“ناس تموت برد وناس تموت حرق” يقول ياسين السلوم، وهو مدرس لغة عربية يعيش في دمشق، وذلك تعليقا على نص إمدادات المحروقات المدعومة هذا العام، واتجاه فئة واسعة من الأهالي لمدافئ بديلة غير آمنة.

مدفأة باستخدام الكحول

مع تخفيض حكومة دمشق لكميات المحروقات الموزعة للعوائل السورية بأسعار مدعومة خلال فصل الشتاء، شهِدت الأسواق السورية تصنيع مدافئ بديلة، أبرزها المدفأة التي تعمل بواسطة مادة الكحول كبديلة عن المازوت، وسط غياب الرقابة على صناعتها وتحذيرات للعديد من الجهات من مدى خطورة تشغيلها في المنزل.

السلوم قال في حديث لموقع الحل، “نعم اشتريت مدفأة السبيرتو، وهي أرخص تكلفة من مدفأة المازوت، هذا العام لم نحصل سوى على 50 ليتر من المازوت بأسعار مدعومة، وهذه الكمية لا تكفي لعشرة ايام، المدفأة الجديدة قد تكون بديل أرخص للحصول على بعض الدفء، هذا العام انتشرت بشكل واسع في الأسواق“.

السلوم أشار إلى أن تكلفة تشغيل المدفأة الجديدة أرخص من مدافئ المازوت، كم أن سعرها “غير مبالغ فيه“، حيث يبلغ متوسط سعرها، مئة ألف ليرة سورية في أسواق العاصمة دمشق، في حين أن مدفأة المازوت يبدأ سعرها هذا العام من 350 ألف ليرة“.

المدافئ الجديدة انتشرت في الأسواق، وسط تحذير من مخاطر تشغيلها في المنازل، في حين غابت الرقابة الحكومية على صناعتها، ومواصفاتها، وفيما إذا كانت آمنة التشغيل أو لا.

صحيفة “تشرين” المحلية، نقلت عن مصدر في اتحاد حرفيي دمشق، تأكيده أن عدد من مصنّعي هذه المدافئ، انضموا للاتحاد مؤخرا، مشيرا إلى أن، “الاتحاد غير معني بمراقبة مدى جودة صناعة المدافئ أو مدى درجة أمانها، هذا الموضوع تتكفل به بالدرجة الأولى، حماية المستهلك“.

قد يهمك: بين الحكومة وسائقي المواصلات..“المواطن رايح يمشي”

بدوره أوضح معاون مدير حماية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق بسام شاكر، أن كل مادة تُطرح في الأسواق ومن ضمنها المدافئ يتم فحصها من ناحية الجودة ومدى مطابقتها للمواصفات وكذلك من ناحية الأسعار، لافتا إلى أن سعر المادة يتم تحديده، وفقا لبيان التكلفة مرفقة بالفواتير اللازمة وهوامش الربح.

وحول مراقبة المدافئ الجديدة، أكد في تصريحات نقلتها الصحيفة المحلية، أنه حينما يتم طرح أي مادة جديدة بالأسواق يتم أخذ عينة منها وإحالتها إلى المخابر المختصة والعمل على فحصها لمعرفة مدى مطابقتها لمواصفات ولمعرفة درجة الأمان في استخدامها، وأضاف “حتى هذه اللحظة لم نأخذ عينة من المدافئ التي تعمل على الكحول، سيتم التوجيه لأخذ عينات من تلك المدافئ الجديدة لمعرفة مدى مطابقتها المواصفات ودرجة أمانها“.

خطيرة في المنزل

بدورها تؤكد نغم مسالمة، وهي ممرضة تعمل في دمشق، أنها توجّهت فعلا للسوق لشراء “مدفأة السبيرتو“، لكنها تراجعت عن شرائها عندما علمت آلية عمل المدفأة، حيث أكدت أنها قد تكون بالغة الخطورة في حال تشغيلها في المنزل.

مسالمة قالت في حديثها لـ“الحل نت“، “هي تكلفتها رخيصة فعلا، وخاصة وأن لتر واحد من الكحول، يمكن أن يشعل المدفأة ليوم كامل، لكنها قد تكون خطيرة، وتحتاج إلى حذر شديد في المنزل“.

مسالمة أوضحت خطورة هذه المدافئ، وأضافت “أستغرب كيف تسمح الحكومة، بصناعة مدافئ منزلية، تعتمد في تشغيلها على الكحول، الكحول سريع الاشتعال ولا يجوز استخدامه للتدفئة، هذا فضلا عن أن المدفأة الجديدة لا يمكن لها أن تضاهي مدافئ المازوت، وهي مصنوعة من أنواع معادن، فأي تسريب لمادة الكحول يمكن أن يتسبب بحريق في المنزل“.

ورغم هذه التحذيرات فإن الإقبال على هذه المدافئ، جاء بصورة واسعة في الأسواق السورية، وذلك لرخص ثمنها، وتوفّر المادة التي تعتمد عليها وهي الكحول، حيث يبلغ سعر اللتر منه نحو 5 آلاف ليرة سورية، وهو متوفر بشكل شبه دائم على عكس المواد النفطية.

انعدام وسائل التدفئة

فضلا عن انعدام وسائل التدفئة، فإن حكومة دمشق حتى اللحظة لم توزع كامل مخصصات العوائل السورية من المحروقات، وذلك على الرغم من إعلانها قبل أسابيع، تخفيض كميات مخصصات الشتاء من 200 لتر من المازوت إلى 50 لتر هذا العام.

تعاني البلاد من شح كبير، في المواد النفطية، بعد تراجع الإمدادات من إيران، في حين فشلت الحكومة في التغلب على هذه الأزمة، لتأمين المحروقات المخصص للشتاء، المفترض توزيعها خلال هذه الفترة، في وقت وصل فيه سعر اللتر الواحدة من المازوت غير المدعوم إلى نحو 5000 ليرة.

تذهب بعض العائلات إلى الاعتماد على التيار الكهربائي للتدفئة، بعد فقدانهم الأمل في الحصول على محروقات تكفيهم خلال فصل الشتاء، إلا أن ساعات التقنين المتزايدة بشكل دوري، تشكل تحديا أمام العائلات التي تسعى لتأمين احتياجات التدفئة مع بدء انخفاض درجات الحرارة.

الحكومة السورية، كانت قد قلّصت حصة الأسرة من التدفئة، العام الماضي، من 200 لتر، إلى 50 لترا، والتوقعات هذا الشتاء تصب في عدم رفع الكمية، بدليل تأخر وصول رسائل تسليم المازوت بالسعر المدعوم، الأمر الذي دفع السوريين للبحث عن بدائل مبتكرة لمواجهة برد الشتاء.

في خضم هذه الأزمات، اتجهت بعض العائلات الميسورة إلى تخزين الحطب، لاستخدامه في مواجهة برد الشتاء، والذي شمله هو الآخر ارتفاع الأسعار خلال الأسابيع الماضية.

بالنظر إلى ارتفاع سعر الطن الواحد للحطب إلى 600 ألف ليرة وتوقعات تجار الأخشاب، الذين يؤكدون أن السعر لن يظل ثابتا بعد دخول فصل الشتاء، ولكنه سيشهد ارتفاعا يتناسب طردا مع موجات البرد والصقيع، لا تزال الأخشاب تتصدر قائمة وسائل التدفئة الأكثر سهولة في الاستعمال والأكثر دفئا، رغم أنها ليست الأكثر اقتصادا للجيب، وخاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المحدود.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

مع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

قد يهمك: صيانة السيارات في سوريا.. قطع الغيار تلهب الأسعار!

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجّلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، قبل أسابيع أشارت إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

جاء في الدراسة أيضا، “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.