تحول جديد بملف قتلة الناشطين العراقيين، لم يسبق وأن حدث مثله في البلاد، منذ أول اغتيال سياسي بارز بعد 2003، عندما اغتيل مستشار وزير الثقافة حينها، كامل شياع، صيف عام 2008، وإلى اليوم.

التحول تمثل بالكشف عن قاتل الناشط العراقي البارز، ثائر الطيب، عندما اغتيل بتفجير سيارته بعبوة ناسفة، إبان “انتفاضة تشرين”، التي خرجت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضد البطالة والفساد السياسي ونقص الخدمات والتدخل الإيراني بالشأن العراقي.

لم يسبق وأن تم الكشف عن قتلة أي ناشط سياسي منذ عراق ما بعد نظام صدام حسين، بدءا بكامل شياع مرورا يهادي المهدي، وليس انتهاء بفاهم الطائي وإيهاب الوزني، فسياسة التغليس كانت هي السائدة، والتغير اليوم عن تلك السُنّة، بالكشف عن قاتل ثائر الطيب، بدا لافتا للجميع.

قاتل الطيب، هو قيادي في “التيار الصدري”، وقت حادثة الاغتيال، التي حصلت منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2019، بمحافظة الديوانية، جنوبي العراق، ويدعى كفاح الكريطي، واعترف، أمس الأربعاء، بعد اعتقاله بوقوفه وراء الجريمة.

رسائل “التيار” و”الإطار”

“التيار الصدري”، تبرأ من الكريطي، وأظهر وثيقة تؤكد طرده من “التيار” قبل عام ونصف، ما يعني أنه كان ضمن “التيار الصدري”، عندما تمت جريمة اغتيال ثائر الطيب، لكن المهم هو كشف القاتل، فما دلالات هذا التحول بملف قتلة الناشطين العراقيين؟

يفسر الخبير الأمني والباحث السياسي، مؤيد الجحيشي في حديث مع “الحل نت”، التحول بملف قتلة الناشطين من التغليس إلى الكشف عنه، يأتي في سياق رسائل سياسية متبادلة بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” الموالي لإيران.

الجحيشي يردف، أن رسائل “التيار” تتمثل بكونه لا خط أحمر عنده، والقاتل والخارج عن القانون يطرده ولا يتمسك به ويسمح للسلطات الأمنية والقضائية باعتقاله ومحاسبته وفق القانون، وهي رسالة مباشرة منه إلى “الإطار”، بحسب الخبير الأمني.

ويضيف الجحيشي، أن زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، سبق له وأن تخلى عن الكثير ممن في تياره من القتلة وغيرهم عندما يعلم بجرائمهم وفسادهم المالي، وهناك العشرات منهم في السجون إلى اليوم، عكس “الإطار التنسيقي” وميليشياته المسلحة تماما.

بحسب الجحيشي، فإن “الإطار” وميليشياته يمارس الترهيب ضد الدولة ما أن يتم اتهام أحد قياداته وأعضائه بضلوعه في اغتيال الناشطين،ويتمسك بهم، وتنتهي القضية بإغلاقها من قبل الحكومة، خشية التصادم مع مسلحي “الإطار”.

حديث الجحيشي أعلاه، ينطبق على قضية القيادي في “الحشد” والمقرب من “الإطار”، قاسم مصلح، الذي اعتقلته الحكومة، العام المنصرم، لاتهامه باغتيال الناشط الكربلائي، إيهاب الوزني، فاقتحمت ميليشيات “الإطار”، المنطقة الخضراء، وحاصرت مقر إقامة رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، حتى اضطرت الحكومة لإطلاق سراحه.

ثائر الطيب

اعتقال الكريطي، فيه رسالة أخرى من “التيار الصدري” إلى التشرينيين والشارع، وفق الجحيشي، مفادها أن الصدريين يعترفون بأغلاطهم ولا يتسترون على مجرميهم، وهي رسالة تصحيحية منهم، لنيل رضا الشارع وكسبه لصفه في معركته السياسية مع “الإطار”.

أما “الإطار”، الذي سلط الضوء كثيرا على خبر اعتراف كفاح الكريطي بقتل ثائر الطيب، عبر منصاته الإعلامية والرقمية، فهو يحاول تشويه أي نقطة إيجابية عند “التيار الصدري”، في مسعى منه لتغييبه عن المشهد وجعله بصورة ميليشياوية خارجة عن القانون، كما يقول الجحيشي.

موقف الشارع التشريني

الخبير الأمني العراقي، يلفت إلى أن “الإطار” يريد استغلال أي فرصة لفصل أي مشتركات بين “التيار” والشارع، وملف الكريطي أهم فرصة أتته، لشحن التشرينيين ضد الصدريين، في رسالة مضمونها، أن من تودون التظاهر معهم، هم من أبرز المتورطين بقتل ناشطي “تشرين”.

الجحيشي يوضح، أن تلك الرسائل السياسية المتبادلة هدفها الشارع، لكن الشارع لن ينجر مع أي أحد، وينقم على الطرفين، “الإطار” و”التيار”، غير أنه يتناغم مع الأخير؛ لأن الهدف مشترك، وهو أن معركتهما الحالية هي معركة ضد إيران التي ينفذ أجندتها “الإطار” في الداخل العراقي.

رؤية الشارع التشريني هي ضرورة التخلص من طرفي الأزمة، وعدم توافقهما؛ كي لا يستمر الترهيب والفساد بقوة عبر توافق “التيار” و”الإطار”، والأخير هو الأخطر؛ كونه يحمل أجندة خارجية، لذا يسعى التشرينيون التخلص منهم وإن تحالفوا مع “التيار”، لتسهل معركتهم ضد الأخير لاحقا، يقول الجحيشي مختتما.

بحسب المعلومات المتداولة التي اطلع عليها “الحل نت”، هناك تحشيدات كبيرة من قبل جمهور “التيار الصدري”، ونشطاء “انتفاضة تشرين” التي خرجت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، للخروج بـ “تشرين” ثانية، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

ويتخوف مرافبون من تكرار التصعيد الذي حدث مؤخرا في المنطقة الخضراء، والصدام المسلح مجددا بين فصيل “سرايا السلام” التابع لـ “التيار الصدري”، وميليشيات “الإطار التنسيقي”، إن خرجت تلك التظاهرات.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

كفاح الكريطي

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

استمرار الانسداد

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.