تدخلت إيران في الشأن السوري بشكل مباشر بعد تصريح المرشد علي خامنئي بمساندة طهران حكومة دمشق، عقب اندلاع الحراك الشعبي ضدها، وقد نشرت قواتها على طول المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق. وتصنف إيران نظام الحكم في سوريا حليفا استراتيجيا لها، وتولي أهمية لهذا التحالف، وبذلت جهودا مكثفة ومكلفة ومتكاملة من خلال الدعم المادي والعسكري لإبقاء السلطة الحاكمة الحالية، حيث تقدم أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية الاستشارات والمساعدة للقوات النظامية، وتطور الدعم فيما بعد ليشمل إرسال القوات البرية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، و”فيلق القدس” التابع له، وأجهزة المخابرات.

ويمكن تصنيف المحددات الجيوستراتيجية للتواجد الإيراني في سوريا كجزء من مشاريع متعددة، تقبع تحت مظلة الأهداف الاقتصادية، والدينية، والسياسية، والقومية، وفي النقطة التالية سنذكر أهم المحددات التي تحاول إيران تنفيذها في سوريا.

المحدد الجيوغرافي

حرصت إيران على تثبيت موطن قدم لها في سوريا لتحقيق أهدافها الجيوستراتيجية المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تمثل سوريا جزءا مهما فيه، انطلاقا من الأهمية الجغرافية لسوريا في الخارطة الدولية، حيث تقع على الطرف الشرقي من البحر الأبيض المتوسط الذي يعد منفذا بحريا مهما إلى دول العالم وخاصة الأوروبية، والذي منحها الأهمية الجغرافي في الخارطة الدولية.

كما أن الساحل السوري على شرق المتوسط قريب جغرافيا من قناة السويس التي تعتبر ممرا مائيا مهما للملاحة الدولية، فضلا عن ذلك، يشترك الشمال السوري بحدود طويلة مع تركيا التي تعتبر المنفذ البري إلى القارة الأوروبية، بالإضافة لكونها ممرا تجاريا حيويا بين تركيا ودول الخليج العربي، كما يحدها من الشرق العراق الغني بالنفط، ومن الجنوب الأردن والسعودية، وهذا ما جعل من الجغرافيا السورية ممرا بحريا وبريا؛ حيويا بين الدول المنتجة والمستهلكة لموارد الطاقة.

المحدد الجيواقتصادي

تصنف إيران ضمن الدول التي تمتلك كميات ضخمة من احتياطيات موارد الطاقة (الغاز والنفط) وتحاول دائما الوصول إلى السوق الأوروبية للطاقة، لكنها حتى الآن لم تستطع أن تستحوذ إلا على نسبة ضئيلة من السوق الأوروبية، وذلك لعدة أسباب أهمها؛ أولا، العقوبات الدولية التي فرضتها الدول الغربية نتيجة لسياسة إيران الداعمة لعدم الاستقرار في المنطقة ومحاولتها امتلاك السلاح النووي، ثانيا، لعب البعد الجغرافي بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي دورا في انخفاض صادراتها، حيث تحاول إيران منذ عام 2008 تأسيس خط أنابيب استراتيجي لنقل الطاقة يمر بالأراضي العراقية ومنها إلى الموانئ السورية، وأطلقت عليه اسم “خط الأنابيب الإسلامي”.

وتسعى إيران لتكون السواحل السورية شرق المتوسط نقطة تصدير لها إلى دول الاتحاد الأوروبي لاسيما عبر مينائي اللاذقية وبانياس. كما تحاول إيران بناء شبكة سكة حديدية موازية لخط الانابيب، وتولي طهران أهمية كبيرة لهذين المشروعين في سياق تعزيز دورها ونفوذها الإقليمي للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. وتسعى إيران للسيطرة على الطرق البرية في سوريا التي تربطها مع إيران بواسطة العراق، لاسيما معبر القائم، الذي تستخدمه القوات الإيرانية لإمداد القوات النظامية بالسلاح.

المحددات الدينية

تمتلك إيران مشروعا توسعيا، يعتمد في أحد أسسه على القاعدة الدينية لترويجه، وأطلق على المشروع من قبل العديد من المختصين بـ “الجيوبوليتيك الشيعي”، بمعنى المجال الجغرافي لـ”الأمة الإيرانية”. ودائما ما تكون سوريا في قلب المشاريع الإيرانية وهي بمثابة الجسر الذي لا يمكن اكتمال المشروع بدونه. وطرحت إيران العديد من المشاريع ذات الصيغة الدينية وبعدد من الصياغات، بحسب كل مرحلة وخصائصها، ونذكر أهم مشروعين مرتبطين بشكل كامل بسوريا.

-مشروع الشرق الأوسط الإسلامي الإيراني
بحسب الدكتور فراس إلياس، شكَّل مشروع الشرق الأوسط الإسلامي-الإيراني، الذي طرحته إيران بديلا لمشروع الشرق الأوسط-الأميركي خلال فترة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، أحدث المشاريع الجيوبوليتيكية التي تستهدف ربط المجتمعات الشيعية وباقي الحركات الإسلامية بدولة القلب المذهبي. ويمكن تعريف مشروع الشرق الأوسط الإسلامي-الإيراني بأنه مشروع هيمنة إيراني باسم المذهب الشيعي، والهدف منه انتزاع إيران للمبادرة التاريخية أو مهام القيادة الإسلامية في العالم الإسلامي، وبناء إطار “مقاوم” باسمهم على المستوى الإقليمي الواسع الذي تعيش فيه شعوب إسلامية، وفي هذه الحالة يكون هدف استخدام تعبير الشرق الأوسط للتغطية على عملية بناء مجال حيوي مذهبي، يقوم على الهيمنة أو القيادة السياسية للدولة الإيرانية، وسوريا بموقعها شرق المتوسط، تكون من أهم المواقع لإكمال المشروع، والتوسع فيه للدول المجاورة.

-مشروع دولة أم القرى
تسعى إيران من هذا المشروع للتسويق على أنها مركز العالم الإسلامي، وتملك الولاية على دول المنطقة، وعلى الدول الإسلامية جميعا، وتحت حكم ولاية الفقيه الخامنئي.

المحددات الجيوسياسية

استطاعت إيران بتواجدها في سوريا أن تسيطر بشكل غير مباشر على حدود برية مع إسرائيل، وزجت بنفسها في معادلة الصراع معها، وامتلكت بذلك أداة ضغط تستخدمها في مفاوضاتها مع الغرب لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، فيما يخص الملف النووي، والأسلحة البالستية طويلة المدى، بمعنى عندما تضغط الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها على طهران بعمل عسكري محدود أو بضرب مواقع حساسة، وقد تستخدم إيران اذرعها في سوريا لخلق حالة غير مستقرة على الحدود مع إسرائيل.

المحددات الجيوأمنية

ألحق تدخل إيران في سوريا إلى جانب تدخلها في لبنان، والعراق، واليمن، حالة من عدم الاستقرار الأمني في المنطقة العربية، وجعل المنطقة على صفيح ساخن، ويمكن توصيف المحدد الأمني من التواجد الإيراني في سوريا بأنها أصبحت جزءا مهماً في عملية ضبط الحالة الأمنية لمحيط سوريا الجغرافي، مما حتم على الدول المحيطة لسوريا التعامل مع إيران في كل ما يتعلق بالحالة الأمنية.

في النتيجة رسمت إيران مجموعة من المصالح الحيوية الاستراتيجية مع حكومة دمشق التي لطالما كانت أقرب حليف لطهران في المنطقة. وقد وفرت حكومة دمشق وصولا كاملا إلى الإيرانيين، بعد دعم الأخيرة لمؤسسات أمن الدولة والميليشيات الموالية للحكومة من أجل تطوير قدراتهم العسكرية. وبالفعل استطاعت إيران تحقيق مكاسب كبيرة لصالحها في سوريا بعد الحراك الشعبي في سوريا، حيث استخدمت حكومة دمشق كوسيلة في سبيل تحقيق مصالحها الجيوستراتيجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة