مع انخفاض وتيرة التصعيد العسكري في سوريا، بدأت إيران منذ سنوات تأخذ طابعا جديدا في نفوذها على الأراضي السورية، فباتت تتجه نحو محاولة شرعنة وجودها في سوريا، عبر التّغول أكثر في الأراضي السورية، ليأخذ وجودها في البلاد شكلا مدنيا.
في كافة مناحي الحياة تسعى إيران للتوغل أكثر في سوريا والحصول على مزيد من التنازلات من حكومة دمشق، وهي التي أرسلت عدة وفود من طهران إلى دمشق، لتوقيع المزيد من الاتفاقيات التي تسمح لطهران بتحقيق مكاسب اقتصادية عديدة في سوريا خلال الفترة القادمة.
زيارة قريبة تم الإعلان عنها للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، نحو دمشق الأربعاء، وذلك بعد اتفاق الوفود الإيرانية على العديد من الاتفاقيات مع دمشق، كما أن توقيت الزيارة بعد الاتفاق السعودي الإيراني على التقارب، يطرح التساؤلات حول تبعات هذه الزيارة وتأثيرها على شكل النفوذ المستقبلي لطهران بعد عودة علاقتها مع الرياض.
ما وراء زيارة رئيسي إلى دمشق؟
كذلك فإن الجهود العربية لإعادة دمشق إلى الحضن العربي، يبدو أنها دفعت إيران إلى الإسراع في التوغل في مختلف القطاعات السورية، وذلك في محاولة لتثبيت نفوذها وجعل قضية كبح الجماح الإيراني في البلاد أمرا يصعب على الدول العربية تحقيقه بدون الاتفاق مع طهران وليس الاتفاق مع دمشق.
الإعلان عن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق تم عبر وسائل إعلام إيراني، حيث أكدت أن رئيسي سيتوجه إلى دمشق الأربعاء “تلبية لدعوة رسمية من الرئيس السوري بشار الأسد”، وقالت عن الزيارة إنها “بالغة الأهمية” وتستمر لمدة يومين.
الزيارة الإيرانية يُتوقع أن يكون لها تأثيرا واضحا على شكل النفوذ الإيراني في سوريا مستقبلا، خاصة بعد التقارب السعودي الإيراني، ومحاولات إعادة دمشق إلى الدائرة العربية، فمعظم الدول العربية ترغب حاليا في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا عبر التقارب مع دمشق، في حين تحاول إيران بشتى الوسائل قطع الطريق على الدول العربية بذلك.
فالتقارب العربي مع دمشق يمكن أن يكون له انعكاسات سلبية على رغبة الدول العربية فيما يتعلق بنفوذ إيران، خاصة فيما إذا بدأت الاستثمارات العربية والأموال بالتدفق إلى دمشق، في ظل التمدد الإيراني واستحواذ طهران على قطاعات واسعة في الاقتصاد، فيمكن لإيران أن تكون مستفيدة من هذا التقارب.
إيران تسعى لتثبيت نفوذها؟
الباحث في الشأن الإيراني إسلام المنسي، رأى أن إيران تسعى إلى تثبيت نفوذها في سوريا، تزامنا مع الانفتاح العربي مع دمشق، وذلك عبر الانخراط أكثر في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، مشيرا إلى ارتفاع احتمالية وقوع اتفاقيات اقتصادية كبيرة بين طهران ودمشق خلال الفترة المقبلة.
المنسي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بالتأكيد تسعى إيران إلى ترسيخ نفوذها في سوريا، ولكن في الفترة الأخيرة ومع انفتاح النظام السوري على الدول العربية وهدوء حدة المعارك، وظهور المكاسب الاقتصادية واقتراب مرحلة إعادة الإعمار، تحاول إيران الحصول على مكاسب دائمة وشرعنة وقوننة وجودها في سوريا، وعدم الاعتماد فقط على وجودها كأمر واقع بقوة السلاح”.
كذلك تسعى طهران إلى استغلال تغوّلها العسكري ومساهمتها العسكرية في الحفاظ على سلطة دمشق، لانتزاع أكبر قدر من التنازلات من قبل الحكومة السورية، وذلك لإضفاء نوع من الشرعية على وجودها، وتقوية موقفها أمام أي منافسة سواء كانت إقليمية أو دولية في سوريا.
المنسي أوضح أن زيارة الرئيس الإيراني إلى جانب الوفود التي ترسلها طهران باستمرار إلى دمشق، تتعلق تحديدا بالاتجاه العام الإيراني، الذي يسعى لنقل النفوذ الإيراني من الجانب العسكري إلى الجوانب المدنية وأبرزها الجانب الاقتصادي.
أنشطة اقتصادية متزايدة
حول ذلك أضاف، “الميليشيات الأجنبية التابعة لإيران في سوريا مثل زينبيون وفاطميون، انخرطوا بالفعل في أنشطة اقتصادية وخدمية ذات طابع اجتماعي من أجل غرس النفوذ الإيراني في النسيج السكاني السوري، ومحاولة جعل النفوذ الإيراني مرتبط بكافة مناحي الحياة في سوريا”.
بالتالي فإن كافة الجهود الرامية إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، يتم عرقلتها ويصبح من الصعب اقتلاع هذا النفوذ، خاصة مع ظهور المزيد من بوادر التعاون الاقتصادي والاستثمارات المباشرة لحكومة طهران في كل قطاعات الحياة السورية، تحت شعارات مثل التطوير الزراعي والاستثمار وغيرها، بينما الهدف هو إكساب النفوذ الإيراني طابعا مدنيا في البلاد.
أما عن دور المملكة العربية السعودية بعد التقارب مع إيران، فإن هناك وجهة نظر لدى العرب تقول إن وجود السعودية بثقلها الاقتصادي واستثماراتها ومشروعاتها، يمكن له أن يؤدي إلى إبعاد الإيدي الإيرانية عن المجالات الحيوية في سوريا.
قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟
المنسي قال حول ذلك، “السعودية ستقدم البديل إلى دمشق لتعود إلى الدائرة العربية وتدير ظهرها لطهران، بينما هناك رؤية أخرى تقول العكس، إذ إن إيران هي بالفعل متحكمة بمفاصل سوريا، ووجود السعودية يدعم سوريا بصفة عامة، ويؤدي إلى استفادة إيرانية حينما يتم ضخ الاستثمارات والأموال إلى النظام الذي تسيطر عليه طهران، فبالتالي الأمر ينبني على كيف سيتم التعاون بين الدول العربية وسوريا وكيف سيتم إدارة المشهد”.
على الجانب المقابل لا يبدو أن القيادة السورية، لديها الإمكانيات لتقديم ما يتطلع إليه العرب، فقد فشل العرب نفسهم قبل سنوات في الحصول على أية وعود من دمشق تتعلق بوقف تمدّد النفوذ الإيراني مقابل تحقيق التقارب، هذا فضلا عن أن قرارا من هذا النوع لا يمكن له أن يُصدر من دمشق بإرادة قياداتها.
العرب يعرفون جيدا مدى تغلغل النفوذ الإيراني في سوريا، وبالتالي فإن دمشق لا تملك السيادة بما يكفي لفرض شكل تحركات الميليشيات الإيرانية وأماكن تمركزها على أراضيها.
التحركات الإيرانية الأخيرة توحي بأن طهران غير مستعدة أبدا للتنازل على نفوذها المتزايد في سوريا، حتى ولو كان على حساب علاقاتها التي ما تزال تسودها تعقيدات مع المملكة العربية السعودية، فزيارة رئيسي إلى دمشق وما سبقها من توقيع اتفاقيات اقتصادية عديدة بين دمشق وطهران، تؤكد أن الأخيرة تريد تثبيت نفوذها في البلاد.
- فصائل المعارضة تواصل التقدم في حماة وحلب.. ماذا أحرزت؟
- فرح في الشمال وحذر في الوسط: كيف يرى السوريون تغير الخارطة العسكرية؟
- بعد نفي “الحشد الشعبي” الدخول لسوريا.. بيان غربي لـ”خفض التصعيد”
- التطورات في شمالي سوريا: كيف انعكست على المحافظات الأخرى؟
- دبلوماسي تركي: العملية العسكرية تمهد لحل سياسي.. هل يستجيب الأسد؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.