انتخابات برلمانية إيطالية من المقرر أن تجري في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، تأتي في وقت تمر به أوروبا والعالم بالعديد من الأحداث على رأسها الغزو الروسي لأوكرانيا، والعداء الروسي الأوروبي، الذي برز على خلفية الحرب، ما دفع روسيا بمحاولات التدخل في شؤون هذه الدول بأشكال مختلفة، ومؤخرا بدأ الحديث من خلال تدخلها في الانتخابات الإيطالية عبر مرتزقة “فاغنر”.

اتهامات إيطالية

تعتبر الانتخابات البرلمانية في إيطاليا، المقررة في 25 أيلول/سبتمبر المقبل، حاسمة في تحديد طبيعة العلاقة مع روسيا، التي من مصلحتها فوز الأحزاب اليمينية لكسر العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو.

وفي سياق متعلق بالانتخابات، تحوّلت الاتهامات الإيطالية لروسيا باستخدام فاغنر، في تهريب المهاجرين غير النظاميين شرقي ليبيا كسلاح انتخابي ضدها، من جدل سياسي إلى تأكيد برلماني رغم نفي موسكو.

حيث يؤكد تقرير اللجنة البرلمانية لأمن إيطاليا “كوباسير”، وجود علاقة بين ازدياد عدد المهاجرين الذين يغادرون إقليم برقة، شرقي ليبيا، وبين استراتيجية الكرملين الشاملة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما التي تمر بمرحلة انتخابات.

ويخضع الإقليم الليبي المذكور لسيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتنتشر فيه بنفس الوقت مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية، بحسب تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”.

ويدعم التقرير البرلماني حديث صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، عن دور محتمل لـ”فاغنر”، في زيادة تدفقات المهاجرين المنطلقين من ليبيا، خاصة من سواحلها الشرقية، التي لم تكن في السابق نقطة انطلاق نحو إيطاليا بسبب البعد الجغرافي.

إذ إن السواحل الليبية الغربية، خاصة الممتدة من بلدة زليتن، شرقا إلى بلدة زوارة، في أقصى الغرب، مرورا بمدن القرة بوللي، والزاوية، وصبراتة، شهدت أكثر عمليات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الجنوبية لإيطاليا.

بينما لا تشتهر سواحل الشرق الليبي كطريق للهجرة نحو أوروبا، رغم قربها من السواحل الجنوبية لليونان، وإن كانت السواحل الإيطالية أبعد، لذلك يفضل المهاجرون السفر برا أو حتى جوا إن أمكنهم ذلك نحو الغرب الليبي، ومن هناك يمتطون قوارب نحو إيطاليا.

وبحسب التقارير، فإنه من المستغرب أن ينتقل المهاجرون غير النظاميين من شرقي ليبيا مباشرة نحو السواحل الإيطالية، رغم بُعد المسافة ووجود طريق أقرب.

إقرأ:روسيا توقف نقل الغاز لأوروبا عبر “نورد ستريم 1”.. ما البدائل؟

تضارب تصريحات

الحكومة الإيطالية، تنفي وجود علاقة بين تدفق المهاجرين شرقي ليبيا نحو السواحل الجنوبية للبلاد، وبين “فاغنر”، وسعيها للتأثير على الانتخابات.

ووفق وكيل وزارة الداخلية الإيطالية نيكولا مولتيني، فإنه “منذ بداية العام حتى 29 تموز/يوليو الماضي، وصل 21 ألفا و507 مهاجرين من ليبيا إلى إيطاليا”، وذكر أن “أقل من 4 آلاف منهم جاءوا عبر سواحل برقة (شرق)، بينما انطلق الآخرون من إقليم طرابلس (غرب)”.

لكن هذه المقارنة لا تصح، لأن الأمر يتعلق بزيادة أعداد المهاجرين من شرقي ليبيا منذ بداية العام، مقارنة بتاريخ 29 تموز/يوليو، بحسب التقارير.

وتفيد التقارير الصحفية، بأن تدفق المهاجرين على إيطاليا بكثافة يصب في مصلحة الأحزاب اليمينية، وعلى رأسها حزب الرابطة المعادي للأجانب، ما قد يمكّنه من حصد المزيد من الأصوات والمقاعد، والعودة مجدداً لرئاسة الحكومة.
بينما أثبت التحقيق الذي أجرته اللجنة البرلمانية عبر جلسات الاستماع مع أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية، أن المزيد من المهاجرين يغادرون أكثر من برقة.

وتوصّلت اللجنة في تقريرها الذي سلمته للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ، إلى استنتاج مفاده، أن “ضغط الهجرة، أحد وسائل الحرب المختلطة لروسيا، في محاولة لخلق استراتيجية حقيقية للفوضى”.

و”الحرب المختلطة”، التي يتحدث عنها التقرير إشارة إلى اتهام أوروبا لروسيا باستخدام “حصار” موانئ تصدير الحبوب الأوكرانية، وتقليص إمدادات الغاز، ثم استعمال ورقة المهاجرين لإحداث فوضى في الدول الأوروبية، خاصة تلك المقبلة على انتخابات مصيرية على غرار إيطاليا.

قد يهمك:هل تنجح روسيا بتوجيه مركز توزيع المساعدات الإنسانية في سوريا إلى دمشق؟

موسكو والأحزاب اليمينة

وفق التقارير الصحفية، فإن موسكو تراهن على فوز الأحزاب اليمينية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وحصول الحزب الجمهوري على الأغلبية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، لخلخة الموقف الأوروبي، والأميركي من الحرب الروسية في أوكرانيا، للوصول إلى غرض كسر العقوبات الغربية عليها.

وخوفا من عمليات التدخل الروسية بالانتخابات، حرص تقرير اللجنة البرلمانية على التأكد من أنه ينبغي تقييم “استراتيجية روسيا للفوضى” بجدية شديدة، محذرا من أن “إيطاليا تخاطر بأن تكون ضحية محتملة”.

هذه التقارير تتقاطع مع اتهامات أخرى لروسيا، بلعب دور في إسقاط حكومة دراغي، بعدما سربت وسائل إعلام محلية، عقد سالفيني، زعيم حزب الرابطة، لقاءات مع مسؤول دبلوماسي روسي كبير (لم تذكره) في روما خلال الأيام التي سبقت سقوط الحكومة الإيطالية.

كما كشفت عن إجراء رئيس الوزراء الأسبق، سيلفيو برلوسكوني اتصالاً مطولاً مع السفير الروسي “عشيّة التحوّل المفاجئ في موقفه، بعد أن كان أعلن تأييده الكامل لبقاء دراغي في رئاسة الحكومة، حتى نهاية الولاية التشريعية”.

إقرأ:لماذا سحبت روسيا أنظمة “إس 300” من سوريا.. الأهداف والتبعات؟

الأوروبيون قلقون

وسط ما يجري، فإن الأوروبيين قلقون من قدرة روسيا على الإطاحة بحكومة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، حيث كان دراغي، من الصقور الذين تحمسوا لفرض عقوبات على روسيا وشجعوا عليها.

وتمكّن دراغي، في فترة وجيزة من تقليص اعتماد بلاده على الغاز الروسي من 40 إلى 25بالمئة، في ظرف أشهر قليلة، بفضل اتفاقه مع الجزائر على زيادة إمداداتها من الغاز، ومباحثاته مع دول أخرى مثل قطر، وأنغولا، والكونغو، وموزمبيق.

دفعت هذه التطورات وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، للقول إن الذين أسقطوا الحكومة، “قدّموا رأس دراغي على طبق من فضّة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.

وفي يوم سقوط حكومة دراغي، قال الناطق باسم المفوضية الأوروبية إن “ثمّة معلومات مخابراتية تؤكد قيام روسيا بمحاولات لزعزعة الاستقرار في دول الاتحاد، عن طريق التأثير في السياسات الداخلية للدول الأعضاء”.

وكان دراغي، قدم استقالة حكومته، بتاريخ 21 تموز/يوليو الماضي، بعد فقدانه الأغلبية في البرلمان، وقرر الرئيس، سرجيو ماتاريلا، حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة.

وتضع العديد من الاستطلاعات الائتلاف اليميني بقيادة حزب “إخوة إيطاليا”، الذي تقوده جورجيا ميلوني في المقدمة، للفوز في الانتخابات المقبلة.

قد يهمك:روسيا تُهرب الفوسفات السوري إلى أوروبا

برلسكوني إلى الانتخابات

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، أعلن سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، في مطلع آب/أغسطس الماضي، رغبته في العودة إلى البرلمان خلال الانتخابات النيابية في أيلول/سبتمبر الحالي، بعدما استُبعد منه إثر إدانته بتهرب ضريبي، بينما تلاحقه العديد من الفضائح.

وقال الملياردير البالغ من العمر 85 عاما، في إعلانه “أعتقد أنه بنهاية الأمر سأتقدم كمرشح للبرلمان ليفرح كل الناس الذين طلبوا مني ذلك”.

وتشير تصريحات برلسكوني، إلى أن حزب برلسكوني الوسطي اليميني، “فورتسا إيطاليا”، الذي ساهم في إسقاط رئيس الوزراء ماريو دراغي، الشهر الفائت بسحب دعمه، مستعد للعودة إلى الحكم من خلال انتخابات نواب البرلمان، وأعضاء مجلس الشيوخ المرتقبة في 25 أيلول/ سبتمبر الحالي.

ويشارك الحزب في ائتلاف يميني بقيادة حزب إخوة إيطاليا (فراتيلي ديتاليا)، الفاشي بزعامة جورجيا ميلوني، الذي يضم أيضا حزب الرابطة المناهض للهجرة بزعامة ماتيو سالفيني.

وتجاهل برلسكوني، تقارير أشارت إلى قلقه إزاء إمكانية أن تصبح ميلوني التي ترفع شعار “الله، الوطن، الأسرة”، رئيسة لحكومة ثالث أقوى اقتصاد في منطقة اليورو، لافتا إلى الاتفاق مع الأطراف الأخرى، القاضي بأن الفائز بأكثر الأصوات، هو من يختار رئيس الوزراء، قال: “إذا كانت جورجيا، فأنا متأكد من قدرتها على القيام بالمهمة الصعبة”.

إقرأ:إيطاليا.. سيلفيو برلسكوني يعود للحياة السياسية بعد غياب 10 سنوات

يذكر أن برلسكوني، سياسي إيطالي ورجل أعمال معروف، ومالك وسائل إعلام في بلاده كما ويرأس نادي “إيه سي ميلان” الرياضي، يبلغ من العمر 85 عاما، عمل رئيسا للوزراء ثلاث مرات في تاريخه، كان أبرزها الفترة الثانية التي قضاها من عام 2001 حتى 2006، وتولى المنصب فترة ثانية من 8 أيار/مايو 2008 حتى 13 نوفمبر 2011.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.