اليوم الثلاثاء، في قمة تستضيفها الجزائر هي الأولى بعد غياب عربي استمر 3 سنوات، في وقت تشهد فيه المنطقة استمرار الانقسامات حول الصراعات التي تلفها، خصوصا في سوريا وليبيا، فإنه من المتوقع أن يشارك 17 من القادة العرب في القمة التي ستُقام في الجزائر يومي الأول والثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، والتي تعقد تحت شعار “لم الشمل”.

الملف السوري يطرح نفسه في قمة الجزائر بالرغم من عدم مشاركة سوريا. ومن المتوقع أن تحاول القمة العربية إيجاد حل لمعضلة عودة سوريا بعضويتها كما كانت؛ خاصة وأن بوادر انفتاح البلدان الخليجية على دمشق قد تعددت مؤخرا.

هل تعود سوريا للحضن العربي وماذا ستقدم القمة؟

حكومة دمشق منذ أيلول الماضي، عدم إمكانية حضورها القمة، بعد أشهر طويلة من الزيارات النشطة والتحركات السياسية والتصريحات الدبلوماسية، التي قادتها مجموعة دول تدفع باتجاه عودة دمشق، ما قوبل بحالة رفض قطعي من بعض الدول الأخرى المشاركة.

الجزائر خلال الفترة الماضية، كانت معنية بعودة دمشق إلى القمة العربية الحالية، لكن عودتها لم تلق إجماعا عربيا، كما أن حكومة دمشق فشلت في تقديم خطوات مقنعة حتى للدول التي قامت بالتواصل والتطبيع معها بشكل ثنائي.

قمة الجزائر “وكالات”

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، يشير خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن القمة قد تشهد مبادرات مختلفة لإعادة سوريا للحضن العربي، ولكنها لن تفلح ولن تكون هناك أي مبادرة حقيقية قادرة على تحقيق هذا الهدف، نتيجة للارتباط الوثيق بين حكومة دمشق وإيران.

من جهته، بشار الحاج علي، عضو اللجنة الدستورية، يبين خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هناك حديثا عن ميادرة عربية للحل في سوريا، من الممكن أن يطرحها الأردن خلال القمة، وهذه المبادرة تأتي بهدف إنقاذ سوريا من الوضع الحالي، لكن المشكلة ليست بالمبادرة بحد ذاتها، إنما بمدى استجابة حكومة دمشق لها وهذا ما سيؤدي لإفشالها.

الحاج علي، يضيف، أن مؤتمرات القمة العربية هي رمزية ومعنوية للدلالة على وجود الجامعة العربية كمؤسسة عربية مشتركة، لكنها لا تستطيع فرض أي قرار أو تطبيقه، وبالنسبة للأزمة السورية فأقصى ما يمكن للقمة أن تقدمه هو التأكيد على الحل السياسي وتطبيق القرارات الأممية.

أما الجاسر، فيرى أن أمام القمة العربية العديد من الملفات المعقدة من بينها الملف السوري الذي لن يكون أهمها، فالقمة مثقلة بملفات كبيرة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي عالميا، فهي محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ، خاصة مع عدم حضور السعودية للقمة والتي تشبه المقاطعة لها، لذلك لن تقدم هذه القمة أي شيء للأزمة السورية، فمفتاح الحل في الأصل ليس بيد الدول العربية.

هل تنجح القمة بفك الارتباط بين دمشق وطهران؟

من المعروف لدى الدول العربية، مدى السيطرة الإيرانية على حكومة دمشق خاصة بعد العام 2011، والتي أجهضت في العديد من المرات عدة مبادرات عربية لإيجاد حل للأزمة السورية، كما حاولت العديد من الدول العربية بينها دول خليجية كالإمارات والبحرين من خلال تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق بشكل ثنائي، سحب دمشق من الحضن الإيراني وإعادتها للصف العربي لكنها لم تنجح بذلك.

لذلك فإن الملف السوري لا يطرح بمعزل عن ملف آخر أكثر تعقيدا وهو الملف الإيراني. فعلاقة سوريا القوية بإيران تزعج إلى حد كبير السعودية. وربما هذا ما يمنع إعادة سوريا للصف العربي. وهو رهان صعب التحقيق بالنظر إلى توثق العلاقات الإيرانية السورية في السنوات الأخيرة بشكل أعمق مما يمكن أن تطرحه البلدان العربية الخليجية وعلى رأسها السعودية.

صدام الجاسر، يرى أنه لا يوجد أي فرصة لأن تقبل حكومة دمشق بالانفكاك عن إيران والعودة للصف العربي، كما لا توجد عوامل يمكن أن تؤدي لذلك، وتاريخيا بدأ الارتباط بين الطرفين في ثمانينات القرن الماضي عندما قام الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، بدعم إيران في حربها ضد العراق خارجا عن الإجماع العربي آنذاك، ومنذ ذلك الوقت ارتمت حكومة دمشق في الحضن الإيراني لكن في الوقت الحالي بات ذلك الارتماء أكبر بكثير، والارتباط بين الطرفين قوي لدرجة أنه لا يمكن فكه خاصة بعد التغلغل الإيراني الكبير في سوريا وسيطرتها على مناطق بشكل كامل.

أما الحاج علي، يشير إلى أن حكومة دمشق مرتهنة لإيران التي تملك قرارها، ومضيفا أن حكومة دمشق تسعى لتعويمها عربيا لكن ذلك غير ممكن لعدم قدرتها على تحجيم دور إيران في سوريا، وأيضا عدم قبولها لحل سياسي يهدد بنيتها كحكومة، لذلك فالحل للتخلص من الهيمنة الإيرانية هو الانخراط بحل سياسي تحت مظلة جنيف، وبضمانات دولية لإخراج إيران من سوريا.

قد يهمك:استجرار الغاز الجزائري إلى سوريا.. دعاية إعلامية جديدة؟

مستقبل العلاقات السورية العربية

العلاقات بين حكومة دمشق والدول العربية تمر بحالة من التوتر منذ العام 2011، ورفض حكومة دمشق للمبادرات العربية لحل الأزمة، وتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وعلى الرغم من حدوث تطبيع ثنائي بين بعض الدول العربية وحكومة دمشق مؤخرا إلا أنها لم تغير من الأمر شيئا.

في هذا السياق، يرى الجاسر أن العلاقات السورية العربية ستبقى كما هي بعد قمة الجزائر، فهي في حالة تطبيع محدود مع بعض الدول، وحالة قطيعة مع أخرى، خاصة بوجود “فيتو” سعودي مصري على هذه العلاقة، إضافة لـ”الفيتو” الأميركي على التطبيع مع حكومة دمشق والذي سيستمر حتى التوصل لحل سياسي للأزمة.

الجاسر يضيف أن هناك نقطة مهمة في قمة الجزائر، أن إيران تسيطر على عدة دول عربية “لبنان، العراق، اليمن، وسوريا”، والدول الثلاث هذه حاضرة في القمة أي أن إيران حاضرة في القمة أيضا وتلعب دورا فيها من خلال هذه الدول وهي قادرة على التأثير على قراراتها كما حصل مؤخرا في اجتماع البرلمانيين العرب عندما صوتت مندوبة العراق ضد قرار عربي يدين القصف الإيراني للعراق.

بشار الحاج علي، يرى أن العلاقات السورية العربية بعد القمة لن تتغير عما كانت عليه قبلها، فالحالة العربية استقرت على هذا المستوى، فهناك دول ترتبط بعلاقات مع حكومة دمشق، وأخرى تقف ضد حكومة دمشق، ولم ينتج أي تطور إيجابي بالنسبة للدول التي راهنت على تغيير سلوك حكومة دمشق، فهي حكومة غير قابلة للتغيير، كما أن تبعيتها مجزأة بين روسيا وإيران ولا تملك اتخاذ أي قرار.

أما الجاسر، فيرى أن أمام القمة العربية العديد من الملفات المعقدة من بينها الملف السوري الذي لن يكون أهمها، فالقمة مثقلة بملفات كبيرة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي عالميا، فهي محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ، خاصة مع عدم حضور السعودية للقمة والتي تشبه المقاطعة لها، لذلك لن تقدم هذه القمة أي شيء للأزمة السورية، فمفتاح الحل في الأصل ليس بيد الدول العربية.

قمة شكلية كسابقاتها؟

الحديث يدور دائما بين الأوساط العربية قبل كل قمة حول النتائج الفعلية التي قد تتمخض عنها، أو أنها ستكون كسابقاتها، دون أي تأثير أو جدوى تنعكس على الشعوب أو العلاقات العربية، وتأتي القمة العربية بالجزائر في ظل ظروف دولية معقدة، وعلاقات عربية متوترة.

الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط “وكالات”

الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسين هنداوي، صرح في 28 من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، بأن قمة الجزائر “ستشكل خطوة نحو الأمام فيما يتعلق بتطوير العمل العربي المشترك، وهو ما سينعكس على كل القضايا المطروحة فيما يخص العلاقات العربية، وموقع العالم العربي في المجتمع الدولي والقضايا الأساسية، وفي مقدمتها قضية فلسطين”.

الأمينة العامة المساعدة ورئيسة قطاع الشؤون الاجتماعية بجامعة الدول العربية، هيفاء أبو غزالة، أشارت في وقت سابق إلى أن البنود التي ستُرفع إلى القمة “تمس حياة الإنسان العربي، ولا سيما في ظل الظرف الراهن مع آثار جائحة (كورونا) وانعكاسات الأزمات الجيواستراتيجية”.

بحسب باحثين، فإن قمة الجزائر، محاولة لإعادة إحياء العمل العربي المشترك بعد غياب لسنوات، بسبب التوتر الإقليمي الحاصل بعد “الربيع العربي”، وانقطاع التواصل الدبلوماسي المباشر جراء جائحة “كورونا”، متوقعين نجاحات محدودة لهذه القمة على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الجزائر لإنجاح القمة.

آخرون استبعدوا نجاحها، لعدم وجود توافق عربي في العديد من الملفات منذ عدة سنوات، إذ أُجلت القمة الحالية عدة مرات، وكان المفترض انعقادها منذ آذار/مارس 2020، كما أن “القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية” عُقدت في 2019 بلبنان، بعد تأخر ست سنوات، وبحضور زعيم عربي واحد، إضافة إلى رئيس البلد المضيف.

الجزائر تعول على القمة لتكون مؤشرا على عودة دورها السياسي العربي، بعد سنوات من الانكفاء في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، من خلال جعل القمة لقاء “وفاق ومصالحة”، بما في ذلك عبر إعادة حكومة دمشق للجامعة العربية، والمصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”.

إقرأ:المغرب بين إشكالية تونس وخلافات الجزائر.. هل تحلها القمة العربية؟

قمة عربية تأتي في خضم العديد من الأزمات العالمية والإقليمية، على رأسها الغزو الروسي لأوكرانيا ونتائجه الكارثية على معظم دول العالم، إضافة للأزمة الاقتصادية والتضخم العالمي المتزايد، والأزمات في الإقليم العربي في سوريا وليبيا والعراق ولبنان واليمن، والتي لم يتم إيجاد أي حلول لها حتى الآن، ما يعطي مؤشرا أن قرارات هذه القمة لن تعدو كونها توصيات غير قابلة للتطبيق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.