بعد عام من استحواذ حركة “طالبان” على أفغانستان، ما تزال البلاد تعاني من أزمات جمة على المستوى الإنساني والاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي، إضافة إلى الهجمات من الحركات المتشددة بين الحين والآخر.
في 15 آب/أغسطس 2021، عادت حركة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد ومغادرة مسؤولي حكومة الرئيس أشرف غني إلى الخارج. وفي السرد التالي، هناك عشرة متغيرات في أفغانستان بعد سيطرة “طالبان”، تسلط الضوء على أبرز الأحداث في المشهد الأفغاني.
لا اعتراف دولي
بعد سيطرة “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابول، شددت الحركة قبضتها بإحكام على المجتمع هناك، إذ سجلت أفغانستان تراجعا في الحقوق والحريات وتحديدا حقوق النساء، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي، واستمرار الهجمات المسلحة لتنظيم “داعش” الإرهابي.
على الرغم مرور عام على استحواذها على السلطة في أفغانستان للمرة الثانية فإن “طالبان” لم تحظَ بعد باعتراف دولي، وحكومة “طالبان” المؤقتة التي تطلق على نفسها “إمارة أفغانستان الإسلامية” تواجه تحديات عدة في قضايا حماية حقوق الإنسان، إلى جانب توفير خدمات الصحة والتعليم والاقتصاد والزراعة.
وفي 7 و8 أيلول/سبتمبر الفائت أعلنت “طالبان” عن تعيين أبرز الوزراء في حكومتها وكلهم من صفوفها برئاسة محمد حسن أخوند، المقرب سابقا من مؤسس “طالبان” الملا عمر.
من جانبها، انتقدت الدول الغربية هذه الحكومة معتبرة أنها “لا تمثل” التنوع الإثني والديني في البلاد خلافا لما تعهد به النظام السياسي الجديد. وجعلت من احترام حقوق الإنسان وخصوصا حقوق المرأة شرطا مسبقا في المفاوضات حول المساعدات والاعتراف بالنظام الإسلامي الجديد.
حرمان النساء من حقوقهن
حركة “طالبان” تغنت في بداية استحواذها على البلاد أطلقت وعود عدية بأن نظامها سيكون أكثر تساهلا من فترة حكمها الأولى بين العامين 1996 و2001، لكن الحركة فرضت قيودا صارمة على النساء، وفق تقارير صحفية.
وفي 23 آذار/مارس 2022 أعلنت طالبان إغلاق المدارس التكميلية والثانوية أبوابها أمام الفتيات بعد ساعات فقط على إعادة فتحها. وفي مطلع أيار/مايو أمر القائد الأعلى لحركة طالبان النساء بتغطية وجوههن بالكامل في الأماكن العامة مع تفضيل ارتداء البرقع. إلى جانب حرمان النساء من الكثير من الوظائف في القطاع العام ومنعهن من السفر من دون محرم خارج مدنهن. وإزاء ذلك تعرّضت “طالبان” لانتقادات كبيرة من العديد من الدول والمؤسسات الدولية.
حيث سُمح لأعداد قليلة جدا من النساء بالعمل فقط في المجالات الضرورية، مثل المستشفيات والمدارس وأقسام الشرطة والمطارات. أيضا، تم فصل الذكور عن الإناث في الفصول الدراسية في الجامعات.
كما وأصدر الحركة مرسوما للقنوات التلفزيونية ينص على وجوب ارتداء جميع المذيعات النقاب أثناء تقديمهن للأخبار، فضلا عن تقيّد حرية التعبير والصحافة من خلال فرض قيود على الإعلام؛ حيث اضطرت مئات المؤسسات الإعلامية لإغلاق أبوابها، ما ترك آلاف العاملين في مجال الإعلام بلا عمل.
قد يهمك: “طالبان” في مأزق بعد مقتل الظواهري.. ماذا يعني خرق “اتفاق الدوحة”؟
الأزمة الاقتصادية
بعد سيطرة “طالبان” على أفغانستان، جمدت أميركا حوالي 9,5 مليارات دولار عائدة للبنك المركزي الأفغاني، فيما علق البنك الدولي مساعداته لهذا البلد الذي يعتمد 60 بالمئة من سكانه على المساعدة الدولية.
وأكثر من ثلثي ميزانية الإدارة الأفغانية السابقة كان يأتي من الخارج، توقفت جميعها العام الماضي، كما غادر معظم المنظمات والمؤسسات الدولية البلاد.
إزاء هذه الإجراءات دخل اقتصاد البلاد إلى أزمة مالية وإنسانية حادة، وانهار النظام المصرفي تقريبا، واضطرت آلاف الشركات للإغلاق، وترافقها ارتفاع صاروخي في معدل البطالة. وتفيد تقارير لـ”الأمم المتحدة” بأن أكثر من نصف سكان البلاد أي نحو 24 مليون أفغاني مهددون بانعدام الأمن الغذائي.
وفي أواخر آذار/مارس الفائت، وجهت الأمم المتحدة أكبر نداء إلى الجهات الدولية لجمع تبرعات لبلد واحد. إلا أن المبادرة سمحت فقط بجمع 2,44 مليار دولار بينما كان مطلوبا جمع ما يناهز 4,4 مليارات.
تواصلات دبلوماسية محدودة
وفق تقارير صحفية، فإنه منذ اليوم الأول لسيطرة “طالبان” على الحكم في البلاد، أفاد مسؤولو الحركة بأنهم “لن يسمحوا لأراضي أفغانستان بأن تشكل تهديدا لأي دولة”، وأنهم يريدون تطوير علاقات دبلوماسية جيدة مع جميع الدول.
أيضا، أعلنوا “عفوا عاما” عن جميع موظفي الإدارة السابقة، وسمحوا لهم بمواصلة أعمالهم. من جانبهم، دعا جميع الدول تقريبا، وخاصة الغربية منها، “طالبان” بتشكيل حكومة شاملة تضمّ جميع فئات المجتمع الأفغاني واحترام حقوق الإنسان، من أجل الاعتراف رسميا بحكمها أو تطوير علاقات جيدة.
بدورها، أجرت “طالبان” تواصلات ومراسلات دبلوماسية مع العديد من الدول، مثل النرويج وسويسرا وتركيا والصين وقطر وروسيا وباكستان وأوزبكستان، وأرسلت إليها وفودا طالبت بالاعتراف الرسمي بإدارتها، لكنها لم تنجح في الحصول على اعتراف أي دولة حتى الآن، كما غادرت دول كثيرة أفغانستان وأغلقت سفاراتها.
ومن ثم بادرت “طالبان” بتعيين المتحدث باسمها، سهيل شاهين، سفيرا لها لدى الأمم المتحدة، لكن لم يتمّ قبوله بعد، ومع انسحاب الدول الغربية، كان من المتوقع أن يكون للصين نفوذ قويّ في أفغانستان، خاصة من خلال استثماراتها في البنية التحتية ومجالات التعدين، لكن بكين لم تقم بعد باستثمارات اقتصادية قوية في البلاد، وفق تقارير صحفية.
أزمة الهجرة
نتيجة الأزمات التي اجتاحت البلاد بعد سيطرة “طالبان” على السلطة، ازدادت موجة الهجرة من أفغانستان إلى إيران وتركيا، بعد مخاوف من حدوث صراع أو تغيير في الإدارة خلال فترة عودة “طالبان” إلى السلطة.
وكان من بين المهاجرين عسكريون من الإدارة السابقة وصحفيون ونشطاء في المجتمع المدني وحقوق الإنسان، ورغم تباطؤ موجة الهجرة نسبيا بعد تقديم “طالبان” وعودا بأنها ستحمي حياة وممتلكات المسؤولين الحكوميين والسابقين، إلا أنها ما زالت مستمرة حتى الآن.
هجمات “داعش”
خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021 أسفر اعتداء على شيعة الأفغان الذين لطالما تعرضوا للاضطهاد في أفغانستان ذي الغالبية السنية، عن سقوط 60 قتيلا وهو أكثر الهجمات فتكا منذ انسحاب القوات الأميركية، وقد أعلن تنظيم “داعش – ولاية خراسان” الذي تتواجه معه طالبان منذ سنوات، مسؤوليته عن الهجوم.
وفي الربع الأول من عام 2022 قتل عشرات الأشخاص في سلسلة من التفجيرات أعلن تنظيم “داعش -ولاية خراسان” المسؤولية عن غالبيتها.
وتؤكد حركة طالبان أنها تغلبت على تنظيم “داعش” في أفغانستان إلا أن محللين يرون أن المجموعة المتطرفة لا تزال تشكل التحدي الأمني الرئيسي للسلطة الأفغانية الجديدة.
المقاومة ضد “طالبان”
“جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية”، بدأت بقيادة أحمد مسعود، وبدعم من أعضاء سابقين في الجيش معظمهم من الطاجيك، تمردا على “طالبان” في مدن مثل بنجشير وبرفان؛ حيث غالبية السكان من الطاجيك. وإثر ذلك اشتد النزاع بينهما من حين إلى آخر بعد وصول المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود.
ومن جانبها زعمت “جبهة المقاومة” بقيادة مسعود أنها ألحقت خسائر فادحة في صفوف الحركة، بينما نفت الأخيرة وجود فجوة أمنية في منطقتي بنجشير وبرفان، رغم أن دخولهما ما زال ممنوعا على الصحفيين.
مكافحة المخدرات
في سياق آخر، أعلنت طالبان في نيسان/أبريل 2022، حظر استخدام المواد المُسكرة مثل الكحول والهيروين وحبوب المخدرات والقنّب، وزراعة النباتات التي يتمّ الحصول على تلك المواد منها، والتجارة بها، والمصانع التي تنتج جميع أنواع المخدرات في جميع أنحاء البلاد، وفق تقارير صحفية.
ورغم صدور قوانين بمحاكمة ومعاقبة كل من يخالف القرار، فإنه لم يتم تنفيذ الأوامر حتى الآن. ويقول مسؤولو “طالبان” أنه يجب توفير فرص دخل بديلة للمزارعين من أجل منع زراعة الخشخاش والقنّب بشكل كامل، داعين المجتمع الدولي لتقديم الدعم في مكافحتهم للمخدرات.
في حين، يقول المزارعون الأفغان إن العديد من المواطنين يزرعون الخشخاش والقنّب، بسبب نقص فرص العمل القانونية والجفاف ومشاكل الإمدادات الغذائية.
المشاكل الحدودية
وفق تقرير لـ”عربي بوست”، فإن قوات “طالبان” من حين لآخر تنخرط في اشتباكات خفيفة على الحدود مع باكستان وإيران المجاورتين، بسبب عبور المهاجرين غير النظاميين الحدود.
وأضاف التقرير أنه على غرار الحكومة الأفغانية السابقة، لم تعترف حكومة “طالبان” بـ “خط ديورند” الحدودي، الذي يفصل أفغانستان عن باكستان، بأنه حدود دولية بين البلدين.
ورغم أن باكستان سرّعت جهودها لبناء الأسوار على الحدود، وتوقّعت أن تعترف “طالبان” بحدود الأمر الواقع، فإنها لم تجد ما تأمل فيه.
كذلك، سبق أن حذّرت الصين وطاجكستان وأوزباكستان “طالبان” مرارا، بدعوى وجود هياكل مسلحة شمالي أفغانستان اعتبروها تهديدا لهم في نقاط قريبة من حدودهم، وأجروا تدريبات عسكرية على الحدود الأفغانية من حين لآخر.
أزمة اغتيال الظواهري
في اليوم الثاني من شهر آب/أغسطس، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة اغتالت بواسطة طائرة مسيّرة زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري في كابول. وكان الظواهري من كبار المطلوبين لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية منذ سنوات.
وكان الظواهري الذي خلف أسامة بن لادن في قيادة تنظيم “القاعدة” أحد العقول المدبرة لاعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي أسفرت عن سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل، وفق تقارير صحفية.
ووجود الظواهري في أفغانستان لم يكن متوقعا، خصوصا أن “اتفاقية الدوحة” الموقّعة بين طالبان والولايات المتحدة عام 2020، تنصّ على ألا تسمح طالبان للأفراد أو الجماعات التي قد تهدد الولايات المتحدة وحلفاؤها بالبقاء في أفغانستان.
حيث أن تواجد الظواهري في كابول، كشف عن خرق كبير من قبل “طالبان” لأبرز بنود “اتفاقية الدوحة”، كما أنه وبموجب اتفاق الدوحة غادر آلاف الجنود الأميركيين أفغانستان، مقابل عدد من الضمانات الأمنية من حركة “طالبان”، وتعهد بإجراء محادثات مع حكومة كابول.
بدورها، حركة “طالبان” ندّدت بالهجوم وأعلنت عدم علمها بوجود الظواهري في أفغانستان، وأنها تجري تحقيقا بشأن الحادثة، فيما تبادلت واشنطن وطالبان الاتهامات بانتهاك “اتفاقية الدوحة”.
وكان من المستحيل أن يتواجد الظواهري في كابول دون دعوة وموافقة عدد صغير على الأقل من قادة “طالبان”، سواء كان ذلك من شبكة حقاني أو جزء آخر من المجموعة. حيث كانت الضربة محرجة لـ”طالبان” التي زعمت أنه لا يوجد مقاتلون أجانب في أفغانستان ولا لـ”القاعدة”، وفق ما أفادت به تقارير أميركية.
قد يهمك: بعد مقتل أيمن الظواهري.. تنظيم “القاعدة” انتهى؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.