قرار رفع الدعم الحكومي الذي صدر في مطلع شباط/فبراير الماضي، هو من أكثر القرارات إضرارا بالسوريين، ومساهمة في تردي أوضاعهم الاقتصادية وزيادة فقرهم، فالقرار لم يصدر ليستهدف فئة محددة “غنية” ثم يتوقف، بل لا يزال ينسحب حتى الآن ليشمل فئات جديدة في كل مرة، ما يجعل الاعتقاد سائدا بأن “البطاقة الذكية” التي يعتمد عليها معظم السوريين في شراء احتياجاتهم الرئيسية بسعر أقل من السوق ستصبح قريبا دون نفع، وهو ما يعتبر ظلما حكوميا كبيرا.

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، كشف يوم الجمعة الفائت، أن الحكومة تجري دراسة حول العائلات التي يدرس أبناؤها في الجامعات الخاصة، في إطار عملها على تحديد الفئات التي يتم استبعادها من الدعم، مبينا أن الاستبعاد من الدعم هو قرار حكومي، لافتا إلى أنه يتم حاليا جمع معلومات وبيانات حول من يضعون أبناءهم في الجامعات الخاصة.

صعوبات وعقبات عديدة باتت تواجه السوريين في حياتهم، البطالة وتدني الأجور في حال إيجاد عمل خاصة للعمال الذين يعملون وفق مبدأ المياومة، وكذلك هناك معاناة طلاب الجامعات الذين لا يمكنهم الحصول على “بطاقة ذكية” تساعدهم في التخفيف من أعبائهم، كلها أمور اجتمعت لتزيد من مآسي السوريين.

عمال المياومة ضحايا تدني الأجور

ارتفاع في الأسعار تصاعد بشكل كبير منذ مطلع العام الحالي، ترافق مع تدني سعر صرف الليرة السورية بشكل غير مسبوق، كان سببا في تعميق معاناة عمال المياومة؛ خاصة أنه لم تطرأ زيادات في الأجور التي يتقاضونها لقاء ما يقومون بأعمال تعتبر “أعمالا شاقة”.

عامل مياومة في سوريا “وكالات”

عبدالعزيز مصطفى، في العقد الرابع من عمره، متزوج ولديه طفلين، يعيش في حي طريق السد بدرعا، لم يجد أي فرصة عمل ثابتة بمردود جيد، ما اضطره للعمل بالمياومة ليتمكن وعائلته من العيش، يروي ما يعانيه لـ”الحل نت” قائلا: “منذ أكثر من عام وأنا أحاول إيجاد وظيفة براتب ثابت، على الرغم من أنني أحمل شهادة جامعية، لكن لم أجد بدا من العمل كعامل في ورشات البناء بشكل خاص، وهي التي نشطت قليلا بعد توقف المعارك، ولأنني لا أمتلك الخبرة في عمل بعينه في هذا المجال فإنني أقوم بأعمال مختلفة، كتحميل وتنزيل حجارة البناء وأكياس الإسمنت والحديد ونقل الرمل والبحص وغيرها، وهي أعمال مرهقة للغاية”.

يتابع مصطفى “على الرغم من صعوبة العمل إلا أنني حاولت التأقلم معه، ولكن تكمن المعاناة في الأجور اليومية التي أحصل عليها والتي لا تتجاوز 12 ألف ليرة في أحسن الأحوال، وفوق ذلك فأحيانا يحصل تأخير بتسلم الأجور إذا تأخر صاحب المنزل الذي نعمل به بالدفع لصاحب الورشة، وأيضا تمر عدة أيام دون عمل، فنحن لا ننتقل من ورشة لأخرى بشكل فوري، ومن جهة ثانية تحتاج عائلتي لمصروف يومي يتراوح ما بين 20- 25 ألف ليرة، خاصة أن طفلتي الصغيرة بحاجة للحليب والحفاظات. لقد سُدت كل السبل أمامنا فلم يبق إلا الاستدانة من بعض المحال والأقارب، وكل يوم يزداد الدين دون أن نجد حلا لهذه الأوضاع”

إقرأ:فئات جديدة مستبعدة.. تعرفوا إلى القائمة الكاملة المحرومة من الدعم الحكومي بسوريا

طلاب الجامعات وظلم البطاقة الذكية

لا تقل معاناة طلاب الجامعات الحكومية عن معاناة بقية شرائح السوريين، ففي ظل الفقر وارتفاع الأسعار بات من الصعب على معظم الأهالي التكفل بمصاريف أبنائهم في الجامعات، سواء للإقامة أو المواصلات وحتى المعيشة اليومية، وزاد من معاناة الطلاب كذلك عدم قدرة معظمهم على الحصول على “البطاقة الذكية” التي تساعد على الأقل بشراء الاحتياجات الأساسية بسعر الدعم.

نور طالبة جامعية في السنة الثالثة في كلية الحقوق بجامعة دمشق، تروي لـ”الحل نت”، الصعوبات التي تواجهها خلال دراستها ومحاولاتها للتخفيف منها لتجاوز بعضها، فتقول: “قررت منذ العام الدراسي الماضي أن أتجه للعمل للتكفل بمصاريف دراستي، فعائلتي لم يعد لديها القدرة المادة على مساعدتي خاصة أن والدي موظف متقاعد، كما أنه حُرم مؤخرا من الدعم المقدم نتيجة امتلاكه سيارة من الفئات التي تسببت برفع الدعم، وبالكاد ما يتقاضاه من راتب تقاعدي يكفي لتلبية بعض احتياجات العائلة، ولأنني أريد إتمام دراستي لم أجد بدا من العمل”.

وتضيف نور “أعمل نوعين من العمل، خلال النهار أتابع المحاضرات وأكتبها على شكل ملخصات وأبيعها لمكتبات متخصصة تقوم ببيعها للطلاب وهو أمر قديم في الجامعات السورية، لكن خلال هذه الأزمة يعتبر من يتمكن من الحصول على هذا العمل محظوظا وإن كانت الأجور قليلة وترتبط بعدد الصفحات، إلا أنها تغني عن الأعمال الصعبة، وبعد الظهر أقوم بتدريس عدد من طلاب المرحلة الابتدائية في الحي الذي أعيش فيه، وأتقاضى أجورا أقل من المدرسين، ولكن بهذين العملين أستطيع توفير جزء معقول من احتياجات دراستي ومعيشتي؛ التي لا تقتصر على التسجيل في الجامعة والكتب وغيرها، فهناك احتياجات شخصية أخرى ومختلفة”.

تشير نور إلى أن هناك شريحة كبيرة من طلاب الجامعات اتجهوا لأعمال مختلفة، دون النظر إلى صعوبتها أو كونها تليق بهم، لكن المهم هو أن يتمكنوا من الاستمرار بدراستهم، لذلك يعمل البعض في مطابخ المطاعم، وآخرون في محال تجارية، ومنهم من يعمل في سوق الهال وهكذا.

قد يهمك:الفقر والجوع يقتربان أكثر من السوريين بعد إلغاء الدعم

طلاب يعملون بتنظيف البيوت

نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون اليوم، خاصة وأن الرواتب والمداخيل في أدنى مستوياتها، اتجه الشباب وبعضهم طلاب جامعيون للعمل في “تنظيف البيوت”، بغية إعالة أنفسهم وأسرهم وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب في البلاد، وتشير حقيقة توجه الشباب إلى هذا النوع من العمل إلى انتشار البطالة، وعدم قدرة الحكومة السورية على إيجاد فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل.

طالب جامعي في سوريا يعمل لإتمام دراسته “وكالات”

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى أن طلابا جامعيين شكّلوا ورشات لتنظيف البيوت، وأسسوا صفحات لها على منصة “الفيسبوك”، وأشاروا إلى أن عمل الورشات نال استحسانا كبيرا خلال فترة قصيرة، نظرا لمهارة العاملين في التنظيف، وسرعتها بإنجاز ما تطلبه منها ربات البيوت.

ونوّه بعض الطلاب، إلى أن أجرة “تلييف” الشقة تعتمد على مساحتها وعدد غرفها، وهي بين 35 ألف ليرة سورية، للشقة الصغيرة و70 ألف ليرة للكبيرة. مضيفين أن هذا العمل يدر دخلا جيدا للورشات، ويمكّن جميع أفرادها، من مواصلة دراستهم ومساعدة أُسرهم أيضا.

تنامت خلال السنوات الماضية، المشاريع المنزلية متناهية الصغر، من مختلف الأنواع، وكانت من بين أكثر المشاريع ظهورا وانتشارا، هي مشاريع المطابخ المنزلية، إذ لجأ العديد من السوريين، وخاصة النساء منهم إلى تأسيس أعمال منزلية بتكاليف منخفضة نسبيا للمساهمة في إعالة أُسرهم

فيما عمد آخرون ومن بينهم شبان إلى طرق أبواب المنازل في الأبنية السكنية لعرض قيامهم بشطف الأدراج بشكل أسبوعي، مقابل مبلغ يتم الاتفاق عليه، واستطاع عدد منهم أن يقوموا بالاتفاق مع سكان عدة بنايات سكنية، حيث يؤمن السكان الماء والقشاطات، ويقومون هم بعملية الشطف، مقابل أجور تتفاوت من شقة لأخرى وتتراوح ما بين 1000- 5000 ليرة سورية.

إقرأ أيضا:ارتفاع نسبة البطالة في سوريا ومؤسسات الدولة مهددة بالإفلاس

سوق عمالة مشوه

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى التغيرات التي طرأت على بنية العمالة السورية خلال السنوات الماضية، سواء من حيث تسرب الكوادر أو هجرة الكفاءات.

ونقل التقرير، عن وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف، أن عدد العاملين في القطاع العام يبلغ 900 ألف عامل في القطاع المدني دون العسكري، مشيرة إلى أن العدد الأكبر من عمالة القطاع العام في سوريا يتركز في قطاعي التربية ومن ثم الصحة.

سفاف بيّنت أن عدد العاملين في قطاع التربية يصل إلى 500 ألف عامل، لافتة إلى أن عمالة القطاع العام تعاني من سوء التوزيع المترافق مع سوء الاستثمار.

كما نقل التقرير، عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، محمد سيف الدين، أن نقص العمالة في القطاع العام يتركز في الفئتين الرابعة والخامسة من عمال الشركات الإنتاجية، أما الفئات الأولى والثانية فيتركزان في القطاع الإداري.

 وحسب وزارة المالية، فإن تكلفة فرصة العمل تصل تقريبا إلى 2 مليون ليرة، وأن الاقتصاد السوري اليوم هو اقتصاد تكاليف، ويشمل ذلك نفقات المازوت والكهرباء.

من جهته، مدير المرصد العمالي للدراسات والبحوث في الاتحاد العام لنقابات العمال، جمعة حجازي، أشار إلى أن هناك طلبا كبيرا على الموارد البشرية في سوريا، مقدرا نسبة البطالة المُقنعة بأنها تتجاوز 30 بالمئة، يقابلها قطاعات تنوء بثقل الموارد البشرية الموجودة ووصف بعضها بغير ذي جدوى.

ووصف حجازي سوق العمل بالسوق المشوه لأن 70 بالمئة من قوة العمل غير منظمة ولا تخضع لهيكلية ثابتة، مبينا أن القطاعات الإنتاجية الاقتصادية كالقطاع الزراعي و الصناعي هي في تراجع أداء مستمر، يقابله تركز أعمال في القطاع الخدمي والإداري كالصحة و التعليم.

وأوضح حجازي، أنه ليس هناك بيانات محددة توضح أعداد ونسب هجرة الكوادر البشرية المدربة، وأن النسبة الأكبر من المهاجرين هي من خريجي الجامعات أو ممن استكملوا دراساتهم العليا هربا من البطالة أو من خدمة العلم و بحثا عن فرص عمل أفضل خاصة مع تدني نسبة الأجور و الرواتب.

قد يهمك:بطالة وانعدام قيمة الليرة.. “الفقر في سوريا بكل مكان”

ارتفاع في البطالة

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، ارتفعت نسبة البطالة في سوريا من 8 بالمئة في عام 2011، إلى 56 بالمئة في عام 2013، حسب إحصائيات حكومية، ولكن حسب خبراء اقتصاديين سوريين، فإن نسبة البطالة تفوق حاليا الـ 60 بالمئة، خاصة بين خريجي الجامعات والمعاهد التقنية، مؤكدين أن العاطلين عن العمل من خيرة الكفاءات والخبرات القادرة على إيجاد العديد من المخارج للمشاكل الاقتصادية لسوريا.

ولفت التقرير، إلى أن عدد الخبرات والكفاءات السورية تضاعف خلال سنوات الحرب ، نتيجة للهجرات التي استنزفت الكفاءات السورية في كل المجالات، وأن ذلك يجري في استمرار غياب واضح لرؤية استراتيجية لإدارة الموارد البشرية في مختلف المؤسسات الرسمية على اختلاف مستوياتها ومجالات عملها.

إقرأ:طلاب جامعيون يعملون في “تنظيف البيوت”.. مؤشر على تفشي البطالة في سوريا؟

رفع الدعم والفقر

في مطلع شباط/فبراير الماضي، صُدم الآلاف من السوريين بقرار الحكومة برفع الدعم عن شرائح مختلفة منهم، لا تزال تتوسع حتى اليوم، وهذا ما أنذر بزيادة الفقر في سوريا بشكل غير مسبوق.

الباحث الاقتصادي، معتصم عبد الحليم، أكد أن قرار رفع الدعم الأخير سيقضي على الطبقة المتوسطة في المجتمع السوري، ويحولها إلى طبقة فقيرة جائعة تبحث عن “لقمة الخبز”.

أزمة على أحد الأفران في سوريا بعد رفع الدعم “وكالات”

وقال عبد الحليم في حديث سابق لـ”الحل نت”: “من يملك سيارة أو محل تجاري بسيط يعيش منه، تم سحب الدعم منه، سيضطر هذا المواطن إلى شراء الخبز والمواد الأساسية بأسعار فلكية، سيحوله ذلك إلى مواطن فقير معدوم شأنه شأن من لا يملك شيء”.

وأضاف أن قرار رفع الدعم سيؤدي أيضا إلى رفع الأسعار، لذا فإن متوسطي الدخل بعد رفع الدعم منهم، سيلجأون إلى رفع أسعار منتجاتهم لتعويض ما حُرموا منه، وبالتالي رفع الأسعار على الجميع، الحكومة أقرت بفشلها فعليا عبر هذا القرار.

إقرأ أيضا:تشوه سوق العمل في سوريا.. ما علاقة البطالة “المُقنعة”؟

يذكر أن عمليات رفع الدعم عن السوريين لا تزال تطال العديد منهم، حيث طالت مؤخرا  المستفيدين من الخادمة المنزلية الأجنبية وأصحاب مكاتب استقدام الخادمات، وسبق ذلك استبعاد الأطباء ممن مضى على ممارستهم مهنة الطب لمدة تجاوزت عشر سنوات، وكذلك المحامين والمهندسين والصيادلة، ومن يملكون سيارات وفق تاريخ صنع محدد ومواصفات محددة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.