في بداية شهر أيار/مايو الجاري، ارتفعت أسعار خدمات الاتصالات والإنترنت بنسبة 35-50 بالمئة في سوريا، ما أثار استياء وسخط المواطنين. وفي تعليق مثير للجدل نُشر على أحد مواقع الإعلام المحلي، قال إن أكثر من 50 بالمئة من أبراج الهواتف الخلوية التابعة لشركة “سيريتل” الموضوعة في الخدمة غير ربحية، إضافة إلى حاجة الشبكة إلى حوالي 27.5 مليون دولار كحد أدنى لضمان استمرارية عمل الشبكة الخلوية دون تطويرها.

في الواقع هذا الحديث يثير الشكوك بين السوريين، باعتبار أن أسعار خدمات الاتصال والإنترنت من جهة مرتفعة وغالية ويُحتسب وفق سعر صرف الدولار تقريبا، ومن جهة أخرى جودة الخدمات رديئة، خاصة في المناطق النائية والريفية، لذلك أثار هذا التعليق انتقادات واسعة وشكّل نوعا من السخرية بين المتابعين السوريين، ووصفوه بأنه “وهمي وكاذب”، وأن هذه التصريحات يجب أن تكون واضحة وصحيحة، حتى يكون موضع ثقة وليس العكس.

“عذر أقبح من ذنب”

في السياق، أفادت شركة “سيريتل” عبر أحد محدّثيها لإذاعة “أرابيسك” المحلية، يوم أمس الثلاثاء، أن أسعار الاتصالات ارتفعت بنسبة تتراوح بين 30 و 35 بالمئة، وذلك لتمكين الشركة من تنفيذ مهمتها ومشاريعها. مشيرا إلى أن الشبكة تحتاج إلى ما يقرب من 27.5 مليون دولار كحد أدنى خلال عام 2023، فقط لضمان استمرارية الشبكة الخلوية دون تطويرها.

أحد فروع شركة “سيريتل”- “إنترنت”

الشركة زعمت أن 50 بالمئة فقط من أبراجها الموضوعة في الخدمة غير ربحية، وبالتالي لا تحقق الإيرادات المطلوبة وإنما تحقق 20 بالمئة فقط من إجمالي الإيرادات، لكنها موضوعة لتحسين جودة الخدمة وزيادة مساحات تغطية الشبكة الخلوية.

هذا التصريح بالذات أثار سخرية السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم منصة “فيسبوك”، حيث قال أحدهم “بدلا من تحقيق الأرباح العالية 128 مليار ليرة، فليتم تحويل قسم منها لنفقات تشغيل، ومافهمنا يعني.. أبراج غير ربحية، يعني معقول تكون الأبراج خيرية!”، فيما انتقدت الإعلامية ميساء حيدر التي تعمل في “الفضائية السورية”، هذا الكلام وكتبت في الردود “مو عذر”، بمعنى أن تكاليف الإنتاج يجب ألا تكون على حساب المواطنين والمشتركين في خدمات شركة “سيريتل”.

فيما شكك العديد بمصداقية الكلام، حيث كتب أحد المتابعين “وربح المليارات التي تعلنون عنها.. هي وهمية؟؟، يجب أن تكون تصريحاتكم محل ثقة”، وأضاف البعض الآخر بالقول ” وقفو على باب الجامع شحدو والله بنزعل عليكم انت الشركة الأغلى بالعالم، قلة ما لطيتو مصاري من قبل الأزمة كانت الاتصالات بسوريا الأغلى بالعالم لسنين وسنين قصيتو دهب والماس يلا طالعو اللي تحت البلاطة واشتغلو، وطبعا والمساهمين بالشركة خفضوا أرباحهم، لاستمرارية الشركة، أم هذا خط أحمر ممنوع الاقتراب منه”.

أزمة الوقود تؤثر على الاتصالات؟

كما أن الشركة لفتت إلى أنها لا تحصل سوى على 50 بالمئة من الكمية المطلوبة شهريا والتي تبلغ 2,8 مليون ليتر من الوقود شهريا، وهي لا تكفي إلا لتشغيل المقاسم والمواقع العقدية فقط بشكل معتاد، حيث ينعكس هذا الواقع السيء على المحطات الراديوية بسبب عدم القدرة على تعبئتها باحتياجاتها من مادة المازوت ما أدى إلى تدني مستوى تواجدية الشبكة منذ أواخر عام 2021 لأدنى مستوى منذ بدء التشغيل.

إلى جانب أن أسعار الوقود والتجهيزات ومصادر الطاقة وتكاليف الشحن وغيرها المتغيرة تبعا لسعر الصرف الأجنبي، تشكل عبئا ماليا كبيرا على الشركة. وهذا ما عرّض الحديث لسيل من الانتقادات والسخرية، حيث علق أحد المتابعين ساخرا من التصريح “تعالو نعملكن جمعية نجمعلكن فيها كم لتر مازوت خطي يا حرام أنتو في امس الحاجة بهي الظروف. وانا مخبي لترين مازوت مشان اشغل فيهن الببور تعالو خدوهن إذا بتنحل قصتكم”.

في حين انتقد متابع آخر بالقول “للأسف الشديد أن دراسة احتياج الأبراج من الطاقة تتم بشكل جماعي وهنا يكمن الخطأ يجب دراسة كل برج بشكل مفصل وتحديد احتياجاته من الطاقة وتحديد السبيل الأمثل لتأمين هذه الطاقة والطاقة الاحتياطية وما يلزم لذلك من تأمينات أولية وخاصة ما يتعلق بالطاقة المتجددة الشمسية والريحية أيهما أفضل أو كلاهما مع دراسة درجة الأمان الممكنة”.

هذا وكانت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” التابعة لـ”وزارة الاتصالات والتقانة السورية”، قد أصدرت قرارا يقضي برفع أسعار خدمات الاتصالات الثابتة والخليوية، ابتداءً من الأول من شهر أيار/مايو الحالي.

بموجب القرار، طرأ زيادة قدرها 30- 35 بالمئة على التعرفة الأساسية لخدمات الاتصالات الخلوية، ونحو 35- 50 بالمئة على تعرفة خدمات الاتصالات الثابتة. وأشارت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” بحسب بيان صادر عنها أواخر نيسان/أبريل الماضي، وبررت القرار بالارتفاع الكبير لكلف المكوّنات الأساسية والمصاريف التشغيلية لشبكات الاتصالات الخلوية والثابتة، وبهدف ضمان استمرار خدمات الشركات العاملة في المجال.

على إثر إصدار “الهيئة” قرارها برفع الأسعار، أعلنت شركتا الخلوي، “إم تي إن” و”سيريتل” عن قائمة الأسعار الجديدة، والتي سرت بها في مطلع أيار/مايو الجاري، ووفق شركة “سيريتل”، فإن سعر الدقيقة الخلوية للخطوط مسبقة الدفع تصبح بـ 35 ليرة سورية، وتصبح تعرفة الدقيقة للخطوط لاحقة الدفع 33 ليرة سورية، أما سعر الميغابايت خارج الباقة يصبح 22 ليرة.

إزاء هذا الارتفاع، قرر عدد من السوريين الاستغناء عن الموبايل وجعله وسيلة للرد فقط وليست للاستخدام. كما اشتكى عدد من الموظفين من رفع أسعار الاتصالات بشكل كبير واعتبروه غير منطقي مقارنةً بالأسعار السابقة، على الرغم من سوء خدمات الشبكة، موضّحين أن الراتب لم يعد يكفي لسداد الفواتير الشهرية، وفق تقارير محلية سابقة.

مشاكل سابقة في شركة “سيريتل”

خلال العامين والنصف الماضيين، حصل خلاف بين مؤسس شركة “سيريتل”، رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والحكومة في دمشق، وعلى إثر ذلك ظهر مخلوف عدة مرات، عبر صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك” مشيرا أن شركاته ومؤسساته تعرضت لأكبر عملية نصب في الشرق الأوسط بغطاء أمني لمصلحة أثرياء الحرب، الذين لم يكتفوا بتفقير البلاد بل التفتوا إلى نهب المؤسسات الإنسانية ومشاريعها من خلال بيع أصولها وتركها بلا مشاريع ولا دخل، لتفقير الفقير ومنعه من إيجاد منفذ للاستمرار. وقال مخلوف إن المطلوب منه دفع مبلغ 134 مليار ليرة سورية، أي تقريبا نصف المبلغ.

إلا أن صوته لم يلقَ آذانا صاغية، نظرا لمعاقبته أوروبيا وأميركيا، لأسباب تتعلق بثرائه غير المشروع على حساب الشعب السوري، ثم لاحقا لدعمه حكومة دمشق، أمنيا وعسكريا واقتصاديا، وهو صاحب إمبراطورية مالية ضخمة، أسسها في سوريا، عبر صلة القربى التي تجمعه بآل الأسد، وعبر التربّح غير المشروع وممارسة أعمال تجارية تخالف القانون، ليس في سوريا وحدها، بل في أنحاء عديدة من العالم.

شركة “سيريتل” كانت من بين الشركات التي اتُخذت ضدها مجموعة من الإجراءات آنذاك، وتداولت أنباء حول تحويل جزء من حصصها إلى ما يسمى بـ “صندوق الشهداء” التابع للحكومة السورية. وفي عام 2020 قرر القضاء السوري، تعيين حارس قضائي على شركة “سيريتل” المملوكة لمخلوف، وحسب حكم محكمة القضاء الإداري، فقد تم تعيين رئيس “الشركة السورية للاتصالات” التابعة لدمشق، بصفة حارس قضائي على “سيريتل” على أن يتقاضى مرتبا شهريا مقداره 10 ملايين ليرة سورية.

تعيين الحارس القضائي، يأتي بزعم ضمان حقوق الخزينة العامة، بحسب تعليق لـ”مجلس الدولة” لحكومة دمشق، والتي اعتبرت الحكم، سابقة قضائية. وهكذا، يصبح رامي مخلوف، خارج شركته “سيريتل”، لأن صلاحياته الأساسية انتقلت إلى الحارس القضائي، والذي يحق له استعمال القوة لتنفيذ القرار، بحسب حاشية “مجلس الدولة” على الحُكم الصادر.

لكن رغم خروج شركة “سيريتل” من سيطرة مخلوف المشهور بأنشطته غير المشروعة ومعاقب دوليا، وتخضع الشركة الآن لحارس قضائي تابع لشركة “الاتصالات السورية” الحكومية، فإن مستوى خدمات الاتصالات والإنترنت لم تتحسن، بل وازدادت سوءا وفق الأهالي، وارتفعت أسعارها بالتزامن مع قرار “هيئة الاتصالات”، وضريبة كل هذا يتم دفعه من جيوب المواطنين، وسط الأوضاع المعيشية الخانقة في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات