لم يكن رجب طيب أردوغان يتوقع أن يضرب زلزالا بلاده، ولم يكن يتوقع أيضا أن إدارته هشّة للدرجة الكارثية التي ستدير بها تلك الكارثة التي ستهوي بالكثير من كتلته وداعميه. ومن أنقاض الزلزال وركامه، خُلقت أكبر مخاوف أردوغان في تاريخه السياسي.

 من تحالف حزبا المعارضة “حزب الشعب الجمهوري العلماني” و”الحزب الصالح القومي” اليميني الوسطي، بمعاونة أربعة أحزاب أصغر، تشكلت المعارضة لأردوغان على هيئة “الهيدرا” الأسطورية برؤوسها الستة، يجمعها عجوز تخطى السبعين عاما، وصفه أردوغان بأنه “لا يقوى حتى على رعي شاة” هو كمال كليجدار أوغلو.

“سوف نُحيله إلى التقاعد، ونرسله إلى ركنه، سوف يتراجع بهدوء، لا ينبغي لأحد أن يقلق حيال ذلك الأمر”. يقول أوغلو، حيث يبدو واثقا جدا من فوزه بالمعترك الانتخابي.

لا يمثل أوغلو والمعارضة مجرد منافسين لشخص أردوغان في الإنتخابات التركية القادمة، بل يمكن إعتبار ذلك بأنها معركة لتركيا جديدة ضد تركيا التي نعرفها كما عهدناها تحت سياسة أردوغان منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، لذا تلقي تلك الانتخابات بظلالها على كافة الملفات التركية التي أصبحت مرهونة الآن إلى حكم صناديق الإقتراع.

ما قبل 2018

” أقول للشباب إنهم يستطيعون انتقادي بحرية. وسأحرص على أن يتمتعوا بهذا الحق” هكذا صرح كمال أوغلو إلى الـ “بي بي سي، ” الشباب يريدون الديمقراطية. إنهم لا يريدون أن تأتي الشرطة إلى أبوابهم في الصباح الباكر لمجرد أنهم قاموا بالتغريد على تويتر” يضيف. هكذا ترى المعارضة ما آلت إليه الحياة السياسية في عهد أردوغان، أنها أصبحت بمثابة ردة ديكتاتورية على السياسة. ومن هذا المنطلق تبنى وعود المعارضة وخطتها لاسترداد السياسة من جديد.

إلغاء العديد من سياسات أردوغان التي أخذ في تطبيقها منذ العام 2018 ليُطبق على الحياة السياسية للبلاد، والعودة للديمقراطية البرلمانية، والتشديد على حق النقد للحكومة ولشخص الرئيس. وتعد المعارضة بأن العودة للنظام البرلماني هي الوعد الرئيسي لها حيث سيكون نظاما أقوى بكثير مما كان معمولا به قبل عام 2018، حيث سيكون له سلطة واسعة تخول له التراجع عن الاتفاقيات الدولية وسيتمتع بسلطة أوسع في التخطيط للميزانية الحكومية.

أيضا وعدت المعارضة بإعادة منصب رئيس الوزراء الذي ألغاه الرئيس أردوغان في استفتاء عام 2017، وتسعى إلى تحجيم وتحييد مؤسسة الرئاسة حيث ستكون بلا مسؤولية سياسية، وسيُسلب من الرئيس حقه في نقض التشريعات وإصدار المراسيم، وستحذر المعارضة على الرئيس أن تكون له علاقة بأي حزب سياسي، وستحدد حقه بالترشح لولاية واحدة فقط مدتها سبعة سنوات يُمنع بعدها من النشاط السياسي.

محمود علوش الباحث في “العلاقات الدولية” والمختص بالشؤون التركية يقول لـ “لحل نت” أن، “الرئيس أردوغان يخوض في تلك الانتخابات أصعب منافسة انتخابية على الإطلاق خلال عقدين من حكمه، ويواجه مجموعة العوامل التي تصعّب موقفه منها الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات التي عاشتها البلاد، ووحدة تحالف المعارضة التي تتوحد للمرة الأولى”. لكن الرئيس التركي الحالي لم يفقد كل حظوظه في المنافسة، حيث يضيف علوش قائلا، “هذا الاستحقاق صعب لا يمكن الجزم بأنه يستطيع أن يفوز فيه، ولكنه لا يزال لديه قاعدة شعبية واسعة بانت في المؤتمرات التي نظمها في اسطنبول. لذلك، أقدر أن نتائج الانتخابات ستكون متقاربة جدا ولا يمكن الجزم بها قبل معرفة ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع في 14 آيار/مايو، أو 28 من نفس الشهر حال لم تحسم الانتخابات في الجولة الأولى”.

على أي طريقة ستتعافى الليرة؟

لا يبدو أي تغييرا في الأفق فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية للرئيس أردوغان حال بقائه في السلطة. يؤكد الرئيس أن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تستمر طالما استمر في السلطة، ووعد بأن التضخم سينخفض كذلك. بينما ترى المعارضة أن سياسات أردوغان الاقتصادية جلبت الخراب لاقتصاد البلاد، لذلك فهي تنطلق من سياسة مغايرة في برنامجها.

في خلال عامين، سينخفض التضخم الذي بلغ 44% في آخر عهد أردوغان، وستستقر الليرة التي فقدت 80% من قيمتها أمام الدولار خلال آخر خمس سنوات. هكذا تعد المعارضة مواطني تركيا. بالإضافة لذلك، تؤكد على ضمانها استقلالية “البنك المركزي” ويؤكد تحالف المعارضة أنه سيتخلى عن السماح لمجلس الوزراء باختيار محافظ “البنك المركزي”، وسيحثّ “البرلمان” على إقرار قوانين تساعد في استقلاله وتعييناته رفيعة المستوى، وسينتهي التدخل الحكومي في سعر الصرف المتغير، وسيوضع مخطط حكومي يحمي الودائع بالليرة من انخفاض قيمة العملة المحلية.

استهدف تحالف المعارضة المواكب الرئاسية الفاخرة، ووعد بتخفيض الإنفاق الحكومي عليها، وتقليص عدد الطائرات والسيارات التي تستخدمها الرئاسة وموظفوها، وستُباع بعض المباني الحكومية، ويُعاد النظر في جميع مشروعات الشراكة بين القطاع العام والخاص، ويهدف ذلك البرنامج إلى تحفيز الكثير من الاستثمار الأجنبي للدخول للبلاد.

تركيا أكثر أوروبية مما كانت عليه

“ملفات السياسة الخارجية ستكون إحدى التحديات الكبرى التي ستواجه تركيا بعد الانتخابات، خصوصا إذا كان هناك تحول سياسي أدى إلى فوز المعارضة بهذه الانتخابات”. يقول محمود علوش لـ “الحل نت” ويضيف قائلا، “في حال انتصر أردوغان لا أعتقد بأنه سيكون هناك تحوّل كبير في إدارة السياسة الخارجية للبلاد على المستوى الإقليمي أو العلاقة مع روسيا وأميركا”. يضيف علوش. الباحث في العلوم السياسية حاميت بوزرسلان يشاطر علوش تلك النظرة حيث يؤكد أن إعادة انتخاب أردوغان تعني أنه سيواصل لعبته وتقربه من روسيا والصين ودول الخليج، التي تساعده استثماراتها بتخفيف الصدمة الاقتصادية، كما أنه سيقترب أكثر من إيران وسوريا، كما أنه يعتقد أن أردوغان ينوي أن يجعل الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان هذا الصيف فرصة لإعادة مناقشة جميع الحدود من البحر الأبيض إلى القوقاز.

الرئيس أردوغان يخوض في تلك الانتخابات أصعب منافسة انتخابية على الإطلاق خلال عقدين من حكمه، ويواجه مجموعة العوامل التي تصعّب موقفه منها الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات التي عاشتها البلاد

محمود علوش

ولكن ما الذي يمكن أن يُحدث في مجال السياسة الخارجية إذا فازت المعارضة؟ يجيب علوش، “إذا فازت المعارضة سيحدث تغييرا في السياسة الخارجية، فهي دوما ما تؤكد على هوية تركيا كجزء من حلف شمال الأطلسي، كما أنها تريد إعادة تشكيل العلاقة مع سوريا، وتقليص الانخراط التركي في قضايا الشرق الأوسط”. ولكن ربما يشهد توازن العلاقات بين روسيا وأميركا الذي كان سمة الدبلوماسية التركية في عهد أردوغان بعض القلق بسبب الحرص على التأكيد على “الناتو” كمحدد للهوية التركية. يرى علوش أن، “الموازنة في العلاقة بين روسيا وأميركا مسألة معقدة، فأردوغان استطاع أن يتقن الموازنة بينهما ولن يواجه صعوبة في مواصلة هذا الدور لو بقى في السلطة، لكن الأمر يختلف للمعارضة فمن غير الواضح كيف تستطيع الموازنة في ظل حديثها عن إعادة التأكيد على هوية تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي، وستواجه ضغوطا لإدارة ظهرها لروسيا بشكل كامل، حيث أن الغرب لا يريد لتركيا أن تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا ويريد لها أن تنخرط بشكل كامل في المنظومة الغربية”.

مشروع محطة أكوبو النووية من المشاريع التي تراها المعارضة كوسائل للنفوذ الروسي في تركيا، لذلك هي تستهدف مراجعة التحالف بشأن هذا المشروع، وستعيد التفاوض على عقود الغاز الطبيعي مما يقلل من مخاطر الاعتماد على دول معينة للواردات من الغاز الطبيعي.

العضوية الكاملة في الإتحاد الأوروبي هي هدف آخر من أهداف المعارضة والتقرب من الغرب، وتحاول المعارضة مغازلة واشنطن حيث أنها تسعى لإقامة علاقات تستند للثقة المتبادلة وعودة تركيا إلى برنامج الطائرات المقاتلة إف-35 الذي استبعدت منه بعد شراء دفاعات صاروخية روسية.

في منتصف آيار/مايو سيتحدد كل شيء، وإن كان الأقرب للفوز هو تحالف المعارضة إلا أنه فوز مثقل بالكثير من الوعود التي يلزم تنفيذها واختبارها في أول 100 يوم كما قطعت المعارضة على نفسها عهدا، ولكن كيف سيتسنى ذلك لتحالف بقي ما يقرب من عقدين أو أكثر خارج التحكم في السياسة التركية؟ هذا ما تجيب عليه مجريات الأمور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات