لم يمضي الكثير على اتضاح ضلوع طهران في الغزو الروسي لأوكرانيا من خلال تزويد موسكو بطائرات مسيّرة من دون طيار، وهو ما أثار لغط دولي واسع ووضع إيران تحت عقوبات غربية جديدة، عادت قضية المسيّرات الإيرانية لتُشعل خلاف جديدا لكن هذه المرة مع المغرب وعلى حدود القارة الإفريقية.

على نحو مفاجئ هددت الرباط يوم أمس الخميس، باتخاذ “رد قوي ومناسب” في حال استعمال جبهة “البوليساريو طائرات مسيّرة إيرانية لتهديد سلامة وأمن أراضيها، متّهمة طهران بـ“زعزعة استقرار” المنطقة.

تهديدات المغرب المفاجئة جات على خلفية اتهام وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة قبل نحو أسبوعين، إيران بـ “تهديد السلم الإقليمي والدولي“، معتبرا أنها أضحت هي “الراعي الرسمي للانفصال ودعم الجماعات الإرهابية في عدد من الدول العربية“.

“البوليساريو” هي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهي حركة تحررية صحراوية تأسست في 20 مايو 1973، وتسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تعتبره استعمارا مغربيا، في حين تصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسّعا تحت سيادتها.

هذا الخلاف بين المغرب و“البوليساريو” الذي بدأ منذ العام 1975، تحديدا بعد الاحتلال الإسباني ووجوده في المنطقة، والذي تحول إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، عاد ليتجدد في الوقت الحالي على خلفية تزويد إيران للحركة بطائرات من دون طيار، وفق ما أكده سفير المغرب الدائم في الأمم المتحدة عمر هلال، أمس الخميس.

اقرأ/ي أيضا: تطور صناعة التكنولوجيا في الشرق الأوسط.. السيناريوهات والتوقعات؟

تحذيرات مغربية

حديث هلال الذي جاء دون تفاصيل واسعة، حذر من خلاله “استخدام جبهة البوليساريو لطائرات مسيّرة إيرانية لتهديد أمن وسلامة المغرب“، مؤكدا أن بلاده “ستتصرف بقوة وستكون هناك عواقب وخيمة على جبهة البوليساريو“.

لم يقدم هلال تفاصيل أخرى عن طبيعة الرد المغربي في حال استعمال الطائرات المسيّرة الإيرانية، إلا أنه أكد أن “الأمر سيترك للقوات المسلحة الملكية لتحديد كيفية الرد“، واصفا تزويد “البوليساريو” بتلك الطائرات بـ” الخطير جدا“.

في سياق اتهامه إيران، عرض هلال صورا لطائرات مسيّرة قال إن طهران سلمتها إلى جبهة “البوليساريو“، لافتاً إلى أن سعرها يتراوح بين 20 و22 ألف دولار، وأن شراء طائرة واحدة كفيل بإطعام 300 شخص في السنة في مخيمات تندوف (جنوب الجزائر) وتقديم العلاج لـ 500 شخص وتعليم 120 طفلا.

بالمقابل، ورغم أن إيران حرصت، في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، في إطار ردها على اتهامات مغربية مماثلة للاتهامات الحالية، على نفي الاتهامات المغربية، واستنكرت تصريحات الوزير المغربي؛ إلا أن هناك شواهد عديدة تكشف عن مساعي إيران لتعزيز علاقاتها مع جبهة “البوليساريو“، كما يرى الخبير السياسي كرم سعيد في مقال نُشر على موقع “الحائط العربي“.

وجهة نظر سعيد تأتي من منطلق أن الدعم المباشر الذي تقدمه إيران إلى الجبهة داخل المنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، تؤكد تلك المساعي، حيث أكد المستشار الأول للبعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة محمد رضا سهرايي، في 17 مارس 2021، أن بلاده تقف إلى جانب ما أسماه “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير“، داعيا المغرب إلى “وقف انتهاكاته لحقوق الإنسان بالأجزاء المحتلة“.

اقرأ/ي أيضا: تحركات عسكرية يابانية.. ما علاقة الصين؟

تأكيدات

الخبير السياسي شرح ذلك بالقول، إنه “لا يبدو أن الدعم الذي تقدمه إيران إلى جبهة البوليساريو يقتصر على المجال السياسي، وإنما يمتد إلى المجال العسكري، حيث تشير تقارير عديدة إلى أن إيران ما زالت حريصة على تقديم دعم عسكري للجبهة عن طريق إرسال خبراء ومعدات عسكرية، وفي الصدارة منها الطائرات المسيّرة“.

سعيد أضاف، “في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن وزير داخلية ما يسمى الجمهورية الصحراوية عمر منصور، أكد خلال زيارته إلى موريتانيا في 2 أكتوبر الجاري، اقتراب حصول “البوليساريو” على طائرات مسيّرة، وهو ما أثار شكوكا مغربية حول استمرار الدعم الإيراني للجبهة. ويبدو أن إيران تعتمد في تقديم هذا الدعم على حزب الله اللبناني، على غرار ما يقوم به الحزب في دول أخرى، حيث يقدم خبراته العسكرية إلى المليشيات المسلحة والانفصالية، وذلك بهدف خدمة المصالح الإيرانية وتهيئة المجال أمام توسيع نطاق نفوذ إيران على الساحة الإقليمية“.

عن دوافع التدخلات الإيرانية في الصحراء الغربية، أوضح الخبير السياسي، أن ذلك “يرتبط بمساعي إيران إلى بناء محور مناهض للسياسات المغربية في المنطقة، وذلك من خلال توثيق التحالف الإيراني مع بعض دول شمال إفريقيا، وخاصة الجزائر“، مشيرا إلى أن ذلك “ظهر في الإعلان عن قرب تأسيس مجموعة الصداقة الإيرانية-الجزائرية في 7 فبراير الماضي. وقد كان لافتا أن إيران حرصت على تأييد موقف الجزائر بعد قيامها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، حيث اعتبر السفير الإيراني لدى الجزائر حسين مشعلجي زاده، في 27 أغسطس 2021، أن الاهتمام يجب أن يتركز حول أسباب اتخاذ القرار وليس القرار في حد ذاته“.

على ضوء ذلك، يرى سعيد أنه “في النهاية إن الاتهامات المغربية ضد إيران بدعم جبهة البوليساريو في هذا التوقيت سوف تؤدي إلى زيادة الضغوط الإقليمية والدولية المفروضة حاليا على إيران، لا سيما في ظل تعثر المفاوضات النووية التي تجري في فيينا بين إيران والقوى الدولية، بسبب استمرار الخلافات حول العديد من الملفات الرئيسية، وتصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد منذ 16 سبتمبر الفائت، اعتراضا على وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني على أيدي عناصر من شرطة الإرشاد، فضلاً عن تزايد الإدانات العربية والإقليمية والدولية للهجمات العسكرية التي تشنها إيران في شمال العراق“.

وفي الربع الأول من الشهر الجاري، كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوربطة، قد قال في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك بالرباط، إن “طهران، بتبنيها لفاعلين غير حكوميين مسلحين، أصبحت تهدد السلم الإقليمي والدولي، عن طريق حصول هؤلاء الفاعلين على أسلحة وتقنيات متطورة، على غرار الطائرات المسيّرة“.

المجتمع الدولي مسؤول

الوزير بوريطة، حمّل المجتمع الدولي مسؤولية تطور الأوضاع في حال عدم تصديه للجانب الإيراني، معتبرا أن إيران “هي الممول والداعم الرسمي للانفصال والجماعات الإرهابية عبر تسهيل حصولهم على أسلحة متطورة، فضلاً عن تدخل طهران في الشؤون الداخلية للدول العربية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق جماعات إرهابية مسلحة“. وأضاف، “المغرب بدوره يعاني مما تقوم به إيران بهذا التدخل“.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تتهم بها المغرب إيران في الضلوع بنشاطات عسكرية من شأنها أن تحدث حالة من الفوضى بينها و“البوليساريو“، حيث قطعت الرباط علاقاتها الدبلوماسية بطهران عام 2018، بعد اتهامات لـ “حزب الله” اللبناني المدعوم إيرانيا بالانخراط في علاقة “عسكرية” مع “البوليساريو”، عبر سفارة طهران بالجزائر.

حيث سبق للمغرب أن اتخذ قرارا مشابها عام 2009 ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضم مملكة البحرين إلى أراضيها، وهي القطيعة التي استمرت حتى تشرين الأول/أكتوبر عام 2016، بعدها عيّنت المغرب سفيرا لها في طهران.

وحينها اعتبرت الخارجية الإيرانية أن “المغرب يصدر مزاعم ليس لها أساس من الصحة، بل إنها اجترار للاتهامات ضد إيران من قبل الذين يرغبون في بث الشقاق والفرقة في العالم الإسلامي“.

غير أن التهديدات المغربية تأتي هذه المرة بالتزامن مع تداول تقارير استخباراتية، خلال الأيام الماضية، حول تسليم إيران جبهة “البوليساريو” طائرات مسيّرة لضرب المغرب.

ما يثير التكهنات حول الموضوع أيضا، أن عضو الأمانة العامة للجبهة الانفصالية، عمر منصور، قد قال خلال زيارته الشهر الماضي لموريتانيا، إن “البوليساريو” تعتزم استعمال طائرات مسيّرة مسلحة ضد الجيش المغربي المرابط على طول الجدار الأمني المغربي في الصحراء.

إلى ذلك، اتهم الدبلوماسي المغربي إيران بتسليح “البوليساريو” بأسلحة متطورة بينها طائرات مسيّرة، لافتا إلى أن طهران و“حزب الله” اللبناني، انتقلا الآن من التدريب إلى تسليح الجبهة الانفصالية، و“هو أمر خطير جدا، إذ بعدما عملا على زعزعة استقرار اليمن وسورية والعراق، يعملان الآن على زعزعة استقرار منطقتنا“.

اقرأ/ي أيضا: ما أهمية خيرسون الأوكرانية في المعركة الفاصلة للغزو الروسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة