على الرغم من انحسار الوجود الروسي في درعا، والذي أثار العديد من إشارات الاستفهام حول الشكل الذي ستكون عليه المحافظة خلال المرحلة القادمة، وخاصة في ملفين رئيسيين، التمدد الإيراني المتسارع من جهة، ومستقبل “اللواء الثامن” المدعوم روسيا من جهة أخرى. إلا أن تقارير برزت مؤخرا، من بينها تقرير لـ”لمركز جسور للدراسات”، تساءلت عن مصير “اللواء الثامن” المدعوم من روسيا.

التقارير أشارت إلى احتمالات مختلفة حول بقاء “اللواء الثامن”، أو حله من قبل الروس، أو تحديد مهامه باتجاهات معينة، لكن هناك العديد من التفاصيل المتعلقة بهذا الفصيل ربما تغفل عنها هذه التقارير أو الأخبار المتداولة والتي يأتي معظمها في خانة التكهنات.

الانسحاب الروسي زاد من أهمية بقاء “اللواء الثامن”؟

مع مطلع الصيف الحالي، بدأت روسيا بإخلاء العديد من نقاط تواجدها في درعا، على خلفية استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، ما دفع بالميليشيات الإيرانية للسيطرة على العديد من هذه النقاط، وهذا ما عزز مخاوف الروس أنفسهم نتيجة التعهدات التي قطعوها لدول الجوار حول إبعاد الميليشيات الإيرانية هذا من جهة، ومن جهة ثانية زادت مخاوف دول الجوار من هذا الإنسحاب، ما دفع الملك الأردني عبد الله الثاني، في وقت سابق للإشارة بشكل صريح إلى انسحاب الروس وحلول الإيرانيين بدلا منهم.

مصدر خاص لـ”الحل نت”، أكد أن الانسحاب الروسي كان النقطة الفارقة بمستقبل “اللواء الثامن”، والذي أصبح وجوده وبشكل متماسك ضرورة ملحة على المستويين الداخلي بالنسبة لمحافظة درعا، والإقليمي بالنسبة لدول الجوار.

فعلى المستوى الداخلي برزت مشكلة عودة شيعة بصرى الشام إلى المدينة، والتي تسعى حكومة دمشق بدفع إيراني إلى إثارتها منذ العام 2018 بعد اتفاق التسوية الأول، ولكن منذ ذلك الوقت يرفض أبناء بصرى الشام هذه العودة وبدعم علني من “اللواء الثامن”، وحاول الإيرانيون في العام 2020 تنفيذ عملية اختراق عسكرية في بصرى الشام بعد المعركة التي نشبت بين “اللواء الثامن” وميليشيا الدفاع الوطني وقوات فجر في السويداء والتي شارك بها عناصر من حزب الله اللبناني، وجرت في بلدة القريا المحاذية لبصرى الشام، ولكن المعركة انتهت بهزيمة الميليشيات.

وبحسب المصدر، بعد معركة القريا أصبح “اللواء الثامن” صمام الأمان لكامل ريف درعا الشرقي، وحتى الروس يدركون هذا الأمر وهذا ما دفعهم للتدخل بعد معركة القريا لوقف القتال وإبداء الدعم للواء.

أما على المستوى الإقليمي، فقد زاد التأييد للواء الثامن من قبل دول الجوار وبعض الدول العربية، فهو الفصيل المتبقي في المحافظة من خلفية “معارضة” وهو الأكثر تنظيما من الناحية العسكرية والإدارية، وأثبت قدرته على الوقوف في وجه المد الإيراني في الجنوب.

تقرير مركز “جسور للدراسات”، أشار إلى أن اللواء الثامن، أمام ثلاث سيناريوهات مستقبلية، الأول هو البقاء دون تغيير، ويقوم هذا السيناريو على اعتبار أن الفصيل ما زال قادرا على مواجهة التحديات رغم احتمال تراجع قدرته ونفوذه وشعبيته، لكن دون أن يؤثر ذلك على وجوده واستمراره كقوة محلية تمتلك صلاحيات الحفاظ على هياكلها والقدرة على التدخل الخاص في شؤون الحوكمة والأمن.

والسيناريو الثاني؛ تفكيك اللواء، ويقوم هذا السيناريو على اعتبار أن اللواء لن يكون قادرا في المدى المتوسط على مواجهة التحديات في ظل انعدام الخيارات البديلة الأخرى لتأمين الموارد المالية بما يخص التواصل مع التحالف الدولي بتنسيق مع الأردن، وبالتالي استمرار تسرب العناصر وتوسيع قدرة حكومة دمشق على التدخل في شؤون مناطق نفوذه وتحقيق اختراق يؤدي إلى زيادة حجم عمليات الاغتيال في حق قادة المجموعات التابعة للفصيل بما يقود في النهاية إلى تفكيكها.

أما الثالث، فيقوم على اضطرار الفصيل إلى إعادة هيكلة لصفوفه بسبب الشروط التي قد تفرض عليه لاستمرار تدفق الموارد المالية، أي بما يشمل المهام والقوات، كأن يصبح قوة أمنية خاصة بمكافحة الإرهاب والمخدرات أو حرس حدود.

ويمكن لهذا السيناريو أن يكون في سياق حالتين، في الحالة الأولى يمكن أن تكون إعادة الهيكلة بتنسيق بين روسيا والأردن ولا يكون الفصيل قادرا على التدخل في التعيينات أو رفض وقبول المهام على غرار ما فعل سابقا بما يخص العمليات ضد تنظيم”داعش” في البادية.

وأما الحالة الثانية فيمكن أن تكون إعادة الهيكلة بالتواصل مع “التحالف الدولي” بالتنسيق مع الأردن، وعدم اعتراض أو رفض من قبل روسيا على غرار قوة مكافحة الإرهاب في السويداء، وبذلك قد تستمر قدرته في التدخل في التعيينات وقوائم الانتساب ورفض أو قبول المهام الموكلة إليه نسبيا.

إقرأ:عودة قائد “اللواء الثامن” إلى درعا وصراع الأجهزة الأمنية يعود من جديد

دور “اللواء الثامن”

تقارير مختلفة اطلع عليها “الحل نت”، تشير إلى الأدوار التي يقوم بها “اللواء الثامن”، والتي حصرتها في مكافحة الإرهاب، والمشاركة في معارك إدلب ومكافحة المخدرات وغير ذلك من وساطات محلية ومواجهة للنفوذ الإيراني.

بحسب معلومات خاصة لـ”الحل نت”، فإن الدور الرئيسي الحالي للواء الثامن هو إبقاء المحافظة في حالة توازن أمني وعسكري في الوقت الحالي على الأقل، خاصة من التواجد الإيراني، والذي ازداد مؤخرا باستقدام مئات المقاتلين من ميليشيا “فاطميون” الأفغانية، حيث أن عدد عناصر اللواء وتسليحه تمكنه من الإبقاء على حالة التوازن هذه.

ومن ناحية ثانية تنفي هذه المعلومات أي مشاركة للواء في أي معارك أو اشتباكات في إدلب وريف حماة الشمالي، حيث اشترطت قيادة اللواء منذ تأسيسه في 2018 عدم المشاركة بأي عمليات قتالية تستهدف المعارضة أو حتى المقاتلين في إدلب، مبينة أن عناصر اللواء وقيادته لا يزالون يتمتعون بالخلفية المعارضة حتى اليوم.

أما بالنسبة لمكافحة المخدرات، فتؤكد المصادر أن اللواء بشكل مستمر يطارد مهربي ومروجي المخدرات، وأنه تمكن في العديد من الأوقات من إيقاف شحنات مخدرات تابعة للميليشيات الإيرانية وجهات محسوبة على حكومة دمشق كانت بطريقها للتهريب إلى خارج سوريا، حيث ترى قيادة اللواء أن هذه العمليات تأتي في سبيل حماية المجتمع في المحافظة قبل أي اعتبار آخر.

وحول عمليات مكافحة الإرهاب، فقد شارك عدد من عناصر اللواء ولمرة واحدة بتسيير دوريات بالقرب من بادية السويداء كعملية تمشيط بحثا عن عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، فيما تعتبر مكافحة الإرهاب إحدى المهام الاعتيادية التي يقوم بها اللواء.

تؤكد المعلومات أن اللواء يعمل على إحباط عمليات الاغتيال التي تنفذها خلايا تابعة لأجهزة دمشق الأمنية والميليشيات الإيرانية، مشيرة إلى قيام “اللواء الثامن”، في أيار/مايو الماضي، بتفكيك خلية اغتيالات في بلدة صيدا في ريف درعا الشرقي، ترتبط بالمخابرات الجوية، الذراع الأمني للميليشيات الإيرانية في درعا، وقد اعترف متزعم الخلية؛ بدر الشعابين، بصلته بالضابط في المخابرات الجوية محمد حلوة، والذي كلفه بمهام أمنية في ريف درعا الشرقي أي مناطق سيطرة “اللواء الثامن”، مقابل دعم الخلية بالسلاح والمال.

قد يهمك:هل تتخلى روسيا عن دعم اللواء الثامن في درعا؟

سقوط التسوية والمواجهة مع الميليشيات الإيرانية

الأحداث التي جرت في درعا منذ تموز/يوليو 2021، والتي تركزت بشكل رئيسي في حصار درعا البلد وبعض أحياء المدينة، وعمليات الحصار التي فُرضت مؤخرا على مدن طفس وجاسم، وعمليات الاغتيال والاعتقالات التي عادت إلى الواجهة أثبتت بحسب العديد من المراقبين هزالة اتفاق التسوية التي رعته روسيا في 2018 بصفتها ضامنا له.

وللواء الثامن موقف واضح إزاء سقوط هذا الاتفاق، عبر عنه قيادي في اللواء خلال حديث لـ”الحل نت”، بأن هناك مؤشرات واضحة على انهيار اتفاق التسوية، وأن هناك تجهيزا لذلك من قبل أبناء المحافظة وخاصة من قبل “اللواء الثامن”.

وعن موقف “اللواء الثامن” في حال انهار الاتفاق، أكد القيادي، أن اللواء جزء لا يتجزأ من محافظة درعا، وفي حال عملت إيران على التمدد في المحافظة فسيكون اللواء هو ندها وخصمها في المواجهة على الأرض، مشيرا أنه لا خيار سوى ذلك، ولن يقبل اللواء بقيادته وعناصره أن يكونوا على الحياد.

ولفت القيادي، إلى أن اللواء لن يرضخ في حال أي مواجهة مع الإيرانيين لأي ضغوط روسية، مع العلم أنهم يتوقعون منها طلبا كهذا، مؤكدا أن الرفض هو الخيار الوحيد لأي طلبات روسية من هذا النوع.

إقرأ أيضا:المعركة ضد داعش: لماذا نقلت روسيا الفصائل الموالية لها من درعا إلى البادية السورية؟

من الجدير بالذكر، أنه حتى الآن لم تصدر أي قرارات من قبل روسيا، أو بالتفاهم من أي دولة أخرى كالأردن أو غيرها لتحويل عمل اللواء إلى وظيفة أخرى كحرس للحدود الجنوبية لسوريا، كما لم تطرأ بحسب معلومات “الحل نت”، أي تغييرات في بنية اللواء وهيكليته وقيادته، حيث تؤكد المصادر أن اللواء مستمر على وضعه الحالي دون أي تغيير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.