في ظل استمرار المظاهرات ضد النظام الإيراني على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، منذ منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، استأنف “الحرس الثوري” الإيراني، اليوم الإثنين، قصف من وصفها بـ”جماعة إرهابية” في إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي، في هجوم أسفر عن مقتل اثنين من عناصر “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” المعارض، مستخدما طائرات مسيّرة وصواريخ في أحدث عملية.

“الحرس الثوري”، صعّد من هجماته على قواعد المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة في الإقليم الواقع بشمال العراق منذ مقتل الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 أيلول/سبتمبر الماضي، بينما تتهم طهران المعارضة الكردية بالتورط في تلك الاحتجاجات ونسبت لها تنفيذ عمليات تخريب.

عملية القصف لمناطق في كردستان العراق لم تكن الأولى اليوم من قبل إيران، فمنذ اندلاع المظاهرات تكررت هذه العمليات، والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين، ما يطرح التساؤلات حول أهداف طهران منها، وهل ما إذا كانت لإشغال الرأي العام عما يجري على الساحة الداخلية.

استهداف متعمد للأحزاب الكردية

طهران ومنذ اليوم الأول للمظاهرات، اتهمت الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، بالوقوف خلف ما يجري وأن هذه الأحزاب تسعى للانفصال عن إيران، ومن هذا المنطلق تنفّذ إيران عمليات القصف في مناطق تواجدها، إلا أن حقيقة ما يجري أن المظاهرات بدأت من كردستان إيران، والأحزاب الكردية دعمت هذه المظاهرات.

آثار القصف الإيراني على كردستان العراق “وكالات”

وجدان عبد الرحمن، المتخصص في الشأن الإيراني، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن القصف الإيراني لكردستان يعود لأمرين، الأول، لأن شرارة الظاهرات انطلقت من كردستان وهذه المظاهرات جاءت بدعوات من الأحزاب الكردية المعارضة، والنظام الإيراني يعلم جيدا أن لدى هذه الأحزاب تأثير على الشارع وأن هناك تجاوبا من الشعب الكردي لها، لذلك يحاول النظام الإيراني استهداف هذه الأحزاب في مناطق تتواجد بها مخيمات مأهولة بالعوائل الكردية أي للضغط على المدنيين.

الأمر الثاني، النظام الإيراني يرزح تحت ضغوط داخلية وخارجية، لذلك يحاول إما من خلال المناورات العسكرية التي يجريها على حدود أذربيجان، أو من خلال استهداف كردستان للفت الانتباه عما يجري من مظاهرات مناهضة له.

المظاهرات والموقف الصعب

المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قال في مؤتمر صحفي ردا على سؤال حول تنفيذ قوات برية تابعة لـ “الحرس الثوري” هجمات صاروخية وبالمسيّرات على مواقع في إقليم كردستان العراق، “لن نتهاون بشأن أمننا الحدودي وسنرد على تهديدات الجماعات الانفصالية في كردستان العراق وسندافع عن أمننا القومي وعن أمن مواطنينا وفق الأصول والقوانين الدولية”.

كنعاني أضاف، لذا فإن “القصف الصاروخي الذي طال المناطق الشمالية من العراق يأتي في هذا الإطار”، مؤكدا أن “حكومة إقليم كردستان تعهدت لنا ولأكثر من مرة بضبط حدودها ومنع التنظيمات الإرهابية من تهديد أمن ومصالح إيران لكنها لم تنجح في ذلك”، محملا أيضا الحكومة الاتحادية في بغداد المسؤولية عما قال، “زعزعة أمننا من داخل أراضيها”.

عبدالرحمن، يؤكد أن إيران بحاجة لإشغال الرأي العام الخارجي والداخلي، فهناك تسريبات قبل مُدّة بأن اجتماعا حصل في منزل نجل المرشد الإيراني، مجتبى الخامنئي، جمع كلا من استخبارات “الحرس الثوري” ووزارة الاستخبارات الإيرانية وغيرهم، تم الاتفاق فيه أنه في حال استمرار المظاهرات فلا بد من القيام بتنفيذ أعمال تؤدي إلى سقوط ضحايا، وهذه الأعمال إما أن تكون خارجية كإيجاد توتر مع جهة ما وكردستان هي الحلقة الأضعف في مواجهة الإيرانيين، أو القيام بعمليات احتجاز سفن في الخليج العربي أو بحر عمان أو بحر العرب، أو أن يتم تنفيذ عمليات أمنية داخل إيران ينتج عنها سقوط عدد كبير من الضحايا.

القصف لن يوقف المظاهرات المستمرة

هجوم اليوم على كردستان العراق، ليس استثناء في سياق هجمات دأب “الحرس الثوري” الإيراني، على شنها ضد المعارضين من الأكراد الإيرانيين، لكن يُنظر لتوقيت هذا التصعيد على أن له صلة بالمظاهرات التي انطلقت في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، وتوسعت لتشمل الكثير من المدن بما فيها مدنا تقطنها أغلبية سنّية.

أيضا فهناك اعتقاد سائد، أن إيران التي عجزت عن إخماد تلك الاحتجاجات، تتذرع بدور محتمل للمعارضين الأكراد فيما تسميه أعمال التخريب وعمليات قتل عناصر في الشرطة، لتبرير حملة القمع الدامية والاعتقالات التي تنفذها وما سيترب عليها من أحكام قاسية بعضها يصل إلى الإعدام.

لكن وعلى الرغم من الممارسات الإيرانية، سواء الداخلية كقمع المظاهرات والتنكيل بالمتظاهرين، أو الخارجية كقصف إقليم كردستان العراق، فإن المظاهرات لم تتوقف ولا يبدو أن ما يقوم به النظام الإيراني يؤثر سلبا عليها.

وجدان عبد الرحمن، يشير إلى أن الاستهداف الإيراني لا يؤثر على المظاهرات، فقد استهدف النظام الإيراني مع بداية المظاهرات مقرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، وقتل عددا من المدنيين، وكان الهدف من ذلك إثارة تلك الأحزاب لتقوم بردة فعل عسكرية تبرر لإيران إشعال حرب في المنطقة لكن الأحزاب الكردية سحبت البساط من تحت طهران من خلال الاكتفاء بالمظاهرات السلمية.

لكن في مقابل ذلك فإن هذا الهجوم اليوم سيترك أثرا سلبيا على إيران نفسها، حيث ستزداد الضغوط الغربية على طهران بسبب سلوكها القمعي والعدواني داخليا وخارجيا، فالنظام الإيراني يهرب للأمام من خلال هذه العمليات وكل ما يقوم به ينعكس عليه سلبا.

عبد الرحمن، يؤكد أن المظاهرات المندلعة حاليا في إيران لن تتوقف هذه المرة، وكل المعطيات تؤكد استمراريتها، وما تشهده من دعم إعلامي وسياسي غربي من خلال فرض عقوبات مستمرة على طهران يعطي دافعا قويا للحراك في الداخل ليستمر، بينما النظام الإيراني مستمر في الانعزال داخليا حتى في محاولاته استقطاب الفرس، لكن ما يحدث في المحافظات الفارسية عكس ما يريد إذ انخرطت شريحة واسعة من الفرس في المظاهرات، وهذا ما يجعل هذا النظام متخبطا في تصرفاته.

حكم بالإعدام على متظاهر

وسائل إعلام رسمية إيرانية، قالت اليوم الإثنين، إن محكمة في طهران أصدرت أول حكم يقضي بإعدام شخص كان اعُتقل لمشاركته في الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد، واستندت المحكمة الثورية في حكمها على أن المتهم، الذي لم يُذكر اسمه، أحرق منشأة حكومية وأُدين بتهمة “محاربة الله”.

كما قضت محكمة أخرى بسجن خمسة أشخاص لمدد بين 5 و10 سنوات بتهم تتعلق بالأمن الوطني والنظام العام، فيما حذرت منظمة حقوقية من أن السلطات الإيرانية ربما تخطط “لعمليات إعدام متسرعة”.

آثار القصف الإيراني على كردستان العراق “وكالات”

منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، ومقرها النرويج، قالت نقلا عن تقارير رسمية، إن نحو 20 شخصا يواجهون حاليا تهما يُعاقب عليها بالإعدام، ودعا مدير المنظمة، محمود أميري مقدم، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة و”تحذير الجمهورية الإسلامية بشدة من عواقب إعدام المتظاهرين”.

وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان، ومقرها خارج البلاد، قالت إن حصيلة القتلى 339 شخصا، وأضافت أن 15300 متظاهر اعتقلوا، فضلا عن مقتل 39 فردا من قوات الأمن.

قادة إيران يصفون الاحتجاجات، بأنها “أعمال شغب” يحرض عليها أعداء البلاد في الخارج”، فيما أعلن غلام حسين محسني إيجي، رئيس السلطة القضائية، الأسبوع الماضي، أنه لابد من تحديد “الجناة الرئيسيين” في أسرع وقت ممكن وإصدار أحكام من شأنها أن تكون رادعة للآخرين.

غلام حسين، حذر من أن “مثيري الشغب” يمكن أن توجه إليهم اتهامات من بينها “محاربة الله” و”إفساد في الأرض” و”البغي”، وجميعها اتهامات يعاقب عليها بالإعدام بمقتضى أحكام القضاء القائمة على الشريعة في إيران.

يوم الجمعة خرج إيرانيون في جنوب شرق البلاد المضطرب في احتجاجات على حملة قمع نفذتها قوات الأمن في 30أيلول/سبتمبر الماضي، وعرفت باسم “الجمعة الدامية” في وقت استمرت فيه الاحتجاجات في أنحاء البلاد مطالبة بإنهاء حكم رجال الدين.

منظمة العفو الدولية قالت، إن قوات الأمن قتلت بشكل غير قانوني ما لا يقل عن 66 شخصا، بينهم أطفال، في ذاك اليوم بإطلاق الذخيرة الحية والخرطوش والغاز المسيل للدموع على المحتجين في زاهدان عاصمة إقليم “سيستان-بلوخستان”.

قد يهمك:مسارات دعم الحراك الشعبي في إيران بين التردد الخليجي والتحفظ الأحوازي

مظاهرات مستمرة في إيران تنتشر في أكثر من 140 مدينة وبلدة، وتطورت إلى وضع أصبح يمثل تحديا كبيرا أمام النظام الإيراني منذ أكثر من عقد، لم يتمكن هذا النظام من إيقافها أو الحد منها حتى الآن على الرغم من استخدامه مختلف أنواع القمع، وسط مؤشرات عديدة تؤكد أنها لن تتوقف في وقت قريب خاصة مع الدعم الإعلامي والسياسي الغربي المستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة