لطالما كانت جمهوريات آسيا الوسطى تابعة لروسيا بشكل او بآخر، سواء في الوقت الحالي، أو قبل ذلك خلال حقبة الاتحاد السوفييتي السابق، ولكن منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وتزايد التراجع العسكري الروسي مؤخرا بدأت تظهر حركات تمرد ضد الهيمنة الروسية.

الخروج البطيء

تقارير صحفية، اطلع عليها “الحل نت”، تشير إلى أن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق الواقعة في آسيا الوسطى، والقوقاز تخرج ببطء من الهيمنة الروسية الكاملة، يشجعها الإهانات التي يتعرض لها الجيش الروسي في أوكرانيا، ولكن مازالت بعض هذه الدول حائرة بين خشيتها من موسكو ورغبتها في الابتعاد عنها، بعد أن مسَّت حرب أوكرانيا وترا حساسا لديها أعاد ذكريات الوحشية الروسية القديمة.

فمنذ بداية غزو روسيا لأوكرانيا لم يكن هناك إدانة شاملة من قبل دول آسيا الوسطى للغزو الروسي، ولكن لم يكن هناك تأييد له، بل كان هناك رغبة واضحة في الحياد، لا تخفي قدرا من الإدانة الضمنية غير الصريحة لروسيا، وهو ما يمثل تحولا نادرا في علاقة آسيا الوسطى بروسيا.

وبحسب التقارير، فإن قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” التي عُقدت يوم أمس الخميس بسمرقند في أوزبكستان، وتجمع جمهوريات آسيا الوسطى والهند وإيران وباكستان وروسيا والصين وتركيا (ضيف شرف)، تحمل في طياتها تغييرا غير معلن قد يتراجع فيه النفوذ الروسي في المنطقة، لصالح بكين بشكل أساسي ولكن أيضا لصالح تركيا وإيران وحتى الدول الغربية حتى ولو بصورة أقل.

إقرأ:تجدّد القتال بين أرمينيا وأذربيجان.. صراع نفوذ بين الروس والأتراك؟

ظروف أجبرت آسيا الوسطى الخضوع لروسيا

بحسب تقارير ودراسات متعددة، فإن ظروف التاريخ والجغرافيا أجبرت جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز أن تبقى تابعة لموسكو بشكل أو بآخر حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، رغم خروجها من القفص الروسي الحديدي الذي ظلت تكتوي به لقرون سواء بنسخته القيصرية أو السوفييتية، وذلك لأن من تمرد على موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لاقى عقابا فوريا.

كما أن الجغرافيا جعلت مصيرها في يد روسيا، فدول آسيا الوسطى والقوقاز التي تقع في قلب العالم، لا تلاصق أي بحار سوى بحر قزوين المغلق (باستثناء جورجيا)، والطرق التي تربطها بالعالم، لا تمر إلا عبر ثلاث قوى كبرى، وهي روسيا والصين وإيران (إضافة لأفغانستان المضطربة)، وهناك طريق وحيد يربط أذربيجان وأرمينيا بالبحر الأسود عبر جورجيا.

وتشير التقارير إلى أنه عندما حاولت جورجيا التمرد على موسكو تعرضت لأولى حروب موسكو الخارجية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 2008، حيث تمكنت روسيا من انتزاع جزء من أراضيها، بينما عانت أذربيجان من العقاب الروسي قبل ذلك عبر دعم موسكو لأرمينيا في حربها الأولى مع باكو عقب استقلال البلدين عن موسكو.

أما أذربيجان نجحت في الحفاظ على قدر من الاستقلال والعلاقة المتوازنة مع موسكو والغرب، مستندة في ذلك لثراء مواردها الطبيعية وحاجة الغرب لها بسبب نفطها من ناحية، ولمناكفة طهران من ناحية أخرى، ثم أخيرا التحالف الوثيق مع تركيا الذي أثمر انتصارا أذربيجانيا على أرمينيا في عام 2020.

وبالنسبة لأرمينيا، فهي لا تنظر للعالم إلا بعدسة واحدة، هي عدائها لأذربيجان وتركيا، وهو أمر أفضى لارتمائها الكامل في أحضان روسيا وإيران، ورغم ذلك فإن موسكو وضعت حدودا لدعمها ليريفان حتى لا تفقد العلاقة مع باكو تماما، وطهران مضطرة للجم اندفاعها في دعم أرمينيا ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية، حتى لا تستفز الأقلية الأذربيجانية الكبيرة داخل إيران.

ومن جهة ثانية، فإن موسكو هي بوابة العالم الخارجي لأنظمة هذه البلاد وراعيها الأمني ومنسق حل خلافات (أو إشعالها حسب الظروف)، مع دور اقتصادي صيني وتركي وأميركي وإيراني يتنامى تدريجيا، ولكن ببطء، ودون أن يكون بديلا للنفوذ الروسي.

ولكن تشير التقارير، إلى أن مصالح جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى والقوقاز (باستثناء أرمينيا) الآن، تتعارض مع روسيا بشكل غير مسبوق، وأن روسيا لم تعد أن تكون ممرا بين هذه الدولة وبقية العالم.

قد يهمك:نزاع عسكري بين أذربيجان وأرمينيا.. ما الأسباب؟

ما هو ممر زانجيزور؟

هو ممر مقترح وفقا للاتفاق الذي عقد بوساطة روسية وتركية لإنهاء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وتراهن أذربيجان على هذا الممر، حيث يفترض أن يربط هذا الممر بين أذربيجان وجمهورية ناختشيفان وهي إقليم أذربيجاني يتمتع بالحكم الذاتي، ولكنه مفصول عن بقية أراضي أذربيجان بمنطقة أرمينية تدعى زانجيزور، كما أنه ملاصق لتركيا من جهة الغرب.

وينص اتفاق إطلاق النار بين البلدين على أنه “يجب إلغاء حظر جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة، على أن تضمن جمهورية أرمينيا أمن اتصالات النقل بين أذربيجان وجمهورية ناختشيفان الأذربيجانية”.

وتعتقد أذربيجان بشكل كبير أن المادة 9 تشمل فتح ما يُعرف باسم ممر زانجيزور بين ناختشيفان وبقية أذربيجان.

وعلى الرغم من أن روسيا، التي من المفترض أن يكون حرس حدودها مسؤولين عن الإشراف على النقل بين أذربيجان وأرمينيا، لا تشير إلى الطريق على أنه ممر زانجيزور ولا على أنه “ممر”، إلا أنها تدعم افتتاحه.

إلا أن أرمينيا رفضت ذلك مؤخرا، رغم أنها شاركت في مفاوضات مع باكو حول الموضوع، حيث قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، بعد الاشتباك الأخير إن أرمينيا لن توافق على إنشاء ممر على أراضيها، لكنها مستعدة لفتح خطوط المواصلات لجميع الجيران، بما فيها أذربيجان.

لذلك سيلعب هذا الممر، دورا مهما في زيادة الاتصال الإقليمي؛ ليس فقط في جميع أنحاء القوقاز، ولكن أيضا عبر أوراسيا الكبرى، حيث يصل آسيا الوسطى وأذربيجان بالأراضي التركية، أي يربط أوروبا بآسيا، وهو أمر ازدادت أهميته بعد اندلاع حرب أوكرانيا وتوقف دور روسيا كممر للنقل بين أوروبا وآسيا الوسطى.

أي أن هذا الممر يحقق مصالح كبيرة، لجمهوريات آسيا الوسطى وينهي اعتمادهما في النقل التجاري على روسيا، كما أنه طريق محتمل للحصول على الطاقة لأوروبا وتركيا.

في المقابل، فإن روسيا وإيران وأرمينيا، قلقون من هذا الممر، وبينما لم تعارضه روسيا بشكل صريح، فإن يريفان رفضته، رغم تأكيد أذربيجان أنها ترغب في ترتيبات لا تمس سيادة أرمينيا.

وفي هذا الصدد فإن إيران أعلنت أنها لا تقبل أي تغيير في الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، وذلك في اتصال هاتفي، أجراه وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، مؤخرا مع نظيره الأذربيجاني، جيهون بيرموف.

وأضاف عبد اللهيان، أن بلاده تعتبر الحدود بين إيران وأرمينيا، ممرا تاريخيا ينبغي الحفاظ عليه بعيداً عن أي تغيير، في إشارة لا تخطئها عين إلى رفض طهران لإنشاء “ممر زانجيزور” رغم أنه سيربط بين أذربيجان وبقية أراضيها المفصولة عنها.

ولكن مع تورط الجيش الروسي في حرب أوكرانيا، تبدو جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز أكثر حرية في التعبير عن إرادتهم حتى لو يصل الأمر للتمرد الصريح على موسكو، بعد أن تبين لهم حدود قدرات روسيا التي كانوا يرونها دوما جبارة.

وبحسب محللين، فإن أذربيجان قررت بالفعل اختبار الوضع، بينما كانت روسيا تغزو أوكرانيا، ولطالما دعمت روسيا أرمينيا في نزاعها الإقليمي مع أذربيجان على مدى ثلاثة عقود منذ سقوط الشيوعية.

ووفق مؤسسة “كارنيغي أوروبا”، فإن “أذربيجان تشعر بثقة تامة في هذه اللحظة الجيوسياسية، ولا سيما في الوقت الحالي أثناء الهجوم المضاد الأوكراني”. “يبدو أن هذا يستهدف روسيا تماما بقدر ما يستهدف أرمينيا، مما يمثل اختبارا لالتزام موسكو بالدفاع عن أرمينيا”.

إقرأ أيضا:انهيار روسي في أوكرانيا.. كييف تواصل هجومها المضاد

قيرغيزستان وطاجيكستان وهيبة روسيا

مؤخرا اندلعت اشتباكات على الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان، مما أسفر عن مقتل أحد حرس الحدود وإصابة 5 آخرين في طاجيكستان، بحسب تقارير صحفية.

وبحسب التقارير فإن هذا الحادث مؤشر مهم على تراجع هيمنة موسكو، وقدرتها على توجيه دول المنطقة.

فقد وقع الاشتباك، على الرغم من أن روسيا تتمتع تقليديا بعلاقات جيدة مع كلا البلدين، ويقول المحللون إن الغزو الروسي قد غيّر تماما ميزان القوى في منطقة كانت لسنوات ساحة تنافس بين روسيا والصين وتركيا والغرب وإيران، تفوقت فيها موسكو تقليديا.

الحرب الروسية في أوكرانيا، أثارت قلق قادة دول آسيا الوسطى، الذين طالما قبلوا بنفوذ موسكو الاقتصادي والسياسي القوي.

حيث كانت الدول السوفييتية الخمس السابقة (كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان) متحفظة على تأييد الحرب التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما أن عزلتهم الجغرافية واعتمادهم المستمر على روسيا في طرق التصدير والمساعدة الأمنية وأسواق العمل جعلتهم مترددين أيضا في إدانة تصرفات بوتين.

ولم تقف أي دولة في آسيا الوسطى إلى جانب موسكو في 2 آذار/مارس أو 24 آذار/مارس عند التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا. إما سجلوا رسميا امتناعهم عن التصويت أو ببساطة لم يصوتوا على الإطلاق.

وبعد فرض العقوبات الغربية، رفض أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مثل كازاخستان وقيرغيزستان قبول الرسوم الجمركية من روسيا بالروبل.

وتشير تصرفات أخرى إلى مقاومة أكبر لموسكو من قبل دول المنطقة، أكثر مما أشارت إليه البيانات الدبلوماسية الأولية، حيث اعترضت قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان على سبيل المثال على تفسيرات الكرملين للمكالمات الهاتفية الرئاسية الثنائية؛ التي أشارت إلى دعم أكبر للحرب الروسية في أوكرانيا، مما كان قادة آسيا الوسطى مستعدين للاعتراف به.

قد يهمك:بعد أوكرانيا.. خسارات جديدة لروسيا في سوريا؟

كازاخستان ترفض دعم روسيا

في كانون الثاني/يناير 2022، عندما هزت موجة من الاحتجاجات كازاخستان، وافق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على نشر قوة تابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا في البلاد. كانت المهمة قصيرة ولم تشارك في أي قتال، لكنها كانت كافية لدعم رئاسة قاسم جومارت توكاييف.

مع هذا التدخل الداعم لرئيس كازاخستان، وحفاظ القوات الروسية على السلام بين أرمينيا وأذربيجان، وحشد الكرملين لقواته على الحدود مع أوكرانيا، بدا أن بوتين يتمتع بنفوذ أكبر من أي وقت مضى في الفضاء السوفييتي السابق.

ولكن قد تفكك الكثير من ذلك جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، وخاصة في الأسبوع الماضي؛ حيث أدى التقدم السريع لأوكرانيا إلى وضع خطط بوتين الحربية في حالة من الفوضى.

كان العديد من المحللين يعتقدون أن الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف سيكون مدينا تماما لموسكو بعد أن ساعده تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي المدعومة من روسيا في تأمين قبضته على السلطة وسط الاضطرابات الداخلية العنيفة.

إلا أن حكومة توكاييف أظهرت استقلالا عن الكرملين أكبر كثيرا مما كان متوقعا، معلنة حيادها ورفضت طلبا روسيا لانضمام القوات الكازاخستانية إلى القتال، كما أعلنت وزارة الخارجية الكازاخستانية أنها لن تعترف باستقلال ما يسمى بجمهوريات دونيتسك ولوهانسك الشعبية، وكان لافتا أن الرئيس الكازاخستاني بنفسه قد برر هذا الموقف بأنه متسق مع القانون الدولي.

إقرأ:القضاء على أحلام بوتين في أوكرانيا.. متى تكون معركة الخسارة الأخيرة؟

من الجدير بالذكر أن تحركات دول آسيا الوسطى جاءت في وقت تعاني فيه روسيا من غزوها لأوكرانيا بشكل كبير، حتى أن بعضها نأى بنفسه عن الحرب كأوزبكستان أقرب حلفاء موسكو التي منعت جنودها من القتال إلى جانب الروس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.