بعد تأجيلات متكررة واستدعاءات كثيرة كان آخرها مذكرة اعتراض على استجوابه أمام القضاء الأجنبي رفضتها النيابة العامة التمييزية، انتهت جلسة الاستماع الأولى إلى حاكم “مصرف لبنان” رياض السلامة، يوم الخميس الفائت، والتي استمرت لأكثر من خمس ساعات في قصر العدل بحضور الوفد الأوروبي الذي طرح عليه قرابة 100 سؤال عبر قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا، على خلفية اتهامه بجرائم متعلقة بالإثراء غير المشروع والتزوير وتبيض الأموال والاختلاس.

اللحظات الأولى للإعلان عن مثول سلامة أمام لجنة قضائية لبنانية تجري التحقيق معه بإشراف أوروبي، أشعلت الشارع اللبناني والمحللين بالتشكيك والانتصارات، حيث يسأل قسم عما إذا كانت القوى السياسية قد تخلت عنه، بينما تتوسع التوقعات أكثر، بأن رياض سلامة سقط، ويتوجه القضاء لإصدار مذكرة تحقيق بحقه، وذلك للتدليل على أن الرجل مُدان.

الدولة اللبنانية، ممثلةً برئاسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانة اسكندر، تقدمت بادعاء شخصي في حق رياض سلامة، وشقيقه، رجا سلامة، وماريان مجيد الحويك، وكل مَن يظهره التحقيق، وذلك تبعا لادعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بموجب ورقة الطلب المقدمة إلى قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، بالجرائم الموجهة لسلامة آنفة الذكر.

اسكندر طلبت توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرف بها حفاظا على حقوق الدولة اللبنانية، وإصدار القرار الظني في حقهم تمهيدا لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت، لإنزال أشد العقوبات في حقهم لخطورة الجرائم المدّعى بها في حقهم، محتفظة بحق تحديد التعويضات الشخصية أمام محكمة الأساس.

أيضا طلبت اسكندر إحالة نسخة عن الدعوى إلى هيئة التحقيق الخاصة لدى “مصرف لبنان” بواسطة النيابة العامة التمييزية، لتجميد حسابات المدّعى عليهم وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لدى المصارف اللبنانية والأجنبية، وإصدار القرار بوضع إشارة هذه الدعوى على عقارات المدّعى عليهم، لمنعهم من التصرف بها، بحسب ما نقلته “الوكالة الوطنية للإعلام”.

هل يمكن توقيف سلامة؟

لا يمكن إصدار مذكرة توقيف بحق سلامة، لأن الموضوع الآن محصور بالاستماع إليه كشاهد وهو استعد للإجابة على جميع الأسئلة، والمستمع لا يمكن توقيفه بعكس حالة المدّعى عليه، بحسب حديث الرئيس السابق لهيئة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ”الحل نت”. كما أن التحقيق الحاصل مع سلامة محصور فقط بتنفيذ    إجراء التحقيق دون غيره، عملا بمفهوم الاستنابة القضائية الدولية.

سلامة متأكد أن التهم الموجهة إليه في تبييض الأموال والاختلاسات غير مسندة وغير صحيحة، وأنه لم يسجل على “مصرف لبنان” أي عمولات للغير، وأن العمولات تدفع من صناديق وحسابات المصارف، وهو يعتقد أنه سوف يُحرَّر من هذه التّهم ولديه الثقة في ذلك، بحسب حمود، والذي يرى بأن “يكون شقيق سلامة في موضع ضعف لكن هو يعتقد أن عمله كان وفقا للقانون”.

قد يهمك: هل سينجح الوفد القضائي الأوروبي في تأدية مهمته في لبنان؟

الشارع اللبناني منقسم، جزء كبير منه يرفض تبرئة ساحة سلامة، ويعتبره سببا ومسببا للأزمة وضياع الأموال، والبعض يعتبر أن الأزمة نتيجة أجواء سياسية ومالية مهترئة، بحسب حمود، والذي يستغرب من استمرار سلامة في عمله في المرفق العام، رغم ادعاء الحق العام عليه بجرائم تتصل بوظيفته في حاكمية مصرف لبنان، الأمر الذي لا يمكن أن يتقبله أي منطق قانوني.

حاكم “مصرف لبنان”، تقدم بمذكرة توضيحية معتبرا أن استدعاءه لجلسة تحقيق أوروبية هي انتهاك للسيادة اللبنانية كما استند للمعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي تجيز للدولة أن ترجئ المساعدة القانونية بسبب تعارضها مع تحقيقات أو إجراءات قضائية جارية، وفقا لموقع “قناة الحرة” الأميركية.

موقف القوى السياسية

الخبير الاقتصادي والمالي عماد عكوش، استبعد خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن تكون الطبقة السياسية في لبنان، قد تخلت عن رياض سلامة، لأنه حافظ لأسرارها ويملك كل المستندات التي تدينها، لكن هذه الطبقة لا تجرؤ على الوقوف في وجه القضاء الأوروبي، لأن معظم هذه الطبقة لديها أموال في أوروبا وهي تخشى العقاب والمصادرة.

القضاء اللبناني أدّعى على سلامة وشقيقه بجرم تهريب وتبييض الأموال، ولكن للأسف من باب حفظ حق لبنان في أي موجودات يمكن أن يتم وضع اليد عليها وحجزها في الخارج، بحسب عكوش، لأنه في حال عدم الادعاء تصبح كل المصادرات ملك للجمعيات المدعية في الخارج، ولغاية اليوم لا يوجد قرار من القضاء اللبناني بتوقيف رياض سلامة وشقيقه، لكن لا يستبعد عكوش، صدور هكذا قرار بعد صدور قرار مماثل من الاتحاد الأوروبي أو فرنسا.

من جهته يرى الكاتب السياسي علي الحسيني، في حديثه لـ”الحل نت” بأن سلامة أمّن حماية مالية لمنظمة كبيرة في لبنان من سياسيين وأحزاب وقوى..إلخ، لكن البعض منهم قد تبرأ من سلامة والبعض الآخر دافع عنه لآخر نفس، بينما قسم آخر لم يستفد منه ويقوم دائما بمهاجمته، وما يمثله توقيف سلامة للطبقة السياسية، هو الشعور بالخوف، وفق الحسيني، وبأن هذا الشعور سيمنعها من التمادي بعمليات الفساد، وأن العبرة تكون بمحاكمة رياض سلامة شخصيا وماذا سينتج عن هذه المحاكمة. فإذا أُدين سلامة، فلبنان ذاهب بالاتجاه الصحيح، بينما إذا بُرئ سلامة يعني ذلك تكملة للفساد واستمرار للأزمة، وفق تعبيره.

تحقيقات أوروبية

في كانون الثاني/يناير الماضي، استمع محققون من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في بيروت إلى شهود، بينهم مدراء مصارف وموظفون حاليون وسابقون في مصرف لبنان، في إطار تحقيقات بقضايا غسل أموال واختلاس في لبنان مرتبطة بسلامة.

التحقيقات الأوروبية، تركز على العلاقة بين “مصرف لبنان” وشركة “فوري أسوشييتس”، المسجلة في “الجزر العذراء”، ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها، رجا سلامة، شقيق حاكم “مصرف لبنان”. ويُعتقد أن الشركة لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة و”يوروبوند” من “المصرف المركزي” عبر تلقي عمولة اكتتاب، جرى تحويلها إلى حسابات، رجا سلامة، في الخارج.

قبل عام، أعلنت وحدة التعاون القضائي الأوروبية “يوروجاست” أن فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، جمّدت 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتّهم غسل أموال واختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين أعوام 2002 و2021، بحسب موقع “قناة الحرة”.

أقرأ أيضا: هل سيتكرر مشهد اقتحام المصارف اللبنانية؟

 صحيفة “زونتاغس تسايتونغ” الأسبوعية السويسرية، أفادت في شباط/فبراير الماضي، أن جزءا كبيرا من مبلغ يتراوح بين 300 و500 مليون دولار، اتهم سلامة باختلاسه، أودع في حسابات في 12 مصرفا سويسريا. وبموازاة التحقيق الأوروبي، فتح القضاء اللبناني في نيسان /أبريل 2021 تحقيقا محليا بشأن ثروة سلامة ومصدرها بعد استهدافه بالتحقيقات الأوروبية، وفي 23 الشهر الماضي، أدّعى القضاء اللبناني على سلامة وشقيقه ومساعدته، ماريان الحويك، بجرائم اختلاس أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي.

ملف رياض سلامة وتحريكه في الوقت الحالي بعد تأجيل دام لعدة أشهر، يراه مراقبون استباق لمرحلة ما قبل الخطر، فلبنان اليوم مطالب بإنهاء هذا الملف والبحث عن محافظ جديد لمصرف لبنان، لعل يساعد في وقف التهاوي والانحدار الاقتصادي للدولة، ويحمي أموال المودعين، ويعيد الثقة إلى القطاع المصرفي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.