نتيجة التحذيرات التي أطلقتها بعض الجهات من احتمال حدوث “انفجار شعبي” في مصر، أدى إلى تأجيل قرار رفع الدعم النهائي عن الخبز والإمدادات الغذائية والطاقة، الأمر الذي تسبب في عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالشكل الذي يرغب فيه الحكومة المصرية.

هذا وبعد جولة مفاوضات كثيفة استمرت لنحو 7 أشهر، تم الإعلان الخميس الماضي عن القرض المقدم من صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية، وهو ما أثار التساؤلات بشأن انخفاض قيمة القرض إلى 3 مليارات دولار، إضافة إلى مليار آخر من صندوق التنمية المستدامة، وحزمة تمويلية من شركاء التنمية، مقدرة بـ5 مليارات دولار.

في حين أن الحكومة المصرية كانت على وشك تنفيذ كامل شروط صندوق النقد، بما فيها إلغاء الدعم، من أجل الحصول على القرض الذي كان يُقدّر بـ20 مليار دولار، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة، بناء على توجيهات رئاسية، جاءت بسبب الخوف من الغضب الشعبي. كما أن المؤسسة العسكرية المصرية، حذرت بعدم إلغاء الدعم نهائيا عن المواطنين، لتفادي حالة التأجيج الشعبي.

أسباب الانخفاض

مصادر اقتصادية دولية، وأخرى دبلوماسية غربية، إلى أن جهات توصف في مصر بـ”السيادية”، رفعت تقارير إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تحذر من غضب شعبي واسع المجال، قد يقع في حال اتخذت الحكومة إجراءات اقتصادية إضافية من شأنها زيادة العبء على كاهل المواطنين، مثل رفع الدعم نهائيا، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، وفق تقرير لموقع “العربي الجديد”.

كما أن المؤسسة العسكرية، شددت على ضرورة عدم إلغاء الدعم نهائيا عن المواطنين، وأنه يجب على مصر الحفاظ على مشروعاتها الاقتصادية الكبرى، وعدم طرحها للبيع كما كانت تخطط الحكومة، من أجل تنفيذ أجندة صندوق النقد.

هذا وكانت الحكومة المصرية قد دخلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بسقف طموحات مرتفع، بشأن قيمة القرض الذي ترغب في الحصول عليه. وفق تقارير صحفية، فإن القاهرة “بدأت المفاوضات بطلب قرض بقيمة 20 مليار دولار، قبل أن تنخفض القيمة تدريجيا خلال جولات المفاوضات، لتصل إلى الرقم المعلن عنه خلال المؤتمر الصحافي الخميس الماضي، والمقدر بـ3 مليارات مباشرة من الصندوق”.

في منتصف حزيران/يونيو الماضي، ذكر وزير المالية المصري محمد معيط، أن الموازنة الجديدة تتضمن تخصيص 356 مليار جنيه (15 مليار دولار) لباب الدعم والحماية الاجتماعية، تضمنت تخصيص 90 مليار جنيه (حوالي 4 مليارات دولار) لدعم السلع التموينية ورغيف الخبز لضمان توفرها لنحو 71 مليون مواطن، و22 مليار جنيه لبرنامج “تكافل وكرامة”، تتضمن زيادة المستفيدين من البرنامج لأربعة ملايين أسرة.

الحكومة المصرية كانت قد نفت يوم أمس الأحد، ما تردد من أنباء بشأن عزمها إلغاء الدعم الحكومي عن مادة الخبز وتحويله إلى دعم نقدي، تزامنا مع الأزمة الاقتصادية العالمية. وأكدت وزارة التموين والتجارة الداخلية، استمرار الدعم العيني للخبز كما هو من دون أي تغيير في المنظومة، حيث يتم صرف الخبز المدعم للمواطنين على البطاقات التموينية بواقع 5 أرغفة يوميا لكل فرد بمعدل 150 رغيفا للمواطن شهريا.

قد يهمك: فرص النمو والتضخم.. ما التأثيرات المتضاربة للنشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط؟

قروض مصر

في سياق إعلان مصر يوم الخميس الفائت، التوصل لاتفاق للحصول على قروض بقيمة 9 مليارات دولار، من الدول الشريكة للتنمية؛ لتمويل الموازنة المصرية، جاء ذلك بعد إصدار البنك المركزي المصري، حزمة قرارات أهمها؛ زيادة سعر الفائدة 200 نقطة أساس، وتحديد نظام سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية، وإلغاء تدريجي للتعليمات الصادرة بشأن الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، إضافة إلى تطوير سوق المشتقات المالية لتعميق سوق الصرف الأجنبي.

حيث قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في اجتماع استثنائي رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13.25 بالمئة و14.25 بالمئة و13.75بالمئة على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13.75 بالمئة.

بدورهم، المحللون الاقتصاديون، أوضحوا حيال هذا القرار بأن البنك المركزي المصري أصدر عدة قرارات استباقية قبل موافقة صندوق النقد الدولي على إقراض مصر، وهذا ما يؤكد جديته في تبني نظام سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية، وزيادة أسعار الفائدة لتصبح متطابقة مع مستهدف البنك المركزي البالغ 7 بالمئة (±2 بالمئة) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، وكذلك للحد من التضخم المتوقع مع تحرير سعر الصرف، مضيفة أنه كان من المتوقع أن يتزامن مع إصدار هذه القرارات، موافقة الصندوق على إقراض مصر مثلما حدث عام 2016، بحسب تقرير لـ”سي إن إن” بالعربية.

هذا وأقرض صندوق النقد الدولي مصر مرتين خلال آخر 6 سنوات؛ الأولى في عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي، والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة “كوفيد-19″، واستكملت بقرض جديد بقيمة 5.2 مليارات دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني.

بحسب الخبراء، فإن أهمية إصدار هذه القرارات تأتي في تحقيق نتائج إيجابية على الاقتصاد المصري، موضحين أن هناك عدة قرارات صدرت خلال الفترة الماضية كانت بمثابة “مسكنات” ولكن لم تكن هناك حلولا لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وتعتبر هذه القرارات بداية لحل الأزمة، غير أن الخبراء أشاروا إلى تأثير سلبي للقرارات على مستوى التضخم ليصبح في المتوسط 18 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، على أن ينخفض إلى 16 بالمئة بداية من شهر مارس عام 2023 لاختلاف سنة الأساس.

هذا وسجل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية، خلال شهر سبتمبر الماضي، أعلى مستوى له في 4 سنوات وبلغ 15 بالمئة.

كما وأصدر بنكا “الأهلي” و”مصر”، شهادات ادخار لمدة 3 سنوات بعائد سنوي 17.25 بالمئة، كما قررت زيادة سعر العائد على الشهادة البلاتينية 3 سنوات لتصبح بعائد 16 بالمئة، اعتبارا من الخميس للشهادات الجديدة أو المجددة تلقائيا. وسجل سعر صرف الدولار 22.5 جنيه للشراء، و22.6 جنيه للبيع بالبنك “الأهلي” المصري.

قد يهمك: العاصمة الأوكرانية بلا كهرباء.. ما تبعات بدء روسيا ضرب المنشآت الحيوية؟

للقضاء على السوق الموازية؟

في سياق موازٍ، ووفق خبراء الأسواق المالية بمصر، فإن البنك المركزي المصري يعيد تكرار تجربته السابقة مع صندوق النقد الدولي عام 2016، مبينين أن البنك أصدر نفس القرارات وقت حصول على قرض الصندوق في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016 وهي تحرير سعر صرف الجنيه للقضاء على السوق الموازية، وزيادة سعر الفائدة، وإصدار شهادات ادخار بفائدة مرتفعة للحد من السيولة.

محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله يغادر بعد حديثه خلال الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي في واشنطن “أ ف ب”

بحسب ذات الخبراء لشبكة “سي إن إن” بالعربية، فإن قرارات البنك المركزي انعكست إيجابيا على أداء سوق المال المصري، والتي حققت صعودا قويا لكل المؤشرات، وعودة مشتريات الأجانب مرة ثانية، لثقتهم في أداء الاقتصاد المصري بعد موافقة صندوق النقد الدولي المرتقبة على إقراض مصر.

كما أن تبعات قرارات البنك المركزي ستسهم في جذب استثمارات أجنبية مرة ثانية تعيد بناء الاحتياطي النقدي الأجنبي مثلما حدث عام 2016، وانتعاش سوق المال مرة ثانية مما يسمح للحكومة باستئناف برنامج الطروحات الحكومية، وتحقيق عائد مرتفع منها، في المقابل سترتفع معدلات التضخم لمستويات قياسية مما يتطلب من البنك المركزي التدخل للسيطرة عليه.

قد يهمك: ما مدى إمكانية تنظيم حكومة العراق الجديدة لانتخابات مبكرة خلال عام؟

أرقام كبيرة جاهزة للاقتراض

في المقابل، عبرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز” عقب اجتماعات مع وفدين من مصر وتونس، منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عن ثقتها في أن الصندوق سيدعم القاهرة وتونس.

غورغيفا أردفت في حديثها، أن “صندوق النقد الدولي قدم نحو 90 مليار دولار إلى 16 دولة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن لا يزال في حوزته 700 مليار دولار للإقراض، ويلاحظ الآن زيادة عدد البلدان التي تطلب المساعدة”، مشيرة إلى أن “الصندوق لا يزال أمامه أكثر من 28 طلبا قيد الدراسة”.

بحسب تقرير لموقع “اندبندنت”، فإن هناك أهمية الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي في دعم الاقتصاد المصري أمام جميع المؤسسات المالية الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني، كما أن ذلك سيفتح الباب أمام المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات جديدة تدعم الاقتصاد وتوفر العملات الأجنبية من حصيلة الصادرات، علاوة على توفير فرص عمل كثيفة، وفق خبراء اقتصاديين.

إزاء ذلك، طالب رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، بالسرعة في خصخصة كل الشركات الحكومية لتقوية القطاع الخاص وزيادة إقباله على الاستثمار وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي، مشيرا إلى أن الدولة تأخرت في ذلك.

ساويرس أفاد في تصريحات إعلامية “أي شركة حكومية يريد القطاع الخاص المصري أو الأجنبي الاستثمار فيها نطرحها للبيع فورا لدعم رصيد مصر من العملة الأجنبية، بما يؤدي إلى دفع المديونيات وزيادة العملة الصعبة وفرص العمل”.

ساويرس أشار إلى أن “المستثمر يدفع ثمن الشركة بالدولار الأميركي ويكبرها ويفتح فرص عمل جديدة، ونحن نحتاج إلى الدولار كي يستقر سعر الصرف. والأهم من سعر الدولار هو وجوده”.

من جانب آخر، يرجح المراقبون أن قرار رفع أسعار الفائدة بالقطع سيؤدي لزيادة كبيرة في أسعار السلع وخاصة المستوردة، وحتى السلع المحلية سترتفع أسعارها نظرا لزيادة التكاليف. كما أن هذا القرار حتما سيكون له تبعات وآثار تضخمية كبيرة فإنه تم زيادة أسعار الفائدة بالتزامن، كما أن القرار استبقه قرار من الحكومة بحزمة حماية اجتماعية تتمثل في رفع الحد الأدنى للأجور من 2700 إلى 3000 جنيها، وكذلك طرحت البنوك الحكومية شهادات استثمار بعائدات كبيرة لتحد من صدمة القرار.

هذا ويبدو أن قرارات المركزي هي مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الاقتصادي في مصر، ويتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي على القرض الجديد لمصر في أقرب وقت ممكن، لأن أحد أهم معوقات القرض كانت رؤية الصندوق، أن قيمة الجنيه أكبر من الحقيقة، وأن السعر غير مرن وغير محرر، على حد تقدير وتوقعات الخبراء.


قد يهمك: ما الذي يمكن أن يحققه الشرق الأوسط من استضافة قمم المناخ العالمية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.