يوم أمس الخميس، تمكنت “هيئة تحرير الشام”، من فرض سيطرة كاملة على مدينة عفرين بعد اشتباكات محدودة خاضتها ضد “الفيلق الثالث” الذي انسحب تجاه مدينة إعزاز، لتكون “الهيئة” قد وسّعت سيطرتها إلى مناطق النفوذ التركي لأول مرة.

في مقابل ذلك، لا تزال تركيا صامتة على ما يجري حتى الآن، ما يشير بحسب العديد من المصادر إلى أنها راضية عن سيطرة “الهيئة” على عفرين، والذي كان سابقا من الخطوط الحمراء بالنسبة للأتراك، وهذا ما يدفع للتساؤل حول ما تخطط له تركيا لمنطقة شمال غرب سوريا، وما مصير فصائل “الجيش الوطني”، ونتائج هذا الاقتتال.

ما مصير شمال غرب سوريا؟

العديد من السيناريوهات بانتظار التغييرات التي حصلت بعد سيطرة “الهيئة” على عفرين وتقدمها نحو إعزاز ومناطق أخرى، ففي الوقت الذي يرى البعض أن ما حصل سيشكل ذريعة لدى روسيا وحكومة دمشق لاستهداف هذه المناطق بحجة محاربة “الإرهاب”، يرى آخرون أن سيطرة “الهيئة” تصب في مصلحة حكومة دمشق أيضا.

خلال العمليات القتالية في الشمال السوري “وكالات”

الصحفي عمران حمزة، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه من الواضح أن “هيئة تحرير الشام”، تسعى وراء العديد من النقاط في مقدمتها السيطرة على المعابر في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، لتمكين السطوة الاقتصادية لديها، وهناك أمر آخر أن سيطرة “الهيئة” على المنطقة يسهل أي عملية مفاوضات مستقبلية مع حكومة دمشق، لأن التفاوض في هذه الحالة سيكون مع كتلة متجانسة ترضخ للمتغيرات الدولية واقعيا رغم معارضتها لها بالعلن، كما حدث في تفاهمات “أستانا” و”سوتشي” سابقا.

عند تطبيق تلك التفاهمات ردد قادة “الهيئة” أكثر من مرة رفضهم لها، ومن ضمنها اتفاق المناطق الخمس، لكنهم نفذوها بدقة متناهية على أرض الواقع، ورغم تصريحاتهم السابقة عن رفض دخول الجيش التركي إلا أن الواقع كان عكس ذلك تماما، فـ”الهيئة” تحقق مكاسب اقتصادية وسياسية في المنطقة تضاف لمكاسبها في إدلب، حسب حمزة.

رغبة تركيا بتحييد “الجيش الوطني”؟

على الرغم من تبعية فصائل “الجيش الوطني” لتركيا، إلا أنها لم تبد أي ردة فعل للدفاع عنها، أو محاولة دعمها أو إيقاف القتال، وبحسب مراقبين فإن ما يجري من تغيير في خارطة السيطرة في الشمال السوري، إنما يتم تحت أنظار القوات التركية الموجودة في المنطقة.

حمزة يرى أن تركيا تريد في الشمال كتلة متجانسة تعمل وفق رؤيتها في المنطقة، ولا ترغب بوجود جهات أو فصائل من الممكن أن ترفض مطالبها، كما رفض فصيل “الجبهة الشامية” أساس “الفيلق الثالث” الطلب التركي بإرسال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان، في الوقت الذي رضخت العديد من الفصائل لهذا الطلب آنذاك.

حمزة يضيف، أن استبدال فصائل “الجيش الوطني” بـ”هيئة تحرير الشام” سيجعل تركيا أمام استحقاق دولي، حيث أن “الهيئة” مصنفة على قوائم الإرهاب العالمي، ما قد يعرض تركيا للضغط حتى من قبل روسيا، ولكن في حال تم تجاهل وجود “الهيئة” دوليا فستكون تركيا قادرة على استغلال تواجدها كتنظيم يرضخ للمطالب التركية.

 أيضا يبيّن حمزة، أن الفصائل غير المرغوب بها بالنسبة لتركيا هي فصائل “الفيلق الثالث”، وسبق أن كان هناك محاولات تركية لتنحيتها عن المشهد، من خلال إحداث “هيئة ثائرون” التي جعلت من كافة الفصائل في جهة مضادة لـ”الفيلق الثالث”، لكن الحاضنة الشعبية والعدد الكبير لمقاتلي “الفيلق” حال دون ذلك في ذلك الوقت، ولكن في حال سيطرت “الهيئة” على المنطقة فالخيار الوحيد قد يكون نقل “الفيلق الثالث” إلى منطقة “نبع السلام”.

قد يهمك:قيادة عسكرية مُعارضة موحدة في الشمال السوري.. قرار تركي قبل التفكيك؟

تبعات الاقتتال وهل تحرك “الهيئة” بضوء أخضر تركي؟

مدينة إعزاز، شهدت على تخومها الغربية اليوم الجمعة حشودا عسكرية تابعة لـ”الهيئة” والفصائل المتحالفة معها، تحضيرا لاقتحام منطقة كفرجنة غربي إعزاز، وتعتبر مدينتي إعزاز ومارع المعقل الأهم لـ”الفيلق الثالث”.

في هذا السياق أفادت مصادر محلية لـ”الحل نت”، أن مفاوضات جرت بين “الفيلق” و”الهيئة” في معبر “باب الهوى” الخاضع لـ”الهيئة”، حيث بدأت هدنة بين الطرفين حتى منتصف اليوم الجمعة، وخلال المفاوضات طلبت “الهيئة” أن تكون هناك إدارة مشتركة لجميع المناطق على أن تتسلم فيها “الهيئة” الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وهذا ما لا يوافق عليه “الفيلق”، وبحسب المصادر فإن المفاوضات من غير المرجح أن تنجح ما يعني أن القتال سيندلع مرة أخرى.

عمران حمزة، يرى أن أهم تبعات هذا الاقتتال هو إضعاف “الفيلق الثالث” حاليا، ونقل المنطقة لسيطرة “الهيئة” وفصائل “الحمزة” وفرقة “سليمان شاه” بقيادة أبو عمشة، واللتين تتهمان بتجارة المخدرات والاغتيالات، وبشكل عام هذا يسهّل أي مساومة مع حكومة دمشق.

حمزة يؤكد أن وقوف تركيا على الحياد، هو بحد ذاته ضوء أخضر علني لـ”الهيئة”، إلا إذا كان هناك تفاهم دولي على هذه المنطقة، فدخول “الهيئة” لمنطقة دخلتها تركيا سابقا أمر محرّم، مضيفا أن المنطقة ربما ستشهد تفاهمات تركية روسية في الدرجة الأولى ودخول “الهيئة” أمر مخطط له مسبقا لإنهاء أي فصيل ذو توجه معارض فعلا لحكومة دمشق، وهذا أيضا هدف روسي قبل أن يكون تركيا.

جهة وحيدة مسيطرة

اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف أبو غنوم، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الفتيل الذي يتم الإعداد له منذ مدة ليست قصيرة، فالتحولات العسكرية في الشمال السوري على مدى الأيام الثلاثة الماضية لم تكن ردة فعل على عملية الاغتيال، كما يوضح مصدر محلي لـ”الحل نت”، بل هناك مخططات بدأت منذ حزيران/يونيو الماضي عندما حدث اقتتال الفصائل في ذلك الوقت، تضمنت سيطرة “الهيئة” على مناطق “الجيش الوطني”.

المصدر المحلي، كشف في وقت سابق لـ”الحل نت”، أنه خلال الأيام الماضية لم يحصل أي تدخل أو ضغط من تركيا لوقف القتال ولمنع “الهيئة” من السيطرة على مناطق “الجيش الوطني”، على الرغم من أن الأخير مدعوم من قِبلها.

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تركيا من مصلحتها أن تكون هناك جهة واحدة وفاعلة تسيطر على المنطقة، خاصة إذا كانت هذه الجهة تمتلك انضباطية ومركزية بالعمل والخلل الموجود فيها وفي بنيتها أقل من غيرها، وهذا ما يمكّنها من السيطرة عليها أكثر من العديد من الفصائل، والتي في الأصل معظمها يعادي الآخر، وهذا ما وجدته تركيا بـ”الهيئة”.

الجاسر يضيف، أن “هيئة تحرير الشام” قادرة على تلبية المصالح التركية في الشمال السوري خلال المرحلة القادمة، بشكل أكبر من الفصائل المتناحرة، لافتا إلى صمت “الحكومة المؤقتة” و”الائتلاف” المعارض حول ما يجري، ما يشي برغبة تركية واضحة بما يحصل.

مصلحة تركية سورية

في الفترة الأخيرة بدأت العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق بالتسارع بشكل لافت، وبرزت الرغبة في التقارب من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك، بدءا من الرئيس التركي، رجب أردوغان، وصولا لوزير خارجيته، جاويش أوغلو، الذي أكد قبل أيام على أهمية التوصل لحل بين الحكومة السورية والمعارضة السورية، واقتتال الفصائل والمراقبة التركية دون أي تدخل بات يشير إلى أنه يصب بشكل أو بآخر في مصلحة التقارب التركي السوري.

بحسب صدام الجاسر، فإنه من المعروف أن “هيئة تحرير الشام” كانت من المسارعين إلى فتح المعابر مع حكومة دمشق، وهذا الأمر يصب في مصلحة تركيا ويساعد في تسريع فتح المعابر وإنعاش الحالة الاقتصادية في الشمال السوري وتخفيف العبء الاقتصادي عن تركيا.

الجاسر يضيف أنه بسيطرة “الهيئة” على الشمال سيكون هناك تنمية مدعومة تركيا، في حال أبدت الهيئة مرونة في التعامل مع دمشق واستمرار فتح المعابر والسماح بالحركة والتبادل الاقتصادي بين مناطق الشمال ومناطق سيطرة حكومة دمشق.

الصحفي عقيل حسين، بيّن في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا تراقب ما يجري حتى الآن ولم تتدخل، ومن الواضح أنه من صالحها أنه إذا لم تُنهِ هذه الفصائل بعضها، فعلى الأقل ستضعف نفسها وبالتالي يصبح فرض الحل بين المعارضة وحكومة دمشق أسهل، وهذا ما تريده تركيا وأعلنت عنه بكل وضوح مؤخرا بتصريحات مسؤوليها وكان آخرها على لسان وزير خارجيتها، جاويش أوغلو، و بذلك تكون فصائل المعارضة في أضعف حالاتها فهذا يعجّل بالذهاب إلى طاولة الحوار بين المعارضة وحكومة دمشق، خارج إطار جنيف والقرار الدولي 2254.

تركيا المحرك الرئيسي

تركيا ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تسعى إلى إيجاد حالة من الاستقرار في الشمال السوري لطالما تسببت الفصائل المختلفة بفقدانه، كما تنوي إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، وهذا يتطلب استقرار أمنيا من جهة، ودعما من الواضح أن تركيا ستعمل على استجراره من دول الاتحاد الأوروبي التي لا ترغب بتدفق المزيد من اللاجئين عبر الأراضي التركية.

عفرين بعد سيطرة هيئة تحرير الشام “وكالات”

الجاسر يرى أن سيطرة “الهيئة” على الشمال السوري بحيث تكون هي الجهة الوحيدة الفاعلة في المنطقة، ستجعل من تركيا اللاعب الرئيسي في الشمال السوري بواسطة “الهيئة”، وبذلك ستعلم الدول الأوروبية أن تركيا هي من تسيطر فعليا، وبذلك سيكون هناك مصلحة أوروبية بدعم تركيا لوقف موجات اللاجئين حيث يقيم في تركيا نحو 4 ملايين لاجئ سوري، فالإبقاء عليهم والحفاظ عليهم في مناطقهم من خلال التنمية الاقتصادية وإنشاء البنى التحتية، وهذا من الأولويات الأوروبية.

أما القول بأن تركيا تريد الاستقرار في الشمال السوري من أجل التفرغ لملفات أخرى وعلى رأسها الخلاف مع اليونان، فهذا لا يمكن حدوثه حاليا فالدولتان أعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وما يجري بينهما لا يتعدى أن يكون مشادات إعلامية وتبادل للاتهامات، وقيادة الحلف لن تسمح بحصول أي توتر في المنطقة، فالتركيز الغربي ينصب على الغزو الروسي لأوكرانيا.

إقرأ أيضا:استمرار الاقتتال بين فصائل الشمال السوري.. ما هي المصالح التركية؟

لا تزال الأمور غير واضحة تماما حول الاقتتال في الشمال، فالقتال لم يُحسم بعد وربما تحتاج الأوضاع لعدة أيام أخرى لتتضح أكثر، لكن من جانب آخر فهناك رغبة تركية بأن تسيطر “هيئة تحرير الشام” على هذه المنطقة، فالمخططات التركية بحاجة لذراع قوية أمنيا وعسكريا لتنفيذها وهو ما يتوفر في “الهيئة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.