أزمات متلاحقة تحاصر الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة، ليز تراس، التي مضى على انتخابها شهر، خلفا لحكومة رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، إذ تشير المعطيات إلى تراجع شعبية تراس، وسط محاولات داخل حزب المحافظين للإطاحة بها، بعد أزمة البرنامج الاقتصادي الذي نال انتقادات داخلية ودولية وعزز فرص المعارضة، وهذا ما دفع لاستقالة اثنين من الوزراء خلال أسبوع واحد، سبقه إقالة وزير السياسة التجارية، كونور بيرنز، قبل أسبوعين.

أسبوع الاستقالات

يوم أمس الأربعاء، استقالت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برايفرمان، أرجعتها الوزيرة إلى أسباب شخصية ومخالفة فنية للقواعد، تضمنت أيضا “مخاوف جدية” إزاء التزام الحكومة باحترام الالتزامات التي تعهدت بها للناخبين خلال الانتخابات الأخيرة.

 الاستقالة تأتي بعد 5 أيام من إقالة وزير المالية، كواسي كوارتنغ، عقب أزمة الموازنة المصغرة وقرارات خفض الضرائب، ونحو أسبوعين من إقالة وزير السياسة التجارية كونور بيرنز، إثر ادعاءات بارتكابه “سلوكا جسيما غير لائق”.

وزيرة الداخلية البريطانية المستقيلة سويلا برايفرمان “وكالات”

يوم أمس الأربعاء، دافعت تراس، عن نفسها داخل البرلمان وسط سيل من الانتقادات، بعدما اضطرت للتراجع عن برنامجها الاقتصادي، بينما أكدت أنها “محاربة وليست الشخص الذي ينسحب”.

شعبية تراس تراجعت أكثر من أي وقت، وتواجه اعتراضات من داخل غالبيتها، كانت صامتة بعد 6 أسابيع على دخولها إلى داونينغ ستريت، وخرجت عن صمتها فقط لكي تعتذر في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بعد تراجعها المذل عن خطة خفض الضرائب الموعودة.

 الأزمة التي تواجهها حكومة تراس، تعود إلى تقديم “الموازنة المصغرة” في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، من قبل وزير ماليتها آنذاك كواسي، كوارتينغ، والتي تتضمن خفض ضرائب بشكل كبير ودعما قويا لفواتير الطاقة، الأمر الذي أثار مخاوف من تراجع الحسابات العامة، حيث سجل الجنيه الإسترليني تراجعا إلى أدنى مستوياته وارتفعت معدلات الاقتراض الحكومي الطويل الأجل، قبل أن يتدخل “بنك إنجلترا” لمنع الوضع من التحول إلى أزمة مالية.

قد يهمك:الغزو الروسي لأوكرانيا.. تحركات بريطانية لمواجهة تمدد التصعيد العسكري

تراس والتشبث بالسلطة

في محاولة لتهدئة العاصفة الاقتصادية والسياسية، اضطرت رئيسة الوزراء لتعيين وزير مالية جديد هو جيريمي هانت، لإصلاح برنامجها الاقتصادي وطمأنة الأسواق حيال خطة موازنة الحكومة.

هانت، أعلن العودة عن كل التخفيضات الضريبية التي وعدت بها رئيسة الوزراء، وحذر من أنه يجب الادخار في الإنفاق العام، مثيرا شبح عودة التقشف كما حصل بعد الأزمة المالية في 2008.

محللون سياسيون بريطانيون، أوضحوا أنه رغم استمرار تراس في السلطة فإنها لا تملك النفوذ الذي يجب أن يكون فيمَن يكون رئيسا لوزراء بريطانيا بعد الاعتذار والتراجع المهين في القرارات التي كانت جزءا من برنامجها الانتخابي، خاصة خفض الضرائب، وهو ما يعني فشلا لخطتها الاقتصادية أمام البريطانيين.

بالإضافة لذلك فإن تراس، في محاولة للتشبث بالسلطة، ضحت بحليفها وزير المالية لإنقاذ ماء الوجه، ورغم الإطاحة فهي ليست في مأمن، فلا يوجد أي أمر يشغل اهتمامات البريطانيين في هذه الأيام غير الأزمة الاقتصادية في ظل ارتفاع التضخم لأعلى مستوى خلال 4 عقود ماضية.

من ناحية ثانية، فإنه نظريا وبموجب قواعد الحزب، فإنها في مأمن من أي خطوة رسمية للعزل لمدة عام، إلا أنه يمكن استثناء تغيير القواعد إذا كانت رغبة نسبة من مشرّعي المحافظين أو الضغط عليها للاستقالة، لكن حال تم التوافق على بديل قوي، فالحزب يخشى الانهيار في ظل الانتكاسات المتلاحقة لرؤساء الحكومات.

المحللون السياسيون أوضحوا أن، “حزب المحافظين” في ورطة، فالإطاحة الفورية بتراس تعني انتحارا وكارثة للمحافظين، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيته لصالح “حزب العمال” المعارض، وفي ذات الوقت هناك مخاوف من استمرارها، ما يزيد تأزم أوضاع الحزب قبيل الانتخابات المقبلة والتي تتصاعد فيها فرص “حزب العمال”.

أيضا فإن هناك دعما من قبل السير غراهام برادي، رئيس لجنة “حزب المحافظين”، التي تنظم انتخابات القيادة، حيث يدعم إعطاء فرصة لتراس بالمشاركة مع وزير المالية الجديد، جيرمي هانت، لوضع استراتيجية اقتصادية في ظل تأييد “بنك إنجلترا” لمقترحات هانت، على عكس الانتقادات التي طالت كوارتنغ وتراس من قبل.

هل يساهم “بنك انجلترا” بإنقاذ تراس؟

قبل أيام، قال حاكم “بنك إنجلترا” أندرو بيلي، إن هناك “تطابق فوري في وجهات النظر” مع وزير المالية البريطاني، الجديد جيريمي هانت، الذي حل منذ أسبوعين محل كواسي كوارتنغ، الذي أُقيل من منصبه في خضم أزمة سياسية في بريطانية.

بيلي، قال خلال ندوة عقدت ضمن اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي، يوم السبت الماضي، “يمكنني أن أقول لكم إنني تحدثت إلى جيريمي هانت، ويمكنني أن أقول لكم إنه حصل تطابق فوري وواضح لوجهات النظر بيننا حول مسألة أهمية الاستدامة المالية وأهمية اتخاذ قرارات في هذا الاتجاه”.

تصريحات بيلي، جاءت بعد أزمة سياسية أنهكت المملكة المتحدة لثلاثة أسابيع وبلغت أوجها مع إقالة وزير المالية، كواسي كوارتنغ، فيما كانت الفوضى تعمّ الأسواق بعدما قدّم الأخير مشروع ميزانية مصغرة يتضمن إنفاقا هائلا وتخفيضات ضريبية بتمويل غير مؤكد.

الجنيه الإسترليني تراجع إلى أدنى مستوياته بعد الإعلان الذي تسبب في ارتفاع أسعار الفائدة على الاقتراض البريطاني، ما أجبر رئيسة الحكومة، ليز تراس على تقديم تنازلات.

حاليا هناك استراتيجيتان في لندن، من جهة، خطة الإنفاق والتخفيضات الضريبية للحكومة التي من المحتمل أن تكون تضخمية، ومن جهة ثانية، الزيادة في أسعار الفائدة للبنك المركزي الهادفة إلى إبطاء ارتفاع الأسعار عبر إبطاء النشاط الاقتصادي.

حاكم “بنك انجلترا”، اعتبر فيما يخص نمو الأسعار، أن “الضغوط التضخمية ستتطلب استجابة أقوى مما كنا نعتقد في آب/أغسطس”، ما يشير إلى احتمال رفع إضافي لأسعار الفائدة، فيما يرى مختصون أن تأييد الحاكم لرأي وزير المالية البريطاني الجديد، يمكن أن ينقذ حكومة تراس، إذا قدّمت المزيد من التنازلات في برنامجها الاقتصادي المثير للجدل.

محاولات للإطاحة بتراس

صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، قالت إن أعضاء بالبرلمان البريطاني سيحاولون الإطاحة برئيسة الوزراء، ليز تراس، هذا الأسبوع، على الرغم من تحذير”داوننغ ستريت”، من أن ذلك قد يؤدي إلى إجراء انتخابات عامة، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” للأنباء، يوم الإثنين الفائت.

الصحيفة نقلت عن مصادر لم تكشف النقاب عنها، أن أكثر من 100 عضو في البرلمان ينتمون إلى حزب المحافظين الحاكم مستعدون لتقديم رسائل بسحب الثقة من تراس إلى جراهام برادي، رئيس لجنة حزب المحافظين التي تنظم انتخابات القيادة.

الصحيفة البريطانية أضافت أن النواب سيحثون برادي على إبلاغ تراس أن “وقتها انتهى”، أو تغيير قواعد الحزب للسماح بالتصويت الفوري للثقة في قيادتها، مبينة أن جراهام يقاوم هذه الخطوة قائلا “إن تراس ووزير المالية المعين حديثا جيريمي هانت يستحقان فرصة لوضع استراتيجية اقتصادية في ميزانية يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر الحالي”.

سيل من الانتقادات

صحيفة “تايمز” البريطانية، قالت إن بعض أعضاء البرلمان عقدوا مباحثات سرية بشأن استبدال تراس بزعيم جديد، ذلك في الوقت الذي تعرضت فيه رئيسة الوزراء البريطانية، ليز تراس، لسيل من الانتقادات، بسبب برنامجها الاقتصادي المثير للجدل، وجاءت آخر الانتقادات من وزير المالية الجديد الذي عينته تراس.

وزير المالية البريطاني الجديد، جيريمي هانت، قال يوم السبت الفائت، إنه ستتم زيادة بعض الضرائب، كما أن هناك ضرورة لاتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالإنفاق، موضحا أن رئيسة الوزراء ليز تراس ارتكبت أخطاء مع محاولتها الاحتفاظ بمنصبها الذي تولته قبل ما يزيد قليلا عن شهر.

من جهتها، في محاولة لتهدئة الأسواق المالية، كانت تراس، قد أقالت في وقت سابق وزير المالية، كواسي كوارتنغ، وألغت بنودا من برنامجهما الاقتصادي المثير للجدل، بعد أن وعدت بخفض الضرائب.

الرئيس الأميركي، جو بايدن، انضم إلى مهاجمي برنامج تراس الاقتصادي واصفا خطتها لخفض الضرائب والتي تم التخلي عنها حاليا بأنها “خطأ”.

الأحد الماضي، شددت تراس على التزامها بالاقتصاد “السليم”، وأقرت بأن إقالة صديقها كواسي كوارتينغ من منصب وزير المالية كان “مؤلما”، لكنها أضافت في مقالة في صحيفة “ذي صن” يوم الأحد الفائت، أنه “لا يمكننا تمهيد الطريق لاقتصاد منخفض الضرائب وعالي النمو بدون الحفاظ على ثقة الأسواق في التزامنا بتحقيق المال السليم”.

مرشح بديل لتراس

وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، ظهر اسمه منافسا محتملا لخلافة رئيسة الوزراء، ليز تراس، في زعامة حزب المحافظين، بعد ترويج اسمه الآن لشغل المنصب رغم غيابه عن السباق لقيادة الحزب في تموز/يوليو الماضي، والذي وصفه مراقبون بـ”المفاجئ”.

صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، قالت يوم الأحد الماضي، إن السياسي البالغ من العمر 52 عاما، وهو مؤيد قوي للبقاء في الاتحاد الأوروبي وشخصية مفضلة لدى العديد من أعضاء حزب المحافظين، استبعد نفسه من منافسة هذا الصيف لأسباب شخصية.

في أيلول/سبتمبر الماضي، قال والاس لصحيفة “تلغراف” البريطانية، “لم أرغب في هذا المنصب بما فيه الكفاية، وأعتقد أنني في مرحلتي في حياتي… إذا أردت أن أكون رئيسا للوزراء، فيجب أن تكون رغبتي قوية جدا جدا جدا. عليك أن ترغب في ذلك قبل كل شيء، وأن تكون قاسيا عند نقطة ما”.

في مقابل ذلك، عندما سُئِل في مؤتمر حزب المحافظين خلال الشهر الحالي، عمّا إذا كان سيفكر في الترشح لزعامة الحكومة قال، “لا أستبعد ذلك”.

 على عكس معظم الوزراء البريطانيين، لم يذهب والاس إلى الجامعة، وترك المدرسة في سن 18 وصار مدرب تزلج في النمسا قبل الالتحاق بالأكاديمية العسكرية الملكية في “ساندهيرست”.

في العام 1991، انضم إلى الحرس الأسكتلندي، وخدم في ألمانيا وقبرص وبليز وإيرلندا الشمالية. ثم غادر في عام 1998 للعمل بالسياسة وانتُخِب بعد عام عضوا في البرلمان الأسكتلندي، حيث خدم لفترة ولاية واحدة، وانتقل لاحقا إلى لانكشاير وانتُخِب نائبا عن لانكستر وواير في عام 2005.

والاس، كان نائبا عن واير وبريستون نورث منذ عام 2010 وصوت على البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، وترقى إلى منصب وزير الدفاع في عام 2019 وأشيد بتعامله مع الأزمة الأوكرانية. وكان من أوائل الذين دعموا قضية كييف لدى الحلفاء الغربيين، ودفع الحكومة لدعم أوكرانيا.

أيضا كان والاس، جزءا من الدائرة المقربة من جونسون عندما كان رئيسا للوزراء، وبرغم أنه مؤيد قوي للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لكن في نهاية فترة رئاسته للوزراء، بدأ في تصفية الأجواء مع جونسون.

لكن على الرغم أن والاس أحد وزراء الدولة الأكثر شعبية، لا يبدو أن الجميع يعرفه، فقد كانت صحيفة “صندي ميل” البريطانية، في اسكتلندا واحدة من الصحف التي أبلغت عن مؤامرة إحضاره لرئاسة الحكومة، لكن في خطأ فادح محرج، نشرت الصحيفة صورة للوزير المالي لوزارة الخزانة، أندرو غريفيث، في الطبعة الأولى من صفحتها الأولى بدلا من صورة والاس.

أبرز تحديات حكومة تراس

سبعة تحديات رئيسية يجب عليها التعامل معها، وهي ارتفاع تكاليف المعيشة، والتي تفاقمت بشكل ملحوظ في أثناء الحملة الانتخابية، وأساس الأزمة نابع من أنّ الطاقة، وخصوصا الغاز، لا يتدفق بشكل طبيعي. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو الصراع في أوكرانيا والخطوات المتعمّدة التي يتخذها “الكرملين”.

أما التحدي الثاني، فهو يتمثل بكيفية تجاوز خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا هذا الشتاء، حيث شهد أداء العاملين في خدمة الصحة الوطنية البريطانية تراجعا في السنوات العشر الأخيرة، لكن الأوضاع تفاقمت بتفشّي وباء كورونا.

ليز تراس “وكالات”

التحدي الثالث، يتمثل باستمرار دعم أوكرانيا بنفس القوة خاصة مع تفاقم الأزمة المالية وطول أمد الغزو الروسي لأوكرانيا.

أما الرابع، فهو تحدّ يتعلق بحزب تراس “المحافظين” المنقسم داخليا حيث يجب عليها العمل على إعادة توحيد صفوفه، والتحدي الخامس هو إيرلندا الشمالية، وخاصة فيما يتعلق ببتروتوكل إيرلندا الشمالية.

التحدي السادس يتمثل بإمكانية مواصلة رفض إجراء استفتاء ثان على استقلال اسكتلندا، وفي مقاومة استقلال اسكتلندا، يتعين على أي رئيس وزراء بريطاني أن يحْذر انتهاج طريق من شأنه المجازفة بتقويض دعم عملية الاتحاد البريطانية.

أما السابع، فيطرحه تساؤل حول هل لا يزال ممكنا الوصول إلى صفرية الانبعاثات الكربونية بحلول 2050، ففي ظل أزمة أسعار الغاز، تجد رئيسة الوزراء الجديدة نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرارات عاجلة على صعيد الطاقة، ومن شأن هذه القرارات أن تضع بريطانيا على الطريق، أو تجعلها تخرق، التزامات حكومتها فيما يتعلق بالوصول إلى صفرية الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.

إقرأ:محاولات من نواب بريطانيين للإطاحة بليز تراس.. ما الذي يجري؟

من الواضح أن التحدي الرابع المتعلق بانقسام “حزب المحافظين” الذي ترأسه تراس، سرعان ما قفز إلى واجهة تحديات الحكومة الجديدة ليكون عامل مهما لتحديد ما إذا كانت هذه الحكومة سوف تستمر، أم أن الحزب سيطيح بها خوفا من انقسام أكثر لصالح “حزب المحافظين”، وذلك بالتوازي مع خطط تراس التي خلقت استياء شعبيا ورسميا كبيرين في بريطانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.