لم يعد الصيف ذلك الفصل المفضل لدى السوريين كما كان في السابق، إذ بات يشكل معاناة كبيرة لهم في ظل الجفاف الذي لحق بمعظم المناطق السورية وقلة الماء والتقنين في المدن، كما أنه يشكل معاناة من الجانب الآخر مع ارتفاع درجات الحرارة حيث التقنين الكبير للكهرباء، الذي يحرمهم من استخدام المراوح والمكيفات، بالتزامن مع الصعوبة في تأمين البدائل التي تعتبر أسعارها خيالية بالمقارنة مع الدخل المتدني بشكل غير مسبوق.

ما في مي!

مع بداية الصيف شهدت معظم مصادر المياه تراجعا وجفافا غير مسبوق، ما أدى لقلة مياه الشرب وحتى تلك التي يستخدمها السوريون في احتياجات أخرى كالغسيل والحمام وغير ذلك.

أسباب عديدة تقف خلف النقص الكبير في المياه في سوريا، بداية من أسباب طبيعية كانخفاض مستوى هطول الأمطار في الشتاء الماضي، وأسباب غير طبيعية كحفر الآبار بشكل عشوائي وغير مسؤول في مناطق، وحجز كميات كبيرة من المياه في السدود التركية على نهر الفراتن ما أدى للجفاف في الجزيرة السورية، وبالإضافة لذلك ما تعانيه شبكات المياه في مختلف المحافظات السورية من دمار نتيجة الحرب والتخريب خلال السنوات الماضية.

أزمة المياه في سوريا “وكالات”

عوامل مختلفة اجتمعت لتكون شبحا يطل برأسه ليزيد من معاناة أخرى للسوريين، تضاف إلى جوانب حياتية أخرى كانت جميعها مرهقة لهم لدرجة كبيرة.

ووسط كل ذلك يعاني السوريون خلال عملية البحث عن بدائل مائية، سواء كان بشراء صهاريج المياه للاستعمالات المختلفة، أو شراء ألواح الثلج للحصول على مياه باردة تمكنهم من مقاومة حر الصيف.

سوسن الأحمد (ربة منزل خمسينية من محافظة درعا)، تعيش مع أسرتها المكونة من 5 أبناء وزوجها في حي شمال الخط في مدينة درعا، تروي معاناة أسرتها ومحيطها مع المياه، حيث تقول لـ”الحل نت”، مع بداية شهر آب/أغسطس الفائت، ازداد نقص الماء بشكل واضح بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث جرت العادة أن يتم تشغيل المياه في الحي مرة أسبوعيا، نتمكن خلالها من تعبئة خزاناتنا ونحاول أن نجعلها تكفينا حتى الموعد التالي للتعبئة، ولكن مؤخرا تم قطع المياه لنحو أسبوعين كاملين، ما جعلنا نعاني حتى في أبسط الأمور، ما دفعنا للتخلي عن شطف المنزل، والتخفيف من غسيل الملابس للحد الأدنى، وحتى الاستحمام فقد خصصنا نحو ليترين من الماء فقط لكل شخص، وفي كل 3 أيام مرة واحدة”.

وتتابع سوسن، “وبعد تأخر تشغيل المياه، اضطررنا للتشارك مع جيراننا بشراء صهريج ماء سعة 3000 ليتر، حيث ارتفع ثمنه إلى 50 ألف ليرة، بعد أن كان نحو 40 ألف، قبل أزمة قطع الماء. إنها معاناة كبيرة أن نعيش وما في مي، معاناة كبيرة أن نشتهي الماء البارد بعد أن حولنا براداتنا إلى خزائن لحفظ بعض الأغراض بسبب انقطاع الكهرباء التي لا تقل سوءا عن الماء، فهي تعمل بمعدل ساعتين ليلا فقط في معظم الأحيان، ومع هذا الحر لم ننجح بشراء مروحة على البطارية لارتفاع ثمنها الذي زاد عن 200 ألف ليرة للنوع الأقل ثمنا في السوق”.

وبالإضافة إلى ذلك، من الصعب على السوريين التوجه لشراء المياه المعبأة للشرب، نظرا لارتفاع أسعارها، ففي شباط/فبراير الماضي، قامت الشركة العامة لتعبئة المياه في سوريا، برفع اسعار عبوات المياه المعّدة للشرب المنتجة في معاملها ”بقين، الفيجة، دريكيش، والسن”.

وحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فقد تم رفع عبوات مياه الشرب بنسب تقارب الـ 40 بالمئة، وأصبح سعر العبوة من سعة لتر ونصف اللتر 800 ليرة سورية.

إقرأ:استمرار أزمة انقطاع المياه والكهرباء في الساحل السوري

الماء والكهرباء ترهق أهالي دير الزور

مأساة مضاعفة عندما يجتمع تقنين الكهرباء والماء معا، كما هو الحال في شمال شرق سوريا، الذي تعاني مناطقها جفافا نتيجة انخفاض مستوى نهر الفرات لدرجة كبيرة، نتيجة احتجاز المياه في السدود التركية، بالإضافة إلى التقنين الكبير في الكهرباء، وفوق ذلك تعتبر هذه المناطق من أكثر المناطق في سوريا ارتفاعا بدرجات الحرارة.

ومن أجل تأمين المياه الباردة يلجأ معظم السوريين، في مختلف المناطق إلى شراء قوالب الثلج التي باتت تجارتها رائجة بشكل كبير ما أدى لارتفاع أسعارها.

مؤخرا ارتفعت أسعار ألواح ومكعبات الثلج إلى 8000 ليرة سورية، و3000 ليرة سورية، في دمشق وريفها، حيث ارتفعت الأسعار عن العام الماضي، وأصبحت تشكل ضغطا إضافيا بسبب انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، وتختلف أسعار ألواح الثلج باختلاف الموقع والمورد، حيث يتراوح سعر الكيس صغير الحجم بين 2000 و3500 ليرة، والقالب كبير الحجم بين 4500 و6000 ليرة، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

أما في مناطق “شرق الفرات”، يبدأ ارتفاع أسعار قوالب الثلج مع الصيف، وفي ريف محافظة دير الزور، حيث وصل سعر لوح الثلج الواحد إلى 5000 ليرة سورية.

انقطاع الكهرباء في دمشق خلال ساعات التقنين “وكالات”

ويتجه سكان المحافظات الشرقية في فصل الصيف عادة، إلى شراء ألواح الثلج لخلطها بالماء العادي لتصبح قابلة للشرب وسط الأجواء الحرارية العالية، وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وكذلك شحّ المياه في جميع أنحاء المنطقة الشرقية، حيث تشهد هذه المناطق اصطفاف طوابير طويلة للحصول على لوح ثلج واحد.

عبد العزيز العلي، شاب ثلاثيني، من ريف دير الزور، متزوج ولديه طفلان، يروي خلال حديثه لـ”الحل نت”، ما يعانيه نتيجة قلة الماء والكهرباء، إذ يقول” منذ بداية الصيف ونحن نعيش في حالة صعبة بسبب الماء والكهرباء، فدائما ما كنا نعتمد على مياه الفرات في عمليات الري وسقاية الماشية، وحتى الشرب، لكن حاليا يكاد النهر أن يكون جافا، لذلك نلجأ بشكل دائم لشراء صهاريج الماء، لاستخداماتنا وأيضا لسقاية الماشية لدينا، ويبلغ سعر الصهريج 45 ألف ليرة، ونحتاج إلى صهريج كل أسبوع تقريبا”.

أما حول الكهرباء يضيف العلي، “الكهرباء أصبحت حلما بالنسبة لنا، خاصة مع هذا الحر فنحن نشتهي كأس الماء البارد ولذلك نلجأ لشراء ألواح الثلج التي باتت تجارة رائجة في منطقتنا، ويتم بيع لوح الثلج بـ5 آلاف ليرة، ولكن من جهة ثانية نعاني من الحر ولا يوجد كهرباء لتشغيل مراوح، وخاصة كبار السن ممن يعانون من أمراض صدرية كالربو، وضيق التنفس، وعندما حاولنا السؤال عن تركيب الطاقة الشمسية تراجعنا، فهي مكلفة جدا، وفكرنا في شراء مروحة تعمل على شحن البطارية لكن تراجعنا أيضا فهناك أمور لها أولوية أكثر، ونحن الآن في نهاية الصيف، وننتظر معاناة أخرى في الشتاء إذا استمر الحال بهذا الشكل”.

تقنين الكهرباء معاناة تشمل سوريا بشكل عام، حتى في المدن الرئيسية، فمع بدء فصل الصيف، سجلت العاصمة دمشق زيادة في عدد ساعات التقنين إلى 4 ساعات فأكثر، فيما ارتفعت إلى 8 ساعات في المتوسط في ريف دمشق وباقي المناطق، ويأتي هذا التراجع دون تفسير من قبل وزارة الكهرباء.

وفي أيار/مايو الماضي، تغير برنامج التقنين، حيث زادت ساعات التوقف من 3 إلى 4 ساعات، فيما انخفضت ساعات التغذية من 3 ساعات إلى ساعتين، كما أن بعض المناطق شهدت انقطاعا حادا لمدة 10 ساعات تقريبا، من الساعة 12 ليلا حتى 10 صباحا، ولكن مؤخرا ازدادت ساعات التقنين مع الارتفاع في درجات الحرارة، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

أما في ريف دمشق، فإن ساعات القطع وصلت إلى 12 ساعة مقابل نصف ساعة تغذية، فيما بلغت ساعات التغذية خلال 10 ساعات ساعة واحدة فقط في الكثير من المناطق.

وفي سياق الكهرباء، أظهرت فواتير استهلاك الكهرباء، في أيار/مايو الماضي، الارتفاع الكبير الذي طرأ على فواتيرها، لاسيما في الدورة الأخيرة التي شملت شهري كانون الثاني وشباط من العام الجاري، فقد وصلت فواتير الكهرباء الصادرة في دورتها الأخيرة، إلى مبالغ تجاوزت 20 ألف ليرة سورية، بعد أن كانت لا تتجاوز مبلغ 3 آلاف ليرة سورية في الدورات الصادرة.

فبعض الفواتير وصلت إلى مبالغ كبيرة جدا، تراوحت بين 50 و70 ألف ليرة سورية، للاشتراك المنزلي، مضيفا إلى أنها في مناطق تُقطع فيها الكهرباء لساعات طويلة، فيما لم يحصل المشتركون على أي نتيجة من تقديم اعتراضات لمؤسسة الكهرباء، وأن المؤسسة اكتفت بتقسيم الفاتورة على أشهر تحت بند “الشرائح”.

وفي نيسان/أبريل الفائت، صدرت فواتير كهرباء بتسعيرة جديدة، على الرغم من التقنين لساعات تكون معها الكهرباء نادرة معظم الأحيان، وبيّنت هذه الفواتير أن معظم المستهلكين الذين استهلكوا 1500 كيلو واط، وصلت قيم فواتيرهم بعد التعرفة الجديدة لحدود 16 ألف ليرة، بدل من 6100 حسب التعرفة السابقة، في حين من استهلك ألفي كيلو واط بلغت قيمة فاتورته 77500 ليرة، بدلا من 12 ألف حسب التعرفة السابقة، في حين وصلت قيمة الفاتورة ذات الاستهلاك 2500 كيلو واط إلى 130 ألف ليرة، بدلا من 18 ألف ليرة.

قد يهمك:قفزة كبيرة لأسعار عبوات المياه في سورية

أزمة المياه والكهرباء باتت من أكبر المشاكل التي ترافق الحياة اليومية للسوريين، بل وأصبحت مصدر قلق لهم، وخاصة خلال فصل الصيف الشديد الحرارة، فبدلا من أن تقوم حكومة دمشق بوضع حلول بديلة خلال فصل الصيف، زادت من ساعات تقنين المياه والكهرباء معا، مما تسبب بمعاناة مضاعفة للمواطنين لم يشهدوها من قبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.