الحكم على رفعت الأسد  بالسجن لمدة أربع سنوات في فرنسا، هو آخر فصول قصة نائب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ويُعتقد أن رفعت ما يزال موجود في سوريا، بعد خروجه من فرنسا العام الماضي، وهو الذي خرج من سوريا منفيا في ثمانينيات القرن الماضي بعد محاولة انقلاب فاشلة للسيطرة على الحكم، بعد حصوله على مئتي مليون دولار من ليبيا التي كان يرأسها آنذاك معمر القذافي.

صراع الأخوين على الحكم

بحسب ما نقلت الشرق الأوسط عن مؤرخون، فإنه كان هناك مستويان للصراع في سوريا بين حافظ ورفعت من جهة، وبين صلاح جديد ومدير مخابراته عبد الكريم الجندي من جهة ثانية. أصبح رفعت قائدا لـ“سرايا الدفاع“، وهي قوة نخبوية من 40 ألف جندي، كانت بمثابة “جيش مستقل” لا يرتبط بأي شكل بالجيش.

رفعت الأسد كان يمثل الذراع الأمنية الأشد بطشا، بيد شقيقه حافظ الأسد في مواجهة معارضيه، إلى أن تعرض الأخير لوعكة صحية أواخر العام 1983، أدخل على إثرها إلى المستشفى، ما استدعى تشكيل لجنة سداسية لإدارة البلاد من قبل حافظ الأسد، ضمت رئيس الوزراء عبد الرؤوف الكسم، ووزير الدفاع مصطفى طلاس، ووزير الخارجية عبد الحليم خدام، وهي المحطة التي بدأ من خلالها رفعت التخطيط للسيطرة على الحكم. تجلّى الخلاف بين الشقيقين عندما رفض رفعت الأسد، الذي كان برتبة لواء وعضوا في القيادة القطرية لحزب البعث، اللجنة.

بحسب أوراق لنائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام، فقد اجتمع الأخير مع الرئيس حافظ الأسد، وقال خدام في أوراقه: “خلال حديثنا عن الوضع، قلت له: الحملة كبيرة على رفعت، وهذه الحملة تضعف النظام، لذلك لا بد من معالجة وضع رفعت، فأجابني: رفعت مخرز في عيون الرجعية، فأجبته: سنرى في المستقبل سيكون مخرزا في قلب من“.

ووفق ما نقلت “الشرق الأوسط“، فقد كان رفعت يتدخل بشؤون الدولة، ويعطي توجيهات لرئيس الوزراء محمد علي حلبي الذي لم يكن يتجرأ على ردعه. ويضيف: “كان توجه الرئيس إلى توريث شقيقه، غير أن رفعت ارتكب خطيئة كبيرة عندما حاول الانقلاب على شقيقه خلال مرضه في تشرين الثاني/نوفمبر 1983”.

بعد سلسلة من التطورات التي وسعت نفوذ رفعت، بدأ حافظ الأسد بالرد في شباط/فبراير 1984، فأمر بالقبض على أحد أتباع رفعت، وهو مساعده الأمني العقيد سليم بركات، وبعث برسالة إلى رفعت عبر أخيه الآخر جميل، يقول فيها: “أنا أخوك الأكبر الذي عليك حق طاعته، ولا تنسَ أنني أنا الذي صنعتك“.

في آذار/مارس من العام 1984، أعلن رفعت الأسد عن تمرد جديد، بعد انتزاع قيادة “سرايا الدفاع”، مستفيدا من ولاء بعض الضباط في السلطة، وردا على ذلك، أمر حافظ الأسد بنشر الجيش في دمشق، في أكبر حشد عسكري تشهده العاصمة خلال حكمه.

وبحسب وزير الدفاع حينها العماد مصطفى طلاس الذي كتب في مذكراته بأن حافظ الأسد توجه بمفرده إلى مقر شقيقه وقال له: “هل تريد إسقاط النظام؟ ها أنا ذا، أنا النظام!“، ثم عرض على شقيقه مخرجا، متعهدا باحترام كرامته ودعم مصالحه، والخروج الآمن إلى منفى يختاره، ولن يُقبض عليه.

لكن لتجنب المواجهة، أجرى حافظ الأسد اتصالات سرية مع قيادات في “سرايا الدفاع”، من بينهم اللواء بهجت سليمان، الذي سيتولى لاحقا منصب مدير المخابرات العامة، ونجح في منع تحرك آليات وعناصر رفعت.

خلال لقاء خدام بحافظ الأسد في منزله لمناقشة المشاركة في مؤتمر القمة في عمّان نهاية تشرين الثاني/نوفمبر قال الأسد: “أفكر في تعيين نائب للرئيس من أجل الاستمرارية، إذ إنه لا يعرف الإنسان متى يأتي الأجل“.

قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟

في أواخر نيسان/أبريل من عام 1984 “بدأ العميد رفعت يشعر أن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه الرئيس لدرجة لم تعد تسمح له بالحركة إطلاقا، فاتصل بشقيقه جميل الأسد، ليمهد له المصالحة مع أخيه“.

وفي 28 أيار/مايو 1984، توجهت طائرة إلى موسكو مليئة بأكبر ضباطه (بمن فيهم رفعت) لفترة تهدئة، ثم تم استدعاؤهم واحدا تلو الآخر إلى سوريا، وترك رفعت وحيدا في المنفى.

قبل مغادرته سوريا، نظم رفعت مأدبة كبيرة لأصدقائه، وقال: “يبدو أن أخي لم يعد يحبني؛ عندما يراني يعبس، لكني لست عميلا، ولم أتآمر ضد بلدي… لو كنت أحمق، لدمرت المدينة بأكملها، لكني أحب هذا المكان. رجالي هنا منذ ثمانية عشر عاما، والناس معتادون علينا؛ إنهم يحبوننا، والآن يريد هؤلاء المغاوير طردنا“.

ليبيا دفعت 200 مليون دولار لرفعت الأسد

في تفاصيل حادثة خروج رفعت من سوريا، كشف رئيس الوزراء الليبي الأسبق عبد السلام جلود مطلع العام الجاري، عن مساهمة بلاده في خروج شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من سوريا، وذلك في أوقات الصراع بين الأخوين على السلطة في ثمانينيات القرن الماضي.

قال جلود في كتاب مذكّراته “الملحة“، إن ليبيا قدمت 200 مليون دولار لرفعت ورتبت عملية خروجه من سوريا عام 1984.

وكشف رئيس الوزراء الليبي الأسبق عن رحلته إلى سوريا  في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن قرر قائد “سرايا الدفاع“، رفعت الأسد، تنفيذ انقلاب عسكري ضد أخيه حافظ، مستغلاً مرضه بنوبة قلبية.

وأكد أنه قابل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وأبلغه أن ليبيا هي الوحيدة القادرة على “إنقاذ سوريا من الدمار الذي ينتظرها“، مترجيا منه بذل كل الجهد لإقناع رفعت بالتوقف والخروج من البلاد، وفق ما نقل موقع “العربي الجديد“.

وبحسب ما كتب جلود فإنه ساهم بوقف الانقلاب على حافظ الأسد عبر الضغط على أخيه رفعت، ووصل به الأمر حدّ تهديده، حتى بدأ أخيرا يلين وتظهر بوادر تغيير بمواقفه، مؤكدا أن رفعت سأله في لقاء حاسم عن طريقة مغادرة سوريا وهو متهم بالعمالة، طالبا مبلغ 200 مليون دولار لـ “تأمين أسرته في الخارج“.

واعتبر رئيس الوزراء الليبي أنه جهوده ساهمت بمنع رفعت الأسد من تنفيذ انقلابه على أخيه حافظ، وقال إنه أنجز “مهمته القومية الصعبة والمعقدة في سوريا، بمنع رفعت الأسد من تنفيذ انقلابه، قبل أن يساهم في ترتيب أمر سفره إلى الاتحاد السوفياتي، ثم انتقاله نهائيا إلى أوروبا“.

مجددا في سوريا

عاد رفعت إلى سوريا في عام وفاة والدته 1992، وأعاد تفعيل دوره العام. إذ أنشأ في العام 1997 حزب “الشعب السوري“، وأصدر مجلة أسبوعية بالاسم نفسه. كما أطلق، في العام ذاته، محطة “شبكة الأخبار العربية” الفضائية التي تبث من لندن.

في عام 1994، عزى رفعت شقيقه حافظ عندما توفي نجله باسل، لكنه سُرح في وقت لاحق من العام نفسه من منصبه في الجيش، واستمر في شغل منصب نائب الرئيس، قبل أن يعفى لاحقا.

أقال الرئيس الأسد شقيقه رفعت من منصب نائب رئيس الجمهورية في العام 1998. تبع ذلك، في العام 1999، اندلاع ما يسمى “حادثة الميناء“، عقب مداهمة قوات الأمن حاجز ميناء في اللاذقية يعود لرفعت، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في المدينة، لم تلبث أن انتهت بسيطرة الأجهزة الأمنية على الميناء، واعتقال نحو 1000 شخص من أنصار رفعت في دمشق واللاذقية.

وعندما توفي الرئيس حافظ، في 10 حزيران/يونيو 2000، أصدر بيانا حدادا عليه، وادعى أنه الوريث للرئاسة، غير أن نداءاته لم تلقَ آذانا صاغية، وأمر نائب الرئيس خدام باعتقال رفعت، إذا حاول حضور جنازة الرئيس في 13 حزيران/يونيو.

وعاد رفعت الأسد للاستقرار في فرنسا، وصدرت أوامر من السلطات السورية باعتقاله، في حال دخول إلى سوريا، وأسس رفعت في باريس في العام 2005، “التجمع القومي الموحد“. ثم في العام الأول للاحتجاجات السورية في 2011، أعلن رفعت معارضته للنظام الحاكم في سوريا، وطالب ابن أخيه بالتنحي وتسليم الحكم، مستهجنا في تصريح متلفز لاحق، تمسك بشار بنزف الدماء.

بدء محاكمة رفعت

فتحت المحاكم الفرنسية، قضايا فساد وغسيل أموال خلال السنوات الماضية، واتُهم “رفعت الأسد“، بغسل أموال في إطار عصابة منظمة واختلاس أموال عامة سورية وتهرب ضريبي، وكذلك بسبب تشغيل عاملات منازل بشكل غير قانوني.

وخلال التحقيق الذي فتح في 2014 بعد شكوى من منظمتي الشفافية الدولية و“شيربا“، صادرت المحاكم قصرين وعشرات الشقق في باريس، وعقارا يضم قصرا ومزرعة خيول في “فال دواز” ومكاتب في “ليون“.

أواخر عام 2021 أعلنت وسائل إعلام محلية؛ أن رفعت الأسد، وصل، إلى دمشق قادما من إسبانيا، بهدف منع سجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي بحقه، وبعد مصادرة ممتلكاته وأمواله في إسبانيا أيضا.

وأفادت صحيفة “الوطن” المحلية حينها، ، بأن عودة رفعت إلى سوريا، تأتي في إطار “ترفّع الرئيس الأسد، عمّا فعله وقاله رفعت“ دون أن يكون هناك دور سياسي واجتماعي لرفعت الأسد.

وبحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، قالت مصادر خاصة، إن وصول رفعت الأسد إلى سوريا جاء بعد مفاوضات استمرت قرابة العام بين سومر ابن رفعت الأسد، وضباط الأمن التابعين بشكل مباشر للرئيس السوري بشار الأسد في القصر الجمهوري.

اقرأ أيضا: لقاء مملوك السوري وفيدان التركي.. إجراء تكتيكي أم استراتيجي؟

في حين استبعدت المصادر وجود أي تنسيق فرنسي روسي من أجل السماح بمغادرة رفعت الأسد وعائلته الأراضي الفرنسية، مبينة أن سومر دخل في المفاوضات عبر ابن عمه ماهر الأسد، بعد وفاة محمد مخلوف (والد رامي مخلوف) والذي كان يعتبر العدو اللدود لرفعت الأسد ويمنع أي احتمالية لعودة رفعت أو حضوره الاقتصادي، وفق تعبير المصادر.

فيما أشارت إلى أن أسماء الأسد كانت رافضة وبشدة عودة رفعت وأبناءه، بسبب خوفها من سطوة أبناء رفعت وقربهم لدى العديد من ضباط الجيش الرافضين للنفوذ الاقتصادي المتنامي لأسماء الأسد.

وأضافت المصادر لـ“الحل نت“: “هناك خشية لدى زوجة بشار الأسد من إمكانية ظهور موجة من التأييد العلني لأي دور لرفعت أو أبنائه من قبل ضباط الجيش من الطائفة العلوية الذين زادت نقمتهم على أسماء خلال الفترة الماضية بعد تعاظم نفوذها الاقتصادي، في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد ويعاني منها نسبة كبيرة من أبناء الطائفة“.

إدانته في فرنسا

أدين رفعت، البالغ 85 عاما، في الاستئناف في 9 أيلول/سبتمبر 2021 بتهمة غسل أموال عامة سورية، في إطار عصابة منظمة بين عامي 1996 و2016، وثُبت الحكم عليه بالسجن أربع سنوات، الصادر عن محكمة البداية.

كما دانته المحكمة الفرنسية بتهمة لاحتيال الضريبي المشدد وتشغيل أشخاص في الخفاء، وأمرت بمصادرة جميع العقارات التي اعتبرت أنه حصل عليها عن طريق الاحتيال.

رفعت الأسد، لم يكن لديه ثروة شخصية في سوريا، لكنه تمكّن من بناء إمبراطورية عقارية في أوروبا عندما استقر فيها خلال الثمانينيات والتسعينيات، وخاصة في إسبانيا وكذلك في فرنسا وبريطانيا.

وبعد شكاوى رفعتها منظمة “الشفافية الدولية” وجمعية “شيربا“، فتح القضاء الفرنسي تحقيقا عام 2014 تمت خلاله مصادرة قصرين، وعشرات الشقق في أحياء غنية بالعاصمة ومكاتب.

وحصل رفعت الأسد على وسام جوقة الشرف، في فرنسا عام 1986 عن “الخدمات التي أداها“، وهو مهدد بدعوى قضائية في إسبانيا بسبب الاشتباه “بمكاسب غير مشروعة“، تتعلق بنحو 500 عقار تم شراؤها مقابل 691 مليون يورو. كما تلاحقه العدالة في سويسرا على جرائم حرب ارتُكبت في الثمانينيات.

كذلك، ومن بين الممتلكات المجمدة في إطار القضية ملكية تبلغ مساحتها حوالي أربعين هكتارا فيها قلعة، ومزرعة خيول في بيسانكور بمنطقة باريس، بالقرب من غابة.

في السابع من أيلول/سبتمبر 2022، أصدرت محكمة النقض الفرنسية بيانا تؤيد بحكم نهائي، إدانة رفعت بجرم الاختلاس وتبييض الأموال، وتؤكد العقوبات المنصوصة بحبس رفعت الأسد أربعة سنوات ومصادرة أملاكه.

ومن هنا يجدر التساؤل عن فائدة هذا الحكم الصادر بحق رفعت الأسد، وهو هارب من فرنسا ومقيم في مسقط رأسه في الساحل السوري حاليا، إلى جانب تساؤلات أخرى حول ماهية هذا الحكم وما سيؤول إليه لاحقا.

ما الخطوات القادمة؟

في إطار الخطوات القادمة، والتي تقع على عاتق الحقوقيين في سبيل تحقيق العدالة ضمن هذه القضية، رأى حقوقي لـ“الحل نت“، أن “جهود الحقوقيين سيكون الاستمرار من خلال مطالبة الانتربول الدولي وبالتنسيق مع السلطات الفرنسية على اعتبار أنه أصبح بين أيديهم حكم قضائي نهائي بإدانة رفعت، وذلك لجلبه من سوريا إلى فرنسا لقضاء حكمه الجسدي، وهو قضاء 4 سنوات في السجون الفرنسية، حتى وإن كان هذا الأمر صعبا للغاية، لكنه يبقى الخيار الوحيد تقريبا أمام الحقوقيين“.

قد يهمك: ما حقيقة اختيار سكان الجولان السوري للجنسية الإسرائيلية؟

وأشار الحقوقي إلى أهمية جهود منظمة “شيربا” الفرنسية، التي حملت ملف رفعت، على عاتقها منذ اليوم الأول، والتي أخذت على عاتقها مقاضاة رفعت، وحضرت جميع الجلسات القضائية، وقدمت العديد من الملفات والوثائق التي تثبت إدانة رفعت، بتهمتي الاختلاس وغسيل الأموال وأخرى، بما في ذلك مستندات التهرب الضريبي وممتلكات رفعت العقارية، كما قدمت شهودا للمحكمة، من الشخصيات السورية المقربة من الحكومة السورية، منهم مصطفى طلاس، بالإضافة إلى ضحايا رفعت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.