الجامعات السورية تعاني من مستوى متدني تعليميا، ومن ناحية الإعتراف بها عربيا ودوليا، ونتيجة للفوضى التي تعصف بالتعليم العالي في سوريا، فقد دخلت على خط هذا التعليم جامعات عن بعد ما طرح تساؤلات حول جانب مهم وهو مدى الاعتراف بها حتى على المستوى السوري.

جامعات عن بعد

في سياق الاعتراف بالجامعات عن بعد، أُثير الجدل مؤخرا في سوريا، حول قانونية افتتاح الجامعة البريطانية للتعليم عن بعد لتصدر تصريحات رسمية تؤكد أن هذه الجامعة غير معترَف بها في سوريا، وأنها لم تُرخص من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وإنما المعترف بها فقط هي الجامعة الافتراضية السورية التابعة لوزارة التعليم العالي، بحسب تقرير لموقع “هاشتاغ” المحلي، يوم الأربعاء الفائت.

وقبل أيام، أعلن حسان النوري، وزير التنمية الإدارية السابق، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، عبر مقطع فيديو عن انطلاق برنامج الدكتوراه في إدارة الأعمال من خلال التعليم عن بُعد في الجامعة الأمريكية للقيادة في فلوريدا بالتعاون مع أكاديمية “إم أتش آر”، مؤكدا على إمكانية تسجيل الطلاب الراغبين بشهادة الدكتوراه في سوريا.

ولكن القائمين على هذه الجامعة، بيّنوا بأنه غير معترف فيها في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى حينه، ولكن معترف فيها في عدة دول في الخارج، حسب تعبيرهم، إضافةً إلى الاعتراف بالشهادة من قبل الشركات في القطاع الخاص داخل سوريا .

من جهته، أوضح مدير البحث العلمي بوزارة التعليم العالي، ياسر خضرا، أن الاعتراف بأي مؤسسة تعليمية غير سورية يتم وفق قواعد محددة صادرة عن مجلس التعليم العالي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقرار رقم 339 تاريخ 16/7/2020، بحسب التقرير.

إقرأ:الفساد في الجامعات السورية.. ابتزاز جنسي ورشاوى وانتهاكات

شروط الاعتراف بالجامعات في سوريا

بحسب التقرير، يتضمن القرار الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير السورية (الحكومية والخاصة) في حال كانت تعتمد نظاما أكاديميا يتطلب المواظبة والانتظام، وأن تكون معترفا بها من الجهة المسؤولة عن التعليم العالي أو عن اعتمادية الجامعات في البلد الأم.

كما يجب أن تحقق هذه الجامعات مجموعة إضافية من المعايير ليتم الاعتراف بها بقرار من الوزير بناء على قرار لجنة متخصصة تقوم بدراسة ملف الجامعة.

وبحسب خضرا، فإن عدد الجامعات غير السورية المعترف بها من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بلغ 5664 جامعة منها 420 جامعة عربية و 5244 جامعة أجنبية.

وفي هذا السياق، نقل الموقع عن أحد الأساتذة في جامعة دمشق، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، بأن مثل هذه المعايير المتبعة في الوزارة لا بد من تطويرها ومواكبة العصر، “فالتعليم عن بعد أصبح ضرورة مُلحة الآن” حسب وصفه.

وأشار الأستاذ الجامعي على سبيل المثال إلى الجامعة البريطانية للتعليم عن بعد ، التي تم الحديث عنها مؤخرا بصورة كبيرة ، معتبرا أنها ليست سيئة، بل تحمل برنامجا تعليميا ضخما تُثري وتفيد كل من كان يود الانضمام إليها.

ولفت إلى أن بروز هذه الجامعات للتعليم عن بعد هو بمثابة رديف للتعليم الحكومي الذي لا يمكن إلغاؤه أو التقليل من أهميته، وأن الجامعات غير السورية للتعليم عن بعد ليست ندّا لأي جامعة حكومية على الإطلاق، وذلك خلافا لما يقال، بأن بروز مثل هذه الجامعات على الساحة مؤخرا هدفه تشويه صورة جامعة دمشق والحد من دورها وتحجيمها.

وحول الجامعات المعترف عليها في الدولة السورية، بيّن مدير البحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن أسماء كافة مؤسسات التعليم العالي غير السورية المعترف بها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي موجودة على الموقع الإلكتروني للوزارة، ويمكن الوصول لقائمة تلك المؤسسات المعترف بها لبلد محدد على الموقع الإلكتروني للوزارة.

أما للتأكد من حالة جامعة محددة إن كان معترف بها أم لا، فيمكن أن يتم من خلال كتابة اسم الجامعة في الحقل المخصص للبحث بحسب اسم الجامعة ثم النقر على زر بحث فيظهر اسم الجامعة بنتائج البحث إن كانت هذه الجامعة معترف بها وفي حال لم يظهر اسم الجامعة فهي غير معترف بها لغاية تاريخه، بحسب التقرير.

قد يهمك:نقص متزايد للكوادر الجامعية في سوريا.. الأسباب صادمة

نقص في كوادر الجامعات السورية

لم تكن الجامعات معفاة من الآثار الضارة للنزاع في سوريا، لأن غالبيتها فقدت جزءا كبيرا من كوادر التدريس لديها بسبب السفر خارج البلاد أو التقاعد أو لأسباب أخرى. ونظرا لتفضيلهم للجامعات الخاصة، التي تقدم أفضل العائدات المالية، قد تكون هناك فجوة كبيرة بين عدد الكوادر اللازمة وعدد الكوادر المتاحة. وقد يؤثر ذلك على مدى جودة العملية التعليمية في الجامعات، والتي قد يكون لها أثر على كيفية تصنيفها.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن رئيس قسم هندسة التصميم الميكانيكي في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، الدكتور خالد شرف، أن العوامل المادية هي السبب الأساسي التي تساهم في نقص الكوادر التعليمية في الجامعات، والتي تتمثل في الظروف المعيشية الصعبة وتدني الأجور ونزوح أعضاء هيئة التدريس للعمل في المؤسسات والمنشآت الخاصة. وبسبب الظروف القاسية وارتفاع معدلات الفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، هناك معدل كبير من هجرة العقول والكوادر إلى بلدان أخرى.

وبحسب شرف، فإن غالبية طلاب الدراسات العليا من جامعة دمشق الذين أوفدتهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للدراسة في الخارج، لم يعودوا.

هذا النقص في الكوادر أثر سلبا على تصنيف الجامعات السورية، فمن المعروف جيدا أن الجامعات تصنف وفقا لمعايير عديدة، بما في ذلك نسبة هيئة التدريس إلى عدد الطلاب، وجودة التعليم، ومستوى أعضاء هيئة التدريس سواء المستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، والبحث العلمي المنشور، ومدى حضور الجامعة في البحث على شبكة الإنترنت، إلا أن النقص في كوادر التدريس، أدى إلى تراجع الجامعات السورية وتصنيفها على نطاق عالمي.

نقص الكوادر والموظفين في الجامعات، شكّل تأخرا واضحا في إصدار النتائج والوثائق للطلاب والمصدقات الجامعية وترك أثرا واضحا على الطلبة في سوريا.

وفي السياق ذاته، خلصت دراسة لمركز “حرمون” للدراسات، حول التعليم العالي ومستقبله، إلى أن تدمير البنية الأساسية للجامعات السورية بسبب الصراع المدني في البلاد؛ اتسم التعليم الجامعي في سورية بعد العام 2011 بالتفسخ والانهيار في معظم الجامعات السورية، ولاسيما في المناطق التي شهدت معارك عسكرية مدمرة؛ حيث دمرت بعض الكليات والمرافق التعليمية التابعة للجامعات تدميرا جزئيا، ودمر بعضها تدميرا تاما؛ فضلا عن خفض واضح في ميزانية الإنفاق الحكومي على التعليم العالي خلال السنوات السابقة.

إقرأ:التعليم العالي العراقية تكشف لـ“الحل نت” حقيقة إلغاء الاعتراف بالجامعات السورية

الفساد في الجامعات السورية

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فبعد 2011 آلت حال الجامعات السورية إلى تدهور ملحوظ وباتت في أدنى المستويات نتيجة لتزايد مستوى الفساد، وقلة الموارد وجمود المناهج التعليمية، وعسكرة الحرم الجامعي وهجرة الأدمغة، وبالتالي تدمير نظام التعليم العالي برمته، وفق ما أكده العديد من الباحثين في جامعات عالمية من بينها جامعة “كامبريدج”.

وانتشرت خلال السنوات الثلاثة الماضية العديد من الفضائح حول الجامعات السورية، تدل على مدى انتشار الفساد في النظام التعليمي عامة، وكان آخرها الفيديو الذي خرج من جامعة “البعث” مؤخرا، والذي أثار جدلا، واستياء واسعا في الأوساط السورية، وكذلك وُلّد تخوفات جمة لدى العديد من العائلات السورية حول مستقبل بناتهم في المؤسسات التعليمية هذه بعد هكذا فضائح.

والفيديو المسرب من جامعة “البعث”، بمحافظة حمص، يوثق واقعة ابتزاز جنسي من قبل دكتور جامعي، لإحدى الطالبات بالصوت والصورة، لكن هذه الحادثة ليست الوحيدة بل “شبكة دعارة متسلسلة” تمتد خلفها، تستغل الطالبات في حمص، وعلى ما يبدو فإن الخلافات بدأت تشق صفوف زعماء هذه الشبكات، وفق تقارير صحفية محلية.

الفيديو الذي تداولته شبكات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر عميد كلية الآداب، والعلوم الإنسانية في جامعة “البعث”، نزار محمد عبشي، مع إحدى طالباته من السنة الرابعة في قسم الأدب الإنكليزي، في وضع مخل بالآداب، بغية تسهيل نجاح الطالبة بعدد من المواد الدراسية.

ووفق التقارير المحلية التي نُشرت بكثافة حول الحادثة على منصة “فيسبوك”، فإن الحادثة وقعت داخل الحرم الجامعي، وفي أحد مكاتب المسؤولين الجامعيين، وزعمت هذه الصفحات المحلية، أن الحادثة المسربة واحدة من آلاف الحالات المجهولة في أروقة الجامعة.

وذكرت صفحة “السلطة الخامسة – شبكه أخبار نور حلب” المحلية، وعلى ما يبدو أنها صفحة متخصصة بنشر فضائح المسؤولين في حكومة دمشق، أن المديرين الجامعيين لم يكتفوا باستباحة الطالبات فقط، بل دفعوا بهن إلى شبكات اتجار بالدعارة مقابل ضمان نجاحهن الدراسي، مستغلين نفوذهم في إدارة الجامعة.

قد يهمك:أزمة تدريسية في الجامعات السورية

مستوى الجامعات السورية

إزاء كل ما ذكر أعلاه، يبدو أن نظام التعليم العالي في البلاد بات في مستويات منخفضة جدا، في حين تكافح الجامعات السورية من أجل البقاء فقط وليس تقديم تعليم يُرقى لمستوى التعليم الجامعي أو ما شابه، بحسب أكاديميين وخبراء تعليم سوريين.

وأشارت تقارير بتراجع مستوى الجامعات بشكل كبيرة، وحسب تصنيف “ويب متريكس” 2022،وهو نظام تصنيف يعتمد على تواجد الجامعة على الويب، ووضوح الرؤية والوصول إلى الويب. يقيس نظام التصنيف هذا، مدى تواجد الجامعة على شبكة الإنترنت من خلال مجال الويب الخاص بها، والصفحات الفرعية، والملفات الغنية والمقالات العلمية وما إلى ذلك.

فقد احتلت جامعة “دمشق” المرتبة 3310 عالميا، وجاءت جامعة “تشرين” في محافظة اللاذقية بالمرتبة 4539، أما جامعة “حلب” التي احتلت المرتبة 4973. أما جامعة “البعث” فقد جاءت في المرتبة 5804 عالميا. أما المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق قد جاء 4911.

إقرأ:الجامعات السورية.. استمرار مهزلة أسئلة الامتحانات

ومن الجدير بالذكر أن عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الخاصة في سوريا ارتفع بنسبة 56 في المئة، في السنوات الأخيرة، من حوالي 32,000 في عام 2017 إلى حوالي 50,000 في عام 2019، لكن الجامعات الخاصة لا تزال تمثل 5 في المئة، فقط من إجمالي طلاب الجامعات في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.