اليوم الجمعة، أعلنت المجموعات المحلية في درعا البلد عن تمديد وقف إطلاق النار حتى صباح يوم غد السبت، من أجل استكمال خروج العائلات من أحياء طريق السد ومخيم درعا، وكانت هذه المجموعات قد أعلنت يوم أمس الخميس عن وقف لإطلاق النار من جهتها في الحَيّين، استجابة للنداءات التي أطلقتها العائلات العالقة من أجل تأمين طريق خروج من الأحياء المحاصرة.

اشتباكات ومعارك للمرة الثانية خلال عام ونيف، كانت لها آثار سلبية على أهالي وسكان هذه الأحياء الذين لم يكادوا يستقروا بعد حصار الفرقة الرابعة لهذه الأحياء في شهر تموز/يوليو من العام الماضي، إذ نزح في ذلك الوقت نحو 35 ألف مدني، واليوم يتكرر نفس المشهد مع الاشتباكات التي تجري بين مجموعات محلية ومجموعات تُتَهم بإيواء عناصر من تنظيم “داعش”.

معاناة النزوح

منذ اليوم الأول من الاشتباكات خرج عدد قليل من الأهالي، لاعتقادهم أن ما يجري لن يستمر لأكثر من يومين، لكن مع اشتداد المعارك وسقوط قتلى من الطرفين، واستهداف منازل المدنيين، أطلق الأهالي نداءات استغاثة للسماح لهم بالخروج لتبدأ معاناة نزوح جديد.

من الاشتباكات بحي طريق السد بدرعا “وكالات”

أبو محمد، خمسيني يعيش مع عائلته في حي طريق السد، بالقرب من بناء المهندسين وهي النقطة التي تشكل محور الاشتباكات، يروي لـ”الحل نت” ما يجري قائلا، “أدركنا عند بدء الاشتباكات أننا سنكون في خطر خاصةن أن مجموعات درعا البلد تقول أن عناصر التنظيم يحتمون في حي بناء المهندسين، لذلك في اليوم الثاني من الاشتباكات استطعنا الخروج بصعوبة بالغة بعد أن قمنا بحمل ملابسنا فقط، لم نتمكن من نقل أي شيء آخر من محتويات البيت، وهذا الأمر تكرر معنا في العام السابق”.

أيضا يتابع أبو محمد، “من حسن الحظ أن شقيقي يعيش في درعا المحطة بحي شمال الخط، وهذا لم يجعلنا نعاني من البحث عن منزل للإيجار، لكن ما نخاف منه هو أن يُدمر منزلنا خلال الاشتباكات أو أن تُحرق محتوياته، فالعديد من القذائف طالت منازل لا دخل لأصحابها في كل ما يجري”.

إقرأ:ما مستقبل التوترات في درعا ومتى يمكن أن تستقر المحافظة؟

أين سنذهب؟

العديد من العائلات التي استغلت إيقاف القتال استطاعت الخروج من الأحياء المحاصرة وحمل الضروريات من المفروشات، كما حمل البعض كامل مفروشات بيته خوفا من أن يتم تدميرها أو حرقها أو حتى سرقتها، لكن ما صادفهم هو الصعوبة في العثور على السكن لعدم وجود أقارب لهم.

عبد الرزاق، من سكان حارة الحمادين في طريق السد، يتحدث إلى “الحل نت”، “عندما تم الإعلان عن توقف إطلاق النار بعدما طالبنا بالخروج، استطعت تحميل فرش منزلي وعائلتي والخروج إلى المحطة، لكن هناك بدأت معاناة أخرى، فلم نستطع إيجاد منزل للإيجار على الفور، فجلسنا لعدة ساعات في الشارع متسائلين، أين سنذهب؟”.

عبد الرزاق يضيف، “استطعنا مع غروب الشمس يوم أمس أن نجد عبر أحد المكاتب العقارية منزلا مكونا من غرفتين في حي السبيل مقابل أجرة 100 ألف ليرة، اضطررنا للقبول بدفع هذه الأجرة بدلا من النوم في الشارع، ولا نعلم متى ستنتهي هذه الأمور ولا نعلم إذا ما كان منزلنا لا يزال موجودا أم تعرّض للدمار”.

في سياق ذي صلة، تمكن “الحل نت”، من الحديث من أبو هادي، صاحب مكتب عقاري في حي الكاشف بدرعا المحطة، حيث يروي ما يجري قائلا، “حركة الإيجارات للمنازل كانت طبيعية قبل الاشتباكات في السد والمخيم، وفي الأصل عدد المنازل الفارغة للإيجار قليلة نسبيا، وأسعارها مرتفعة، ولكن مع بدء خروج الأهالي كان هناك أزمة كبيرة للبحث عن منازل، فخلال ساعة واحدة قمت بتأجير 9 منازل في أحياء متفرقة من المدينة”.

أبو هادي يضيف، “نحاول الآن إيجاد منازل أخرى فارغة أو حتى مفروشة للإيجار، فهناك الكثير من العائلات التي لا تزال تبحث عن مأوى، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد النازحين من الأحياء المحاصرة الـ 20 ألفا إذا استمرت الاشتباكات أسبوعا آخر”.

أطفال ضحايا مخلفات حربية

لطالما كانت المخلفات الحربية، سواء كانت الألغام أو العبوات الناسفة، أو الذخائر غير المنفجرة تشكل خطرا قاتلا للمدنيين وخاصة للأطفال الذين لا يملكون الوعي الكافي للتمييز ما إذا كانت هذه الأجسام خطيرة أو لا، حيث لا يزال هناك الكثير من هذه المخالفات في أحياء درعا منذ حصار الفرقة الرابعة في لعام الماضي.

مصدر خاص من درعا البلد، أفاد لموقع “الحل نت”، أن خمسة أطفال أُصيبوا مساء أمس الخميس في حي الأربعين بدرعا البلد، إثر انفجار جسم غريب من مخلفات قصف القوات الحكومية على الأحياء السكنية، وذلك في الوقت الذي كانوا يلعبون في الحي.

المصدر أكد أن بعضا من الأطفال إصاباتهم خطيرة، حيث نُقل ثلاثة منهم لتلقي العلاج في مشافي دمشق، بينما نقل طفلان للعلاج في مشفى الرحمة بدرعا، لافتا إلى أن مكان حدوث الانفجار بعيد عن مكان الاشتباكات الدائرة.

ماذا يجري في درعا؟

السبت الماضي، قام انتحاري تابع لتنظيم “داعش” بتفجير نفسه في منزل يعود لأحد القياديين السابقين في المعارضة في درعا البلد، ما أدى لمقتل 4 أشخاص ومنفّذ العملية وإصابة آخرين، وهذا ما دفع المجموعات المحلية في درعا البلد باتهام أطراف متواجدة في حي طريق السد ومخيم درعا بإيواء قيادي هام وعناصر تابعين للتنظيم.

بعد العملية الانتحارية، أعلنت المجموعات أنها ستقوم بتنفيذ عملية عسكرية للقضاء على عناصر التنظيم في هذه الأحياء، ومساء السبت وصلت تعزيزات عسكرية تابعة لـ”اللواء الثامن” إلى درعا البلد لدعم العملية العسكرية.

نزوح من درعا “وكالات”

صباح الإثنين الماضي، أطلقت المجموعات المحلية العملية العسكرية ضد عناصر التنظيم والمجموعات التي تأويهم متهمة هذه المجموعات بالانضمام للتنظيم، وبدأت الاشتباكات بشكل متقطع بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة ما أدى لمقتل عنصرين محسوبين على التنظيم.

التنظيم من جهته، لجأ منذ البداية لاستعمال سلاح العبوات الناسفة، حيث قام بتفجير عدد منها في منطقة “خانوق الثور” بالقرب من طريق السد ما أدى لسقوط جرحى بين المدنيين.

الاشتباكات دفعت مجموعات محلية من المعارضة من ريف درعا الغربي للالتحاق بمجموعات درعا البلد و”اللواء الثامن” للمشاركة في القتال، حيث تتهم هذه المجموعات كلا من محمد المسالمة “هفّو”، ومؤيد الحرفوش بإيواء عناصر “داعش”.

في الوقت نفسه يوجه العديد من أبناء درعا أصابع الاتهام لفرع الأمن العسكري بالوقوف خلف العمليات التي ينفذها التنظيم في المحافظة، كما يشرف الفرع على تسهيل نقلات عناصر التنظيم بين المدن والبلدات.

يوم الأحد، أصدر أبناء عشائر مدينة درعا بيانا أوضحوا فيه، أن هناك مجموعة من تنظيم “داعش”، بقيادة أمير في التنظيم يدعى “يوسف النابلسي”، هي المسؤولة عن عمليات الفوضى الأمنية وتنفيذ الاغتيالات، وعمليات خطف وسلب منفذين من خلالها أجندات لصالح إيران وحزب الله.

في الأول من الشهر الجاري، وعلى خلفية اشتداد الاشتباكات ناشد أهالي حي طريق السد ومخيم درعا، وجهاء المدينة لإخراجهم من أحيائهم، حيث تمت أول عملية إخلاء في ذلك اليوم لجزء من العائلات، لتبقى عائلات كثير محاصرة، حتى تم الإعلان عن توقف إطلاق النار يوم أمس الخميس وتمديدها اليوم الجمعة حتى صباح يوم غد السبت.

إقرأ أيضا:حل اللجنة المركزية في درعا.. ماذا بعد ذلك؟

مأساة جديدة تُضاف إلى المآسي التي يعاني منها أبناء درعا، سواء من القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية خلال الفترة الماضية، ومن تنظيم “داعش” الإرهابي حاليا، لتبقى حياتهم بين نزوح وتشرد وبحث عن مأوى، وحتى الآن لا يعلم أحد متى ينتهي كل ما يجري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.