بيانات رسمية أظهرت اليوم الأربعاء ارتفاع معدل التضخم في تركيا إلى أعلى مستوى له في 24 عاما، مسجلا 79.6 بالمئة على أساس سنوي في تموز/يوليو الفائت، إذ أدى استمرار ضعف الليرة وارتفاع تكاليف نقل الطاقة، والسلع الغذائية إلى زيادة الأسعار بشكل غير مسبوق.

تضخم بنسبة 80 بالمئة

مع تزايد تساؤل المستثمرين عن استدامة السياسات الاقتصادية وسط تراجع العملة وارتفاع التضخم، أفادت هيئة الإحصاء التركية “تركستات”، اليوم الأربعاء أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 79.6 بالمئة على أساس سنوي الشهر الماضي، ارتفاعا من 78.6% في حزيران/ يونيو.

وكان التقدير المتوسط لآراء 22 محللا استطلعت وكالة “بلومبرغ” للأنباء آراءهم، بشأن التضخم هو 80.2 بالمئة، وبلغ معدل التضخم الشهري 2.4 بالمئة، مقارنة بتوقعات بـ2.6 بالمئة في استطلاع آخر منفصل.

وازدادت أسعار المنتجين على أساس سنوي بـ145بالمئة، وارتفعت أسعار الأغذية على أساس سنوي إلى 94.7 بالمئة مقابل 93.9 بالمئة في حزيران/ يونيو الفائت، فيما ارتفعت تكاليف النقل بنسبة 119.0بالمئة على أساس سنوي، وفق تقارير صحفية.

وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني تأثير المواد متقلبة الأسعار بما في ذلك الغذاء والطاقة، إلى 61.7بالمئة مقابل 57 بالمئة الشهر الماضي.

قد يهمك: تركيا .. فواتير كهرباء صادمة، ما هو السبب؟

أسباب التضخم

إن التضخم في تركيا بدأ بالارتفاع منذ أيلول/سبتمبر الماضي، عندما تراجعت الليرة بعدما خفض البنك المركزي تدريجيا سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 14بالمئة ضمن دورة التيسير النقدي التي سعى إليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

وزاد التضخم هذا العام بسبب التداعيات الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا، فضلا عن استمرار انخفاض الليرة، وتراجعت العملة التركية بنسبة 44 بالمئة مقابل الدولار العام الماضي، وانخفضت بنسبة 27 أخرى هذا العام.

وسجل التضخم السنوي الآن أعلى مستوى له منذ سبتمبر 1998، عندما بلغ 80.4 بالمئة، ومع بداية حزيران/يونيو الفائت، رفعت تركيا أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، وألقت الشركة المستوردة للطاقة في البلاد اللوم في ذلك على ما وصفتها بأنها “عاصفة مكتملة الأركان” في الأسواق تغذي ارتفاع التضخم في البلاد.

وتستورد تركيا جميع احتياجاتها من الطاقة تقريبا، مما يجعلها عرضة لمخاطر تقلبات الأسعار الكبيرة. وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة العالمية في الأشهر الأخيرة إلى زيادة تكاليف الواردات.

وفي وقت سابق قال بنك “آي إن جي” الهولندي، إن تركيا قد تواجه مشاكل في تمويل عجز الحساب الجاري المزدهر لأن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يزال منخفضا مقارنة بنظرائها، ويعتمد بشدة على تدفقات رأس المال قصيرة الأجل.

وأفاد البنك المركزي التركي، مؤخرا أن عجز الحساب الجاري نما بنسبة 67 بالمئة سنويا إلى 5.55 مليار دولار في آذار/مارس مع قفز الواردات. كان هذا الشهر الخامس على التوالي من العجز. زادت فجوة الحساب الجاري المتجدد لمدة 12 شهرا إلى 24.2 مليار دولار، وهو ما يتجاوز بكثير هدف الحكومة لعام 2022، البالغ 18.6 مليار دولار في برنامجها الاقتصادي لمدة ثلاث سنوات.

من جانبه، قال كبير الاقتصاديين في “آي إن جي” محمد ميركان في تقرير صحفي تركي سابق، نظرا أنه من المتوقع أن تظل أسعار النفط مرتفعة، فمن المرجح أن يحافظ الحساب الجاري على الاتجاه الآخذ في الاتساع على المدى القريب.

وبحسب تقارير صحفية، فإنه وبالرغم من التخفيضات الضريبية على السلع الأساسية والدعم الحكومي لبعض فواتير الكهرباء لتخفيف العبء على ميزانيات العوائل التركية، فإن التضخم الجامح الذي يقلق تركيا زاد من حدته، الغزو الروسي لأوكرانيا.

غلاء فاحش في تركيا

غلاء فاحش في الأسواق، الأسعار تتغير كل بضعة أيام وفواتير المشترين كلما ذهبوا للتسوق باتت بمئات الليرات؛ بل وصلت للآلاف لدى البعض، رغم أن ما يشترونه من حاجيات، هي سلع ضرورية وليست بين قوائم الكماليات.

ما سبق، تترجمه الأرقام الصادرة عن اتحاد العمال التركي والتي حددت خطي الفقر والجوع في تركيا على مدار الأشهر الماضية وكيف ارتفعت لمستويات قياسية في مشهد ينذر بكارثة اقتصادية يخشى منها الجميع وسط غياب الحلول المجدية.

وتواصل مراسل “الحل نت”، مع عددا من العوائل في تركيا، الذين أشاروا بدورهم إلى أن الرواتب الشهرية بالكاد تكفي المصاريف الضرورية، وأن هذا حال العديد من العائلات السورية والتركية في ظل الغلاء المتواصل، الذي تشهده الأسواق نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تحيط بتركيا.

وفي وقت سابق، عزا الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، هذا التضخم إلى سببين؛ الأول العامل النفسي لدى الأتراك والأجانب المقيمين في تركيا، والذين يقومون بزيادة معدل تحويل الليرة إلى دولار أو ذهب، فكلما ازداد هذا المعدل كلما انخفضت قيمة الليرة.

والسبب الثاني، كما يرى السيد عمر، في حديثه السابق لـ”الحل نت”، هو قيام جهات بتمويل المضاربات على الليرة بهدف الضغط عليها وإظهار قرار الحكومة بأنه خاطئ، وبالتالي الضغط الشعبي عليها للتراجع عن سياسة التخفيض، وذلك كون مصالح هذه الجهات تتعارض مع تخفيض سعر الفائدة.

ورغم تطمينات أردوغان، المستمرة حول وعوده بتجاوز حكومته الأزمة الاقتصادية الحالية خلال وقت قصير، إلا أن الأرقام والتحليلات الاقتصادية تنذر بتضخم الأزمة أكثر. والجدير بالذكر أن الحكومة التركية الحالية لا تزال تشهد موجة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الأزمة الاقتصادية التي لم تخرج منها البلاد رغم التطمينات المستمرة.

قد يهمك: الغلاء ينهش أسواق تركيا وآلاف الليرات بالكاد تكفي لشهر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.