ضمن سياسة الانتهاكات المختلفة التي تمارسها حكومة دمشق ضد السوريين منذ العام 2011، عمدت هذه الحكومة إلى الاستيلاء على ممتلكات وأراض لسوريين من ريف محافظة إدلب، والإعلان عن بيعها في المزاد العلني، في عملية استيلاء ليست الأولى من نوعها تنفذها سلطات دمشق بحق معارضين أو مهجرين أو لاجئين.

في هذا السياق، رصد تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” يوم أمس، إعلان حكومة دمشق عبر “الأمانة العامة” لمحافظة إدلب، عن ثلاثة مزادات علنية هذا الشهر، شملت أراضي زراعية في ريف محافظة إدلب، وهذا يعني استمرار الحكومة في نهب المزيد من أراضي النازحين واللاجئين، ومحاولة التغطية عليها عبر تكتيك المزادات العلنية، كما أوضح التقرير، أن مساحة الأراضي التي شملتها إعلانات هذه المزادات العلنية في ريف محافظة إدلب، بلغت قرابة 570 ألف دونم بالحد الأدنى.

إعلان حكومة دمشق عن بيع أملاك تعود لمهجّرين ولاجئين، يطرح عدة تساؤلات، حول السند القانوني لهذا الاستيلاء والبيع، والتبعات التي تتركها عملية البيع على أصحاب الممتلكات والأراضي، وتأثير ذلك على عودة المهجّرين واللاجئين، ومخالفة مرسوم العفو الأخير.

بيع بالسرعة الكلية

بحسب الإعلان الصادر عن حكومة دمشق، فإن الأراضي المشمولة بالمزادات العلنية تعود ملكيتها لـ”المتوارين عن الأنظار الموجودين في الشمال السوري”، وتنص الإعلانات على مزادات علنية على مساحات لاستثمارها زراعيا (سليخ) للموسم الزراعي 2022 – 2023، الأول على أراضي في منطقة خان شيخون، تم تحديد تاريخ المزاد منذ 2 حتى 6 تشرين الأول/أكتوبر 2022، والثاني على أراضي منطقة معرة النعمان، سيُعقد المزاد منذ 9 حتى 13 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أما الأخير فكان على أراضي منطقة سراقب أبو الضهور، سيعقد المزاد منذ 16 حتى 20 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وطبقا للتقرير فقد بلغت مساحة الأراضي التي شملتها إعلانات المزادات العلنية في ريف محافظة إدلب قرابة 570 ألف دونم بالحد الأدنى، كما تمت عنونة الإعلانات بعبارة “إعلان مزاد بالسرعة الكلية”، ويشير الإعلان إلى أن المساحات التي تضمنها تقديرية قابلة للزيادة والنقصان.

من مزاد علني سابق لاستثمار أراضي أصحابها مهجرون في ريف حماة “وكالات”

المحامي فهد الموسى، يرى خلال حديثه أن حكومة دمشق لا تزال تعتبر المعارضين ومعظم النازحين واللاجئين، إرهابيين ويمكن محاكمتهم صوريا، وبالتالي يمكن الحجز على أملاكهم، ومن هنا تستند حكومة دمشق على قوانين سنتها خصيصا لهذه الأحوال، فالقانون رقم 10 لعام 2018، يمنح الحكومة السورية الحق بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة لإعادة الإعمار.

لكن لا يحدد القانون معايير لتصنيف المنطقة كمنطقة تنظيمية، أو جدولا زمنيا لتعيين المناطق. بدل ذلك، تُعين المناطق كمناطق تنظيمية وفق مرسوم. خلال أسبوع من صدور المرسوم القاضي بإعادة إعمار منطقة ما، وإذا لم تظهر ممتلكات مالكي المنطقة في القائمة، فسيتم إبلاغ هؤلاء بذلك، وسيكون لديهم 30 يوما لتقديم إثبات الملكية. في حال عدم قيامهم بذلك، لن يتم تعويضهم وستعود ملكية العقار إلى البلدة أو الناحية أو المدينة الواقع فيها العقار. في حال إظهار المالكين ما يثبت امتلاكهم عقار في المنطقة التنظيمية، سيحصلون على حصص في المنطقة، وهذه النقطة الأساسية التي تعتمد عليها حكومة دمشق بعملية الاستيلاء.

الموسى يشير إلى أن حكومة دمشق، عززت النقاط الواردة في القانون رقم 10 لعام 2018، من خلال إصدار التعميم رقم 30 لعام 2021، والذي فرض الموافقة الأمنية من أجل الحصول على الوكالة القضائية عن الغائب والمفقود، حيث تترافق إجراءات استخراج هذه الموافقة مع عمليات مساومة وابتزاز مادي. كما أن الكثير من الغائبين مطلوبون للأفرع الأمنية، وهذا التعميم يعني استحالة إعطاء أقاربهم وذويهم حق استخراج الوكالة لإدارة أموال الغائب.

الموسى أشار أيضا، إلى أن الصعوبات تكمن في استخراج الموافقة الأمنية بالنسبة للمفقودين، حيث نص قانون الأحوال الشخصية السوري في مادته رقم (205) على “الحكم بموت المفقود بسبب العمليات الحربية أو الحالات المماثلة بعد أربع سنوات من تاريخ فقده”، وهذا الأمر يفرض على ورثة المفقود بشكل عام القيام بإجراءات قانونية لإثبات الفقد، والتي تتطلب رفع دعوى قضائية مع وجود ضبط شرطة وشاهدَين على فقدان المالك لأكثر من أربعة أعوام، وهنا جاء التعميم رقم 30 ليكون فوق قانون الأحوال الشخصية من خلال اشتراط وجود موافقة أمنية مسبقة قبل البدء بإجراءات إثبات الفقد، ونتيجة لما يتعرض له ذوو المفقودين فإن غالبيتهم يعزفون عن هذا الإثبات وبالتالي يمكن للجهات الحكومية الاستيلاء على الأملاك.

إقرأ:هل يشمل العفو عن “الجرائم الإرهابية” السوريين المعارضين في الخارج؟

تبعات الاستيلاء على العقارات وبيعها

بحسب ثائر سلهب، محافظ إدلب، في حكومة دمشق، فإن الأراضي المشمولة بالمزادات العلنية تعود ملكيتها لـ “المتوارين عن الأنظار الموجودين في الشمال السوري”، كما تشير المعلومات التي حصل عليها “الحل نت”، إلى أن عمليات الاستيلاء والبيع تمت دون إنذار وتبليغ أصحاب الأراضي المشمولة بالبيع.

 فهد الموسى يرى أن حكومة دمشق من خلال قرارها بيع هذه الأراضي، اتخذت خطا لا رجعة فيه من أجل إعادتها في المستقبل إلى أصحابها، فالهدف من عمليات البيع هي ترسيخ لعملية الإخلاء والتشريد القسري، وهي محاولة لهندسة التركيبة السكانية والاجتماعية، وتُشكل بالضرورة عقبة أساسية أمام عودة اللاجئين والنازحين.

الموسى يؤكد أنه لا سبيل أمام من تمت مصادرة أرضه وبيعها بالمزادات في حال عاد مستقبلا وأراد المطالبة بها، سوى دفع مبالغ طائلة لمحاولة استعادة أرضه المباعة، هذا في حال لم يكن الشخص مطلوبا أمنيا ما سيؤدي لاعتقاله، كما أن حكومة دمشق وضعت التعميم رقم 30 لعام 2021، عقبة رئيسية في المطالبة المستقبلية بالعقارات بحجة الموافقات الأمنية حتى بالنسبة لذوي الغائبين الذين تم الحجز على أراضيهم، ومبيّنا أنه في حال تم نقل ملكية الأراضي المباعة في المزادات لأشخاص بعينهم فمن الصعوبة بعد ذلك استعادة هذه الأراضي، أي أنها “سرقة” بطريقة قانونية.

العقارات وعودة اللاجئين ومرسوم العفو رقم 7

عملية الاستيلاء الحكومية على الأراضي وبيعها، هي جزء من عدد من الخطوات التي قامت بها حكومة دمشق منذ العام 2012 وحتى الآن، من خلال عدد من المراسيم التي تحرم السوريين من ممتلكاتهم وعقاراتهم، خاصة الغائبين منهم أي اللاجئين والنازحين، ولهذا يعتبر موضوع الملكية من المواضيع المعقّدة التي ارتكبت فيها حكومة دمشق العديد من الانتهاكات والمخالفات للقواعد والقوانين الدولية.

مهجرون سوريون “وكالات”

بحسب الموسى، فإن المرسوم التشريعي رقم 63 لسنة 2012، مكّن وزارة المالية السورية، من الاستيلاء على أصول وممتلكات الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، ونقل ملكيتها إلى الحكومة السورية، ويقدم قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 تفسيرا فضفاضا للإرهاب، ويجرِم بشكل غير عادل شريحة كبيرة من السكان دون منحهم أي حق في إجراءات قانونية أو محاكمة عادلة.

الموسى يضيف أن كل التشريعات اللاحقة لهذا المرسوم، ومنها التعميم رقم 30 لعام 2021، جاءت لمحاصرة السوريين النازحين واللاجئين بهدف الاستيلاء على عقاراتهم بحجة الإرهاب، وهذا ما يعتبر حجر عثرة في وجه من يفكر من معظم النازحين واللاجئين بالعودة إلى سوريا، لأن المطالبة بالممتلكات لن تتم عبر الطرق القانونية كالمحاكم، إنما عبر الأجهزة الأمنية بشكل حصري وهذا ما يجعلهم عرضة للاعتقال والتعرض لأنواع مختلفة من الانتهاكات.

من جهة ثانية، لا يمكن الفصل بين عمليات الاستيلاء على الأملاك أو بيعها لرمزيتها القانونية، عن مرسوم العفو رقم 7 الذي صدر نهاية نيسان/أبريل الماضي، لأن الارتباط وثيق بين هذه الأملاك واللاجئين والنازحين، فالموضوع بحسب قانونيين أكبر من الاستيلاء على 570 دونم من الأرض في ريف إدلب، إنما ستمتد آثاره في المرحلة القادمة لتطال اللاجئين في الخارج.

مرسوم العفو ركز في بنوده على عودة السوريين اللاجئين في الخارج، حيث يمنح لهم لأول مرة تسهيلات “أمنية” تتمثل في عدم مراجعة أي جهة أمنية أو قضائية، ما لم يكن الشخص يواجه دعوى بحق شخصي، أو كان قد ارتكب جريمة قتل خلال أعمال إرهابية.

لكن في السابع من أيار/مايو الماضي، أصدر وزير العدل، أحمد السيد، بيانا جاء كتنفيذ لمرسوم العفو، ورد فيه إلغاء جميع البلاغات والإجراءات المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون الإرهاب، رقم “19” لعام 2012، وذلك “بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج، ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، أو ارتباطهم مع دول أخرى”.

هذا البيان أثار العديد من الإشكاليات، داخليا فيما يتعلق بإلغاء البلاغات الشرطية، وبلاغات أجهزة الأمن، وخارجيا حين أضاف فقرة تتعلق بالتعامل مع الدول الأخرى، لم تكن أصلا وردت في نص العفو.

الموسى يؤكد أن هناك ربطا بين بيان وزير العدل من جهة، وعملية الاستيلاء على الأملاك من جهة ثانية، فتفسير البيان يشير إلى اتهام معظم السوريين ممن غادروا مناطقهم بأنهم منتمون لتنظيمات إرهابية أو مرتبطون بدول أخرى بالنسبة للاجئين، وهذا ما ينسف أصل المرسوم الذي ينص على العفو على السوريين في الخارج، ويتفق مع المرسوم التشريعي رقم 63 لسنة 2012، الذي مكّن وزارة المالية السورية، من الاستيلاء على أصول وممتلكات الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، ونقل ملكيتها إلى الحكومة السورية.

في سياق متصل لفت الموسى إلى أن “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”الميثاق العربي لحقوق الإنسان”، الحق في الملكية. ينصان على أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال “مصادرة (الأموال) كلها أو بعضها بصورة تعسفية أو غير قانونية”، مبيّنا أن حكومة دمشق تخالف هذه القاعدة كما تخالف “مبادئ بينهيرو”، وهي مبادئ متفق عليها على نطاق واسع وتحكم حقوق الملكية للاجئين والنازحين.

إقرأ أيضا:عفو “الجرائم الإرهابية” في سوريا.. من يشمل وما أهدافه؟

انتهاكات مستمرة يعاني منها السوريون، لا تقتصر على القتل والاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب، بل تمتد لتطال مختلف جوانب حياتهم، في ظل عدم وجود أي حلول دولية أو إقليمية لما يجري، ليكون السوريون ضحية تفقد أبسط حقوقها في ملكيتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.