على الرغم من استمرار هجرة الكوادر الطبية من أطباء وممرضات ومَخبريين، إلا أن الحكومة السورية لا تزال بعيدة عن هذا القطاع المتداعي، ولم تقدم أي دعم لوقف هذا النزيف من الكفاءات البشرية، بل وفرضت إجراءات قد تؤدي إلى هجرة المزيد من الأطباء. حيث اشتكى العديد من الأطباء قبل يومين من فرض “نقابة الأطباء السوريين” ضرائب باهظة عليهم، خاصة وأن رواتبهم لا تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب.

منذ سنوات ويعاني القطاع الطبي في سوريا جملة من المشاكل والعقبات، وأبرزها استنزاف الكوادر الطبية، فخلال السنوات الماضية هجر الآلاف من الأطباء إلى دول اللجوء هربا من الخدمة العسكرية والاحتياطية. وكذلك تعرضت الكوادر الطبية إلى ضربة قاسية جراء تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، ما أدى إلى نقص عام في الكوادر الطبية ونقص حاد في بعض الاختصاصات مثل التخدير وجراحة الأوعية والصدرية الداخلية.

ربح وتجارة على حساب الأطباء!

نحو ذلك، أكد أمين سر “نقابة الأطباء” نضال بيازيد، أنه تم طرح فكرة ربط عيادات الأطباء إلكترونيا بـ “وزارة المالية السورية” للتحصيل الضريبي وأن تكون هي المرحلة الثانية بعد الانتهاء من ربط جميع المشافي الخاصة، موضحا أن هناك إقبالا من الأطباء على تطبيق هذا النظام، مدّعيا أنه تلقى وعودا بأن يكون هناك عدالة في التحصيل الضريبي لدى الأطباء، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الإثنين.

غير أن بيازيد أوضح أنه ورد إلى النقابة العديد من الشكاوى من أطباء تم فرض ضرائب باهظة عليهم، مشيرا إلى أن مهنة الطب علمية فكرية خدمية اجتماعية ولا يمكن التعامل معها على أنها مهنة تجارية لأن الطبيب جزء من المجتمع يقدم خدمات، وهذه الخدمات هي رديفة لتلك التي تقدمها “وزارة الصحة” في خدمة المواطن.

بيازيد يقول إنه مع تطبيق الضريبة ولكن في الوقت ذاته أن تكون منصفة وعادلة، إلى جانب ضرورة أن يؤخذ بعين الاعتبار وضع الطبيب الحقيقي وذلك بأن الطبيب الذي لديه عيادة مستأجرة يختلف عن الطبيب الذي لديه عيادة ملك إضافة إلى تكاليف العيادة الأخرى وبالتالي فإنه من الممكن أن تكون الضريبة التي تُفرض على بعض الأطباء غير منصفة ومن هذا المنطلق فإنه يجب أن يُدرس وضع كل عيادة بشكل كامل قبل فرض التكليف الضريبي عليها.

إزاء ذلك، يرى بعض الأطباء أن هذه القرارات الحكومية بمثابة تجارة وربح على حساب الأطباء. فلا يُعقل أن تجني الحكومة أرباح ضريبية من طبيب يعمل بعائد جيد، ذلك لأن هذا الطبيب عمل بجهد وعمل لسنوات عديدة، وكلّفه ذلك معنويا وماديا كثيرا، حتى وصل إلى هذا المستوى من الشهرة بين المرضى، بجانب شرائه عيادة خاصة به، ولا يحق لأحد أن يتقاسم معه مردوده، لا الحكومة ولا أي شخص آخر.

بالتالي فإن القرار الضريبي هذا غير عادل للأطباء، وشكاوى الكثيرين منهم للنقابة بشأن هذه التكاليف الضريبية الكبيرة دليل على ذلك. لذلك، إذا بقي الوضع على ما هو عليه، واستمرت الجهات المعنية في التضييق على القطاع الطبي والأطباء بذرائع غير مبررة، وسط هذا الغلاء المعيشي، فإن الأطباء الذين بقوا في البلاد سيفكّرون أيضا في الهجرة، حيث توجد فرص أكبر لهم في الخارج.

مباحثات حكومية “غير جدية”

في سياق متّصل، أكد بيازيد أنه يتم التحضير لمؤتمر النقابة العام وذلك بعد الانتهاء من مؤتمرات الفروع في المحافظات، مشيرا إلى أن المواضيع التي تم طرحها في مؤتمرات الفروع ستتم مناقشتها في المؤتمر العام وخصوصا فيما يتعلق بموضوع القضايا التي تخص الأطباء ومعالجة أداء عملهم الوظيفي على أحسن وجه وفي تطوير المهنة إضافة إلى معالجة الصعوبات والمعوّقات التي تواجه مهنة الطب، بالإضافة إلى المواضيع التي تخص تقديم الخدمات للمواطن وغيرها من المواضيع التي تخص العمل النقابي.

بيازيد يقول إنه من أهم الموضوعات التي من المتوقع طرحها في المؤتمر هو الراتب التقاعدي للأطباء، حيث أن الراتب التقاعدي حاليا حوالي 85 ألف ليرة، مشيرا إلى أنه في ظل هذا التضخم بكل تأكيد فإن الراتب غير مناسب، مؤكدا أن النقابة تعمل على زيادة استثماراتها في هذا الصدد حتى يكون هناك إيرادات للنقابة ومن ثم العمل على تحسين وضع الأطباء.

لكن رغم كل هذه النقاشات والمؤتمرات والوعود بتحسين واقع القطاع الطبي والأطباء، يبقى كل هذا حبرا على ورق، أو أن هذه التحسينات ما هي إلا زيادات بسيطة، وبالكاد تُذكر، بالنظر إلى أن حجم تدهور الأوضاع المعيشية والليرة السورية مقابل النقد الأجنبي يتطلب زيادات في الأجور والرواتب بمعدل كبير جدا وليس زيادة 5-10 آلاف ليرة على الرواتب، وفق مراقبين.

أما فيما يتعلق بموضوع التعرفة الطبية، زعم بيازيد أن هناك تواصلا مستمرا مع “وزارة الصحة” حول هذا الموضوع، وأنه تمّ رفع مقترحات سابقا إليها حول تعديل التعرفة الطبية وخصوصا أن التعرفة الحالية لم تعد مناسبة في ظل الظروف المعيشية الحالية.

تردّي واقع الممرضين

بعيدا عن التدهور العام في القطاع الطبي كغيره من القطاعات في سوريا، البلد الممزق منذ أكثر من عقد، ونتيجة قلة الاهتمام وعدم دعم الحكومة السورية لقطاع الممرضين، خاصة من حيث زيادة الرواتب والأجور وإجبارهم على العمل لساعات إضافية دون تعويض مادي، فقد صار أعدادهم في انخفاض كبير وفقدت المشافي أكثر من نصف كوادرها من الممرضين، بسبب هجرة نسبة كبيرة منهم إلى خارج البلاد.

إن هذا التدهور في قطاع الممرضين أثّر سلبا على القطاع الصحي ككل، إذ بات انتحال صفة الممرض أمرا دارجا في المشافي بسوريا، مؤخرا، وهو ما أدى إلى ظهور الأخطار الطبية بكثرة.

هذا التردي في واقع الممرضين انعكس سلبا على القطاع الطبي، إذ باتت الأخطاء الطبية تتكرر في المشافي ولا سيما خلال الآونة الأخيرة وأدى بعضها إلى نتائج كارثية لم تنتهِ مع وفاة المريض، إذ تتمحور الكثير من الشكاوى التي وصلت إلى الصحف المحلية حول انتحال موظفين إداريين صفة ممرض وقيامهم بمهام الممرض في بعض المشافي والمستوصفات.

قد يهمك: “تكرار للأخطاء الطبية”.. تردّي واقع الممرضين ينعكس على القطاع الطبي بسوريا

مما لا شك أن أسباب هذا التدهور بقطاع التمريض وباقي المِهن الصحية، تعود لعدم تفعيل دور نقابة التمريض والمِهن الصحية، الأمر الذي أدى إلى عدم القدرة على وضع ضوابط لتحديد مهام العاملين في المهنة من خلال منح تراخيص مزاولة المهنة على سبيل المثال، بالإضافة إلى عدم منح الممرضين تعويضات ومكافآت أسوة بغيرهم من العاملين في المجال الطبي.

بالتالي هذا الأمر جعل استمرارهم في العمل مهمة مستحيلة، خاصة بعد الضغوط والمخاطر التي تعرضوا لها إبان تفشي وباء” كورونا” دون الحصول على أي تعويضات، ما دفع الكثيرين منهم إلى الاستقالة، وفق تقارير محلية سابقة.

لطالما طالب الكادر التمريضي بضم مهنته إلى المِهن الشاقة والخطرة لما يتعرضون له من ظروف عمل صعبة وقاهرة تمثّلت آخرها بالأعمال الإنسانية المجهدة في ظل وبائي “كورونا والكوليرا” وعمليات الإنقاذ والإسعاف، إلا أن كل هذه الشكاوى والمطالب لم تلقَ آذانا صاغية.

الهجرة الواسعة في أعداد الكوادر الطبية، أكدته العديد من المؤسسات الحكومية والتقارير الصحفية المحلية، ومنهم “وزارة الصحة السورية” و”رابطة التخدير وتدبير الألم” في “نقابة الأطباء”، حيث أقروا بأن عدد الأطباء في سوريا بدأ يقل بشكل واضح، مقدّرين أن الكادر الطبي خسر أكثر من 60 بالمئة من كوادره، فضلا عن أن بعض الاختصاصات الطبية في البلاد  كالطب الشرعي وجراحة الأوعية والكلية والتخدير، باتت تواجه خطر الزوال بسبب استمرار هجرة الكوادر إلى الخارج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات