الملف النووي الإيراني لا يزال يراوح في محطة استعصائه التي يتسبب بها الجانب الإيراني، فآخر التطورات تُبرز تطورات جديدة من قبل “الكونغرس” الأميركي الذي يريد التأكد من عدم تنفيذ إيران لمخططاتها من وراء أي اتفاق نووي قد يعقد، كما أن إسرائيل لا تزال تنظر إلى الملف كأحد أخطر الملفات الأمنية.

رد إيراني غير بنّاء

الولايات المتحدة، أعلنت مساء أمس الخميس، أن الرد الأخير الذي قدمته طهران في إطار المحادثات المتعلقة بالاتفاق النووي لعام 2015 “ليس بناء”، وهو ما يحد من احتمال العودة إلى الالتزام بهذا الاتفاق التاريخي.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، “يمكننا أن نؤكد أننا تلقينا رد إيران عبر الاتحاد الأوروبي”، مضيفا “نحن ندرسه وسنرد عن طريق الاتحاد الأوروبي، لكنه للأسف غير بناء”. بحسب تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”.

يأتي الرد الأميركي، في الوقت الذي أعرب فيه مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم الأربعاء الفائت، عن أمله بإحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في الأيام المقبلة.

كلام بوريل، يأتي على خلفية المقترح الذي قدمه الاتحاد الأوروبي في 8 آب/أغسطس الماضي، وما سماه “نصا نهائيا” لإحياء الاتفاق الذي أبرم في عام 2015 وانسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحاديا.

وكانت وسائل إعلام رسمية إيرانية، نقلت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، مدعيا بأن إيران أرسلت ردا “بناء” على المقترحات الأميركية المتعلقة بإحياء اتفاق 2015 النووي الذي أبرمته طهران وقوى عالمية.

ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، عن كنعاني، يوم أمس الخميس، دون ذكر المزيد من التفاصيل أن”النص الذي أرسلته إيران له أسلوب بناء يهدف لاختتام المفاوضات”.

إقرأ:خطة فرنسية للإتفاق النووي الإيراني.. “إسرائيل” توافق وواشنطن تُعلق

قلق في الكونغرس

بحسب تقارير صحفية، فقد أرسل 50 عضوا في مجلس النواب الأميركي، هم 34 عضوا ديمقراطيا و16 عضوا جمهوريا، رسالة إلى الرئيس جو بايدن، يوم أمس الخميس، أعربوا فيها عن القلق العميق بشأن صفقة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وطالبوا الإدارة بالتشاور مع الكونغرس أولا قبل توقيع أي صفقة.

وجاء في الرسالة الموجّهة إلى البيت الأبيض: “نكتب إليك لنطلب بكل احترام أن تزود إدارتكم الكونغرس بالنص الكامل لأي اقتراح لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك أي اتفاقات جانبية، والتشاور مع الكونغرس قبل إعادة الانضمام إلى ذلك الاتفاق”، وأبدى النواب قلقا كبيرا بشأن كثير من البنود التي قد ترد في النص النهائي لأي اتفاق مع إيران.

وأشارت الرسالة إلى أن المسودة التي تقدم بها الاتحاد الأوروبي تنص على أن “الأشخاص غير الأميركيين الذين يتعاملون مع أشخاص إيرانيين ليسوا مدرجين في قائمة العقوبات الأميركية لن يتعرضوا للعقوبات، سواء كان هؤلاء الأشخاص الإيرانيون منخرطين في معاملات منفصلة أم أشخاصا إيرانيين مدرجين في قائمة العقوبات الأميركية، بمن في ذلك الحرس الثوري الإسلامي الإيراني أو الشركات التابعة له”.

وقال موقعو الرسالة، إن الكونغرس أثنى على إدارة بايدن في رفض إزالة تصنيف الحرس الثوري” الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، التي تعد إحدى الأدوات الأميركية القوية لإجبار الدول الراعية للإرهاب على تغيير سلوكها، إلا أن البند المذكور يسبب كثيرا من القلق.

وقال النواب في الرسالة: “نحن قلقون من أن ذلك يمكن أن يخفف بشكل كبير فاعلية العقوبات المتعلقة بالإرهاب على الحرس الثوري الإيراني، والأذرع الإرهابية شبه العسكرية التابعة لإيران، ويوفر لطهران مساراً للتهرب من العقوبات”.

وأشاروا إلى أنه لا يمكن الوثوق بإيران، الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم. موضحين أن “الحرس الثوري” الإيراني نفّذ عمليات اغتيال بشكل مباشر أو من خلال وكلائه في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن إيران و”الحرس الثوري” الإيراني سيكونان خطرا هائلا على الأميركيين في الداخل والخارج، وعلى حلفاء الولايات المتحدة.

ومن جهة ثانية، حذر النواب، من أنه بالإضافة إلى ذلك، وبموجب هذه الصفقة المقترحة، ستكون روسيا هي الحكم الفعلي للامتثال والحفاظ على اليورانيوم الإيراني المخصب، دون أي آليات إشراف من الولايات المتحدة أو شركائنا الأوروبيين”.

وطالبوا إدارة بايدن بعدم السماح لروسيا بأن تكون متلقية لليورانيوم الإيراني المخصب، أو أن يكون لها حق إجراء أعمال نووية مع إيران، بما في ذلك عقد بين موسكو وطهران بقيمة 10 مليارات دولار لتوسيع قدرات إيران النووية والبنية التحتية النووية.

وقالوا في الرسالة: “ينبغي ألا نسمح لمجرم الحرب فلاديمير بوتين، بأن يكون ضامن الصفقة أو الحارس لكميات هائلة من اليورانيوم الإيراني المخصب لأن إيران تدعم الحرب غير الشرعية في أوكرانيا وتزود روسيا بطائرات بدون طيار تستخدم لقتل الأوكرانيين”.

قد يهمك:“خيارات بديلة” في الاتفاق النووي الإيراني.. انسحاب أميركي قريب؟

إسرائيل تحضر عسكريا وتعطل سياسيا

إسرائيل وخلال الأيام الأخيرة، كثفت الضغوط على الدول الغربية لعرقلة الاتفاق، وقال مسؤول في البيت الأبيض الأربعاء، إن بايدن تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، وقال مكتب لبيد في بيانه الخاص حول الاتصال الهاتفي، أنهما تناولا المفاوضات “التي تجريها الدول العظمى حول الاتفاق النووي مع إيران والجهود المختلفة التي يتم بذلها من أجل وقف سعي إيران نحو امتلاك السلاح النووي”.

أما على الجانب العسكري، وقعت إسرائيل أمر شراء قيمته 927 مليون دولار لحيازة 4 طائرات “بوينغ كيه سي 46 أيه” للتزود بالوقود لسلاحها الجوي، ومن المقرر أن تبدأ عمليات التسليم عام 2025.

وستحل الطائرات محل طائرات “بوينغ 707” المتعددة الاستخدامات التي يعود عمرها لعشرات السنين، وتستخدمها إسرائيل حاليا للتزود بالوقود في الجو، بحسب وكالة “رويترز”، ومن شأن الطائرات الجديدة أن تساعد إسرائيل في إظهار جديتها بشأن احتمال توجيه ضربة، تهدد بها منذ فترة طويلة، للمنشآت النووية الإيرانية.

وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أوضح أن هذه الطائرات ستمكن الجيش الإسرائيلي من مواجهة التحديات الأمنية القريبة منها والبعيدة.

إقرأ:مفاوضات الملف النووي الإيراني: لماذا تسعى موسكو إلى عرقلة الاتفاق مع حلفائها الإيرانيين؟

إيران والسعي للاقتصاد من الاتفاق

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أكد يوم الإثنين الماضي، على مطالب بلاده بالمفاوضات النووية، مبينا أنها تشمل رفع العقوبات بشكل مستدام والتحقق المطمئن من رفعها والحصول على الضمانات الكافية وإغلاق قضايا الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأضاف رئيسي، في مؤتمر صحافي بمناسبة أسبوع الحكومة والذكرى الأولى لتشكيل حكومته، أن حكومته تعمل في مسارين في آن واحد، هما السعي لإفشال العقوبات الأميركية الذي وصفها بأنها “ظالمة”، والمسار الثاني هو العمل على رفع هذه العقوبات عبر المفاوضات النووية.

وجدان عبد الرحمن، الخبير في الشأن الإيراني، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تصريحات الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كتصريحات تضيف شروطا اقتصادية بهدف تعطيل الحل من خلال جعل الشروط أكثر صعوبة، نابعة من الخطة أو المشروع الذي أتى به التيار المتشدد في إيران، وعلى رأسه حسين شريعة مداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، والداعي إلى تأخير التوقيع على الاتفاقية لمدة شهرين إضافيين على الأقل، ومن الواضح أن تصريحات رئيسي تدل على استجابته للمتشددين.

وأضاف عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الاتفاق بين إيران والغرب، وعادت الولايات المتحدة إلى مجموعة “5+1” فإن ذلك لا يعطي ضمانات اقتصادية لإيران أو ما يمكن تسميته الانتفاع الاقتصادي من توقيع الاتفاقية.

قد يهمك:وسط ترقب عالمي.. ساعات حذرة في مفاوضات النووي الإيراني

نشاطات إيران النووية سبب خساراتها؟

الرئيس الإيراني، شدد يوم الإثنين الماضي على أنه “لن يكون هناك اتفاق من دون إغلاق قضايا الضمانات (اتفاق الضمانات تابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية)”، وذلك في إشارة إلى الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبه بممارستها أنشطة نووية غير معلنة بعد إعلان الوكالة سابقا أن مفتشيها حصلوا فيها على آثار جزيئات اليورانيوم.

وفي هذا السياق، أوضح وجدان عبد الرحمن، أنه لو تم توقيع الاتفاق، فإن موضوع المواقع النووية الثلاث المشتبه بها والتي عُثر فيها على ذرات من اليورانيوم المخصب ستبقي الملف مفتوحا أمام “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أي أنه الملف سيكون سيفا مسلطا على النظام الإيراني.

ونتيجة لهذه العلاقة بين إيران والوكالة، فلن تعود الشركات الغربية والعالمية وحتى البنوك للتعامل اقتصاديا مع إيران ما زال هذا الملف مفتوحا، ولهذا تجد إيران نفسها خاسرة من هذا الاتفاق لأنها أيضا ستقوم بإخراج اليورانيوم المخصب الذي كلفها مليارات الدولارات إلى خارج البلاد، وإضافة لذلك فإن من بين النقاط التي تم الحديث عنها أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة يجب خفض نسبة تخصيبه إلى 20 بالمئة وإخراج الأخير لخارج إيران، وأما ما يمكن لإيران العمل به في مشروعها النووي هو العودة إلى التخصيب بنسبة ما دون الـ 4 بالمئة كما كانت قبل العام 2015.

وأشار عبد الرحمن، إلى أن إيران بكل حال لن تستفيد من التوقيع على الاتفاقية من الناحية الاقتصادية، وحتى الأموال الايرانية المحجوزة في الخارج فلن تتمكن من الوصول إليها ما لم يتم الإفراج عن السجناء السياسيين لديها، والفائدة الوحيدة من التوقيع على الاتفاقية هي الحفاظ على النظام الحالي وتجنب احتمال حدوث ضربة عسكرية.

إقرأ:توقعات بفشل الاتفاق النووي الإيراني

هل ينجح الاتفاق؟

الأكاديمي والباحث في الشأن الإيراني، مسعود إبراهيم حسن، بين في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن هناك ردود فعل إيجابية من الأطراف المفاوضة سواء من الجانب الأميركي، أو الإيراني تجاه الاقتراح الأوروبي، والجانب الأوروبي قدّم العديد من الامتيازات لإيران، وتنازلت الأخيرة بدورها في هذا الإطار، بما في ذلك التنازل عن شطب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب.

ووفق اعتقاد حسن، هناك ملفات أخرى لم تظهر للنور، أهمها الوجود الإقليمي لإيران، وملف الصواريخ الباليستية، وهذين الملفين مهمان للغاية بالنسبة لإيران.

وأردف حسن، في حديثه، أن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا لإتمام الاتفاق النووي الإيراني، لأن هذا الاتفاق يعطي شرعية وقوة لإيران لتنفيذ مشاريعها الإقليمية، وتوسعها في المنطقة. لذلك تسعى إسرائيل، وفق رأي حسن، بكل جهودها لإفشال هذه المفاوضات ووقف رفع العقوبات عن طهران، لأن تل أبيب تسعى لإضعاف طهران، ورفض منحها الشرعية لتوسعها الإقليمي في المنطقة.

ومع ذلك، إذا كانت هناك شروط قوية في الاتفاقية الجديدة تحد من قدرات إيران، وتحجم توسعها بالمنطقة، فإن إسرائيل ستسعى للتكيف مع الأمر، تماما كما فعلت إسرائيل، دائما وأبدا وحتى بعد اتفاق 2015 تركت الباب مفتوحا أمام العمليات العسكرية مع إيران، من خلال عمليات صغيرة، مثل اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين، أو العمليات السيبرانية ضد المفاعلات النووية، لذلك حتى بعد توقيع اتفاقية جديدة حول الملف النووي، ستبقي إسرائيل الباب مفتوحا لمواصلة عملياتها العسكرية ضد إيران، سواء في الأراضي الإيرانية أو في الداخل السوري، على حدّ تعبير الباحث في الشأن الإيراني.

قد يهمك:ما علاقة الصين بإيقاف الاتفاق النووي مع إيران؟

من الواضح أن الأيام القادمة ستحمل النتائج النهائية لواحدة من أكثر المباحثات تعقيدا وإثارة للجدل والردود الدولية، ليتضح هل ستخضع إيران وفق اتفاق جديد وتجعل برنامجها تحت المراقبة الدولية، أم سينهار الاتفاق لتكون هناك العديد من الاحتمالات من بينها الاحتمال العسكري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة