البرنامج النووي الإيراني، لا يزال يثير العديد من الإشكاليات على المستوى الدولي والأممي نتيجة لعدم وجود تعامل واضح من قِبل الحكومة الإيرانية التي ترفض التعاون بشفافية مع الدول الغربية بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي من جهة، ومع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، من أجل المعلومات لدى الوكالة عن آثار اليورانيوم في محطات نووية إيرانية، وهذا ما دفع بـ”الوكالة” للتعامل بحزم أخيرا مع طهران.

قرار جديد للوكالة

يوم الأربعاء الفائت، أصدر مجلس المحافظين التابع لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قرارا جديدا يأمر إيران بالتعاون الفوري مع “الوكالة” في تحقيقها حول العثور على آثار يورانيوم في مواقع سرّية، يحمل تهديدا ضمنيا بإحالة إيران إلى “مجلس الأمن” في حال عدم التعاون.

القرار الذي حظي بأصوات 26 دولة من أصل 35 داخل مجلس المحافظين، دعا إيران إلى “تقديم تفسير تقني مقبول لوجود آثار يورانيوم من صنع الإنسان في 3 مواقع غير معلن عنها”، بشكل “أساسي وعاجل”.

منشأة نووية إيرانية “وكالات”

القرار الذي اعترضت عليه روسيا والصين، وامتنعت عن التصويت له 5 دول، ذكّر بأن على إيران أن “تُبلغ الوكالة عن المواقع الحالية للمواد النووية والمعدات المستخدمة”. ودعا القرار إيران إلى تقديم “كل المعلومات والوثائق والإجابات المطلوبة للوكالة ومنحها وصولاً للمواقع والمواد المطلوبة إضافة إلى أخذ عينات”.

كما أضاف البيان الثاني خلال أقل من 6 أشهر الذي يتبناه المجلس حول الموضوع نفسه، أن تزويد إيران “الوكالة” بهذه المعلومات “أساسي لكي تعلن الوكالة أن هذه المسائل لم تعد عالقة، وبالتالي تزيلها من أجندة مجلس المحافظين والحاجة لأخذ خطوات حولها”. وغابت كينيا وبوروندي عن التصويت، في حين امتنعت عن التصويت كل من جنوب أفريقيا، وناميبيا، وقطر، وباكستان والهند.

بحسب دبلوماسيين في “الوكالة”، فإن القرار يحمل إشارة ضمنية إلى إمكانية إحالة الملف إلى “مجلس الأمن” حسب النظام الأساسي لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وأيضا الميثاق الذي يحكم عمل اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي تنتمي إليها إيران ويطلب إليها القرار الالتزام بها.

المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، كان قد هدّد قبل صدور القرار بأن تبني مجلس المحافظين له سيوجب ردا قويا من إيران من دون أن يفصل الرد. واتهم الدول الغربية باستغلال الأوضاع الأخيرة بهدف الضغط السياسي على إيران. وقال، “سيكون للخطوة أثر سلبي على مسار حلحلة القضايا التقنية التي تطالب بها الوكالة الدولية”.

العلاقات مع إيران سيئة

تقارير صحفية نقلت عن دبلوماسي أوروبي، حول المخاوف من تدهور العلاقات أكثر مع إيران بعد تمرير قرار يدعوها للتعاون مع “الوكالة”، بأن “الوضع سيئ أصلا”، مضيفا أنه من “الحكمة بالنسبة لإيران أن تتعاون مع تحقيق الوكالة”، وأن لدى الدول الغربية “خيارات كثيرة يمكنها اللجوء إليها”، إذا لم تتعاون إيران بشكل سريع.

مندوب الاتحاد الأوروبي في المجلس، السفير شتيفان كليمان، كان قد قال في كلمة أمام مجلس المحافظين لدى افتتاح النقاش حول التزامات إيران النووية ضمن اتفاقية “حظر انتشار الأسلحة النووية”، إن الاتحاد الأوروبي “يتوقع تحقيق تقدم ملموس في أقصر إطار زمني” فيما يتعلق بتعاون إيران مع “الوكالة”، لتقديم تفسير حول العثور على آثار يورانيوم في أماكن سرِّية.

كليمان أضاف، أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ المزيد من الإجراءات وفقا لمستوى التعاون الإيراني”. وشدد السفير الأوروبي على أن لدى إيران “واجبات قانونية” لتقديم تفسيرات لـ”لوكالة”، كونها عضوا في منظمة “حظر انتشار الأسلحة النووية”، مشيرا إلى أنها لا يمكنها الانسحاب من الاتفاقية بشكل أحادي.

رافييل غروسي، رئيس مجلس المحافظين في “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، قال في افتتاح أعمال مجلس المحافظين الأربعاء الفائت، إنه يتوقع أن تبدأ إيران بإعطاء إجابات مُرضية خلال هذه الزيارة، مشيرا إلى أن “الاجتماعات بهدف الاجتماع فقط ليست تقدما”.

المندوب الفرنسي باسم الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، تحدث معلنا طرح مشروع القرار، وقال، إن التحقيق عالق منذ 4 سنوات، وإيران ترفض التعاون رغم صدور قرارين سابقين يدعوانها لذلك، الأول في حزيران/يونيو 2020، والآخر في حزيران/يونيو الماضي. وأضاف، “إيران اختارت أن تضغط سياسيا” لإغلاق التحقيق، مضيفا، “نحن نرفض بشكل قاطع أي ضغوط سياسية على الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

بعد إصدار القرار تراجع رئيس “المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية”، محمد إسلامي، عن تصريحاته الأربعاء الفائت، التي أثار فيها شكوكا حول إمكانية زيارة وفد من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى طهران. وقال، يوم أمس الخميس، “أي وفد من الوكالة يمكنه السفر إلى إيران… سنردّ عليهم ضمن الأطر المتفق عليها”. وكان إسلامي قد قال الأربعاء الفائت، إن الزيارة “حاليا… غير مطروحة على جدول الأعمال”.

أزمة خطيرة

وكالة “بلومبرغ” نقلت عن دبلوماسيين غربيين، يوم أمس الخميس، أن توسيع إيران برنامجها النووي وفرضها قيودا على الرقابة الدولية الخاصة بالبرنامج يدفعان باتجاه “أزمة خطيرة أخرى”، فيما تتزايد الشكوك حول مزاعم طهران بسلمية مساعيها النووية.

يوم أمس الخميس، انتقد مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إيران، واتهمها بمواصلة إعاقة تحقيق الوكالة لتتبع آثار اليورانيوم المأخوذة من ثلاثة مواقع غير معلنة، وهو ما قد يعني زيادة مخزونها من الوقود المخصّب إلى مستويات قياسية.

الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، رعوا قرارا يطالب إيران بالتعاون بشكل عاجل مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وأيد الاقتراح 26 من أعضاء مجلس المحافظين لـ”الوكالة” المؤلف من 35 عضوا.

قرار “الوكالة الدولية” أشار إلى أنه إذا أخفقت إيران في التعاون، فإن المجلس مستعد لاتخاذ مزيد من الإجراءات، بما في ذلك بموجب المادة 12-ج من النظام الأساسي لـ”الوكالة”، التي تحدد الخيارات التي تحيل إيران إلى “مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة لعدم الامتثال لالتزاماتها النووية.

رغم أن قرار مجلس “الوكالة” ليس الأول الذي يصدره ضد إيران بشأن هذه القضية، فقد أصدر المجلس قرارا آخر في حزيران/يونيو الماضي، إلا أن صيغة القرارالحالي أقوى وتلمح إلى تصعيد دبلوماسي فيما بعد ربما يحيل إيران إلى “مجلس الأمن الدولي” لعدم امتثالها لالتزاماتها النووية.

وكالة “رويترز” للأنباء، نقلت عن دبلوماسيين يوم الأربعاء الفائت، أن الولايات المتحدة قالت في بيانها أمام مجلس محافظي الوكالة، “يتعين على إيران الآن تقديم التعاون اللازم، لا مزيد من الوعود الفارغة”.

السفيرة الأميركية، لورا هولغيت، قالت “على إيران أن تعلم أنها إذا فشلت في التعاون لحل هذه القضايا، فسيتعين على المجلس اتخاذ مزيد من الإجراءات”.

المبعوثة البريطانية، كورين كيتسيل، عبّرت يوم أمس الخميس في تغريدة عن مخاوفها، وقالت “تواصل إيران تصعيدها النووي غير المسبوق”، وهو ما يثير شكوكا بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني.

طهران، ردت يوم أمس الخميس بأنها قد تلغي اجتماعا مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” كان من المقرر انعقاده هذا الشهر بهدف إنهاء مأزق تفسير مصدر آثار اليورانيوم. وردت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بالقول، إنها تأمل أن ينعقد الاجتماع.

 القرار مبرر للعقوبات

مبعوث إيران لدى “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، محسن نذيري، قال يوم أمس الخميس، إن “الأهداف السياسية لواضعي هذا القرار المناهض لإيران لن تتحقق، لكنه قد يؤثر على العلاقات البناءة بين طهران والوكالة”.

نذيري أضاف، أن “هذا القرار لن يؤدي إلى أي نتيجة”، لافتا إلى أنه “يهدف إلى تبرير إضافي للعقوبات الأحادية ضد الأمة الإيرانية”، كما أشار إلى أن “مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدر قرارا ضد الأنشطة النووية السلمية لإيران تحت ضغط سياسي قوي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا”.

بحسب دبلوماسيين، فإن مثل تلك القرارات تثير غضب طهران ولم يتضح بعد كيف سترد على القرار الأحدث. وفي حزيران/يونيو الماضي، أزالت إيران معدات مراقبة إضافية لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” من بينها كاميرات مراقبة جرى تثبيتها بموجب اتفاق 2015. وكان الهدف من الاتفاق الموقّع مع قوى دولية الحد من برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

منشأة نووية إيرانية “وكالات”

فرنسا وبريطانيا نددتا في وقت سابق من الشهر الحالي، بما وصفتاها بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار بالشرق الأوسط والمنطقة وتعهدتا بالتصدي لها، وفي بيان مشترك صُدر من باريس، شددت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، ونظيرها البريطاني جيمس كليفرلي، على ضمان منع إيران من حيازة أسلحة نووية.

كما عبّر الوزيران عن قلقهما إزاء ما وصفاه بالتعاون غير الكافي لإيران مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ويأتي البيان المشترك وسط جمود المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وفي وقت سابق قال مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود.

اتفاق “الضمانات” الذي تخالفه إيران

اتفاق “الضمانات” يعود بتاريخه إلى 15 أيار/مايو 1974، حين دخل حيَّز النفاذ، اتفاق بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وإيران، وهي وثيقة تتيح للوكالة الأممية التحقق من وفاء طهران بالتزاماتها، وعدم تحريف استخدامات الطاقة النووية لأهداف عسكرية.

هذه الوثيقة تأتي ضمن إطار معاهدة “عدم انتشار الأسلحة النووية” التي تضم 191 دولة حائزة وغير حائزة للسلاح النووي، بما فيها إيران، 176 دولة منها نفذت ضماناتها حتى عام 2020، وفقا لـ “الوكالة الذرية”، وبالإضافة للضمانات، تضع الوكالة اتفاقات أخرى تعرف بالبروتوكولات الإضافية للضمانات، وتشمل تدابير للشفافية بشأن طبيعة البرامج النووية السلمية.

بناء على هذه الاتفاقيات، أقر مجلس محافظي الوكالة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2003 بروتوكولا إضافيا بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي، يشمل تدابير لضمان التزام إيران بمقتضيات المعاهدة، وقد نفذته إيران بعد شهر من إقراره حتى مطلع 2006، عندما توقفت عن التنفيذ تزامنا مع إعلانها رفع القيود على تخصيب اليورانيوم.

لكن طهران عادت في كانون الثاني/يناير 2016 لتطبيق هذا البروتوكول الإضافي بشكل مؤقت، عقِب تفعيل “خطة العمل الشاملة المشتركة”، الاسم الرسمي للاتفاق النووي، إلا أنه بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق في أواخر 2018، بدأت إيران بالتخلي عن التزاماتها النووية.

“الوكالة الدولية للطاقة الذرية” طلبت من إيران في تموز/يوليو 2019، الإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالمواد النووية المحتملة في 4 مواقع غير معلنة، عملا بالاتفاقيات المعقودة، وتم حل مشكلة أحد المواقع الأربعة وهو موقع “لافيزان شيان”، ولكن تبقت 3 مواقع أخرى هي “فيركزاد، فارامين، وماريفان”، حيث وُجدت فيها جزيئات يورانيوم متعددة.

ردا على التساؤلات بشأن هذه المواقع، قدمت إيران في 19 آذار/مارس الماضي تفسيرات مكتوبة لـ”الوكالة”، بما في ذلك الوثائق الداعمة ذات الصلة، استجابة للأسئلة التي أثارتها “الوكالة” بشأن القضايا التي لم يتم علاجها في هذه المواقع، وعلى الرغم من الرد الإيراني على استفسارات “الوكالة”، إلا أن الأخيرة ترى أن “إيران لم تقدم تفسيرات ذات مصداقية تقنيا، فيما يتعلق بنتائج الوكالة في تلك المواقع”.

“الوكالة” بيّنت في تقرير مديرها العام الأخير في أيار/مايو الماضي، أنه “ما لم تقدم إيران تفسيرات موثوقة تقنيا لوجود جزيئات اليورانيوم في هذه المواقع، وتكشف عن الموقع الحالي للمواد النووية أو المعدات الملوثة، فإنه لا يمكن للوكالة تأكيد صحة الإعلانات الإيرانية بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة، وبالتالي فإن قضايا الضمانات المتعلقة بهذه المواقع الثلاثة لا تزال معلقة”.

في التقارير المنشورة، تشير “الوكالة الأممية” إلى أن لديها معلومات وصور تفيد بأن إيران ربما خططت “لاستخدام المواد النووية في الموقع الرابع “ماريفان”، حيث رصدت اختبارا في الهواء الطلق للأنظمة المتفجرة التقليدية”.

بينما في الموقع الأول في فيركزاد “تركوزآباد”، أوضحت “الوكالة”، أنه “من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية المتاحة تجاريا، تم هدم المباني مباشرة بعدما أبلغت الوكالة إيران بنتائج العينات البيئية التي أخذتها من الموقع”.

لكن إيران تقول في ردها على استفسارات “الوكالة”، إن “المباني كانت لدعم منجم، وكانت تحت إدارة منظمة من دولة أخرى، لكن المنطقة أصبحت غير مأهولة.. فيما تم بيع المنطقة الثانية المملوكة للحكومة إلى فرد قام بهدم المباني من أجل استرداد المعادن من الحطام”.

أما في الموقع الثالث “فارامين”، تضيف “الوكالة” أن لديها معلومات عن استخدام “محتمل” أو تخزين للمواد النووية، أو إجراء للأنشطة المتعلقة بالنووي، بما في ذلك أنشطة البحث والتطوير المتعلقة بدورة الوقود النووي، كما خضع الموقع أيضا لتغييرات كبيرة عام 2004، بما في ذلك هدم معظم المباني.

قد يهمك:مفاوضات النووي الإيراني إلى طريق مسدودة.. ما المآلات؟

قرار جديد لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، يضع إيران أمام خيارين رئيسيين، إما الالتزام ببنود القرار وتنفيذه أو رفض تنفيذه، ما يعني تحويل الملف لـ”مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة وما قد ينتج عن ذلك من قرارات أدناها تشديد العقوبات المفروضة على طهران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة