في الوقت الذي لا يزال المشهد فيه سوداويا بلبنان بشأن إمكان تأليف حكومة جديدة في ظل الخلاف المستمر بين رئيس البلاد ميشال عون، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والصراع على الحصص الوزارية واتهامات الرئيس عون المباشرة لميقاتي بأنه غير راغب في التشكيل، أثار تصريح رئيس الجمهورية بأنه “على وشك توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة”، الجدل حول ذلك.. فما دلالات ذلك؟

بداية كان الرئس عون قد أكد يوم أمس الخميس خلال تصريحات صحفية أنه “على وشك توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة نجيب ميقاتي، والحكومة الحالية لا تتمتّع بالثقة ولا يُمكنها أن تحكم، كما أنه لا إرادة لميقاتي بتأليف حكومة ويجب أن يكون هناك وحدة في معايير التشكيل”، مشيرا إلى أنه “سأعطي فرصة إلى حين نهاية ولايتي”.

حديث الرئيس المبهم للغالبية، دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لإصدار بيان حول ذلك، قال فيه: “تابعت ما قاله فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حديثه التلفزيوني مساء أمس، وأشار فخامته القول إن الدستور هو الحكَم والفصل في كل القضايا”، مبينا أنه “بشأن ما تحدث عنه فخامته من مسائل خاصة ووقائع مجتزأة ومحرفة او غير صحيحة، فاكتفى بالقول بأسف: أحيانا تخون كبارنا الذاكرة فتختلط الوقائع بالتمنيات والحقائق بالأوهام”.

يأتي ذلك في وقت بدأ العد العكسي لانتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون  في 31 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ومعه التعداد الزمني لإمكان تأليف حكومة جديدة، الذي يسقط في التاريخ نفسه في حال لم يتمكن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من إنجاز عملية التشكيل، وهو السيناريو الأرجح، علما أن هناك تعويلاً سياسيا تبعا للتجربة اللبنانية على الربع ساعة الأخير، خصوصا مع استمرار مساعي “حزب الله” لحل العقد الحكومية.

تلويحات الرئيس عون بتوقيع استقالة حكومة ميقاتي، وضعت في خانة الضغط السياسي لكي يقبل ميقاتي تشكيل حكومة تراعي وحدة المعايير، التي هي بالنسبة إلى عون ترك باسيل يختار الوزارات التي يريدها والأسماء الوزارية، على غرار ما فعل رئيس البرلمان نبيه بري وأحزاب أخرى، علما أن باسيل يضغط لتعيين حزبيين في الحكومة الجديدة وتوسيع حصته وقراره فيها، باعتبار أنها ستتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية.

اقرأ/ي أيضا: ما أهمية خيرسون الأوكرانية في المعركة الفاصلة للغزو الروسي؟

صراع سياسي

ما يجري في بين الرئيسين هو في سياق صراع طويل دخلت لبنان من أشهر على إثره أزمة سياسية مستعصية حتى الآن، والتي تسببت في تعطيل تأليف حكومة جديدة بعد الانتخابات الأخيرة، بسبب الخلافات بشأن الحصص، فيها بخفض الشروط والمطالب التي رفعها رئيس الجمهورية للموافقة على توقيع مرسوم تشكيلها مع ميقاتي وفقا لما ينص عليه الدستور. وهي شروط أكثر من يلح عليها صهر الرئيس عون، رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.

تلويحات عون تأتي مع توقعات الفرقاء السياسيين في لبنان بأنهم سينجحون في انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية عون، نهاية هذا الشهر، وهو ما أدى إلى بدء السجال حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال في ضوء الخلاف والاختلاف في تفسير الدستور الذي ينص على أن الحكومة مجتمعة تتولى صلاحية الرئيس في حال دخل لبنان مرحلة الفراغ الرئاسي. 

لكن هناك من يعتبر أن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها القيام بهذا الدور، وهي وجهة النظر التي يرفعها فريق الرئيس و”التيار الوطني الحر” الموالي له، فيما يرى الفريق الآخر؛ أي ميقاتي وبعض المؤيدين له، أن الدستور لا يقبل الفراغ، وهو لم يتطرق إلى شكل الحكومة، ومن ثم على مجلس الوزراء أن يتولى هذه الصلاحيات، بغض النظر عما إذا كانت حكومة كاملة الصلاحيات أو تصريف الأعمال.

في ظل هذا الواقع، تشير المعلومات إلى أن رئيس “التيار” النائب جبران باسيل يتجّه لرفض مشاركة الوزراء المحسوبين عليه في جلسات الحكومة، إذا جرت الدعوة لها، في مرحلة الفراغ الرئاسي، وهو ما قد يَحول دون قدرة مجلس الوزراء على اتخاذ أية قرارات هي من صلاحيات الرئيس، انطلاقا من الدستور الذي ينص على أن الحكومة مجتمعةً تتولى هذه الصلاحيات وتأخذ القرارات.

إضافة إلى تلك الخطوات التي يعتزمها وزراء “التيار” فأن هناك من فسر حديث الرئيس عون بعزمه توقيع استقالة حكومة ميقاتي مع اقتراب انتهاء ولايته، وهو لأجل وضع ميقاتي أمام خيارين أمام القبول بتأليف حكومة راعي رغبات جبران باسيل صهر الرئيس عون، أو لقطع الطريق أمامه في تولي صلاحيات رئاسة الجمهورية. 

اقرأ/ي أيضا: علاقات متوترة بين المغرب وإيران.. ما الأسباب؟

الرئيس اللبناني والضغوط السياسية

في تعليقات حول تلويحات الرئيس عون، قال الوزير اللبناني الأسبق المحامي رشيد درباس، لـ”العربي الجديد”، إن “الرئيس المكلف لم يقدّم استقالته حتى يقبلها رئيس الجمهورية، إذ إن استقالة حكومة نجيب ميقاتي ليست عملاً إرادياً إفرادياً تم من قبل رئيس الحكومة بل هي استقالة بحكم الدستور الذي نصّ على حالات تعتبر فيها الحكومة مستقيلة من خارج إرادة رئيسها”.

 درباس يلفت أيضا إلى أن “الحكومة تعتبر مستقيلة في حال مات رئيسها، أو انتخب مجلس نيابي جديد، أو استقال أكثر من ثلث أعضائها، وهذه استقالة حكمية غير مرهونة بإرادة رئيس الحكومة، وعليه، فإن ميقاتي لم يقدم استقالته، وقبولها بالتالي في غير محله”.

من ناحية ثانية، يشير درباس إلى أنه “بحكم الدستور والقانون، فإن الحكومة المستقيلة تبقى تصرّف الأعمال حتى تشكل حكومة جديدة، والدستور سواء عن قصدٍ أو عن خبرة فإنه أهمل أمر إدارة البلاد، فالمرفق العام لا يتعطل على الإطلاق، والدولة هي أكبر المرافق العامة، والحكومة هي التي تديرها، وعليه، فإن مسؤولية إدارة الدولة تبقى قائمة حتى تشكيل حكومة جديدة وكل قول آخر هو من خارج السياق”.

بالتالي، يضع الوزير اللبناني الأسبق هذه المواقف في إطار الضغط لتحصيل المطالب الحكومية وفي خانة المناكفات السياسية، ويرى أنه عندما يعلن عون رفض تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته فقد أصبح الموقف شخصيا، ومرده الكيد السياسي لا الحنكة القانونية، ولا يغير في الأمر شيء لأن المرفق العام لا يتوقف.

 درباس يردف بالقول: “رئيس الجمهورية عندما يقبل الاستقالة عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا الأمر بروتوكولي من أجل تشكيل الحكومة، كما أن رئيس الجمهورية لا يعيّن الرئيس المكلف، بل يجري الاستشارات النيابية الملزمة، ويوقع مرسوم تشكيل الحكومة، لكنه لم ينشئ هذه الواقعة بل أعلنها وذلك إفصاحاً عن إرادة مجلس النواب الذي اختار هذه الشخصية لتكليفها بتشكيل الحكومة، وعليه فإن قبول الاستقالة لا مفاعيل إنشائية له بل هو إعلاني فقط”.

ثوابت دستورية

كما يرى أن “هناك أطرا دستورية يمكن أن يلجأ إليها التيار الوطني الحر خصوصا أنه يملك كتلة برلمانية وازنة، ويمكن أن يستقيل وزراؤه من الحكومة، لكن من المستبعد أن يتضامن معه حزب الله، الأمر الذي لن يؤثر على الحكومة، وفي حال جمّع الاستقالات المطلوبة، فإن الحكومة وإن لن تجتمع فكل وزير يقوم بعمله”.

في السياق، الوزير السابق بطرس حرب أكد في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي، أن “تطبيق العرف الدستوري في لبنان كان يحصل عادة عندما تستقيل حكومة أو تُعتبر مستقيلة، حيث يقوم رئيس الجمهورية باستشاراته لتكليف شخصية لتشكيل حكومة جديدة. وعندما تكتمل الحكومة، كان العُرف يقول بأن يوم يتفق رئيسا الجمهورية والوزراء المكلف على التشكيلة، يُصدر الرئيس مرسوما بقبول أو باعتبار الحكومة الموجودة مستقيلة، ومرسوما آخر بتكليف الشخصية المعينة، ومرسوما ثالثا باسم الحكومة. أما إصدار بيان بأن الحكومة مستقيلة وبأنه تم تكليف شخصية معينة، فهذا ليس بمرسوم”.

ويضيف: السؤال المطروح، هل المرسوم الذي سيصدره الرئيس عون، حسب ما يتردد في الإعلام، باعتبار الحكومة مستقيلة، ينشئ ام يعلن حالة؟ مبينا أن الفرق كبير جدا بين إعلان حالة والمقصود بذلك أن هذه الحالة أصبحت موجودة، وبين إنشاء حالة من خلال المرسوم”.

حرب تابع: “برأيي المرسوم الذي سيصدر ليس إلا إعلان حالة معينة لا يُغير شيئا في الوضع الدستوري، لا للحكومة ولا للرئيس. بمعنى آخر أن إصدار هذا المرسوم لا يعني أن الحكومة ستكف حكما عن ممارسة واجباتها في تصريف أمور البلاد، بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”، مؤكدا أن “كل كلمة تقال في غير ذلك هي اجتهاد في غير محله وتزوير للواقع الدستوري”.

وعن قيمة المرسوم الدستورية، يجيب حرب: “بالطبع له قيمته الدستورية والتي تعني تكريس الواقع الذي نص عليه الدستور”، شيرا إلى أن “الدستور يقول أن عند إجراء انتخابات نيابية تعتبر الحكومة مستقيلة، وصدور المرسوم هو إعلان وتكريس لهذا الواقع ولا يضيف جديدا على الموضوع السياسي إطلاقا”.

اقرأ/ي أيضا: الصراع على قيادة “القاعدة”.. تفكك التنظيم أم نهايته؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.