المشاكل في لبنان تتصاعد بشكل مستمر، بين الحكومة اللبنانية من جهة، ومجلس النواب من جهة أخرى، إذ يؤثر الوضع الاقتصادي غير القابل للإصلاح حتى الآن على الحياة السياسية اللبنانية، لتصل الخلافات إلى دراسة مشروع موازنة العام الحالي ما دفع إلى تأجيل نقاشه لنهاية الشهر الحالي.

تأجيل مناقشة الموازنة

في البرلمان اللبناني تم ترحيل مناقشة موازنة عام 2022 إلى 26 أيلول/سبتمبر الحالي، بعد فقدان الجلسة يوم أمس الجمعة النصاب، بفعل انسحاب بعض الكتل النيابية، اعتراضا على التعديلات السريعة التي أُدخلت عليها، والأرقام البعيدة عن أي رؤية إصلاحية، والأقرب إلى بيع الناس الأوهام، كما الزيادات التي جرى فرضها لموظفي القطاع العام من دون معالجة مشاكل الأزمة الجوهرية، وعلى رأسها تعدد مستويات سعر الصرف.

وتأتي جلسة الجمعة استكمالا لجلستَين عُقدتا أمس، لمناقشة الموازنة، وقد تزامنت مع عمليات اقتحام عدة مصارف لبنانية من قِبل المودّعين، ومن ثم قرار جمعية المصارف الإقفال لثلاثة أيام بدءا من الاثنين المقبل.

وانسحب من الجلسة نواب كتلة “حزب القوات اللبنانية”، الذي يترأسه سمير جعجع، و”الكتائب اللبنانية”، التي يترأسها النائب سامي الجميل، و”التغييريين”، مع عدد من المستقلين، اعتراضا على طريقة التصويت على الموازنة وبنودها، وإقرار زيادة على رواتب موظفي القطاع العام، والمتقاعدين، والمتعاقدين تصل إلى 3 أضعاف قيمتها الحالية بطريقة عشوائية وغير عادلة، وفرض تعديلات سريعة من دون دراسة، في وقت يعتبر المنسحبون، أن النقاش يجب أن يكون ضمن الخطة الاقتصادية الإنقاذية الحكومية.

إقرأ:بعد سوريا.. أحداث تهز لبنان والأردن

سجالات وخلافات

خلال الجلسة التي صادق فيها المجلس النيابي على نفقات الموازنة العامة قبل تطيير النصاب، سادت أجواء سجالية خلافية، منها طول كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتخبط الحكومة وتأخرها في وضع خطة إنقاذية إصلاحية بالشكل المطلوب واللازم، والاعتراض على طرح ميقاتي، اعتماد سعر 15 ألف ليرة للدولار الجمركي.

كما جرى اتهام المنسحبين بخلق فوضى مقصودة لإسقاط الموازنة التي رغم سيئاتها التي تقر بها القوى السياسية الأخرى تبقى برأيها أفضل من لا شيء، وقد دعا رئيس البرلمان نبيه بري إلى “تحويل هذه الموازنة التي قيل عنها سيئة إلى موازنة مقبولة”.

النائب عن كتلة التغييريين، إبراهيم منيمنة، قال:” إننا انسحبنا لأننا لا نريد أن نكون شهود زور على موازنة بأرقامها وشكلها لا تجسد أي رؤية إصلاحية، بل كل ما تحاول تقديمه للشعب اللبناني هو الوهم، من زيادات وتقديمات على الرواتب وُضعت خارج إطار أي سلة إصلاحية حقيقية”.

وأضاف منيمنة، ” طالبنا أن يكون النقاش ضمن خطة إصلاحية اقتصادية إنقاذية، إذ لا يمكن إعطاء زيادات غير عادلة، تؤدي إلى طبع ليرات من دون أي احتياطي، أو دعم للعملات الصعبة، من هنا المطلوب البدء بعملية توزيع الخسائر، وإعادة هيكلة المصارف باعتبارها مدخلا وحيدا للإصلاح”.

ولفت منيمنة، إلى أنه في ظل تحليق سعر صرف الدولار، فإن كل الزيادات التي تعطى ستتبخر، من هنا بيع الأوهام، لذلك المطلوب إصلاح مالي واقتصادي، ودرس النسخة الجديدة من خطة الحكومة ومناقشتها، ومن ثم إجراء نقاش حقيقي عن الموازنة.

أما النائب سامي الجميل، فقال “كنا ذاهبين لنصوت ضد الموازنة لأنها كارثية على الشعب اللبناني، وستؤدي إلى مزيد من الانهيار، عكس بيع الكلام للموظفين وللقطاع الخاص الذي سيتأذى من الموازنة بشكل كبير جدا، أو الموظفين الذين نعطيهم بيد ونأخذ منهم باليد الأخرى”.

وأضاف، “لا أحد مقتنع بهذه الموازنة من ميقاتي وجرّ وأنا أتحداه أن يعلن أنه مقتنع بالأرقام الموجودة بالموازنة”. وسأل: “هل من الطبيعي أن تقر موازنة فيها 3 أو 4 أسعار صرف؟”.

أما رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب في كتلة “القوات”، جورج عدوان، قال: “إننا أفقدنا جلسة مناقشة الموازنة نصابها، حيث إن ما يحصل خارج البرلمان وداخله يؤشر إلى أننا نعيش في عالمين مختلفين تماما، وبدل العمل والسعي من أجل رد أموال المودعين، يعملون على تهريبها”.

وأكد عدوان، على أن مجلس النواب لا يحق له إدخال زيادات على الموازنة، عدا عن المخالفات الكثيرة التي سادت الجلسة، معربا عن انفتاح كبير للبحث في الخطة الشاملة.

نائب رئيس البرلمان، إلياس بو صعب، قال: “إنه جرى خلق فوضى في مجلس النواب لم نستفد منها، فهذه الطريقة لن تؤدي إلى أي نتيجة، علما أننا قد لا نصوّت على الموازنة، لكن كان يجب مناقشتها والتصويت عليها”.

واتهم بو صعب، الذي ينتمي إلى “تكتل لبنان القوي”، برئاسة النائب جبران باسيل، قوى سياسية بأنها لا تريد إقرار قانون الكابيتال كونترول، ولا إعادة هيكلة المصارف ولا الموازنة ولا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، من دون أن يكشف عن هويتها، في حين اعتبر أنه لا يجوز ربط الخطة الحكومية بالموازنة.

من جهة ثانية، اعتبر النائب في “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يرأسه وليد جنبلاط، هادي أبو الحسن، أن الموازنة سيئة، لكن كان من الضروري القبول بها في ظل الأزمات الراهنة، وإقرارها بعيدا من سلف الخزينة والاعتمادات من دون ضوابط، ومن خلال توفير الواردات.

وأيضا النائب عن كتلة “حزب الله” علي فياض، قال إن “البلد يحتاج إلى موازنة، ونحن أدخلنا 3 تعديلات بجلسة اليوم التزمت الحكومة بها، بتغطية أدوية السرطان 100 في المائة، وتمويل الجامعة اللبنانية، وزيادة رواتب القطاع العام 3 أضعاف”، سائلا “أمام هذه التحسينات، ما هي المصلحة من أن يفرط النصاب وعقد الجلسة؟”.

وأشار إلى أن كل موقف لا يريد الموازنة في هذه المرحلة إما يريد دولة مفلسة على سعر 1500 ليرة، حتى يستفيد التجار فيما الشعب إلى مزيد من الجوع.

قد يهمك:لبنان.. كيف خرج شريك علي مملوك من السجن؟

تعطيل الإقرار يزيد من السرقات

رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قال في مداخلته خلال الجلسة: إن “البديل الوحيد عن التعاون بين الجميع لإقرار الموازنة هو لا موازنة، أي العودة إلى الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية التي لا تلبي الإنفاق المستجد. وأي رفض لهذه الموازنة يعني عملياً العودة إلى واردات على سعر صرف هو 1500 ليرة للدولار الواحد، مما يعني مزيدا من سرقة إيرادات الدولة”.

وأردف ميقاتي، “في الفترة الأخيرة، زاد حجم الاستيراد 4 مليارات دولار، والتجار يخزنون البضائع في مستودعاتهم في انتظار رفع الدولار الجمركي. هل نقبل أن نكون شهودا على سرقة الدولة؟”.

ولفت إلى أن وزارة المالية باشرت بإعداد موازنة عام 2023، مشددا على أنه، “يجب أن نكون واقعيين في مقاربة كل المواضيع، هدفنا واحد وهو إنقاذ الوطن”.

وحول معدلات النمو الاقتصادي، قال ميقاتي: “عام 2021 كان النمو أقل من 11بالمئة، ومنذ بداية العام الحالي إلى نهاية تموز/يوليو، هناك زيادة بنسبة 2.2بالمئة عن السنة الماضية. هناك قطاعات تعمل والبلد ماشي، الصناعة تعمل والزراعة إلى حد ما متحركة، ولا يجوز إضفاء الصورة السوداوية على كل شيء”.

ودعا ميقاتي، إلى التعاون لإقرار الموازنة وإقرار ما يلزم من تعديلات، قائلا: “نحن مستعدون للنقاش والبحث”.

أما وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، يوسف الخليل، المحسوب على نبيه بري، رئيس مجلس النواب، قال: “إن تدهور سعر الصرف، وتعدده، كبد المالية العامة خسائر كبيرة على صعيد الإيرادات التي تراجعت من 22بالمئة، كمعدل وسطي ما قبل الأزمات إلى 10بالمئة، من الناتج المحلي عام 2021، في حين أن الإيرادات الداخلية تبقى المصدر الأبرز لتمويل النفقات، نظرا لعدم إمكانية اللجوء إلى الأسواق المالية بعد التعثر عن دفع المستحقات للجهات الدائنة”.

وأشار الخليل، إلى أن “استيفاء الرسوم والضرائب على أسعار صرف تتقارب من منصة صيرفة، هو الخيار الوحيد المرجو، لأن اعتماد أسعار صرف ما دون ذلك لتحصيل الواردات، في حين أن الخزينة غالبا ما تنفق على أسعار صرف صيرفة، وما فوق، تؤدي إلى فجوة في التمويل مما يشكل ضغوطات متفاقمة على الوضع النقدي، ومن ثم على الأوضاع المعيشية في البلاد”.

إقرأ أيضا:تحذير من كارثة جديدة في مرفأ بيروت

من الجدير بالذكر، أن لبنان يعاني منذ أكثر من 3 سنوات من تدهور اقتصادي كبير، وسط عدم وجود خطط حكومية حقيقية قادرة على إخراجه من هذه الأزمة، وهذا ما زاد من نسبة الفقر بشكل غير مسبوق، وأدى في العديد من الفترات لتظاهرات مناهضة للسياسات الحكومية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.