على الرغم من إعلان جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتشكيل سبع دول في مجموعة شرق إفريقيا؛ “بوروندي وكينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا”، قوة لإحلال السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي مزقتها الصراعات المسلحة التي يقودها المتمردون، إلا أن المراقبين يشككون في قدرة القوة العسكرية وحدها على تحقيق الأهداف المعلنة، خاصة وأن عدة قوى عسكرية إقليمية تشكلت في الأعوام السابقة، وكشفوا عن عدم قدرتها على إنهاء هذه الحروب التي بقيت تحت أنقاضها. حتى أن توقيع عدد من اتفاقيات السلام والمصالحة لم يفلح في إنهاء هذه الصراعات.
من ناحية أخرى، تتعامل القوى الدولية مع هذه الحركات المتمردة على أنها تهديد أمني فقط دون اعتبار لتداعياتها الإقليمية السلبية. ومع ذلك، فإن هذا الصراع له تداعيات إقليمية خطيرة وعلى عدة مستويات، بالنظر إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم تتمكن حتى الآن من الخروج من الصراع في شرقها.
جمهورية الكونغو الديمقراطية شهدت حربين أهليتين الأولى من 1993 إلى 1996 متأثرة بالإبادة الجماعية في رواندا، والثانية من 1997 إلى 1999. وعلى رغم انتهاء الحرب الأهلية هناك، فإنها خلّفت أكثر من 100 حركة متمردة، برزت منها ثلاث هي “تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو” و”التجمع من أجل الديمقراطية الكونغولية” و”المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب”، ونتجت عن تحالفها حركة “23 آذار/مارس” التي تعرف باسم “الجيش الثوري الكونغولي”، وفقا لـ”اندبندنت“.
حركة “23 مارس” المعروفة اختصارا باسم “أم 23” تقدمت إلى شرق البلاد، ونشرت قواتها في مقاطعة كيفو. ومن عاصمة المقاطعة غوما التي تُعد من أكبر مدن الجمهورية، استولت الحركة على مساحات شاسعة من الأراضي وأججت التوتر على طول بحيرة كيفو في المنطقة. وشنت هجماتها على القوات الأمنية بالقرب من القاعدة العسكرية رومانجابو، التي تشكّل لها رمزية تاريخية إذ كانت المقر الرئيس للمتمردين بعد استيلائهم عليها خلال موجة التمرد في عامي 2012 و2013.
اتفاقية وقف “إطلاق النار”
وزير الخارجية الأنغولي تيتي أنطونيو، أعلن التوصل إلى اتفاق من أجل “وقف فوري لإطلاق النار” في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث ينشط متمردو حركة “أم 23″، بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا ابتداء من يوم الجمعة.
موقع “أفريكا نيوز” نقل عن أنطونيو قوله، إن كلا الطرفين اتفقا على المطالبة “بالانسحاب الفوري لمتمردي حركة “أم 23″ من المناطق المحتلة”. كما والتقى فيليكس تشيسيكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، ووزير الخارجية الرواندي فنسنت بيروتا، في محاولات لإنهاء التصعيد الأخير للتوترات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد فشل وقف إطلاق النار في تموز/يوليو الماضي.
بحسب التقرير، سيدخل وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه حديثا حيز التنفيذ من الساعة 6:00 مساء (17:00 بتوقيت غرينتش) يوم الجمعة المقبل. وفي يونيو/ حزيران، اتفق قادة جماعة شرق إفريقيا على إنشاء تحالف لإنهاء الصراع في شرق الكونغو الذي أشعلته حركة “أم 23”.
جمهورية الكونغو الديمقراطية كانت قد اتهمت رواندا بدعم المتمردين؛ فيما نفت الأخيرة هذه الاتهامات. وادعى كلا البلدين أن الآخر كان يقصف أراضيه الحدودية.
قد يهمك: خطة أوروبية لوضع سقف لأسعار الغاز.. ما النتائج؟
إحلال السلام؟
يوم الثلاثاء الفائت، أعلنت أوغندا إرسال ألف جندي بحلول نهاية تشرين الثاني /نوفمبر الجاري إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، في إطار قوة إقليمية من شرق إفريقيا تسعى إلى فرض السلام في البلاد التي تواجه جماعات متمردة مسلحة.
في حين يرى الخبراء إن تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية مليء بالصراعات ومحاولات السلام الفاشلة، حيث حاولت بعض الجماعات التوسط لإحلال السلام بين الجماعات المتحاربة، حيث شهدت السنوات الأخيرة الماضية محاولات من بعض الهيئات الإقليمية؛ مثل “الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي”، وأصحاب النفوذ للتوصل إلى تسوية بشأن النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن الأمر واجهه صعوبات كبيرة.
المتحدث باسم الجيش الأوغندي فيليكس كولاييغي، صرح لوسائل الإعلام “نضع اللمسات الأخيرة لجهوزية قواتنا قبل إدخالها إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية” إلى جانب الجنود الكينيين الموجودين في مدينة غوما. وأردف “نرسل نحو ألف جندي في مهمة”، دون أن يحدد موعدا بدقة.
مصدران عسكريان أفادا أن فرق استخبارات وخدمات طبية ولوجستية كانت موجودة للتحضير لوصولها إلى غوما،”سنفرض السلام على المتسببين في انعدام الأمن حاليا لخطر هجوم من حركة أم 23، حركة تمرد التوتسي السابقة التي حملت السلاح مجددا نهاية عام 2021″، وفق لموقع “العرب“.
الصراع في الكونغو هي واحدة من أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية وأطولها في العالم، إذ يواجه أكثر من 27 مليون شخص نقصا في الغذاء، واضطر ما يقرب من 5.5 مليون شخص إلى الفرار من ديارهم، بحسب الأمم المتحدة. كما ويُنظر إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية عموما، على أنها في حالة حرب دائمة على الرغم من المحاولات المبذولة لإحلال السلام المستدام.
قد يهمك: إيران تعلن مجددا تخصيب اليورانيوم.. عقبة جديدة أمام المفاوضات النووية؟
العقبات
متمردو حركة “أم 23” المكوّنة بمعظمها من كونغوليين، استأنفوا القتال أواخر العام 2021 بعدما خمدت خلاياهم لسنوات، متهمين حكومة الكونغو الديمقراطية بعدم الإيفاء باتفاق ينص على انخراط عناصر الحركة في صفوف الجيش. واستطاعوا الاستحواذ على عدة مناطق في شمال كيفو في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى اتساع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم. ويقدر “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوشا)، أن القتال الأخير تسبب في نزوح 188 ألف شخص.
جراء تقدّم الميليشيات في أنحاء مقاطعة شمال كيفو الشهر الماضي، دفعت ببعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام هناك إلى رفع مستوى التأهب وزيادة الدعم للجيش الكونغولي. وكانت لعودة “أم 23” تداعيات على العلاقات في وسط إفريقيا.
الخبراء يرون أن “الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية يشتمل على ثلاثة أبعاد؛ بُعد محلي، وآخر وطني، وآخر إقليمي”، وأن الأمر يستلزم التعامل مع عملية السلام على هذه المستويات الثلاثة جميعا كي يعود السلام إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفقا لـ”العرب”.
لكن بغضِّ النظر عن المستوى الذي يُنظر من خلاله للأمر؛ فإن الدروس المستفادة من النزاعات وعمليات السلام تتباين بنفس تباين تأثيرات النزاعات على مختلف الجماعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ ومع ذلك فمن الواضح أن عملية السلام يجب أن تتكامل مع الاستراتيجية السياسية لتحقيق السلام الدائم في هذه الظروف؛ وبالتالي لا بُدَّ من دمج عمليات السلام في النظام السياسي، حيث يستلزم تحقيق التعبئة الناجحة للموارد، تأسيس علاقة واضحة بين مبادرات السلام والأهداف المرجوة؛ إذ يجب ألا تكون أهداف أي عملية متضاربة أو غير قابلة للتطبيق على المستوى التقني، بل يجب وضعها وتوضيحها مصحوبة بانتدابات واضحة ومرنة وموثوق بها، مع تنفيذ قواعد الاشتباك.
قد يهمك: عسكرة الملاحة الدولية.. إستراتيجية إيران لابتزاز الغرب؟
التداعيات الإقليمية
بالعودة إلى تقرير الـ”اندبندنت”، فإن أحداث شرق الكونغو الديمقراطية تعيد إلى واجهة العلاقات الإقليمية، الخلافات وحالة عدم الاستقرار خصوصا في منطقة وسط إفريقيا، ويترتب عليها تداعيات عدة. أولا، إذا ما واصلت القوات الكونغولية حصار الحركة عسكريا، فسينتج عنه آثار أمنية وخيمة خصوصا أن تنظيم “داعش”، بدأ يوجه هجمات متفرقة في شرق الكونغو، مما ينذر بإمكانية حدوث تحالف بين حركة “أم 23” والتنظيم الذي يلوح بسعيه لفرض سيطرته على الإقليم، بعد الانسحاب الدولي وتناقص عدد قوات حفظ السلام، واختلاف الدول الإفريقية حول عدد القوات البديلة. وما يرجح هذا الاحتمال، هو أن الحركة بدأت تتبنى أفكار راديكالية، ولديها استعداد لتشكيل تحالف مع تنظيمات متشددة، خصوصا إذا ما وفرت لها الدعم اللازم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
بينما يستفيد “داعش” من التمدد والتوغل داخل الأراضي الكونغولية، لتعزيز وجوده في وسط إفريقيا ليلتحم مع قواته في منطقة الساحل وتعويض الخسائر بعد هزيمته في مناطق أخرى، ويطيل بقاءه باستنزاف مزيد من الثروات، ويعرقل جهود مكافحة الإرهاب.
أما الأمر الآخر فهو العلاقات غير المستقرة بين الدول الثلاث، فإن التنافس بين أوغندا ورواندا والكونغو الديمقراطية، قد يمتد أثره ليخلق كل طرف تحالفا جديدا مع بقية دول الجوار، مدفوعا بانعدام الثقة. فقد شنت الكونغو الديمقراطية وأوغندا معا العملية العسكرية المشتركة لتعقب “القوات الديمقراطية المتحالفة” وهي حركة أوغندية إسلامية مسلحة من المتمردين المنتسبين إلى تنظيم “داعش”، إلى داخل الحدود الكونغولية وتعاون الجيش الكونغولي مع القوات الأوغندية لمحاربة الجماعة. احتجت رواندا على هذا التعاون بأن تدخل أوغندا يتعدى على مجال اهتمامها في شرق الكونغو.
الأمر الثالث، مع إصرار حركة “أم 23” على وجودها في شرق الكونغو متمركزة حول الموارد المعدنية ومستقوية بإثنية التوتسي، وفي ظل استنجاد الحكومة الكونغولية بحركات متمردة على الحكومة الرواندية تنتمي للهوتو، فإن من شأن هذا تعزيز الحركات السياسية العسكرية في الإقليم. وقد يمتد نمطها متجاوزا الدول الثلاث، ويلتحم مع حركات سياسية عسكرية موجودة بالفعل وأخرى في طور النشوء.
الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية أودت بحياة الملايين، وشردت الكثير من الذين تعرضوا للمزيد من العنف والمرض وسوء التغذية، كما خلفت الصراعات جيلا مضطربا من الأطفال والصغار والبالغين، وفككت كيانات السلطة وأواصر الثقة بين المجتمعات المحلية، وحطمت نظم التعليم والرعاية الصحية تماما، وعطلت الخدمات العامة والبنى التحتية، وخلقت فوضى كبيرة في مجتمعاتها، وبالتالي إذا لم يتوقف الصراع في الكونغو الديمقراطية وتصاعد التوتر بين هذه الدول المذكورة أعلاه، فإنها ستجر منطقة البحيرات العظمى إلى حالة من عدم الاستقرار.
قد يهمك: تغيّر المناخ يهدد أمن واقتصاد إفريقيا.. الواقع والمخاطر
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.