مع تواصل الاحتجاجات الأردنية والتوترات الأمنية في أنحاء البلاد، والتي أسفرت عن مقتل ضابط وعناصر من قوات الأمن، لا يبدو أن الحكومة في عمّان لديها خيارات حقيقية وحلول جذرية لامتصاص غضب الشارع، ما يطرح التكهنات حول لجوء القيادة الأردنية إلى الحلول التقليدية عبر إقالة الحكومة.

الاحتجاجات الأردنية تستمر منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري، في ظل أوضاع اقتصادية متفاقمة تعيشها البلاد، تقابلها وعود حكومية بتحسين الوضع المعيشي، وعدم الاستمرار في سياسة رفع الأسعار، لكن وبحسب محللين فإن الحكومة غير قادرة على تنفيذ هذه الوعود.

تفاصيل الأحداث المتوترة

الأمن العام الأردني، أعلن الإثنين عن تفاصيل جديدة حول ملابسات مقتل العقيد عبد الرزاق الدلابيح، أثناء مواجهات مع محتجين في مدينة معان جنوبي البلاد.

الأمن العام قال في بيان، إن قوة أمنية خاصة نفّذت صباح الإثنين، حملة مداهمة لما سمتها “خلية إرهابية” في منطقة الحسينية في محافظة معان جنوبي البلاد، مشيرا إلى أن العملية جاءت، بعد أن “قادت التحقيقات التي قام بها الفريق التحقيقي المكلف بحادثة مقتل العقيد الدلابيح، بحصر الاشتباه بمجموعة من الأشقاء من حملة الفكر التكفيري” حسب تعبير البيان.

وتشهد البلاد حالة من التوتر الأمني بعد مقتل العقيد عبد الرزاق الدلابيح، إثر إصابته برصاصة في الرأس، أثناء مظاهرات في مدينة معان الخميس الماضي، كما أصيب ضابط وصف ضابط آخرين، وفق تأكيدات الجهات الأمنية.

عضو حملة “محلي” المجتمعية في عمّان محمد عميرة، رأى أن الحكومة الأردنية مطالبة بإيجاد حلول جذرية بعيدا عن الحلول المرحلية، مشيرا إلى أن اللجوء إلى إقالة أو حل الحكومة، هو اعتراف مباشر بالعجز عن الحل، إذ أن هذه الخطوة لا تعدو كونها محاولة لامتصاص غضب الشارع.

عميرة قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “باعتقادي الموضوع ليس مرتبط بحل الحكومة، حل الحكومة، دائما تستخدمه الدولة لامتصاص غضب الشارع، فالوضع مرتبط بوضع حلول جذرية ودائمة التأثير“.

عميرة أوضح أن الحكومة مطالبة بإشراك مكونات الشعب الأردني في وضع الحلول للأزمة الحالية، وأضاف “الحلول يجب أن تكون بمشاركة عدة أطراف، كالأحزاب والعشائر وجميع مكونات المجتمع الأردني“.

كذلك اعتبر أن الحلول التي تصدر عن الحكومة، هي حلول مؤقتة وذات تأثير مرحلي، أكثر مما هي حلول دائمة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الوضع المتردي في الأردن، يحتاج إلى حلول تتطلب وقتا طويلا من العمل وبمشاركة كافة المكونات.

قد يهمك: رغم تراجع أرقام التضخم.. لماذا يواصل الفيدرالي الأميركي رفع نسبة الفائدة؟

حول ذلك أضاف، “يجب إشراك الجميع ليدركوا أهمية الحلول الحقيقية، حتى يستطيعون التعاطي معها لوقت طويل، وأؤكد أن الاحتجاجات جزء مهم لكي يتمكن الأهالي من التعبير عن مطالبهم، ويجب كذلك أخذ هذه المطالب بعين الاعتبار، لذلك يجب على الحكومة إشراك أصحاب الخبرة من المجتمع في اجتياز هذه المرحلة والوصول إلى حلول مستمرة ودائمة“.

احتجاجات مستمرة

منذ أن بدأت الاحتجاجات والإضرابات في الأردن اعتراضا على قرارات الحكومة برفع أسعار المحروقات، وعمّان لا تجد الحلول لمنع كرة الثلج من التدحرج، فتوسعت الاحتجاجات حتى وصلت إلى مشارف العاصمة، وتسببت بمقتل ضابط أمني في الجنوب، فهل يمتلك الأردن خيارات لمواجهة هذه الأزمات.

بعد حادثة مقتل العقيد، صدر بيان باسم وجهاء وأهالي محافظة معان، استنكروا عملية الاغتيال، كما أكد البيان على رفض رفع السلاح في وجه أي أردني عسكري كان أو مدني، محمّلا الحكومة المسؤولية الأكبر عن الأوضاع التي تشهدها البلاد منذ أسابيع.

جاء في البيان، “شباب معان وشيوخها وجميع عشائرها يؤكدون اعتزازهم بإخوانهم في الأجهزة الأمنية كافة والتفافهم سورا منيعا حول وطنهم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه حتى غربه، رافضين الفتن ومتبرئين من أصحابها“.

خلال الأيام القليلة الماضية شهدت البلاد توسعا للاحتجاجات، إذ يؤكد صحفيون من الأردن أنه يوميا تدخل مناطق جديدة ضمن الاحتجاجات، لكن توقعات المحللين تذهب في معظمها للقول إن الهدوء هو عنوان المرحلة القادمة، إذ أن الحكومة ستعمل بكل أدواتها على امتصاص غضب الشارع

الأردن شهد رفع لأسعار المحروقات 16 مرة منذ العام 2020، وارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 50 بالمئة، ما دفع فئات واسعة من الشعب للتظاهر والاحتجاج على السياسة الاقتصادية.

 الحكومة الأردنية تعهدت، بحسب ما نقل موقع “بي بي سي عربي“، بالنظر في مطالب المحتجين، ولكنها قالت إنها دفعت 700 مليون دولار هذا العام، للحد من ارتفاع أسعار الوقود.

أضافت أيضا أنها لا يمكنها أن تدفع أكثر، بسبب الشروط التي وضعها “صندوق النقد الدولي“، لتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في البلاد.

من جهتها قالت الحكومة الأردنية إنها لن تتهاون في إنفاذ القانون وفرض السيادة على من يحاول الإخلال بالأمن، والاعتداء على رجالاته.

الحكومة أضافت أنها ستنفّذ القانون على كل من يحاول استثمار أي ظرف لإحداث الفوضى وترهيب المواطنين، على حد قولها.

الأردن يواجه أوضاعا اقتصادية بالغة الصعوبة، في المقابل تتحدث الحكومة عن تحسّن قادم، حيث بدت متفائلة بتحقيق نتائج اقتصادية جيدة في موازنة 2023، وذلك بزيادة نسبة النمو وتخفيض الدّين العام وزيادة الإيرادات المحلية وتسريع مسارَي الإصلاح الإداري والاقتصادي، من خلال رصد مخصصات في بنود منفصلة لكل منهما، فما هي أبرز التحديات الاقتصادية في الأردن.

عجز مستمر؟

الحكومة قدّرت حجم موازنة العام المقبل بحوالي 11.4 مليار دينار “إجمالي الإنفاق“، بعجز مالي سينخفض قبل المنح إلى 2.664 مليار دينار، في حين أنه سينخفض بعد المنح إلى 1.826 مليار دينار، ليتراجع من 3.4 إلى 2.9 بالمئة في 2023، وفقا لما أعلنه وزير المالية محمد العسعس.

لم تختلف كثير الموازنة الجديدة للعام المقبل عن الموازنات الماضي، وهي موازنات عاجزة يتم تغطيتها بديون جديدة، إذ أن أداء الموازنة لم يشهد تحسّنا من ناحية الجودة والنتائج.

هناك عجز متواصل في الموازنة يقدر بـ 2.6 مليار ينخفض إلى 1.8 مليار بعد المنح، وبالتالي فإن هذا العجز المقدّر في الموازنة ستتم تغطيته بديون جديدة، بالنظر إلى أن فوائد الديون في الموازنة الجديدة تُقدر بـ 1.6 مليار دينار.

حول حديث الحكومة عن تراجع نسبة العجز في الموازنة، من 3.4 بالمئة إلى 2.9 بالمئة، أوضح محللون اقتصاديون، أن القيمة الحقيقية للعجز لم تتغير، حيث إن انخفاض نسبة العجز في الموازنة سببه ما قدّرته الحكومة للنمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي والذي سيبلغ 6.6 بالمئة من الموازنة، بالتالي فإن التضخم استخدمته الحكومة كوسيلة لتكبير الناتج المحلي الإجمالي بإضافة معدل التضخم إلى معدل النمو.

من الصعب القول إن الموازنات الحكومية، حققت نتائج إيجابية، إنما هي فقط وسيلة للإنفاق والحصول على إيرادات ومحاولة خلق توازن بين الإيرادات والنفقات، بما يسمح بالحصول على مؤشرات تستخدم من أجل تقديمها للمؤسسات الدولية، لتبرير الحصول على قروض أو ديون.

مع دخول فصل الشتاء، ارتفع إنفاق الأُسر الأردنية فيما يُعرف بـ“اقتصادات الشتاء“، خاصة تأمين حاجة العائلات من التدفئة، ومواجهة أمراض الشتاء وتكاليف التنقل والمواصلات والغذاء، وترتفع نفقات العائلات الأردنية خلال فصل الشتاء نحو 20 بالمئة عن باقي الأشهر، بحسب اقتصاديين.

يبدو أن المرحلة القادمة في الأردن ما تزال ضبابية حتى اللحظة، فهل ستتمكن القيادة الأردنية من امتصاص غضب الشارع وطرح حلول جذرية من شأنها تخفيف المعاناة الاقتصادية على المواطن الأردني، أم أن الاحتجاجات ستتواصل في الشوارع وسترتفع سقف المطالب إلى ما بعد المطالبة بالإصلاح الاقتصادي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.