بحذر شديد تراقب مصر المشهد في السودان الجارة الجنوبية، وسط مخاوف من نتائج الصراع المستمر منذ منتصف نيسان/أبريل الجاري بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي).

رسميا دعت القاهرة إنهاء القتال في السودان في بيانات مقتضبة، لكنها لم تبد حتى الآن أي انحياز لطرف في السودان التي تجمعها بمصر حدود طولها 1276 كلم، والتي تستضيف على أراضيها نحو 4 ملايين سوداني، ما يؤشر حسب مراقبين إلى أن التعاطي المصري لا زال في طور التوازن، بانتظار تلمس ما ستؤول إليه نتائج الصراع.

قلق مصري واضح؟

الباحث المصري في العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي، يقول إن “ما يجري في السودان يثير قلق المجتمع الدولي عامة، ومصر بصورة خاصة، لكن في الآن ذاته تنظر القاهرة إلى ما يجري على أنه شأن سوداني، وهي تقف على مسافة واحدة من الطرفين”.

“الأزمة في السودان مركبة، وخطيرة للغاية، وقد تؤدي إلى تفتت السودان” حسب تأكيد الباحث المصري لـ”الحل نت”، مضيفا: “لذلك تحاول مصر دفع الفرقاء إلى الذهاب باتجاه حل سياسي”.

حول مصلحة مصر، يقول الديهي إن “مصلحة مصر في استقرار السودان، وبالتالي أي وساطة من جانب القاهرة سيكون هدفها نزع فتيل الصراع، وعودة الأمور إلى نصابها”.

بحسب الباحث المصري، تتحضر مصر لطرح وساطة، والوساطة في ظل هذا الوضع بالغ الصعوبة تحتاج إلى جهود دولية ووقف الدعم الخارجي لطرفي الأزمة، مبينا أن “الدور المصري حاليا يدور في هذا الفلك، أي الضغط على الأطراف الخارجية لوقف دعم طرف على حساب طرف، ومن ثم تمهيد الأرضية لمائدة الحوار، وقد يكون الحوار في القاهرة”.
 

الحسابات المصرية في السودان تبدو معقدة، فمن جهة تتجنب القاهرة التورط المباشر في الصراع السوداني، ومن جهة تخشى سقوط السودان في يد “حميدتي” الذي يتلقى دعماً خليجياً، وفق تقرير نشره موقع “عربي بوست”.

“سقوط السودان في يد حميدتي يمثل خيارا خطرا بالنسبة للقاهرة التي تفضل حكما عسكريا، خاصة أن حميدتي الأقرب لدول الخليج، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ولا حدود لطموحه، لاسيما مع مغازلته للقوى المدنية، وتقديمه لنفسه كمدافع عن الديمقراطية، بجانب شكوك القاهرة بأنه قد يكون أقرب لمواقف إثيوبيا”، كما يؤكد الموقع.
 
الموقع أضاف أنه “لطالما دعم السيسي الذي كان وزيرا للدفاع في مصر قبل أن يتولى الحكم، الجنرال عبد الفتاح البرهان، خاصةً أن الخرطوم الحليف الرئيسي للقاهرة في نزاعها مع إثيوبيا حول النيل، ورغم أن مصر كانت علاقتها جيدة مع حميدتي عندما كان حليفا للبرهان وقيل إنها توسطت من قبل لحل خلاف بين الرجلين، فإن مزاج المؤسسة العسكرية المصرية العريقة يظل بعيدا عن تقبل تولي زعيم ميليشيا سابق السلطة حتى لو حمل رتبة فريق، وبالتالي يفترض المحللون أنها أكبر داعمي البرهان الذي تلقي جزءا من تعليمه العسكري في القاهرة، خاصة أن مصر كانت دوما داعمة لفكرة تولي العسكريين السلطة في البلدان العربية المضطربة مثل العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003، وفي لبنان خلال فترات الفراغ الرئاسي”.

محددات مصرية تجاه ما يجري في السودان

لكن، مدير “المركز العربي للبحوث والدراسات” في القاهرة، هاني سليمان يتحدث عن محددات لبلاده إزاء الشؤون الخارجية للدول، وقال: “لدى مصر محددات في تعاملها، أهمها عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، واحترام سيادة الدول، ودعم التهدئة، وعدم إقحام الدولة المصرية في أي صراع خارجي”.

سليمان أضاف لـ”الحل نت”، أن مصر تتأنى في تعاطيها مع السودان، وهي تسعى لتقريب وجهات النظر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي منفتحة على كافة الأطراف، لأن ليس لديها مصالح ضيقة، ويشير في هذا السياق إلى محاولات استفزاز مصر، ويستدرك: “لكن مصر تدعم دائما مؤسسات الدولة والجيوش الوطنية للحفاظ على الدولة، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال عدم استغلال مصر للتطورات في ليبيا لتحقيق مصالح ضيقة، وإنما كانت مصر منفتحة على الأطراف الليبية المختلفة”.

بما يخص العلاقة القوية التي تجمع مصر بقائد الجيش السوداني البرهان، يقول سليمان: “لا يعني التقارب النسبي بين مصر مع طرف سوداني، الإخلال بمعادلة التوازن في التعامل مع الجميع”.

ما يدعم حديث الباحث المصري، هو وجود قنوات اتصال بين مصر وحميدتي، حيث تفيد مصادر مصرية أن الغرض الرئيسي من ذلك، حسابات متعلقة بالهدن الإنسانية وإيصال المساعدات وإنشاء ممرات آمنة للعالقين المحاصرين، والمساعدة في عمليات الإجلاء.

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، يقول في تقرير نشره موقع “العربي الجديد”، إن “الموقف الرسمي المصري الواضح منذ إقصاء عمر البشير عن الحكم في السودان عام 2019، حاسم، وهو الإقرار والاعتراف والتعاون والتواصل مع المجلس العسكري الحاكم بقيادة عبد الفتاح البرهان.

باركت مصر ووافقت على كافة الاتفاقيات الداخلية والإعلانات المختلف والتي كان المجلس العسكري بقيادة البرهان طرفا فيها، من أجل الحفاظ على استقلال وسيادة وسلامة الوحدة الإقليمية للسودان باعتباره دولة الجوار الجغرافي الكبرى لمصر، بحسب سلامة الذي أشار إلى أن مصر لم تقطع صلتها بحميدتي، وذلك لأن قواته كانت قبل التمرد العسكري الأخير، أحد الفاعلين العسكريين المعترف به قانونا في البلاد منذ عام 2017، وهي ليست ميليشيات خارج الشرعية، بل كانت ميليشيات عسكرية من لدن الدولة السودانية.

معضلة مصر في السودان

غير أن تقديرات أخرى تؤكد أن مصر رغم تفضيلها الحفاظ على الوضع السابق في السودان وبالتالي دعم البرهان، إلا أنها لا تستطيع الانحياز للجيش السوداني، بمواجهة حميدتي الذي يتلقى دعما إماراتيا، والأخيرة تعد من أبرز الداعمين الاقتصاديين لها.

في هذا الإطار، يرى موقع “بي بي سي” البريطاني، أنه رغم الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي تتمتع بها السودان بالنسبة لمصالح مصر الاستراتيجية، يبدو أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر تواجه صعوبة بالغة في اتخاذ موقف يتمتع بالمصداقية من الفوضى في الخرطوم.طبقا للموقع “تجد مصر نفسها وسط معضلة على الرغم من أنها قد تتحمل أكثر من غيرها فاتورة صراع قد يطول، فمصر مقربة من أحد أطراف الصراع، أي الجيش السوداني، في حين يرجح أن قائد قوات الدعم السريع يلقى تأييد الإمارات التي تعد أحد أكبر الداعمين لمصر ماليا”.

الحال كذلك، تفضل مصر على حد تعبير هاني سليمان، تحركات مؤسساتية عربية (الجامعة العربية)، ومن جانب “الاتحاد الأفريقي” و”الأمم المتحدة”، مضيفا: “لكن مصر تخشى خروج الأمور في السودان عن السيطرة، وهذا يعني احتمالية فرض واقع ميداني جديد على الأرض ينذر بتقسيم السودان مستقبلا”.

لكن، مع ذلك لا يرى سليمان أي احتمالية لتدخل مصر المباشر في السودان، ويقول: “تتعامل مصر مع التطورات بغاية الأهمية، لأنها من أكثر الدول تضررا، لكنها في الوقت ذاته لا تريد إقحام جيشها في مواجهات قد تزيد من حدة الصراع، حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحها، أو لا يخدمها على الأقل، لأن استقرار السودان بالنهاية مسألة تمس الأمن القومي المصري”.

بناء على ما سبق، تبدو مصر في موقف صعب وغير معهود، فهي لا تريد أن تجد نفسها أمام نظام سوداني معاد لها، وخاصة لجهة نزاعها المائي مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة، وكذلك لن تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي في ظل استمرار الصراع وتدخل أطراف خارجية فيه، علاوة على امتداد التداعيات الإنسانية إلى أراضيها من خلال تدفق أعداد كبيرة من السودانيين عبر حدودها الجنوبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات