قرار منظمة “أوبك بلس” الأخير بتخفيض إنتاج النفط انعكس بشكل سلبي على العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة والسعودية، ما دفع بالرئيس الأميركي، جوبايدن للحديث حول إعادة النظر في العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، في الوقت الذي يبدو فيه أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لديه نفس التوجه.

مراجعات في العلاقات

في تقرير مطول لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أشارت إلى أن قرار “أوبك بلس”، رفع أسعار النفط الخام، في وقت يشهد ارتفاع مستويات التضخم، وجاء قبل الانتخابات النصفية الأميركية مباشرة، كما اتُخذ القرار على الرغم من مناشدات الولايات المتحدة بالتأجيل، مضيفة أن الأمر وصل إلى “إجراءات انتقامية” لم يكن من الممكن تصوّرها الآن على الطاولة.

من اجتماع أوبك بلس الأخير “وكالات”

البيت الأبيض، أشار إن بايدن، يريد مراجعة ما إذا كانت العلاقة السعودية تخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. كما يقول المسؤولون السعوديون، إن الوقت قد حان الآن لهم لإعادة تقييم العلاقة الأميركية أيضا، مبينة أن الديبلوماسية بين البلدين قد تكون مدفوعة بالعداء بين بايدن وبين محمد بن سلمان، حيث “يسرع انعدام الثقة المستمر منذ سنوات مدفوعا بالقوى الجيوسياسية والاقتصادية”.

الصحيفة نقلت عن مسؤولين سعوديين، أن السعودية يمكن أن تبيع سندات الخزانة الأميركية التي تحتفظ بها إذا أقر الكونغرس تشريعا مناهضا لـ”أوبك”، وفقا لأشخاص مطّلعين على الأمر، وهذا الخَيار واحد من الخيارات المطروحة على الطاولة والتي يتم مناقشتها بين المسؤولين السعوديين.

 الصحيفة قالت، “يعلم السعوديون أنهم لا يستطيعون استبدال الولايات المتحدة كشريك أمني بين عشية وضحاها. بعد وقت قصير من الاجتماع في فيينا، التقى المسؤولون السعوديون بمراكز الفكر والمسؤولين الأميركيين من المستوى الأدنى لعرض قضيتهم. وقالوا إن واشنطن قللت من تقدير مدى مساعدة السعودية لأوكرانيا وفوجئوا برد الفعل الأميركي على قرار أوبك بلس، حسبما قال الحاضرون”.

إقرأ:ما موقف أميركا من السعودية بعد قرار “أوبك بلس”؟

ما هي سندات الخزينة

هي سندات دين حكومية تصدرها الحكومة الفيدرالية الأميركية، ولها آجال استحقاق تزيد عن 20 عاما، وتربح سندات الخزانة فائدة دورية حتى تاريخ الاستحقاق، وحين الاستحقاق يتم دفع المبلغ الأصلي للمالك.

 في الولايات المتحدة تعتبر سندات الخزانة جزء من فئة أكبر من الديون السيادية الأميركية، والتي تعتبر عادة استثمارا خاليا من المخاطر تقريبا لأنها مدعومة بقدرة الحكومة الأميركية على فرض ضرائب على مواطنيها.

بالنسبة للسعودية، ارتفعت حيازتها من سندات الخزانة الأميركية إلى 119.2 مليار دولار في حزيران/يونيو الماضي من 114.7 مليار دولار في أيار/مايو الماضي وفقا لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، وتعتبر السعودية في المركز السادس عشر لأكبر حاملي سندات الخزانة الأميركية، وفقا للبيانات الفيدرالية.

بيع السندات خسارة للحكومة الأميركية

بحسب موقع “إنفستوبيديا” الاقتصادي الأميركي، فإن إقدام مالك للسندات على بيع كميات كبيرة منها سيرفع الفائدة المستحقة على تلك السندات، مما يعني خسائر للحكومة الأميركية، لافتا إلى أن الصين تمتلك سندات خزانة بنحو ترليون دولار، وهي المالك الأكبر عالميا لسندات الخزانة الأميركية، ويثير امتلاكها لهذا الكم الكبير من السندات القلق من “تسليحها”، في حين أن حجم السندات الذي تمتلكه السعودية أصغر بكثير، ما يعني أن الضرر المتوقع سيكون أخف غالبا.

 في حالة الصين، سيضر انخفاض قيمة الدولار، المتأتي عن ارتفاع قيمة الفوائد، بالتجارة التي تمتلكها مع الولايات المتحدة، والتي تستفيد بشكل كبير من انخفاض قوة عملة بكين مقابل الدولار.

لكن في حالة السعودية، فقد بدا واضحا انخفاض التبادل التجاري بين البلدين، حيث يبيع السعوديون أقل من 500 ألف برميل نفط يوميا للولايات المتحدة، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، مقابل نحو مليوني برميل في الماضي.

الصحيفة تضيف أنه بالنسبة للسعوديين، فإن هزة مع الولايات المتحدة من شأنها أن تعرّض الأمن القومي وإصلاحات المملكة الاقتصادية الطموحة للخطر. كما أن التجارة المتبادلة والاستثمارات بقيمة مئات المليارات من الدولارات هي أيضا على المحك.

العلاقة السياسية والاقتصادية بين البلدين

على مدار عقود، كان الاقتصاد والأمن أهم ما يميز الحلف القوي بين الرياض وواشنطن، في علاقة استمرت خلال فترات رئاسة وحكم 15 رئيسا أميركيا وسبعة ملوك سعوديين، فمنذ الأربعينات نمت علاقة واشنطن مع الملوك السعوديين، ضمن فهم بأن الولايات المتحدة ستضمن سلامة أراضي السعودية وأن المملكة ستحافظ على تدفق النفط إلى اقتصاد عالمي تهيمن عليه أميركا.

لكن هذه الحسابات تغيرت بمرور الوقت، حيث تنقل الصحيفة عن مسؤولين سعوديين قولهم، إن العلاقة من منظور النفط والأمن فقط أصبحت “قديمة”، وأن للرياض أجندتها السياسية التي تريد تحقيقها.

بحسب الصحيفة، فإن الاختبار الكبير التالي للعلاقة بين البلدين في أوائل كانون الأول/ ديسمبر القادم، عندما تشتبك ثلاثة أحداث ذات أهمية كبيرة لأسواق الطاقة العالمية، هي اجتماع آخر لمنظمة “أوبك بلس”، مع خطط الاتحاد الأوروبي لفرض حظر على النفط الروسي، وخطط مجموعة الدول السبع الغنية لوضع حد أقصى لسعر الخام الروسي.

السعوديون أشاروا إلى أنهم قد يرفعون إنتاج النفط في ديسمبر إذا فقدت السوق النفط الروسي بسبب حظر الاتحاد الأوروبي أو الحد الأقصى لأسعار “جي 7″، وفقا لأشخاص داخل الحكومة السعودية، فيما يقول مسؤولون أميركيون، إن هذا سيكون اختبارا رئيسيا لموقف المملكة، سواء مع أوكرانيا وداعميها الغربيين أو مع روسيا، بحسب الصحيفة.

الصحيفة تشير إلى أن بايدن في حملته الانتخابية في عام 2020 كان يرى احتمالا قليلا لـ”استرداد السمعة الاجتماعية” بالنسبة للحكومة الحالية في السعودية، حيث تأثرت سمعة المملكة بعد اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلده في اسطنبول.

كما رفض التحدث إلى الأمير محمد لأكثر من عام، وعندما التقيا أخيرا في جدة في يوليو، شعر المسؤولون السعوديون الحاضرون بأن بايدن لا يريد أن يكون هناك، وفقا للصحيفة، ولم يكن مهتما بالمناقشات السياسية. وقال مسؤولون أميركيون إن بايدن كرس وقتا وطاقة كبيرين في الاجتماعات.

التهديدات ليست جديدة

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، توضح أن السعودية كانت أبلغت إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، وأعضاء الكونغرس أنها ستبيع أصولا أميركية بمئات المليارات من الدولارات تحتفظ بها المملكة، إذا أقر الكونغرس حينها مشروع قانون من شأنه أن يجعل الحكومة السعودية مسؤولة أمام المحاكم الأميركية بشأن هجمات 11 سبتمبر 2001.

في ذلك الوقت، ضغطت إدارة أوباما على الكونغرس لمنع تمرير القانون، وفقا لمسؤولي الإدارة ومساعدي الكونغرس من كلا الحزبين، وكانت التهديدات السعودية موضوع مناقشات مكثفة حينها بين المشرّعين والمسؤولين، من وزارة الخارجية والبنتاغون. وحذر المسؤولون أعضاء مجلس الشيوخ من تداعيات دبلوماسية واقتصادية من التشريع.

أيضا في ذلك الوقت، سلّم، عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، رسالة المملكة بشكل شخصي في مارس 2016 خلال رحلة إلى واشنطن، حيث أخبر المشرّعين، أن السعودية ستضطر إلى بيع ما يصل إلى 750 مليار دولار من سندات الخزانة، والأصول الأخرى في الولايات المتحدة قبل أن تقع تحت خطر التجميد من قبل المحاكم الأميركية.

العديد من الاقتصاديين، شككوا في أن السعوديين سينفذون تهديداتهم في ذلك الوقت، قائلين إن مثل هذا البيع سيكون من الصعب تنفيذه، وسيؤدي في النهاية إلى شل اقتصاد المملكة. لكن التهديد الذي أطلقته الرياض في 2016، اعتبر حينها علامة على التوترات المتصاعدة بين السعودية والولايات المتحدة.

خلاف عابر

مسؤولون سعوديون أكدوا أن قرار “أوبك بلس” بخفض الإنتاج، والذي تسبب بتوتر مع الولايات المتحدة، اقتصادي، والذي أدى إلى خلاف مع الولايات المتحدة يُعد “عابرا”، حيث قررت مجموعة “أوبك بلس”، المكونة من الدول الثلاث عشرة الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” بقيادة السعودية وشركائها العشرة بقيادة روسيا، قررت هذا الشهر خفض حصص إنتاج النفط بهدف دعم أسعار الخام التي كانت تتراجع، بحسب تقارير صحفية.

 البيت الأبيض اعتبر أن قرار خفض الانتاج الذي يصب في مصلحة موسكو، يعني أن الرياض قررت الوقوف إلى جانب روسيا فيما تحاول واشنطن حرمانها من مصادر دخلها خصوصا في قطاع الطاقة ردا على هجومها على أوكرانيا.

شركة أرامكو السعودية للنفط “وكالات”

وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، أكد في كلمة ضمن فعاليات النسخة السادسة من “مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار” المنعقدة في الرياض، اليوم الثلاثاء، أن المملكة تتواصل “مع العديد من الحكومات الأوروبية بخصوص الأزمة الحالية”، منوها إلى أن “الأزمة الحالية قد تكون أسوأ أزمة للطاقة”، مضيفا أن “الأمر لا يتعلق بالركود بل يتعلق بمدى خطورة الركود”.

الوزير السعودي، أشار إلى أن “السعودية هي أكثر مورّد للنفط يمكن الاعتماد عليه”، مؤكدا “شركة أرامكو كانت تزود أوروبا العام الماضي بنحو 490 ألف برميل، لكن الكمية بلغت في سبتمبر الماضي 950 ألف برميل”.

أما حول توتر العلاقات مع واشنطن أوضح الوزير بالقول، إن المملكة قررت أن تكون “الطرف الأوعى”، فيما أكد وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في تصريحات أمام “مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار”، اليوم الثلاثاء، أن الخلاف بين واشنطن والرياض “عابر”.

الفالح أوضح أمام المسؤولين التنفيذيين العالميين والمستثمرين والمسؤولين الحكوميين السعوديين، إنه “على المدى الطويل نحن حليفان قويان… سنجتاز الخلاف الأخير الذي أعتقد أنه كان غير مبرر وآمل أن يكون سوء تفاهم”، مشيرا إلى الروابط القوية بين البلدين في مجالات الشركات والتعليم والعلاقات بين الأفراد.

 السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة، الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود، في مقابلة مع شبكة “سي أن أن”، قالت إن الرياض وواشنطن، تجاوزتا خلافات في الماضي، مشيرة إلى أن الأمر ذاته سيحصل فيما يخص التوتر الأخير.

السفيرة السعودية قالت، “من الواضح أننا وصلنا إلى نقطة الخلاف، وقد حاول الكثير من الناس تسييس ذلك، الأمر ليس سياسيا، وإنما هو اقتصادي بحت ويستند إلى خبرة 40 أو 50 عاما من تحديد خريطة التوجهات. نحن لا ننخرط في سياسة أي شخص. نحن نشارك ببساطة كميزان قوى وعامل استقرار للاقتصاد من خلال سوق الطاقة كما فعلنا ذلك تاريخيا”.

أما حول الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأميركية للسعودية بـ”الانحياز لروسيا” بعد خطوة “أوبك بلس”، قالت السفيرة السعودية، “لدى المملكة سياسة التعامل مع الجميع، أولئك الذين نتفق معهم، والذين لا نتفق معهم”، مشيرة إلى أن العلاقة التي تربط السعودية بروسيا هي التي سمحت بإطلاق سراح أسرى حرب، من بينهم أميركيون.

السفيرة السعودية أضافت، “نحن ننظر إلى دورنا كوسيط ومحاور”، مشيرة إلى الدعم الإنساني الذي قدمته الرياض لأوكرانيا فيما يخص المساعدات ودعم اللاجئين، وقالت إن “هذه هي قيمة مشاركتنا. هل هذا انحياز لروسيا؟ لا”.

كما أكدت أن، “الخلاف أمر لا بأس به.. لقد اختلفنا في الماضي، واتفقنا في الماضي، ولكن الشيء المهم هو إدراك قيمة هذه العلاقة”.

السفيرة السعودية، نفت كذلك أن تكون السعودية قادرة على الاستغناء عن الولايات المتحدة، قائلة، “لا يمكن للعالم الاستغناء عن العلاقة مع الولايات المتحدة. لا شك في ذلك. الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة، لمدة 80 عاما كانت حليفتنا الاستراتيجية، ولمدة 80 عاما كانت شريكتنا. أسمع الكثير من الناس يتحدثون عن إصلاح أو مراجعة العلاقة، وأعتقد في الواقع أن هذا أمر إيجابي، هذه المملكة ليست المملكة التي كانت عليها قبل 5 سنوات، إنها ليست المملكة التي كانت عليها قبل 10 سنوات”.

إقرأ أيضا:هل تنجح إيران باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية؟

علاقات تاريخية واستراتيجية جمعت الولايات المتحدة والسعودية، تخللها في بعض الأوقات خلافات لكنها لم تؤد يوما إلى قطيعة في العلاقة بينهما، ومن المستبعد أن يؤدي الخلاف الأخير إلى ذلك، فكل من الطرفين يدرك أن استمرار التحالف بينهما مهم للغاية في الظروف الحالية، وما يجري من تداعيات للغزو الروسي لأوكرانيا، والملف النووي الإيراني، وأزمة الطاقة العالمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.