بعد انقطاع في العلاقات دام لسنوات، أعلنت حركة “حماس” على لسان أحد مسؤوليها من دمشق، طي صفحة الماضي مع الأسد، وأي فعل فردي لم تقره القيادة، في إشارة إلى موقف الحركة في بداية الحراك الشعبي في سوريا عام 2011.

يوم الأربعاء الفائت، وصل إلى دمشق، نائب قائد الحركة في قطاع غزة، خليل الحية، على رأس وفد من بين وفود فلسطينية أخرى، وبعد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، قال الحية في مؤتمر صحفي، “اللقاء مع الأسد كان دافئا، وقد أبدى تصميمه على تقديم كل الدعم من سوريا للشعب الفلسطيني ومقاومته”، مضيفا أن قيادة “حماس”، طوت صفحة الماضي، وأن الاجتماع مع الأسد “فاتحة خير وصفحة جديدة من العلاقات مع دمشق، والتي طال انتظارها”.

مختصون يرون أن خطوة “حماس” الحالية ترتبط بجزء كبير منها بدور إيراني، وآخر يتعلق بـ”حزب الله” اللبناني، وهو ما ترجمه الجو الذي ساد مؤخرا، مستبعدين أي ضغوط مورست على الحركة، بل وساطات قام بها “حزب الله” وإيران، لإعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين.

هذه العلاقة التي تمت استعادتها، تطرح العديد من التساؤلات، حول مصلحة إيران منها، وانعكاساتها على “حماس” لدى فلسطينيي الداخل والخارج، والفوائد التي ستحققها لـ”حماس” وحكومة دمشق، إضافة للعديد من النقاط الأخرى.

مصلحة إيرانية

تقارير صحفية تشير إلى أن، عودة علاقات “حماس” مع حكومة دمشق هي مصلحة إيرانية أولا، حيث تسعى طهران لإعادة ترتيب صفوف حلفائها، حيث بدأت وساطتها بين “حماس” ودمشق أثناء اجتماعات فيينا.

المحلل السياسي الفلسطيني، عزام أبو العدس، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن إيران تدرك كأغلب القوى السياسية أن العالم تغير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهناك ثقل سياسي بدأ بالتشكل في أوروبا الشرقية وشرق آسيا، ومن هنا تريد إيران أن ترص صفوف حلفائها، خاصة في سوريا، إذ تدرك أن مواجهة مع إسرائيل في المرحلة القادمة ستكون في سوريا وهي مسألة وقت.

من لقاء الأسد بوفد حماس “وكالات”

من جهته، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، مصطفى أبو عمشة، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الورقة الفلسطينية بيد إيران منذ صعود الثورة الإيرانية وزادت عقِب سقوط نظام صدام حسين، حيث تُرجم ذلك بتقرب “حماس” من طهران، بسبب الغياب في الاحتضان العربي للحركة سياسيا وعسكريا.

بالتالي فإن المكاسب الإيرانية من الورقة الفلسطينية لا تزال مستمرة، حتى وإن مرت العلاقة بين “حماس” والمحور الإيراني بتوترات وشد وجذب، إلا أن “حماس” وطهران ودمشق، سعوا إلى الحفاظ على خط للعودة، وعدم إحداث قطيعة لأنهم يدركون أنهم يحتاجون لبعض، وبالتالي فإن عودة علاقات “حماس” وحكومة دمشق على وجه الخصوص، هو استعادة محور ما يسمى بـ”المقاومة” لـ”حماس” التي كانت تعصف بها متغيرات كثيرة خلال فترة “الربيع العربي”، بحسب أبو عمشة.

قد يهمك:وفد يصل دمشق قريباً.. ما الذي تريده حماس؟

عودة العلاقات قوة لمشروع “حماس” وخسارة لشعبيتها

حركة “حماس” وخلال السنوات الأخيرة باتت تركز على مشروعها الخاص المتمثل بفرض سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، بدعم إيراني ومحاولة توسيع نفوذها في الضفة الغربية، لذلك تعاملت بطريقة براغماتية خلال المواجهة الأخيرة بين إسرائيل و”الجهاد الإسلامي” وهو ما تسبب بتقوية نفوذها.

أبو عمشة يرى أن إيران استطاعت خلال السنوات الماضية سد الفراغ الذي خلّفته القطيعة بين “حماس” وحكومة دمشق، وهذا ما انعكس على المشهد الداخلي السياسي الداخلي والخارجي الفلسطيني، فمنذ العام 2006 بعد الدعم الإيراني الكامل لـ”حماس” استطاعت الحركة بسط سيطرتها على غزة، وباتت قادرة على التحرك بشكل أكبر داخليا وخارجيا، خاصة أن قيادة “حماس” بالضفة لم يعد لها تأثير كبير وبقيت مجرد ظاهرة صوتية، ومع استعادة العلاقات مع دمشق، فإن هذا سيقوي المشروع “الحمساوي” في القطاع بشكل أكبر.

من جهته، يؤكد أبو العدس، أنه على الرغم من تقوية مشروع “حماس” في غزة، إلا أن قاعدتها الشعبية غير راضية عن هذه العلاقات والتحالف بين “حماس” وحكومة دمشق، ولا ترى فيها نقطة قوة بل خيانة لدماء الشعب السوري، كما أن هذا التحالف يضر بصورة الحركة وبفقدها مصداقيتها.

من المستفيد؟

العديد من القراءات للمصالحة بين “حماس” وحكومة دمشق، ترى أن القيادة المتنفذة في “حماس” فاوضت بقصر نظر ودون رؤية ولم تفهم أنها المقاومة، وأن إيران والحزب بحاجة إليها أكثر من حاجتها إليهم، لذلك جاءت المفاوضات في محاولة لإعطاء شرعية لحكومة دمشق، واستعادة تشكيل محور المقاومة الإيراني، في مقابل مكاسب محدودة ومحفوفة بالخطر لـ”حماس”.

في هذا السياق، يرى أبو العدس، أن قيادة حماس تدرك هذه المتغيرات وتتعامل مع عودة العلاقات مع دمشق بمبدأ “حكم أكل الميتة”، وهي تدرك تماما أن هذا التحالف وعودة العلاقات لن يقدّما لها سوى قاعدة جغرافية في أفضل الأحوال، كما تدرك أن حكومة دمشق عاجزة عن حماية نفسها عسكريا واستخباراتيا، فكيف بمن هم موجودون عندها.

بالنسبة لحكومة دمشق، فهي تتصور أن عودة “حماس” برمزيتها كحركة مقاومة ستعيد ترميم شرعيتها وتعطيها مادة إعلامية لترويجها أمام أنصارها، وأيضا ستقرب الحركة أكثر من إيران، لكن السؤال المهم، إذا ما كانت حكومة دمشق ستلعب على الطرفين، إيران و”حماس” من خلال تقديم معلومات عن “حماس” لإسرائيل مقابل مكاسب معينة، وهناك سوابق مثبتة حول هذه النقطة، بحسب أبو العدس.

أبو عمشة من جهته، يرى أن حكومة دمشق هي المستفيد من عودة العلاقات مع “حماس”، لعدة عوامل منها أنها أي حكومة دمشق تحتاج إلى أدوات فاعلة لتقوية شرعيتها على المستوى العربي والإقليمي، بعد أن فقدت هذه الشرعية والغطاء لأكثر من عشر سنوات خلال الأزمة السورية، ما سيمكّن دمشق من لعب دور في حالة التصعيد أو التهدئة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وبالتالي ستعود لمزاحمة القاهرة والدوحة بهذا الملف.

تنديد أميركي بعودة العلاقات

 الولايات المتحدة، حذرت يوم أمس الخميس، من أي تطبيع للعلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، واعتبرت أن مصالحته مع حركة “حماس” الفلسطينية تظهر “عزلته”.

المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال في مؤتمر صحفي، إن “تواصل نظام الأسد مع هذه المنظمة الإرهابية يؤكد لنا عزلته”، لافتا إلى أن “هذا يضر بمصالح الشعب الفلسطيني، ويقوض الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب في المنطقة وخارجها”، ومضيفا، “سنواصل رفض أي دعم لإعادة تأهيل نظام الأسد، لا سيما من المنظمات المصنفة إرهابية مثل حماس”.

بيانات سبقت اللقاء

في الخامس عشر من أيلول/سبتمبر الماضي، أصدرت “حماس” بيانا أكدت فيه عزمها على إعادة العلاقات، وأدانت الضربات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وعلى وجه الخصوص قصف مطاري دمشق وحلب.

كما أعربت الحركة عن تقديرها للنظام بسبب وقوفه مع القضية الفلسطينية، مع أملها باستعادة مكانته العربية والإسلامية، في إشارة من “حماس” إلى جهود بعض الدول العربية لإعادة العلاقات مع سوريا، وتفعيل مقعدها في القمة العربية.

ردود دمشق على مبادرة “حماس” لاستعادة العلاقات معها، جاءت بالهجوم عليها إعلاميا من قبل مسؤولين ومقربين من الحكومة السورية، في حين التزم الجانب الرسمي الصمت خلال الفترة التي سبقت اللقاء مع الأسد.

بعد إعلان “حماس”، في بيانها الأخير منتصف الشهر الماضي، قرارها استعادة العلاقات مع سوريا، اعتبر عضو مجلس الشعب السوري، خالد العبود، وهو من أهم المقربين من النظام السوري، أن القرار جاء نتيجة ما سماه سقوط مشروع كبير جدا، متّهما الربيع العربي بأنه مؤامرة.

العبود أضاف، في إشارة إلى “حماس”، “لقد سقط المشروع “الربيع العربي” وهُزم أصحابه، وفشل دعاته ومنظّروه، وهؤلاء” حماس”، لم يكونوا إلا أدوات رخيصة في يد أطراف العدوان الرئيسية، وهم يؤمَرون اليوم مثلما أُمروا قبل ذلك، وهم لم يعودوا إلى رشدهم اليوم، كما يحاول البعض منا أن يخفف ثقل الزلزال، أو أن تقديراتهم كانت خاطئة، مثلما قلنا ذلك سابقا، في سياق كلام سياسي، لكنها الحقيقة التي يجب ألا نخفيها عنكم، وهي ليست خافية عنكم”.

حكومةدمشق لم تعد حكومة الممانعة

 دراسات عديدة بينت أن حكومة دمشق لم تعد كما كانت عليه من حيث الثبات والقوة قبل العام 2011، في ظل فقدانها السيطرة على مساحات شاسعة من أرضها، ووجود نسبة كبيرة من السوريين لا تقبل بها سواء في المناطق غير الخاضعة لسيطرتها أو حتى تلك التي تقع تحت حكمها.

خلال السنوات الماضية زادت عزلة دمشق، نتيجة للمجازر التي ارتكبتها بحق السوريين على المستوى العربي والدولي، ويقول تقرير للأمم المتحدة نُشر في 18 آذار/مارس الماضي، إنه “منذ اندلاع الصراع، نزح أكثر من نصف السكان الذين كانوا في البلاد قبل الحرب وقُتل مئات الآلاف، وتم تدمير المدن والبنى التحتية السورية، وما تبقى هو مرافق صحية ضعيفة في مواجهة الجائحة. أكثر من 90 بالمئة من السكان الذين ظلوا داخل البلاد يعيشون في فقر، و12 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج عدد غير مسبوق من السكان (14.6 مليون شخص) إلى مساعدة إنسانية”.

من لقاء الأسد بوفد حماس “وكالات”

إضافة لذلك، يعاني الشعب السوري من استشراء الفساد، وتسلط فئة محدودة على الناس، في حين تتزايد الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية الصعبة والارتفاع الحاد في الأسعار، بشكل يفوق قدرة المواطن على شراء السلع الأساسية والمحروقات.

أيضا وبالإضافة لانشغال حكومة دمشق بنفسها، وعدم قدرتها على رد الضربات الإسرائيلية عليها، فهي تسعى لإعادة تأهيلها على المستوى العربي، وعلى مستوى العلاقة مع تركيا، في حين لا يزال أمامها شوط طويل للتأهل دوليا، وفي حين تخضع لضغوط إيران المتغلغلة في البلاد، فإنها تحاول الموازنة بين العلاقة معها، ونيل متطلبات التأهل عربيا ودوليا.

 هذه الحال لا تجعل دمشق مؤهلة لمرتبة “الممانعة” التي كانت عليها قبل الثورة، فهي على خلاف حليفها الإيراني، لا ترى مصلحة من علاقات مميزة مع حركة “حماس” الموضوعة على قوائم الإرهاب العالمية، والمحاربة من قبل بعض الأنظمة التي تسعى لتأهيلها كالإمارات، ولا هي تريد أن تزيد من مسوغات استهدافها من قبل إسرائيل، أو استهداف كوادر من “حماس” على أرضها في حال فتحه الساحة لها، لأنه إن حصل هذا، فستكون في موضع ضعيف جدا.

إقرأ:بعد “حزب الله” اللبناني.. لماذا تم إدراج “حماس” الفلسطينية كمنظمة إرهابية؟

محاولات لتحقيق مكاسب من قبل كل الأطراف في هذه المصالحة، فإيران تستفيد كالعادة من الجميع وتُسخّر الجميع لخدمة أهدافها بجعلهم أوراقا للضغط سواء على إسرائيل أو في مفاوضات الملف النووي، وحكومة دمشق تعمل على تبييض صفحتها من خلال استعادة رمزية “المقاومة والممانعة”، وإن كان أمام شريحة باتت محدودة، فيما تسعى “حماس” لتوسيع علاقاتها وإيجاد أرضية جديدة خاصة مع احتمالات التضييق خلال المرحلة القادمة عليها في تركيا وقطر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة