في السابق كان أصحاب الدخل المحدود في سوريا يأخذون عظام الذبائح من الجزارين مجانا من أجل وضعها تحت الأكل ليصبح مذاقه طيبا وهذه العظام كانت تعتبر بمثابة اللحم لهم. لكن، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار بشكل “جنوني”، ظهرت عادات أكل جديدة لدى السوريين عموما، إذ بات الجزارون يبيعون هذه العظام بالكيلوغرام، وبأسعار تصل للآلاف الليرات السورية، ذلك لأن نسبة كبيرة من السوريين باتوا يشترون هذه العظام كبديل للحوم.

“عادات غذائية جديدة”

أبو عدنان، هو رجل في الستينيات من عمره، يتحسر على الأوضاع المعيشية اليوم، حيث يضطر السوريون إلى التخلي عن العديد من المواد الغذائية التي كانت ضرورية في الماضي، ولم تعد كذلك مع الارتفاع المستمر في الأسعار مقابل ظهور عادات غذائية جديدة أدت إلى انتشار أصناف لم يتم بيعها من قبل في الأسواق.

يقول الرجل الستيني: “اللحم لم يعد متاحا للفقراء إطلاقا وباتت عظام الذبائح التي كان يرميها الجزارون سابقا، أو تقدم مجانا من أجل وضعها تحت الوجبات الدسمة كورق العنب والمحاشي، اليوم باتت هذه العظام تباع بالكيلو في الأسواق وبأسعار تصل إلى الآلاف”، وفق ما نقله موقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الثلاثاء.

وبحسب التقرير المحلي، فإن البسطات التي تعرض هذه العظام تشهد إقبالا من قبل الكثيرين بعد أن أصبح من المستحيل شراء اللحوم بأنواعها نظرا لارتفاع أسعارها، وبالنظر إلى اهتمام السوريين بالحفاظ على الحد الأدنى من المكونات الغذائية التي يوفرها اللحم، فقد لجأ الكثير من السوريين اليوم لاستبداله بالعظام المسلوقة مع الشوربة أو بطاهيها مع الرز والبرغل وغيرها من الوجبات التي ما تزال ممكنة.

من جانبه، يكشف اللحام أبو خالد، صاحب محل لبيع اللحوم في سوق سريجة بدمشق، أن العظام تعطي نفس الرائحة التي يقدمها اللحم وبعض الدسم، لذلك نلاحظ الإقبال عليها نتيجة رخصها، مبينا أن الاستهلاك والطلب خفيف على اللحوم الحمراء، كما أن العرض انخفض بشكل واضح.

قد يهمك: بورصة اللحوم في سوريا.. هبرة الخروف 50 ألف والفروج الحي 10 آلاف

حلول غير مجدية

على جانب آخر، المستشار الفني في غرفة الزراعة عبد الرحمن قرنفلة، قال في تصريحه للموقع المحلي، أن الحلول موجودة للتغلب على النقص وغلاء اللحوم ولكن لا أحد يأخذ بها وأولها تشجيع استيراد أعلاف الثروة الحيوانية وتشجيع تربية الأبقار والأغنام من خلال تقديم قروض دون فوائد للمربين الذين فقدوا قطعانهم، إضافة إلى تشجيع الزراعات العلفية.

وأشار قرنفلة، إلى أهمية القيام بصناعات علفية حديثة تعتمد على استثمار المخلفات الزراعية المهدورة: “قشور الفول، وقشور البازلاء، وسيقان الذرة والملوخية، ومخلفات الصناعات الزراعية”، وتحويلها إلى مواد علفية.

وعزا قرنفلة، تدهور العائد من الإنتاج الحيواني إلى غياب معلومات السوق واضطرابات العرض والطلب وعدم وجود رؤية تنبؤية واضحة في هذا الإطار من قبل الجهات المعنية، كما أن هناك تراجعا واضحا في الصناعات الخاصة بمنتجات الثروة الحيوانية.

ويبدو أن سبب ظهور هذه العادات الغذائية الجديدة لدى السوريين، أي استبدال العظام باللحوم، ليس فقط بسبب تراجع الثروة الحيوانية، ولكن أيضا، لأن الرواتب والمداخيل لا تتوافق مع الواقع المعيشي في البلاد، حيث تصدر الحكومة السورية بشكل دوري قرارات تتعلق برفع الأسعار، ولكن دون رفع سقف الرواتب، بالإضافة إلى حقيقة أن الليرة السورية تفقد قيمتها بين الحين والآخر نتيجة ارتفاع أسعار الصرف الأجنبي.

ارتفاع أسعار اللحوم

سعر الكيلو غرام من لحم هبرة الغنم مع 25 بالمئة دهن في الأسواق السورية بلغ 45 ألف ليرة سورية، في حين سعرت حماية المستهلك الكيلوغرام بسعر 33 ألف ليرة، ووصل الكيلوغرام من الهبرة الخالية من الدهن حد 50 ألفا ليرة، ووصل سعرها للحم العجل حد 40 ألفا ليرة، في حين بلغ سعرها 30 ألفا ليرة وفقا لتسعيرة التموين، كما بلغ سعر هبرة البقر الرسمي 25 ألفا ليرة، أما الشرحات والموزات 26 ألفا.

وبحسب تقارير محلية، ففي دمشق بلغ سعر كيلوغرام سودة الغنم 25 ألفا، والدرن 12 ألفا واللسانات 13 ألفا، والقلوب والكلاوي والطحال بسعر 12 ألفا للكيلوغرام، وسعر النخاع الواحد 3 آلاف ليرة، ورأس الغنم بسعر 15 ألف ليرة، وبيض الغنم بسعر 25 ألفا للكيلوغرام.

كما بلغ سعر كيلوغرام النقانق في صالة السورية للتجارة 20 ألفا، ومثلها الهمبرغر، بينما بيع كيلوغرام شرحات الدجاج بسعر 17 ألفا والوردة أو الدبوس بحوالي 7500 ليرة، والفروج المذبوح والمنظف بسعر 9 آلاف ليرة، وكذلك الكيلوغرام من كستا الفروج، بحسب تقارير محلية، مؤخرا.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، تحدث عن انخفاض الطلب “بشكل واضح” على سوق اللحوم والفروج، بعد عيد الأضحى، وذلك بسبب الأسعار المرتفعة، نتيجة ارتفاع أسعار العلف ومختلف المستلزمات والظروف الراهنة، التي انعكست على استهلاك المادة في ظل وضع دخل المواطن.

حيث تستهلك دمشق يوميا من 1000 لـ1500 خروف، و70 عجلا إضافة إلى 150 لـ200 طن فروج، وذلك بحسب تصريح سابق لمشرف على الجمعية الحرفية للحامين، أدمون قطيش، الذي اعتبر أن هذه الكميات تعكس انخفاض الاستهلاك والطلب على اللحوم.

ويعتبر الارتفاع الأخير في أسعار اللحوم جنونيا، فقبل ثلاث سنوات، كان يُباع كيلو لحم الغنم القائم “قبل الذبح” بمبلغ 3000 ليرة، أما الآن فقد ارتفعت الأسعار بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف، وهو ما جعل معظم العائلات لا تفكر في الأصل، أو تجرؤ على شراء اللحم.

ويؤكد لحّامون في سوريا، أن” الغلاء الفاحش أصاب هذا القطاع بنسبة عالية من الجمود، ما أدى لتوقف العديد من زملاء المهنة عن العمل، بعد بيعهم لمعداتهم، وتسليم المحال المستأجرة لأصحابها.

تاليا، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية يوما بعد يوم في سوريا، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، فضلا عن انهيار الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، وعجز حكومة دمشق في حلحلة الأزمات، الأمر الذي حوّل قيمة رواتب، ومداخيل السوريين بشكل عام في البلاد إلى أدنى المستويات. لدرجة أن راتب الموظف الحكومي اليوم لا يخوّله شراء 100 غرام من اللحوم يوميا، ولا حتى أسبوعيا، لوجود المتطلبات والمستلزمات الحياتية الأكثر ضرورة، إلى جانب متطلبات الحياة العامة الأخرى، التي ظهرت بعد عام 2011، وزادت من أعباء المواطنين بشكل أكبر، وهي شراء المياه أحيانا، والغاز من السوق السوداء وبطاريات الإنارة، وغيرها من الأمور الحياتية التي أصبحت عبئا على المواطنين مقارنة مع مستوى الرواتب، والمداخيل “الشبه المعدوم”.


قد يهمك: الأسعار العالمية مستقرة.. لماذا ترتفع أسعار المواد الغذائية بسوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.