بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان إلى لبنان، نهاية الأسبوع الماضي، تتجه الأنظار نحو انفراجة في الأوضاع السياسية؛ في البلد الذي بقي من دون رئيس للجمهورية لستة أشهر نتيجة خلافات بين الأطياف السياسية، حيث تديره حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات تخرجه من أزمته الاقتصادية رغم الجهود الدولية. 

الأربعاء الفائت، وصل عبد اللهيان بيروت، في زيارة رسمية لمدة 3 أيام، وعقد الخميس لقاءات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب.

الوزير الإيراني وصل إلى بيروت قادما من مسقط (عاصمة عُمان)؛ التي تُعد أحد مطابخ التسويات في المنطقة وهي الحديقة الخلفية التي يجري فيها عادة الاجتماعات والتسويات التي لا نتوقعها، وفق حديث الصحفي اللبناني والمستشار الاستراتيجي جاد يتيم لـ “الحل نت”.

تغيّر في اللهجة؟

الوزير الإيراني، حض الأطراف اللبنانية كافة على تسريع انتخاب رئيس للبلاد وإتمام العملية السياسية، لكنه أكد أن بلاده ستدعم أي انتخاب واتفاق يتمّ التوصل إليه في هذا الصدد، داعيا الأطراف الأجنبية الى احترام خيار اللبنانيين من دون التدخل في شؤون البلاد، بينما وجه دعوة لنحو 30 برلمانيا من كتل نيابية مختلفة، استجاب 16 منهم للاجتماع الخميس الماضي. 

عبد اللهيان -خلال اجتماعه مع النواب- أكد أن إيران مستعدة لمساعدة لبنان إذا تجنّب موضوع العقوبات واعتبرها غير أساسية، في مسألة الكهرباء وغيرها. وتحدّث عن أن لبنان سيستفيد من الجو الايجابي السعودي – الايراني تماما كسوريا، وأن طهران تقف خلف أي قرار يتخذه لبنان بخصوص أي رئيس جمهورية، ومع أي أمر يتوافق عليه اللبنانيون، بحسب ما ذكر موقع “المركزية” اللبناني. 

جاد يتيم اعتبر في حديث لـ “الحل نت” أن زيارة عبد اللهيان تحمل رسائل إيرانية تؤكد الدور الذي تسعى له إيران، خصوصا في ظل الانكفاء العربي وتحديدا السعودي.

“الاتفاق السعودي الإيراني لا يتعلق بلبنان ولكنه ينعكس على ملفات متعددة بينها لبنان. إيران تسعى إلى عدم التصعيد بالتحركات السياسية في لبنان كثيرا خشية استفزاز السعودية. لبنان هي الساحة الوحيدة التي يتواجد فيها جناح عسكري ميليشيوي لبناني لإيران يتمتع بثقل ويمكن أن يكون عبد اللهيان قد نقل بعض الرسائل الخارجية، ونلاحظ أن هناك تهدئة في خطاب نصر الله وحلفاء طهران للرياض بعد الاتفاق السعودي الإيراني”، يضيف يتيم. 

ماذا عن الملف الرئاسي

بالعودة إلى ما قاله عبد اللهيان في تصريحاته المشتركة مع وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عبد الله بوحبيب، فإن الوزير الإيراني يحاول أن يطمئن القوى السياسية اللبنانية أن طهران لن تتدخل في ملف الرئاسة ولن تفرض رئيسا على لبنان، لكن المطامح لا تعكس ذلك.

الكاتب السياسي، الدكتور مكرم رباح، يرى أن عبد اللهيان “يحاول أن يقول يمكننا أن نصل إلى الاتفاق على سليمان فرنجية ولكن الاتفاق السعودي الإيراني باعتراف حسن نصر الله وباعتراف كل الأطراف خاصة السعودية لا تنطبق على لبنان ولن يكون بابا من أجل تقوية وضع أو تمكين حزب الله من السيطرة التامة على الداخل اللبناني”. 

عبد اللهيان قال بمؤتمر صحفي في ختام زيارته لبيروت إن “القوى السياسيّة اللبنانيّة المؤثّرة لديها القابليّة والكفاءة اللازمة لاستكمال العمليّة السياسيّة واختيار رئيس للجمهوريّة”.

لا يحمل عبد اللهيان أي شي في جعبته كون الطرف الإيراني لاسيما “حزب الله” لم يعي بأن عليه أن يقدم بعد التنازلات. هو لا يزال يصر على ترشيح سليمان فرنجية، علما أن هناك نوع من فيتو عربي وفيتو غربي باستثناء فرنسا التي تصر على أن فرنجية هو مرشح المرحلة ومن هنا زيارة عبد اللهيان لن تقدم أو تؤخر، بحسب حديث رباح لـ “الحل نت”.

ممثلو خمس دول معنية بالشأن اللبناني بينها فرنسا والولايات المتحدة والسعودية عقدوا اجتماعا في باريس في شباط/فبراير الماضي من أجل مناقشة الوضع في لبنان، من دون تحقيق أي تقدّم، إذ تعقد تلك الدول مشاورات دورية ويحثون لبنان على الإسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

هناك توافق خارجي على أن يكون المرشح القادم قادرا على العبور في هذا البلد نحو الإصلاح وأن يكون قادرا على لجم تصرفات “حزب الله” وكذلك الطبقة الحاكمة الحالية. 

“في الداخل اللبناني لا تزال الطبقة الحاكمة وعلى رأسها نبيه بري يحاول أن يطول من عمر هذا النظام عبر محاولة فرض سليمان فرنجية وهو أحد الأوجه التقليدية في هذا النظام بأنه هو المرشح القادر على إعادة لبنان إلى الوضع الطبيعي، وهذا شيء خارج عن المألوف وخارج عن الطبيعة”، وفق رباح. 

ترشيح فرنجية باب للتفاوض؟

زيارة عبد اللهيان إلى لبنان تأتي قبل أيام من استقبال بيروت الموفد القطري لاستكمال مسار النشاط الدبلوماسي للدول الخمسة الفاعلين في الملف اللبناني، لعقد لقاءات مع القوى السياسية كافة.

عبد اللهيان التقى الجمعة، مع أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، إذ قال بيان صدر عن الحزب أن الطرفين بحثا اتفاق طهران والرياض على استئناف العلاقات الثنائية وانعكاسه على دول الإقليم وكذلك آخر تطورات الأحداث في لبنان وفلسطين، من دون ذكر مزيد من التفاصيل. 

فيما يتعلّق بترشيح “حزب الله” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة؛ لسدّة الرّئاسة وموقف إيران في هذا الخصوص، قال عبد اللهيان إن “إيران لم ولن تتدخل بتاتاً في انتخاب اللبنانيين رئيسهم، فهم لديهم الكفاءة والقدرة على استكمال هذه العمليّة”، معتبرا أنّ “الرّئاسة شأنٌ لبنانيّ داخليّ”.

“حزب الله” بطرح مرشحه سليمان فرنجية يحاول الذهاب إلى طاولة التفاوض للاتفاق على رئيس يحقق الرضى الأمريكي السعودي حتى لا يتحمل وحيدا وبشكل علني تبعات ما سيحصل، بحسب المستشار جاد يتيم. 

هناك صعوبة في تأمين الثلثين لجلسة الانتخاب والحصول على 65 صوتا غير مضمونة وحتى إن حصل ذلك، فإن “حزب الله” يخشى ذلك خوفا من فرض عقوبات على لبنان وخسارة الدعم الدولي من صندوق النقد وغيره؛ لأن “حزب الله” يتهم بأنه دفع البلاد نحو الهاوية الصريحة، يضيف يتيم. 

وفقاً للدستور اللبناني، يحتاج أي مرشح للانتخابات الرئاسية إلى تأمين ثلثي مجموع الأصوات في مجلس النواب (الذي يبلغ عدد أعضائه 128) في الجولة الانتخابية الأولى، أو تأمين أغلبية الأصوات في الجولات اللاحقة (51%+).

مصادر سياسية لبنانية رجحت قبيل الزيارة بأن يكون هدفها التمهيد لخروج “حزب الله” من دائرة الإصرار على ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية والبحث عن خيار جديد، لكن رباح لا يرى أن الزيارة تمهد لأي شيء كون “حزب الله” يستطيع أن يرسل رسائل واضحة بأنه يريد أن يقدم بعض التنازلات.

 “من هنا كان باستطاعة عبد اللهيان حتى من الأطراف الخارجية أن يزور لبنان في الوقت ذاته وأن يصلوا إلى نوع من الاتفاق وهذا الشيء لم يحصل ولن يحصل للأسف”، بحسب رباح.

لبنان دخل في فراغ رئاسي منذ 31 تشرين أول/أكتوبر الماضي مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون دون انتخاب خلف له، حيث أدى الانقسام السياسي وعدم اتفاق الكتل البرلمانية على شخصية توافقية إلى إخفاق البرلمان 11 مرة منذ أيلول/سبتمبر 2022 في انتخاب رئيس جديد للبلاد.

بحسب يتيم فإنه لا يوجد توافق داخلي على المرشحيْن الحالييْن المعلنيْن ميشال معوض وسليمان فرنجية للرئاسة، دائما السدة الرئاسية تكون بتوافق خارجي بينما يرى أن “حزب الله” غير مصر على سليمان فرنجية. 

بناء على ما سبق فإن سدة الرئاسة في لبنان لا تزال بحاجة إلى توافقات داخلية وخارجية، لاختيار الرجل الأنسب بما يتواءم مع المرحلة الحالية، بحيث يتمتع بالقدرة على النهوض بالبلد الغارق بأزمته الاقتصادية والوصول إلى الاستقرار. 

لم تظهر زيارة عبد اللهيان إلى لبنان ولقائه مع مسؤولين وكتل نيابية أي مؤشرات على المرحلة المقبلة سياسيا، لكن بلا شك أن هذه اللقاءات لم تكن من دون تخطيط وتنسيق مسبق، لقياس مدى قابلية تفعيل العلاقات مع القوى الأخرى والوصول إلى توافقات سياسية جديدة، عقب حديثه عن استعداد بلاده لدعم لبنان بمشاريع تتعلق بالطاقة وغيرها، إضافة إلى قدرة طهران على دعم لبنان بعلاقاتها مع دول أخرى مثل الصين. 

بينما وحول لقاء الوزير الإيراني مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال عبد اللهيان إنه أكّد للجانب اللبناني “أننا نستطيع من خلال اتّفاقٍ ثنائيّ العمل على حلّ مشكلة الطاقة الكهربائيّة، إلا أنّ هذا الأمر بحاجة إلى قرارٍ لبناني وتعاون ثنائي على مستوى الحكومتين”.

رسائل إقليمية  

لم تخل زيارة عبد اللهيان إلى البلد المضطرب سياسيا واقتصاديا من توجيه رسائل أمنية مبطنة لإسرائيل بعد وقوفه في النقطة صفر من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، حيث قال إن “دول المنطقة تتجه إلى مرحلة جديدة من التعاون ستؤدي إلى عزل إسرائيل وانهيارها”.

زيارة عبد اللهيان إلى بلدة مارون الراس الحدودية تأتي ردا على خطوة مماثلة قام بها نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين في 19 نيسان/أبريل المنصرم، حيث التقط صورا على بعد 17 كيلومترا من الحدود المشتركة بين تركمانستان وإيران.

بعد بيروت، انتقل المسؤول الإيراني إلى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، على وقع التقدم في العلاقات السورية السعودية، وقبيل زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، في إشارة إلى أن طهران تسعى لتعزيز تحالفاتها في المنطقة وتبحث عن تفاهمات على ضوء التطورات الأخيرة. 

جولة وزير خارجية طهران بين ثلاث دول بدءا من عُمان وصولا إلى لبنان فسوريا، تدخل في إطار تثبيت الدور الإيراني إقليميا، إذ إن طهران على ما يبدو تريد إرسال رسائل بأنها لا تزال حاضرة بعد اتفاقها الهام مع السعودية، وتعمل على أن تكون حاضرة في ملفات المنطقة وستوسع علاقاتها مع قوى أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة