ليس معروفا على وجه الدقة مصير العملية العسكرية التركية في سوريا، بعدما دار من نقاش في طهران، خلال القمة التي جمعت زعماء إيران وروسيا وتركيا.

وكانت تركيا قد أعلنت عن عزمها تنفيذ عملية عسكرية في مناطق من الشمال السوري. لكن الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يحصل على موافقة نظيريه، الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي، على أي تحرك تركي عسكري جديد.

بدا ذلك جليا من تحذير المرشد الإيراني علي خامنئي لأردوغان، خلال استقباله في طهران، من مخاطر العملية العسكرية التركية، قائلا إن “الهجوم العسكري على شمال سوريا يضر بالتأكيد بسوريا وتركيا والمنطقة”.

وكذلك أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء لقائه بخامنئي في طهران، إلى “تطابق موقف إيران وروسيا في رفض الهجوم على شمالي سوريا”. مضيفا: “يجب إعادة شرقي الفرات في سوريا إلى سيطرة القوات العسكرية السورية”.

ومقابل تقاطع مواقف طهران وموسكو من العملية العسكرية التركية، تبدو أنقرة مصممة عليها، إذ أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في الحادي والعشرين من شهر تموز/يوليو الحالي، أن “بلاده لا تحتاج إلى إذن من أحد لمهاجمة المسلحين المشتبه بهم”.

وأضاف، في ما اعتبره بعض المراقبين ردا مباشرا على روسيا وإيران، “تبادلنا الآراء في طهران، لكننا لم نطلب أبدا الإذن لعملياتنا العسكرية”.

بدوره قال وزير الخارجية في حكومة دمشق فيصل المقداد إن “أي اعتداء تركي على الأراضي السورية، وإقامة ما يسمى منطقة آمنة، يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وتابع المقداد: “نحن نرفض سياسات التتريك، والتدخلات التركية في شؤون سوريا. وعلى جميع القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي الخروج من الأراضي السورية”.

مؤكدا: “مرتاحون للجهود التي بذلها أصدقاء سوريا في إيران، للخروج ببيان متوازن في قمة طهران، يؤكد على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها”.

والسؤال: هل أغلق الاصطفاف الإيراني – الروسي الباب على العملية العسكرية التركية في الشمال السوري؟

“العملية العسكرية التركية ما تزال قائمة”

حمزة تكين، الصحفي التركي المقرّب من حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، يشدد على أن “بلاده لن تتراجع عن تنفيذ العملية العسكرية في الشمال السوري، لأن تركيا لم تطلب في قمة طهران موافقة أحد، وإنما أبلغت الأطراف الأخرى بوجهة نظرها، التي تستدعي التحرك العسكري العاجل”.

وأضاف، في إفادته لـ”الحل نت”، أن “أنقرة تطالب بتنفيذ التعهدات الروسية ذات الصلة، بإبعاد عناصر التنظيمات الكردية عن الشريط الحدودي، بعمق لا يقل عن ثلاثين كيلومترا، وبالتالي طالب أردوغان بوتين بتنفيذ هذا الشرط، مقابل عدم تنفيذ العملية العسكرية التركية”.

وحسب تكين فإن “تركيا لم تأخذ قبل العمليات العسكرية، التي نفذتها قواتها سابقا في الشمال السوري (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) الإذن، لا من روسيا ولا إيران ولا حتى الولايات المتحدة”. مبينا أن “الحال لم يختلف عن السابق”.

وبذلك، يرى الصحفي التركي أن “العملية العسكرية قائمة وستُنفذ، رغم اعتراض بقية الأطراف عليها”. مشيرا إلى “استمرار وصول الأرتال العسكرية التركية إلى الشمال السوري”. وقال: “كل المؤشرات تؤكد أن أنقرة عازمة على العملية، ولعل الهجوم الإعلامي المنظّم على تركيا، يؤكد فهم الأطراف المعترضة جدية أنقرة في عمليتها”.

العملية العسكرية التركية ومشكلة التوافقات الدولية

كثير من المراقبين، على خلاف تكين، يؤكد أن كل العمليات التركية في الشمال السوري كانت نتيجة توافقات مع الأطراف الدولية المتحكّمة بالشأن السوري، ولذلك فإن حديث أنقرة عن “عدم طلبها إذن أحد”، قد يضعها في موقف محرج مع حلفائها، إلا إذا كان موجها للاستهلاك الداخلي، مع اقتراب الانتخابات التركية.

وفي السياق ذاته، رجّحت منى يعقوبيان، الباحثة في “معهد الولايات المتحدة للسلام”، أن “قمة طهران لن تثني أردوغان، الذي يتحضّر لانتخابات رئاسية في 2023، عن القيام بخطوة رمزية، تتيح له الادعاء بأنه قام بتحرك، ولكن من دون شن هجوم عسكري واسع، خصوصا أنه يعتقد أن هجوما في سوريا، وربطه بمسعى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، سيكسبه تعاطفا قبل الاستحقاق الرئاسي”.

وترى يعقوبيان، في حديثها لوكالة “فرانس برس”، أن “أردوغان قد يختار شنّ توغل محدود جدا من حيث النطاق والمدة، أو ضربات محدودة من طائرات مسيّرة”.

الظروف لا تخدم تركيا

من جهته، يقلل العميد أحمد رحال، الخبير العسكري والاستراتيجي، من احتمالية تنفيذ العملية العسكرية التركية، بسبب رفض كل الأطراف الدولية والإقليمية لأي تحرك تركي جديد. ويقول لـ”الحل نت”: “ظروف المنطقة لا تحتمل تحركا عسكريا تركيا، وخاصة أن تركيا واجهت رفضا واضحا من روسيا وإيران، يضاف إلى رفض أميركي”.

ويجادل البعض بأن الأطراف الدولية لم تكن موافقة على العمليات العسكرية السابقة قبل تنفيذها، ما يعني أن اعتراضها الآن لا يختلف عن المواقف السابقة، وعن ذلك يقول رحال: “النبرة الروسية والأميركية مختلفة الآن تماما، وعسكريا نشاهد تحركات عسكرية روسية وأميركية، وحتى إيرانية، مختلفة عن التحركات التي سجلت قبل العمليات العسكرية التركية السابقة”.

مخاطر العملية العسكرية على تركيا

ووسط كل ذلك يتردد السؤال عن الخيار الذي ستذهب نحوه أنقرة؟ وما المخاطر التي ستواجهها إذ مضت بالعملية العسكرية التركية في الشمال السوري؟

زكريا فحام، مدير مركز “نما للأبحاث المعاصرة”، يرى أن “هناك أربعة مخاطر، تحيط العملية العسكرية التركية في سوريا، ولا يمكن لأنقرة القيام بأي تحرك إذا لم تأمنها”.

ويوضح لـ”الحل نت” أن “المخاطرة الأولى تتصل بتأثير المجتمع التركي، وانعكاس العملية على حظوظ حزب العدالة والتنمية في البقاء في السلطة؛ أما المخاطرة الثانية فتتمحور حول القدرات العسكرية والبشرية واللوجستية المتوفرة، لإنجاح العملية العسكرية التركية؛ وقدرة الأطراف التي تواجهها تركيا في العملية، وهي قوى الجيش الوطني في مناطق المعارضة، على المواجهة”.

وطبقا للباحث فإن “المخاطرة الثالثة هي تأثير الجوانب الاقتصادية على نتائج العمليات العسكرية؛ ورابعا وأخيرا شرعية العملية ضمن السياق الدولي والإقليمي، وهو ما يتجلى عند كل عملية عسكرية خارج حدود تركيا”.

ويكمل فحام: “أرى أن تركيا ستحاول مواجهة المخاطر وتقليل أثرها، أو مبادلة غاياتها العسكرية بمصالح أخرى. ولا أعتقد أن وضع تركيا حاليا يسمح بتحمّل المخاطرة. وسيتم تأجيل العملية العسكرية التركية إلى أن تتمكن أنقرة من تقليل الآثار السلبية المحتملة”.

ومنذ العام 2016 نفّذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، استهدفت كلا من تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتقول أنقرة إن “الهدف هو إبعاد الخطر على أمنها القومي، انطلاقا من الحدود السورية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.