التدهور الاقتصادي الكبير في سوريا، لم يعد يقتصر على فقط على النواحي المعيشية والأسعار، إنما انسحب على كل نواحي حياة السوريين ليجعل من بعضها حلما بعيد المنال، فالزواج اليوم في سوريا أصبح من الخطوات التي يصعب الإقدام عليها لدى غالبية السوريين، بل وحتى من سابع المستحيلات لدى الكثير من الشباب السوري.

الخطوة المتسرعة

بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، اليوم الإثنين، فقد بات الزواج مغامرة وتسرع، فحتى لو لم يقم أهل الفتاة بفرض أي تكاليف على الشباب، فإنه لم يعد بمقدور أي شاب في سن الزواج تحمل تكاليفه؛ ففرش المنزل وحده يكلف بالملايين هذا من غير المنزل، الذي بات حلما دفع إيجاره، ويحتاج إلى ثلاثة رواتب دفعة واحدة، أي ما يقدر بحوالي 350 ألف ليرة سورية، وأكبر راتب في القطاع الحكومي يصل لحوالي 180 ألف ليرة فمن أين بقية التكاليف التي تتراوح ما بين 15 – 20 مليون ليرة، بحسب الصحيفة.

الصحيفة نقلت عن شبان ممن باتوا من ناحية العمر والتحصيل الأكاديمي مؤهلين للزواج ومنهم من هو وحيد لأهله، خوفهم من التقدم لخطبة أي فتاة مرجعين ذلك إلى تجارب أصدقاء لهم، إضافة إلى أن دخلهم لا يتجاوز الـ 250 ألف ليرة بأحسن الأحوال ضمن ساعات عمل طويلة، مبينين أنهم لا يمكنهم بهذه الحال تأمين إيجار المنزل أو الفرش وحتى المعيشة، فيما ينتظر بعضهم أن يتمكن من الزواج من موظفة تساعده على تقاسم أعباء الحياة.

عدم إقدام الشباب على الزواج، أثّر على شريحة من الفتيات، حيث نقلت الصحيفة عن بعض الفتيات ممن تأخرن عن الزواج أن ذلك يعود لعدم قبولهن بشباب فقراء نتيجة للأوضاع الاقتصادية الحالية، وهذا ما دفعهن للقبول برجال من الكبار في السن لكن وضعهم المادي ميسور، وفق تعبيرهن.

وبحسب هؤلاء الفتيات فإنه “في الحالتين لا تتوافر كل الشروط بشاب حسن المظهر وجيبه ميسورة، فإما أن يكون شخصا قليل المال والحظ لكنه فقير الحيلة وابن عالم وناس، وإما مسنا أو أرملا أو منفصلا عن زوجته يحتاج إلى زوجة ثانية لتكمل رحلتها معه في الطبخ والغسيل وتربية الأولاد، والانتباه على صحته، مكتفية بإنقاذ نفسها من شبح العزوبية”.

إقرأ:رقم صادم.. المهر في سوريا بـ 10 ليرات فقط

أسباب مختلفة للإحجام عن الزواج

الصحيفة نقلت عن الاستشارية الأسرية والنفسية، هبة العرنوس، أن أسبابا مختلفة تقف خلف العزوف عن الزواج من الشباب أو الفتيات، فبالإضافة إلى موضوع فرض المهور المرتفعة من الأهل، كذلك فإن الأسباب المادية هي إحدى المعضلات التي ترفع نسبة العزوبية بين الفتيات، وتؤدي بالشباب إلى استبعاد فكرة الزواج.

وأضافت العرنوس، أنه بالإضافة إلى ذلك فهناك الأسباب النفسية التي تلعب دورا كبيرا بالنسبة للأشخاص الذين يخافون من تجربة الإخفاق في الزواج والمبالغة في التوقعات، فعندما يرتفع سقف المبالغة لدى الشباب بطريقة إنجاب الأولاد بعد الزواج، وتكلفة تربيتهم وتدريسهم وغير ذلك مما يمكن تسميته التوقعات السلبية، فذلك يجعل جزءا كبيرا من الشباب يعزف عن الخوض في هذه المغامرة ، بحسب وصفها.

وأشارت العرنوس، إلى أن هناك الخوف من الالتزام وهذا الأمر مُلاحظ عند الشباب في مرحلة من المراحل، فهناك فئة من الشباب لا تقدم على الزواج من باب حب العزلة والروتين، وهؤلاء الأشخاص يرفضون الزواج لعدم الرغبة بفقدان حريتهم التي تفرض عليهم التزامات وتقييدات عائلية.

أما بالنسبة للفتيات فهناك من تكون لديها أسباب يمكن تسميتها “أسباب مشوهة”، منها على سبيل المثال، الرغبة بإكمال الدراسة، أو الاستقلال المادي، أو الرغبة بشريك حياة بمواصفات خاصة، هذه الأسباب مجتمعة تؤخر زواج الفتيات فتزيد بذلك نسبة العزوبية.

وبحسب العرنوس، فإن أسباب غلاء المهور في المجتمع الشرقي حسب دراسة تعود لسببين، الأول هم الأهل، والثاني هو رأي الناس، فباعتقاد الأهل أنهم عندما يطلبون مهرا مرتفعا، فهم بذلك يضمنون حياة مرفهة لبناتهم في حال تعرضن لأي مشكلة، إضافة إلى رأي الناس الذين يتباهون بالحديث عن رقم المهر الذي طلبوه لبناتهم، متناسين أن الحياة الزوجية هي استقرار وليست بيعا وشراء.

قد يهمك:الزواج العرفي في سوريا: نساء بلا حقوق وأطفال مكتومو القيد

هل هناك حلول؟

الاستشارية العرنوس، رأت بأن غلاء المهور هي مسؤولية أولياء الأمور فيجب أن تتناسب مع الحالة الاقتصادية للخاطب ودخلة الذي يحصل عليه هذا يشجع الشباب على الاستقرار العائلي، فهناك ظلم للفتيات من الأهل وهي عندما يأتي الشاب طالبا الفتاة للزواج فإن الأهل يفرضون مهرا مرتفعا؛ وبالمقابل الفتاة يكون لها قبول لأي مبلغ يضعه الخاطب لأن غايتها الاستقرار وتكوين أسرة.

وبيّن العرنوس، أن هناك حاجة إلى برامج توعية تساعد الفتاة أكثر من الشاب على أن تعرف قيمتها بداخلها وليست بالمهر.

والمطلوب بحسب العرنوس، التوعية المجتمعية عن طريق زرع القيم والأفكار الجديدة التي يكون التركيز فيها على جوهر الفتاة، وليس بدفع ثمنها وتعزيز فكرة الزواج الجماعي والمشاركة الجماعية حتى تخفف المصاريف على الفرد الواحد، ولتشجيع الشباب على خوض هذه التجربة وتأسيس عائلة متماسكة ومتضامنة.

من جهته، محمد كوسا، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، بيّن أن الشباب لو تغاضى عن مظاهر العرس والفرح وتبعاتها، فهناك أمور المنزل ومحتوياته المادية، ولو أن تأمينها سيكون في الحدود الدنيا فإن أسعارها كاوية وحتى لو ارتفعت الأجور والرواتب أضعافا فلن تتأمن بسهولة ويلزمها الاقتراض.

واقترح كوسا، لحل هذه المعضلة حزمة من الطروحات منها، القرض مشروطا بالزواج لأول مرة من وزارة الشؤون الذي يغطي الحدود الدنيا من احتياجات الزواج ومن دون فوائد، إضافة لمساهمة الجمعيات الخيرية بمساعدة العرسان الجدد وفق شروط.

إقرأ أيضا:ظاهرة زواج القاصرات ترتفع إلى الضعف في سوريا

3 ملايين فتاة عازبة

على الرغم من أن العديد من العائلات زوجت بناتها بتكلفة أقل نتيجة لظروف المعيشة السيئة، فقد أشارت إحصائية جديدة إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سن الثلاثين، وأن النسبة المئوية للفتيات اللاتي بقين في منزل أهاليهم ومتأخرات في الزواج بسوريا يشكل الـ 70 بالمئة، وفقا للمعايير الاجتماعية المحلية، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

ونقل التقرير عن الباحثة الاجتماعية ميساء عضوم إن “ارتفاع نسبة الفتاة العازبات وهن فوق سن الـ30 في سوريا تعود لعدة أسباب؛ أولها هو الخليط المجتمعي الكبير الذي سببته الحرب، والذي أدى إلى وجود فروق طبقية وثقافية عديدة، الأمر الذي صعَّب على الفتاة كيفية الاختيار”.

ووفق تقدير عضوم، فإن الجهل المنتشر ووضع عمر معين للزواج يضاف إلى الأسباب التي تزيد من هذه النسبة، وتشير عضوم إلى أن “من الأسباب الرئيسية أيضا هو رفض قسم كبير من الفتيات الزواج ضمن سوريا بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة جدا”.

وبحسب التقرير، فإنه في تجمعات المدن الرئيسية تصل نسبة العزوف لـ 40 بالمئة، بينما تنخفض في التجمعات التي لا زالت تحافظ على الروابط المختلفة فيما بينها والتي تخفف بدورها من الأعباء المترتبة على الزواج، حيث أن الضغوط المادية لها دور في العزوف، لكن العامل الأساسي هو التفكك الاجتماعي وتحول الحياة إلى فردية، حيث يواجه الفرد المشاكل لوحده.

إقرأ أيضا:زفة العريس تقارب النصف مليون ليرة في سوريا

نادي للتعارف

في إطار الحلول المقترحة، قالت الباحثة الاجتماعية ميساء عضوم “من الصعب جدا وجود حلول في المستقبل القريب، لأن الحالات كثيرة والظاهرة منتشرة في المجتمع، ولكن أقترح أن يكون في سوريا ما يسمى النادي الاجتماعي كباقي الدول في أوروبا أو حتى الإمارات”.

ورأت عضوم أن هذا النادي يساعد في التعارف والتقارب بين الأشخاص الذين وصلوا لأعمار متقدمة بلا زواج، بالإضافة لنشاطات عديدة ومفيدة، مستدركة: “أيضا لو يتم السماح بوجود الزواج المدني سيساعد في التخفيف من نسبة العازبات”.

أما المحامي زين أحمد، فقد رأى أن “ارتفاع نسبة العازبات هي سبب من طرفين، لأن الشاب لم يعد يرغبون بالزواج، فعدم إدراك الشباب ووعيهم لكلمة مسؤولية وخوفهم من تحدي الالتزام القادم أدى لزيادة نسبة الفتيات العازبات”.

وأشار أحمد إلى أن طلبات بعض الفتيات وأهلهنّ حول المهر والذهب والعرس، أيضا ساهمت بانكسارات وعدم الرغبة في خوض تجربة العلاقات الجدية من جديد، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة نسبة الفتيات العازبات وخصوصا مع ارتفاع نسبة البنات بشكل عام على الشباب.

قد يهمك:3 ملايين فتاة عازبة تجاوزن الـ30 عاماً في سوريا

علاقات خارج الزواج

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن عن الدكتور هيثم عباسي، اختصاصي الجراحة النسائية في جامعة “دمشق”، أن هناك ارتفاعا في معدلات الحمل غير الشرعي والعلاقات المحرمة خلال الفترة الأخيرة بسبب العزوف عن الزواج، فضلا عن الارتفاع الهائل بأعداد النساء مقارنة بعدد الرجال.

ولفت عباسي، إلى وجود نسبة ليست بالصغيرة من عمليات الإجهاض ناجمة عن حمل غير شرعي، وهذا بسبب الظروف الاجتماعية والمهنية، مبينا أن عمليات الإجهاض في سوريا تضاعفت خلال العشر سنوات الماضية، وازدادت بنسبة ألف في المئة، مشيرا إلى “وجود تبعات خطيرة على صحة المرأة من جراء هذه العمليات”.

وأشار عباسي، إلى أن نسبة الإناث مقابل الذكور في سوريا أصبحت متفاوتة بشدة وبات هناك 25 امرأة صالحة للزواج مقابل كل رجل صالح للزواج، معتبرا أن هناك قلة بالذكور في كل العالم وليس فقط في سوريا، حيث إن عدد الصالحين للزواج منهم تقريبا 500 مليون من أصل 8 مليارات إنسان على الكوكب.

وبحسب تقارير اطلع عليها “الحل نت”، فإن سوريا تحتل المرتبة الثالثة عربيا بعد لبنان والعراق في معدلات العازبين بحسب دراسات أخيرة أجريت عام 2019، إذ وصل المعدل حينئذ إلى 65 في المئة، نتيجة للوضع المعيشي الخانق.

وفي هذا السياق، يحذر العديد من الباحثين الاجتماعيين من حدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسري، وحوادث الموت والفقدان والهجرة.

إقرأ:“عشر سنوات لجمع المَهر”.. عن التكاليف الباهظة للزواج في سوريا

الزواج بات حلما للشباب والفتيات في سوريا، إذ تمنعهم التكاليف المادية المرتفعة من الإقدام على هذه الخطوة، وهذا ما رفع نسبة العازبين والعازبات إلى نحو 70 بالمئة في وقت يجد غالبية السوريين أن هذه الخطوة مستحيلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.