم ضمن السلسلة التدمرية. ومناجم الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري، في منطقة الحماد. ومناجم عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة، في المنطقة الساحلية.

في حين خلصت دراسة صادرة عن “مركز الجزيرة للدراسات” إلى أن الأهمية الاقتصادية للفوسفات في سوريا جعلت مناجمه تتصدر قائمة الموارد السورية التي يمكن أن تشكِّل تعويضا لروسيا وإيران عن تكاليف دعمها لبقاء الحكومة السورية، ويُضاف إلى الأهمية الاقتصادية للفوسفات السوري غناه بمادة اليورانيوم وإمكانية استخدامه لأغراض عسكرية؛ الأمر الذي يعزز التنافس بين روسيا وإيران للاستحواذ على الاحتياطي السوري منه.

ورأت الدراسة أن الصراع على مناجم الفوسفات بين موسكو وطهران يقدم مؤشرا مهمّا على رغبة الطرفين باستعادة كامل فاتورة دعم دمشق من ناحية، وعلى أن مرحلة نهاية العمليات العسكرية في سوريا وإعادة الإعمار ستشكل بداية النهاية لعلاقة “التخادم” وليس التحالف بين الطرفين من ناحية أخرى، فالعلاقة بينهما هي علاقة اعتماد متبادل تشمل استخدام موسكو للميليشيات الإيرانية على الأرض واستفادة طهران من الدعم الجوي الروسي كغطاء لتحركاتها، إضافة للغطاء الدبلوماسي الدولي الذي توفره موسكو لطهران عبر “الفيتو” في مجلس الأمن.

إيران غير مهتمة بقطاع الفوسفات

الباحث الاقتصادي سمير طويل يوضح خلال حديث لـ”الحل نت” أن الخطوط الائتمانية بين دمشق وطهران تعمل منذ العام 2013، وتختلف طبيعة كل خط ائتماني يتم التفاهم عليه، وفقا لاحتياجات دمشق.

تتراوح تلك الاحتياجات بين تأمين الأدوية وبعض المستوردات الضرورية، وبين المشتقات النفطية وإعادة هيكلة قطاع الطاقة وخصوصا محطات توليد الطاقة الكهربائية. ويعتمد عمل خط الائتمان بين دمشق وطهران على مبدأ المقايضة علما أن فائدة القروض متواضعة وميسرة. وذلك نتيجة عدم قدرة الحكومة السورية على التسديد النقدي، فالرصيد من العملات الأجنبية متلاش، والوسيلة الوحيدة للدفع هي المقايضة، إضافة لكون المقايضة تعزز من ربط الاقتصاد السوري بالإيراني.

في حين تحقق إيران مكاسب كبيرة من تفعيل الخطوط الائتمانية، كون هذا التفعيل يأتي مترافقا مع تدخلها العسكري الذي تسعى من خلاله لتغيير الوضع الديمغرافي في سوريا، والسيطرة على مناطق ومدن محددة بشكل كامل، إضافة للاستثمار في القطاع العقاري بشكل رئيسي.

ويرى طويل أن إيران غير مهتمة في حقيقة الأمر بخروج قطاع الفوسفات وحتى قطاع النفط من سيطرتها، لأنها تسعى لمصالح معينة تتخطى المجال الاقتصادي وتتعلق بالتغيير الديمغرافي، كما حققت إيران اكتفاء في مجالات اقتصادية متعددة وعلى رأسها العقارات والصناعة والسياحة.

ويوضح طويل أن إيران بحاجة للدعم الروسي سواء في مجلس الأمن، أو بما يخص ملف الاتفاق النووي. وهناك حالة من التقاء المصالح بينها وبين موسكو بل هي تعمل عسكريا تحت الغطاء الروسي. وتستعين بسلاح الجو الرئيسي في معظم المعارك التي تخوضها الميليشيات الموالية لها في سوريا. وبناء عليه، قد لن تطالب إيران بالحصول على ملف الفوسفات بل ستكتفي بقطاعات أخرى وعلى رأسها كل ما يؤمن لها تنفيذ مشروع التغيير الديمغرافي الذي يشكل رأس الحربة في تدخلها العسكري إلى جانب دمشق.

الفوسفات خارج معادلة خطوط الائتمان

حتى العام 2017، كانت دمشق وطهران قد افتتحتا 4 خطوط ائتمانية بقيمة 5 مليارات دولار. و منحت إيران منجمي خنيفيس والشرقية بموجب اتفاق عقده رئيس الحكومة السورية السابق، عماد خميس، خلال زيارته لطهران في مطلع العام 2017، والقاضي بتسديد الديون الإيرانية الناجمة عن خطوط الائتمان الأربعة التي منحتها إيران لدمشق، لكن دمشق راوغت في تنفيذ هذا الاتفاق لتكون روسيا هي الرابح في قطاع الفوسفات.

وفي أيار/مايو الماضي وقع الرئيس السوري بشار الأسد أحدث خط ائتماني خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها إلى طهران، ويضمن تزويد سوريا بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد، من دون ذكر تفاصيل عن الحجم المالي للخط الائتماني، الذي يلمح مراقبون إلى أنه يتخطى المليار دولار.

ويشير الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر خلال حديث لـ”الحل نت” إلى أن إيران تحرص على تنفيذ خط ائتمان جديد مع الحكومة السورية كونها لا ترغب بسقوطها، خاصة في ظل عدم قدرتها على الحصول على غالبية المواد الرئيسة وعلى رأسها المحروقات بسبب العقوبات الغربية، فهي وسيلة لدعم دمشق اقتصاديا، إضافة لكون خط الائتمان هذا يعزز من التوغل الإيراني في الاقتصاد السوري، أما فيما يتعلق بمصلحة الحكومة السورية، فهي تدرك أن هذا الخط لن يتمكن من تقديم أي خدمات للسوريين في مناطق سيطرتها، لاسيما وأن هذا الخط لا يقدم دعما كاملا، لكنه يضمن تقديم الحدود الدنيا من الخدمات.

ويؤكد السيد عمر أنه “من غير المتوقع أن تنجح إيران في الحصول على حصة من الفوسفات السوري، فهذا القطاع تحت نفوذ وسيطرة الروس، وليس لإيران القدرة على منافسة روسيا، فإيران تسعى لاستثمار القطاعات التي لا ترغب بها روسيا، غالبية المجالات التي سعت روسيا للحصول عليها تكللت بالنجاح، كونها تعد القوة الأبرز في مناطق سيطرة دمشق”.

ويضيف السيد عمر بأن دمشق لم تراوغ سابقا، في تسليم إيران بعض القطاعات الاقتصادية المتعلقة بالنفط والفوسفات، لأن الحكومة السورية ليست صاحبة قرار، فهي جهة منفذة فقط، والكلمة الأولى لروسيا، ومن خلال توازن القوى على الأرض لا تتمكن إيران من الحصول على أي مرافق إنتاجية ما لم تسمح روسيا بذلك، فموافقة الحكومة السورية ليست مهمة هنا، كونها شكلية فقط، بينما المقرر الفعلي هي روسيا.

تطبيق معادلة الاستعمار الحديث؟

تسعى إيران بحسب دراسة صادرة عن “مركز الحوار السوري”، و”مركز ماري للأبحاث والدراسات”، لربط مقدرات سوريا باقتصادها، وهي ذات المعادلة التي قام عليها “الاستعمار الحديث”، والتي اعتمدت على ربط اقتصاديات الدول المُستَعمَرَة باقتصاديات الدولة المُستعمِرَة.

ويرى سمير طويل أن عملية الربط هذه تتجاوز الاقتصاد نحو السياسة والدين والموارد البشرية ومعظم المجال العام في سوريا، بحيث يتم التعامل مع سوريا كمحافظة تابعة لإيران.

ويتفق يحيى السيد عمر مع هذه القراءة، مبينا أن عملية الربط يمكن أن تتم من خلال عدة أدوات، منها الاستثمار المباشر وخطوط الائتمان لا سيما القائمة على المقايضة، فمن خلال هذه الخطوط تمكنت إيران من فرض شروط على حكومة دمشق خاصة فيما يتعلق بهيكلية الاقتصاد، وهذا ستظهر نتائجه خلال السنوات القادمة، وقد نشهد تقدم إيران للمراتب الأولى في قيمة التبادل التجاري للحكومة السورية، مع الخارج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.